أول رصاصة فلسطينية ما هى التحديات التى يواجهها الفلسطينيون
فهمى حسين
على طريقتهم الخاصة.. بدأ مقاتلو حركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح» سلسلة من الاحتفالات بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة الفلسطينية، فى أول يناير 1965.. وسجلت مجموعة البلاغات العسكرية الصادرة عن قيادة الكفاح المسلح الفلسطينى، خلال الأسبوع الأخير من العام الخامس وخلال الأيام الأولى من عام 1970، عددًا من العمليات واسعة النطاق التى نظمت لتكون بمثابة الاحتفال المسلح بهذه الذكرى المجيدة ولتضاف إلى مجموع عمليات قوات العاصفة الذى بلغ، خلال عام 1969 وحده أكثر من 2442 عملية شملت جميع أجزاء فلسطين المحتلة، وقدمت الثورة الفلسطينية فيها نحو 350 شهيدًا مقابل الألوف من جنود العدو الصهيونى، فضلًا عن ثلاثة ملايين دولار أصبح العدو يتكلفها يوميًا لمواجهة التصاعد المستمر لمقاومة الشعب الفلسطينى.
وفى ندوة نظمتها نقابة الصحفيين بالقاهرة، بهذه المناسبة، صرح المناضل «أبو إياد»، أحد أعضاء القيادة الجماعية لحركة «فتح»، بقوله إن الثورة الفلسطينية - مع هذا - لم تتوصل حتى هذه اللحظة إلى تكريس كل طاقتها لمواجهة العدو الصهيونى.. وقال بصراحة تامة: إن ثلثى جهود الثورة ما زالت موجهة تجاه قضيتين هما قضية الوحدة الوطنية وما تعكسه عليها محاولات احتواء الثورة الفلسطينية أو تمزيقها من الداخل!
وإذن فعلى ثلاث جبهات تعمل الثورة الفلسطينية.. جبهة تحرير الأرض وجبهتين لتأمين الوجود والاستمرار بالثورة على طريقها نحو حرب التحرير الشعبية الشاملة.. نحو النصر وتحرير فلسطين.
ومع دخول الثورة الفلسطينية عامها السادس تبلورت جميع تساؤلات السنوات الخمس الماضية فى ثلاثة موضوعات.. أصبح طبيعيًا أن تضع «فتح»، إجابات واضحة لها يشملها تحليلها لمسيرة الثورة عبر السنوات الخمس الماضية والتى تنطلق على أساسه فى مسيرتها عبر سنوات النضال القادمة.
وفى تقييمها لمسار عمل منظمة التحرير رأت «فتح» أن أجهزة المنظمة قد عجزت عن أن تطرح تصورًا صادقًا لالتزاماتها مما أصبح محتمًا معه أن تتصدى «فتح» لمسئولياتها باستعادة زمام الموقف، وأن تقفز من مرحلة التنظيم من أجل الثورة إلى مرحلة التنظيم من خلال الثورة.. وهكذا انطلقت الرصاصة الأولى مع الساعات الأولى من عام 1965.
وبعد الرصاصة الأولى وعلى مدى الأعوام الخمسة التالية أصبح مطروحًا على هذه الانطلاقة الثورية المسلحة العمل على جبهتين أخريين فضلاً عن جبهة المواجهة المسلحة مع العدو الصهيونى، حيث بدأت طلائع «فتح» مع التشكيك المطاردة والملاحقة والاعتقال، لكنها لما أثبتت خلال عامين من المواجهة المنفردة للعدو الصهيونى، أن العمل داخل الأرض المحتلة ممكن وأن الثورة الفلسطينية المسلحة واقع أكبر من أن يحجز عليه.. بدأت فى هذا الوقت تواجه نوعًا من الإغراق الجديد بالمنظمات التى تعلن عن عزمها على ممارسة الكفاح المسلح.
فما هو موقف «فتح» حيال الأسئلة الثلاث التى قلنا أنه قد تبلورت فيها جميع تساؤلات السنوات الخمس الماضية، بما شملته هذه التساؤلات من تشكيك واتهام:
- الثورة الفلسطينية والوحدة العربية.
- الثورة الفلسطينية والتنظيمات العربية.
- الثورة الفلسطينية والمضمون الاجتماعى.
