واشنطن وموسكو تعبثان بالعالم! هل اقتربت المواجهة النووية «الأخيرة»؟
يأتى توقيع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، على مرسوم بالموافقة على عقيدة نووية محدثة، بعد أيام قليلة من الأنباء التى ترددت بشأن صدور قرار أمريكى يسمح لأوكرانيا بضرب العمق الروٍسى بصواريخ بعيدة المدى، وتحدد الصيغة المحدثة للعقيدة النووية أساسيات سياسة روسيا فى مجال الردع النووى. تنص الوثيقة على أنه يتم اتخاذ قرار استخدام الأسلحة النووية من قبل رئيس روسيا، ويجوز له إذا لزم الأمر، إبلاغ القيادة العسكرية والسياسية للدول الأخرى، و/أو المنظمات الدولية حول استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، أو حول قرار استخدام الأسلحة النووية، وكذلك حول استخدامها.
والتعديلات الجديدة تشمل توسيع فئة الدول والتحالفات العسكرية التى يتم تنفيذ الردع النووى بشأنها، وإضافة عناصر جديدة بقائمة التهديدات العسكرية التى تتطلب مثل هذه الأعمال لتحييدها.
وذكرت الوثيقة أن التعديلات الجديدة تسمح باستخدام الأسلحة النووية فى مواجهة عدوان من دولة غير نووية، لكنه تم بمشاركة أو دعم دولة نووية، لأن ذلك سيعتبر هجوما مشتركا على الاتحاد الروسى.
وتشمل التعديلات إمكانية أن ترد روسيا بأسلحة نووية فى حالة وجود تهديد خطير لسيادتها، ولو بأسلحة تقليدية، وفى حالة وقوع هجوم على بيلاروس كعضو فى دولة الاتحاد، وفى حالة الإطلاق الهائل للطائرات العسكرية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار، وغيرها من الطائرات وعبورها الحدود الروسية.
أبرز تعديلات العقيدة النووية
جاء فى الوثيقة، وفقا لوكالة سبوتنيك الروسية، أن سياسة الدولة فى مجال الردع النووى دفاعية بطبيعتها، وتهدف إلى الحفاظ على إمكانات القوات النووية عند مستوى كافٍ لضمان الردع النووى، وتضمن حماية سيادة الدولة وسلامة أراضيها، وردع أى عدو محتمل من العدوان على روسيا الاتحادية و/أو حلفائها، وفى حالة نشوب نزاع عسكرى منع تصعيد الأعمال العدائية وإنهائها بشروط مقبولة لروسيا و/أو حلفائها، وأضافت: اعتداء أى دولة من التحالف العسكرى- الكتلة- على روسيا أو حلفائها، يعتبر عدوانًا على الاتحاد الروسى ككل.
وأوضحت أن روسيا تمارس الردع النووى ضد خصم محتمل، وهو ما يعنى الدول الفردية والتحالفات العسكرية- الكتل والتحالفات- التى تعتبرها روسيا خصما محتملا، وتمتلك أسلحة نووية، و/أو أنواعا أخرى من أسلحة الدمار الشامل، أو أسلحة قتالية كبيرة.
يتم أيضا تنفيذ إمكانات قوات الردع النووى العامة فيما يتعلق بالدول التى توفر الأراضى والموارد الجوية، و/أو البحرى والموارد اللازمة للتحضير للعدوان وتنفيذه ضد روسيا الاتحادية.
وأشارت الوثيقة إلى أن الردع المضمون للعدو المحتمل من العدوان على روسيا و/أو حلفائه، هو من بين أعلى أولويات الدولة، ويتم ضمان ردع العدوان من خلال مجمل القوة العسكرية الروسية، بما فى ذلك الأسلحة النووية.
وأكدت الوثيقة أن روسيا تعتبر الأسلحة النووية وسيلة ردع، ويعتبر استخدامها إجراء متطرفا وقسريا، ويبذل كل الجهود اللازمة للحد من التهديد النووى، ومنع تفاقم العلاقات بين الدول التى يمكن أن تثير منازعات عسكرية، بما فى ذلك الصراعات النووية.
وأوضحت أن روسيا تحتفظ بالحق فى استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية و/أو أسلحة الدمار الشامل الأخرى ضدها و/أو ضد حلفائها، وكذلك فى حالة العدوان على روسيا و/أو جمهورية بيلاروس، بوصفهما عضوين فى دولة الاتحاد باستخدام الأسلحة التقليدية، ما يخلق تهديدا خطيرا لسيادتهما و/أو سلامة أراضيهما.
وبحسب ما جاء فى الوثيقة فإن العدوان على الاتحاد الروسى و/أو حلفائها من قبل أى دولة غير نووية بمشاركة أو دعم دولة نووية يعتبر هجوما مشتركًا.
وأظهر المرسوم الذى وقعه الرئيس الروسى بوتين أن التعديلات تدخل حيز التنفيذ من يوم التوقيع عليه 19 نوفمبر 2024.
الكرملين: التحديث ضرورى
وقال الناطق باسم الكرملين دميترى بيسكوف: إن تحديث العقيدة النووية الروسية كان أمرا ضروريا لجعلها متوافقة مع الوضع السياسى الراهن.
