المحتال والوزيرة.. كارلوس غصن الهارب من «نيسان» وتلاحقـــــه «رينــــو»
فاتن الحديدى
كارلوس غصن هو مواطن فرنسى برازيلى - أمريكى- لبنانى يبلغ من العمر 64 عامًا، وهو رئيس ثلاث شركات سيارات كبرى وهى «ميتسوبيشى ونيسان ورينو». بالنسبة للأشخاص الذين يعرفون صناعة السيارات، هو المدير التنفيذى الرائع الذى أنقذ شركات السيارات من حافة الإفلاس. كان المستثمرون وأعضاء مجالس الإدارة أكثر من سعداء بتزويده بقدر ما يريد من مال، طالما كان قادرًا على إنجاز المهمة.
أذهلت مفاجأة اعتقاله فى اليابان الجميع وجد الناس صعوبة فى تصديق أن المغامر، الذى اعتبروه عبقريًا طوال هذا الوقت، هو فى الواقع شخص غير أخلاقى ومحتال.
ثلاث ماركات
كان كارلوس غصن الرئيس التنفيذى لشركة ميتسوبيشى ورينو ونيسان. كل هذه الشركات الثلاث، بطريقة ما، تشكل كيانًا واحدًا. تمتلك الحكومة الفرنسية حصة 15 ٪ فى رينو. من ناحية أخرى، تمتلك رينو حصة 45 ٪ فى نيسان. تمتلك نيسان أيضًا حصة كبيرة فى ميتسوبيشى. وبالتالى، فهى جميعًا مملوكة فعليًا لنفس الشركة!
ومع ذلك، نظرًا لأن عمليات الاندماج لا تميل إلى السير على ما يرام فى صناعة السيارات، لم يتم دمج الشركات.
استخلاصًا للدروس المستفادة من اندماج شركة دايملر كرايسلر، قررت هذه الكيانات العمل بثلاث شركات منفصلة. وهذا يخلق موقفًا غريبًا حيث أصبح كارلوس غصن الرئيس التنفيذى لجميع الشركات الثلاث. تشكل هذه الشركات الثلاث مجتمعة قوة هائلة داخل صناعة السيارات.
أسباب القبض عليه
تم القبض على كارلوس غصن من قبل الشرطة اليابانية فى طوكيو، لأنه لم يبلغ عن ما تقاضاه كرئيس تنفيذى لثلاث شركات كبرى يُقال إن كارلوس غصن أبلغ عن دخله بشكل خاطئ، وإنه قلل من أجره بمقدار 5 مليارات ين على مدار 5 سنوات وعدم الإبلاغ عن هذه النفقات فى اليابان يرقى إلى الاحتيال المالى وهو السبب وراء اعتقال كارلوس غصن.
ومع ذلك، يقول محامو غصن إنه من أصل 5 مليارات، لم تكن 4 مليارات ين مدفوعات نقدية، فقد تم دفع هذا المال فى شكل أسهم، وبالتالى كان من الصعب تقييمه وكان السيد غصن يتمتع بسلطة تقديرية فيما يتعلق بما إذا كان يريد الكشف عن هذا الدخل أم لا.
الاتهام الثانى هو أن كارلوس غصن استخدم أموال الشركة لشراء منازل فاخرة فى عدة أماكن كان لديه أكثر من ستة منازل فاخرة فى مدن مثل نيويورك وباريس. المشكلة هى أن الأموال التى تم دفعها لشراء هذه المنازل تم من حسابات الشركة.
فى وقت لاحق، تم تمرير المنازل ببساطة إلى كارلوس دون أى دفع. أيضًا، نظرًا لأن كارلوس غصن كان مشاركًا شخصيًا فى اختيار المنازل والتفاوض على الصفقة، فيبدو أنه اشترى المنازل لنفسه ولكنه استخدم أموال الشركة لتسوية فواتيره الشخصية.
كانت هناك أيضًا مزاعم بأن كارلوس غصن استخدم أموال الشركة للذهاب فى إجازات شخصية. غالبًا ما كانت تكلفة إجازات عائلته التى تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات تدفعها الشركة.
الهروب
كانت الإدارة اليابانية جادة فى الإطاحة بغصن رغم كل النجاحات والأموال التى حققها لهم، وتم وضعه فى السجن الانفرادى، لكن فى الوقت الذى انشغل فيها الرؤساء فى نيسان بتصوير الاعتذار للشعب اليابانى طبقا للتقاليد اليابانية بعد الفضائح التجارية كانت تُعقد صفقة دفع كارلوس غصن 9 ملايين دولار لتحديد إقامته فى منزله باليابان بدلا من السجن، حيث كان من المقرر محاكمته فى قضية أخرى بتهمة الاختلاس المالى المشدد.
حتى تمكنت زوجته التى تحمل الجنسية الأمريكية من الاتفاق مع رجال محترفين لتهريب زوجها.
كانت الخطة عبقرية تنكر الرجال كفرقة موسيقية لحفلات أعياد الميلاد وتم تخدير غصن ووضعه فى صندوق المعدات فى رحلة خطرة وصل الصندوق الى إسطنبول ومنه إلى لبنان التى لا تسلم مواطنيها المطلوبين.
عقد غصن مؤتمرًا كبيرًا أعلن أنه بريء وأنه ضحية اليابانيين وقام بتأليف كتابين عن قصة حياته وصعوده ومحنته.
