الجمعة 6 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

لا وسيط بعد اليوم!

قتل بر نادوت.. ولو أن العرب قتلوه، لتحرك الأسطول الأمريكى فى البحر الأبيض، ولاجتمعت دول العالم لتأمر الجيوش العربية بالانسحاب من مواضعها فى فلسطين، ولفرضت على الحكومات العربية غرامات مالية تعويضا لعائلة الفقيد وتعويضا لهيئة الأمم عن هيبتها التى أهينت وعن كرامتها التى جرحت، ولصرخ العالم فى وجهنا يطلب القصاص ولأعلنت دولة إسرائيل فى فلسطين كلها بعد طرد العرب منها وتشريدهم.



ولكن الذين قتلوا برنادوت هم اليهود، فلا حرج عليهم وليس على العالم إلا أن يترحم على الفقيد ويوزع الصدقات على روحه، وليس أولى بهذه الصدقات من قاتليه!

وقد سبق أن قتل اليهود اللورد موين، فلم تستطع إنجلترا إزاء قتله شيئا، ولم نحاول أن نجرب ما جربته فى المصريين عندما قتل السير لى ستاك، بل على العكس أمدت الوكالة اليهودية بتأييد جديد وقوة جديدة يحاربون بها الغرب، ولولا أن الجريمة وقعت خارج فلسطين لما حوكم القتلة ولما أعدموا.

وسبق أن اعتدى اليهود على الضباط والجنود الإنجليز فقتلوهم وعلقوهم فى فروع الأشجار وجلدوهم بالسياط علنا أمام العالم أجمع، فلم تستطع إنجلترا شيئا إلا أن تنسحب من فلسطين.

وسبق أن اعتدى اليهود على مراقبى الهدنة فأطلقوا عليهم الرصاص مرات وقبضوا على اثنين منهم - كما ذكرت البرقيات - وانهالوا عليهم صفعا وضربا بالشلاليت، فما كان من الكونت برنادوت - رحمه الله - إلا أن أرسل تقريرا إلى مجلس الأمن يؤيد فيه قيام دولة إسرائيل!

فإذا كانت بريطانيا العظمى قد عجزت عن الثأر لوزيرها موين ولضباطها وجنودها، وإذا كان الكونت برنادوت ومن ورائه الرأى العام العالمى قد عجز فى حياته عن صون كرامة رجاله ومعاونيه، فهل يستطيع مجلس الأمن اليوم أن ينتقم لرسوله برنادوت؟ هل يستطيع أن يلقى درسا على المجرمين تحفظ به هيبته وكرامته وكيانه كهيئة محترمة تجلها الشعوب؟ هل يستطيع أن يرفع عن عينيه غمامة الجشع والتحيز ليرى الصهيونية على حقيقتها: جماعة من البرابرة سفاكى الدماء يستمدون حياتهم من خراب العالم وينفثون السم من حولهم كالعقرب المجنون؟

إننا نشك فى ذلك كثيرًا، فقد عودنا مجلس الأمن ألا يحترم إلا الظالم، وألا يقر إلا الطغيان، وألا يدين إلا بالعدوان.

والمهم.. هل ينتهى مقتل الكونت برنادوت بتعيين وسيط جديد يقوم مقامه؟ وهل نقبل هذا الوسيط الجديد؟

إن شرط الوساطة أن يقبلها الطرفان، وقد قبلنا وساطة الكونت برنادوت وظللنا معترفين بها رغم ما بدا من تحيزه ورغم تصميمه فى جميع مباحثاته على الاعتراف بدولة إسرائيل المزعومة، ورغم أنه لم يوفق فى تطبيق شروط الهدنة وأتاح لليهود فرصة. التزود بالذخيرة والسلاح والمقاتلين خلال أيامها.. قبلنا كل ذلك ولكن اليهود لم يقبلوه، وعندما قتلوا الكونت لم يقتلوا شخصه، بل قتلوا مبدأ الوساطة، وقتلوا مبدأ الهدنة، وقتلوا مجلس الأمن فى شخص مثله.

فشرط الوساطة إذن قد انتهى، ولم يعد من المنطق السياسى أن نقبلها من جديد، لا تحديا منا لهيئة الأمم ولا تعنتا ولا لمجرد شهوة القتال، بل لأنه من الواضح البين أن أية وساطة ستكون عديمة الأثر ما دام أحد الطرفين لا يقبلها مهما تحيز الوسيط إلى جانبه، ومهما تمادى فى تأييد مطالبه.

ولن يستطيع مجلس الأمن أن يجد وسيطا يرضى اليهود أكثر مما أرضاهم برنادوت، وأی إنسان يحاول أن يرسله إليهم لن يكون نصيبه خيراً من نصيب برناموت، ولو كان هذا الإنسان هو ويزمان نفسه فلن يرضى عصابة شتيرن ولو كان رئيس عصابة شتيرن، فلن يرضى ويزمان، والاثنان لن يرضيا العرب!

فخير لنا ألا نقبل وساطة جديدة حتى ننتهى من هذه الميوعة التى تمر فيها قضية فلسطين، وحتى لا تؤجل الحل الأخير شهورا أخرى بحجة أن الوسيط الجديد من حقه أن يعيد دراسة الموقف ودراسة الآراء ويقارن بين قهوة القاهرة وخمرة تل أبيب! ومن واجب مجلس الأمن أيضا ألا يفكر فى إرسال هذا الوسيط الجديد فإن كل عضو من أعضائه يعلم أنها وساطة فاشلة، هذا إذا كان المجلس يبحث عن طريق جدى يوصله إلى إنهاء مشكلة فلسطين!

وإذا كان مجلس الأمن يرى نفسه أعجز من أن يصل إلى كسر أنف الصهيونية بعد أن أصبح من الصعب عليه أن يدارى سفاهتهم ووحشيتهم، فما عابه إلا أن يتخلى عن فلسطين ويتركها للجيوش العربية لتنتقم للكونت القتيل وتنتقم للعالم كله من مخربيه.