وأضاف أن استخدام القوات الأوكرانية للصواريخ الغربية غير النووية ضد الاتحاد الروسى بموجب العقيدة الجديدة قد يستلزم ردا نوويا.
واعتبر أن نص أساسيات سياسة الدولة الروسية فى مجال الردع النووى يجب أن يصبح موضوع تحليل متعمق فى البلاد وخارجها، مؤكدا أن العملية العسكرية (الروسية فى أوكرانيا) متواصلة فى سياق الصراع الذى أطلقه الغرب.
ولفت إلى أن الجيش الروسى يراقب الوضع عن كثب قدر الإمكان، بعد التقارير التى تحدثت عن نية كييف استخدام صواريخ أتاكمز لضرب العمق الروسى.
قرار بايدن
وكان الكرملين قد وصف قرار إدارة الرئيس الأمريكى بايدن بالسماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ أمريكية على عمق روسيا، بأنه متهور، وحذر من أن موسكو سترد.
وحذرت روسيا التى بدأت غزوها الشامل لأوكرانيا منذ ألف يوم، مرارا من أن الغرب يلعب بالنار من خلال محاولة استكشاف حدود ما قد تتساهل معه أو لا تتساهل معه قوة نووية.
وفى سبتمبر، قال الرئيس بوتين إن موافقة الغرب على استخدام كييف للصواريخ بعيدة المدى، تعنى التورط المباشر لدول حلف شمال الأطلسى والولايات المتحدة والدول الأوروبية فى الحرب فى أوكرانيا، لأن تحديد الأهداف وإطلاق الصواريخ لن يتم إلا من خلال استخدام البنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسى ومشاركة عسكريين بالحلف.
وجاء قرار بايدن بعد مناشدات على مدى أشهر من قبل الرئيس زيلينسكى للسماح للجيش الأوكرانى باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب الأهداف العسكرية الروسية خارج حدود أوكرانيا.
وقالت مصادر إن قرار الولايات المتحدة جاء إلى حد كبير ردا على نشر روسيا لقوات برية من كوريا الشمالية لتعزيز قواتها، وهو التطور الذى أثار القلق فى واشنطن وكييف.
وتصف روسيا حربها فى أوكرانيا بأنها عملية عسكرية خاصة، فى حين تصفها كييف وحلفاؤها الغربيون بأنها استيلاء استعمارى غير مبرر على الأراضى.
تقدم روسى سريع
وتسيطر القوات الروسية على حوالى خمس الأراضى الأوكرانية، وتقدمت مؤخرا بسرعة. ولقى الآلاف حتفهم فى الحرب، الغالبية العظمى منهم من الأوكرانيين.
وقبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر، أمر بوتين بإجراء تعديلات على العقيدة النووية، ليقول إن أى هجوم تقليدى على روسيا بمساعدة قوة نووية يمكن اعتباره هجوما مشتركا على روسيا.
ووصف محللون غربيون التعديلات بأنها تصعيد فى محاولات موسكو لثنى الغرب عن توسيع مساعداته العسكرية لأوكرانيا.
وتسببت الحرب فى أوكرانيا فى أسوأ أزمة فى علاقات موسكو مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
وقال «بيسكوف» لوكالة تاس للأنباء الثلاثاء، إن موسكو مستعدة لتطبيع علاقاتها مع واشنطن، وتابع: لكننا لا نستطيع أن نرقص التانجو بمفردنا.. ولن نفعل ذلك.
تصريح انتحارى لنظام زيلينسكى
من جانبه، شدد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا، على أن أهداف العملية الخاصة الروسية فى أوكرانيا ستتحقق فى كل الأحوال.
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن نيبينزيا قوله خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولى: سوف تتحقق أهدافها- العملية الخاصة- فى كل الأحوال، دبلوماسيا أو عسكريا، بغض النظر عن أى خطط ومخططات سلام يجرى وضعها فى الغرب لصالح إنقاذ الممثل المسرحى زيلينسكى وزمرته.
وأضاف: بغض النظر عن الحماسة العسكرية للإدارة الديمقراطية، التى بعد أن خسرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأغلبية ساحقة وفقدت ثقة غالبية شعبها، فإنها تعطى، وفقا لتقارير إعلامية، تصريحا انتحاريا لنظام زيلينسكى باستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب عمق الأراضى الروسية.
وقال إن أى سلاح غربى جديد لن يساعد أوكرانيا على تجنب الهزيمة فى ساحة المعركة.
وأعرب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة عن اندهاشه مما وصفه بقِصَرِ النظر السياسى للقادة البريطانيين والفرنسيين، الذين يسارعون إلى مجاراة الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها، ولا يجرون بلادهم فحسب، بل أوروبا بأكملها إلى تصعيد واسع النطاق ذى عواقب وخيمة.
وحث «نيبينزيا» الغربيين على التفكير مليا فى تصرفاتهم قبل فوات الأوان، وتابع: ننصحكم بأن تنسوا محاولات هزيمة روسيا فى ساحة المعركة، لقد حاولت أوروبا القيام بذلك أكثر من مرة، وكيف كانت النتيجة فى كل مرة، معروفة جيدًا.