أكد كارلوس غصن أنه على الرغم من أنه كان يتقاضى رواتب بمستوى رواتب الرؤساء التنفيذيين من الشركات الثلاث التى عمل بها؛ فإن أجره لم يكن استثنائيا،
كان أجره بالضبط فى النطاق الذى كانت تدفعه شركات السيارات الأخرى مثل فورد وجنرال موتورز لرؤسائها التنفيذيين. يتم قبول حزم رواتب الرؤساء التنفيذيين الكبار بسهولة فى أمريكا. ومع ذلك، تميل الشركات اليابانية إلى دفع حزم رواتب أصغر لقادتها.
حاول كارلوس غصن تغيير هذا. حاول إدخال نظام الجدارة فى الشركات حيث يتم منح الترقيات عمومًا على أساس الأقدمية والمدة حاول إقناع المستثمرين اليابانيين بدفع راتب كبير له وفشل.
ولهذا رجح أن هذا الاعتقال هو جزء من خطة أو فخ للتخلص منه لأن نيسان طردت كارلوس غصن على الفور من منصبه كرئيس تنفيذى.
ملاحقات جديدة
عام 2023 قامت الحكومة اللبنانية بطرد كارلوس غصن من منزله على خلفيات القضايا المرفوعة ضده ثم بدأت أجواء الحرب وانتقل مع أسرته سرًا إلى فرنسا وتخيل أن معاناته من الملاحقات قد انتهت!
هذا الأسبوع طلبت نيابة الأموال العامة من قبل مكتب المدعى العام المالى الوطنى، بشكل مفاجئ، مثول كارلوس غصن الرئيس التنفيذى السابق لشركة رينو نيسان، ووزيرة الثقافة السابقة وعضوة البرلمان الأوروبى رشيدة داتى، للمحاكمة بتهم فساد واستغلال نفوذ.
حرّك القضية خبير أمنى يدعى آلان باور، قال أنه لديه مستندات تثبت تورط مكتب داتى فى مساعدة غصن على سحب أموال من الشركات عن طريق إنشاء كيان مالى فى هولندا، إضافة لخدمات غير قانونية اخرى.
ويعود تاريخ القرار إلى يوم الأربعاء 13 نوفمبر ولكن تم الإعلان عنه يوم الجمعة 15 نوفمبر.
ويطعن المتهمان فى الاتهامات الموجهة ضدهما فى قضية من العيار الثقيل منتظر أن تكشف عن متورطين ذوى نفوذ فى الحكومة الفرنسية.
رشيدة داتى والتى تعتبر إحدى الشخصيات الرئيسية المؤثرة فى حكومة ميشيل بارنييه وصديقة لبريجيت ماكرون، يشتبه فى أنها تلقت مبلغ 900 ألف يورو من حسابات شركة آر ان بى فى مقرها بهولندا، وهى تابعة لتحالف رينو-نيسان، لكنها حسابات لم يتم دمجها فى حسابات الشركة سواء فى اليابان أو فرنسا.
هذه المبالغ التى تحصلت عليها الوزيرة على سبيل الرشوة، واستغلال النفوذ للضغط على البرلمان الأوروبى لتمرير قرارات غير قانونية.
وأكدت النيابة العامة المالية أنها طلبت محاكمة رشيدة داتى لـ«إساءة استعمال السلطة» و«خيانة الأمانة» و«الفساد واستغلال النفوذ» من قبل شخص مكلف بولاية عمومية انتخابية داخل منظمة دولية هى البرلمان الأوروبى والحصول على أموال وهو أمر محظور رسميًا على البرلمانيين.
أوضحت داتى فى التحقيق الذى استمر 15 ساعة أن علاقتها بغصن بدأت عندما طُلب منها العمل كمحامية، وأن مكتبها قد نفذ عدة عقود بالفعل لكنها سليمة قانونًا، وأن القضية هدفها الإيقاع بغصن، مؤكدة أن الشركة اليابانية لن تترك ثأرها.. ولم تدل جاكلين لافونت، محامية كارلوس غصن، بأى تصريحات.
وأكد محامو داتى، أنه تم تقديم «أدلة على براءة الوزيرة» خلال التحقيق، وبحسبهم، إن لائحة الاتهام هى فقط وجهة نظر الادعاء فى القضية، وإنها لا تعكس الواقع فقد بدأت الآن «فترة قانونية» يعتزمون خلالها «الرد نقطة بنقطة» من أجل تبرئة داتى، التى عملت كوزيرة ثقافة والتى كانت أيضًا وزيرًا للعدل فى عهد نيكولا ساركوزى بين عامى 2007 و2009 لذا فهى تعرف القوانين جيدًا.
كارلوس غصن مستهدف بمذكرة اعتقال دولية منذ أبريل 2023، وهو يواجه خطر المحاكمة بتهمة «إساءة استخدام السلطة كرئيس تنفيذى للشركة وخيانة الأمانة والفساد واستغلال النفوذ»، فى قضية أصبحت فيها شركة رينو طرفًا مدنيًا.
القرار النهائى بشأن إجراء محاكمة محتملة يقع على عاتق قضاة التحقيق المسئولين عن القضية، والاستئناف لا يزال قيد الدراسة أمام غرفة التحقيق فى محكمة الاستئناف بباريس.
لم يظهر كارلوس غصن حتى الآن وتتكتم محاميته عن أى تفاصيل فهل سيقع غصن أم مازالت فى جعبته خطة أغرب للهروب؟