تقول المصادر القيادية لحركة «فتح» فى تحليل لمسيرة الثورة الفلسطينية: أصدر مكتب إعلام «فتح» فى القاهرة أنه حتى تكون ثورتنا المسلحة قادرة على فرض نفسها على خارطة قوى الثورة العالمية من أجل العدل والحرية والسلام.. كان يجب أن تؤكد على فلسطينية الثورة فى أرضها وقيادتها وتخطيطها لنستطيع أن نسترد لقضية وطننا فى المجال الدولى حجمها الحقيقى بين مليون فلسطينى مشرد واثنى عشر مليونًا من الصهاينة يملكون المال والسلطة والنفوذ فى أمريكا وأوروبا ينظمون بها زحفًا بشريًا مهووسًا وحاقدًا يتوافد على الأرض المقدسة ويزاحم أهلها فيها ويقيم المذابح وينشر الفزع والرعب والإرهاب، ومن أجل هؤلاء المظلومين الذين فقدوا الأرض والأمل لفرض الثورة الفلسطينية نفسها بلا خيار لتطرح على العالم شخصية المقاتل الفلسطينى الذى يعود بعد عشرين عامًا من الظلم والضياع ليقاتل من أجل حقه بعد أن عجز العالم، بكل مؤسساته الدولية عن أن يحافظ عليه، وهذا التركيز على الشخصية الفلسطينية للثورة لا يمكن أن ينفى عنها شخصيتها العربية.
وقالت المصادر القيادية لفتح فى تحليلها إن نظرة الثورة إلى التنظيمات الحزبية بين الشعب الفلسطينى تنطلق من إدراكها، أنه حتى يكون العمل الحزبى قادرًا على أن يجعل من شعاراته واقعًا عمليًا يلزم أن تتوافر له مقومات أساسية: شعب.. وأرض.. ودولة. وأن معركة التحرير القائمة الآن على أرضنا فى حاجة إلى حركة ثورية عريضة قادرة على تجميع الشعب وحشده لكى يحرر الأرض ويقيم الدولة، وبعده يصير الحديث عن النظام السياسى والنظرية الاجتماعية فى هذه الدولة.. ولا تجد الحركة أى مبرر يدفعها لأن تقفز جسرًا لم تصل إليه، ولا سيما إذا كانت ترى أنها ستكون قفزة فى الظلام تستطيع أن تقصم ظهر الثورة وتشق وحدتها من قبل أن تحقق أهدافها.. وهكذا ترى «فتح» أن العمل الحزبى نوع من الترف الذى لا يمكن أن يتحمله الشعب الفلسطينى فى معركة التحرير، ولا يمكن أن تقبله مدخلًا لقيام تكتلات خاصة داخل صفوف تهدد وحدة الثورة.
وعن المضمون الاجتماعى للثورة الفلسطينية قالت مصادر قيادة «فتح» إن رغبة الحركة فى تأجيل طرح مفهوم محدد لمضمونها الاجتماعى تنطلق من رغبتها فى استقطاب وحشد كل الطاقات الفلسطينية والعربية من أجل الثورة وهى بهذا المفهوم لا ترى مبررًا للدخول فى جدل بيزنطى حول الصورة الاجتماعية للوطن الفلسطينى بعد التحرير، لما قد يتسبب فيه هذا الجدل من تبديد لقوى الثورة جريًا وراء شعارات بعيدة، وليس لها الآن أى واقع ملموس، وهى بهذا تؤثر أن تلتزم بالترتيب المنطلق لقضاياها، حيث لم تتوافر بعد المقومات الأساسية للمضمون الاجتماعى وهى: شعب.. أرض.. دولة.. فحتى يكسب هذا المضمون معنى حقيقيًا تصبح نقطة البداية هى تأمين هذه المقومات أولًا.
وإن الحركة التى تؤمن بأن الثورة ملك للشعب الفلسطينى.. وكل شىء من فلسطين ملك للثورة.. لا يمكن أن تقبل بتفريغ الثورة من محتواها الاجتماعى الذى يتلاءم مع طبيعة الشعب وظروفه الخاصة.. وهى ترى الحركة الثورية الفلسطينية كجزء من حركة الثورة العربية، بالضرورة أم اختيار وحيد بالنسبة للمضمون الاجتماعى يحدد شعار الثورة الأساسى: الأرض للسواعد التى تحررها.