محمد جمال الدين
جرائم أطباء الفضائيات
فجأة ودون أى مقدمات طفت على السطح جرائم من نوع جديد من البزنس، للأسف البعض من أبطاله ينتمون لأصحاب الروب الأبيض، هؤلاء عوضوا قلة خبرتهم وقلة حيلتهم فى الطب، إلى الإطلال علينا من خلال برامج مدفوعة الثمن بشراء ساعات من الهواء ليقدموا ما يريدون دون حسيب أو رقيب، محددين للمرضى طرق العلاج والوقاية منها، من خلال ترويج أدوية ومستحضرات طبية أو طرق علاج أغلبها غير معتمدة أو معترف بها. مما يشكل خطرا على المرضى والمواطنين، خاصة أن العديد منهم غير مؤهلين علميا وبعضهم غير متخصص فى توصيف الأمراض التى يزعمون علاجها، جريمة مكتملة الأركان يشارك فيها وللأسف بعض قنواتنا الفضائية، التى تعوض انهيارها المالى على حساب المشاهد، فى ظل عدم الوضع فى الحسبان المعايير الدقيقة التى تضمن اختيار الطبيب الذى يطل على الناس، ودون التقيد بالوصف السليم لتخصصه أو درجته العلمية، التى تكتب على الشاشة (ليختلط الحابل بالنابل) ليقع المواطن أو المريض فى كارثة قد تودى بحياته، إذا أخذ بنصيحة أو وصفة من مثل هؤلاء الأطباء، الذين لا يحمل البعض منهم درجة علمية فى الطب أساسا، لنبتلى بقدرة قادر بممارس عام يصبح استشاريا وأخصائى علاج طبيعى يتحول لطبيب عظام، واستمرارا لسيل المغالطات الإعلانية مدفوعة الثمن التى تنال من صحة المصريين.. نجد طبيبا يعالج خشونة المفاصل والركب بسُم النحل، وهذا يردد ويروج دون خجل لمرهم سحرى يقضى على جل الآم الجسم، وذاك يعالج الضعف الجنسى بوصفة من الأعشاب ليس لها من مثيل، وآخر يؤكد لنا أن مستخلص الكركمين المستخرج من الكركم يخلصنا من جميع الأمراض (ضغط وسكر وقلب ومناعة وتخفيف التهاب الأعصاب والعضلات وغيرها من الأمراض) وفى النهاية نكتشف أنه ليس طبيبا، وما هو سوى منتحل لصفة الطبيب (طبقا لما كشفت عنه جداول نقابة الأطباء) ناهيك عن أخصائى العلاج الطبيعى الذى كان يعمل فى نادٍ كبير، الذى ابتدع «كورس» لعلاج التهابات المفاصل بمرهم لا يعرف أصله من فصله، يتم بيعه وترويجه عبر أرقام تليفونات تتصدر الشاشات لمن يرغب فى الشراء (أقصد العلاج). بالطبع لن أتحدث فى هذا المقال عن المعالج الروحانى الذى يقرب البعيد والحبيب والصديق ويجلب الرزق والخير، أو الطهاة الذين يحددون لنا ما هو نافع لصحة أجسامنا وما يصلح أو يضر بأبداننا، لأن هؤلاء لا يدعون أنهم أطباء، رغم أن بعض شاشاتنا تعج بأمثالهم.
بزنس كما سبق أن أوضحت، رخيص، مطلوب إيقافه فورا، لكونه يستغل أمراض المواطنين فى النصب عليهم لتكوين ثروات هائلة من خلفه، لجأ إليه بعض ضعاف النفوس والقدرات للمتاجرة بآلام المواطنين استغلالا لحاجتهم للشفاء من الأمراض، أو للهفة بعضهم على الإنجاب أو التخسيس.. بزنس يدفع المواطنين من أجله الكثير من الأموال ولكنه يتحول إلى حلم على يد هؤلاء المدعين، ليصبح المواطن حقل تجارب لمعدومى الضمير وراغبى الشهرة وتكنيز الثروات، والضحية هنا ليس سوى المواطن الذى يتمنى من الله دوام الصحة والشفاء.. بزنس يشارك فيه للأسف قنوات لا تلتزم بأى ضوابط أو معايير مهنية، لذلك مطلوب من جميع الجهات المعنية التصدى له، ويأتى فى مقدمتهم المجلس الأعلى للإعلام المطلوب منه عدم التهاون مع أى قناة لا تلتزم بالضوابط والأكواد المهنية المخصصة لهذا الشأن، وذلك عن طريق منع البرامج مدفوعة الأجر (بيع الهواء) والإعلان عن الأدوية فى الفضائيات لأن الفوضى التى تشهدها مصر فى هذا المجال غير المسبوقة أو بتقنينها, وكذلك وزارة الصحة مطلوب منها مراجعة جميع الأدوية التى تطرح للمواطنين من خلال تلك الإعلانات، بتحديد جهة لمتابعة هذه الفوضى العلاجية وإبلاغ الجهات القضائية عن المتسببين بها، وكذلك هناك دور لنقابة الأطباء فى القضاء على هذه التجارة التى يساهم فيها البعض من المنتسبين إليها، الذين يخالفون عن قصد وتعمد آداب مهنة الطب وأخلاقياتها، وأعتقد جازما أن النقابة لديها من القوانين ما يتيح لها أن تحاسب أى طبيب حال الإعلان عن نفسه أو عن أدوية بعينها، خاصة أننا نعلم أنه عند استضافة أى طبيب لا يحق له الحديث إلا فى المعلومات العلمية المقطوع بصحتها، شريطة ألا يشرح أو يوصى بأى دواء أو تجارب جديدة.
أخيرا أعود وأؤكد أن صحة المواطن المصرى لم ولن تكون فى أى وقت من الأوقات حقل تجارب لجل من يبتغى الربح أو الشهرة، ولهذا وضعتها الدولة على قائمة أولوياتها حتى تتحقق التنمية المستدامة التى ينشدها جل محب لهذا الوطن.