السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث..  استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى الشرق الأوسط (15) «بين الصحافة والسياسة» والمخابـــرات الأمريكيـــة

الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى الشرق الأوسط (15) «بين الصحافة والسياسة» والمخابـــرات الأمريكيـــة

 «ويلفت النظر فى القيم التى تروج لها «المختار»  شيئان: الأول: أن النجاح مرهون بالحظوظ والمصادفات، والثانى: أن العدل الاجتماعى معلق بكرم المستعدين للتبرع والإحسان». وأما المختار فهى النسخة العربية من مجلة «الريدرز دايجيست» الأمريكية الشهيرة، والتى كانت إحدى أدوات الغزو الثقافى الأمريكى للعالم فى منتصف القرن الماضى، أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث دعمت المخابرات المركزية الأمريكية نشر المجلة حول العالم، وكانت تطبع بمصر آنذاك وتصدر عن «دار أخبار اليوم»، التى أسسها الأخوان على ومصطفى أمين.



ويقول الأستاذ محمد حسنين هيكل، أيضا: «ظاهرة أخبار اليوم تستحق التوقف عندها، فقد وزعت فى عددها الأول أكثر من مائة ألف نسخة، وهو رقم ضخم بالنظر إلى عدد السكان قرب منتصف الأربعينيات من القرن الماضى»، وأضاف «تأثرت أخبار اليوم بمدرسة الصحفى البريطانى بيفر بروك فى توضيبها ومحتواها، وبدت صيغة مصرية من الصنداى إكسبريس»، وقد أحدث صدور الصحيفة فى 11 نوفمبر سنة 1944 ثورة فى عالم الصحافة، حيث قادت تغييرا جذريا فى شكل ومضمون الصحافة المصرية والعربية، وانطلقت من صحيفة أسبوعية إلى جريدة يومية ثم توسعت لتتحول مدرسة صحفية عريقة ومؤسسة تجارية كبيرة، قبل أن يصلها قطار التأميم مطلع ستينيات القرن الماضي، ثم تحدث المفاجأة الكبرى بعدها بسنوات قليلة بالقبض على الأستاذ مصطفى أمين فى قضية التخابر الشهيرة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1965، والتى أدخلت تجربة «أخبار اليوم» فى دائرة شبهات لم تغادرها حتى اليوم، خاصة وأن تهمة التخابر ظلت ملتصقة بالأستاذ حتى وفاته، رغم العفو الذى حصل عليه من الرئيس السادات، والتقدير الكبير الذى حظى به من الدولة المصرية فى عهد الرئيس السادات، والذى أعاده إلى بيته أخبار اليوم رئيسًا لتحريرها منتصف السبعينيات، ثم فى عهد مبارك الذى حرص على بقائه فى مكتبه بالمبنى التاريخى لأخبار اليوم فى شارع الصحافة حتى وفاته  سنة 1997.

بين الصحافة والسياسة

الاقتباس الذى بدأت به مقالى كان مقطعًا من هامش بإحدى صفحات كتاب الأستاذ هيكل (الخطير)، «بين الصحافة والسياسة» والذى صدرت طبعته الأولى سنة 1984، وحمل الكتاب عنوانًا فرعيًا زاده غموضًا وإثارة، قصة (ووثائق) معركة غريبة فى الحرب الخفية!

لم يبخل علينا هيكل فى كتابه بأدق التفاصيل والتى حكى فيها قصة علاقته التاريخية مع الأستاذ مصطفى أمين، من الصداقة إلى الحرب المعلنة، فى رحلة عمر بين الصحافة والسياسة، فرقت بينهما القضية الشهيرة التى زجت بأمين إلى السجن تسع سنوات قضاها على قناعة ببراءته، حتى تم الإفراج عنه فى لحظة ملتبسة وبضغط أمريكى على الرئيس السادات سنة 1974، مما أحكم الشبهات حول عملاق الصحافة المصرية وأحد أبرز روادها.

ونشر هيكل فى كتابه  وثيقة اعتراف مصطفى أمين بالتخابر والتى كتبها بخط يده (فى 60 صفحة)، بصيغة رسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، يعتذر له عن تجاوزه الخط الذى رسمه له للتواصل مع الأمريكيين، واستمراره دون إذن فى  دور «العميل المزدوج»، الذى ظن أنه يخدم به مصر.

الوثيقة.. الاعتراف

وطالت «أخبار اليوم» بعضا من رزاز الاتهامات التى أحاطت بمؤسسها، كما أكد هيكل فى كتابه، نقلا عن الوثيقة أو الاعتراف الذى كتبه أمين بنفسه، قائلا: «سياده الرئيس: أحب أن أثير سؤالا، هل كان المقابل الذى حصلت عليه من اتصالاتى بالمخابرات الأمريكية يساوى ما قدمته لهم؟، والجواب على ذلك أننى لم أتقاض ثمن هذه الصلة مالًا أو مرتبًا شهريًا أو سنويًا، إنما جاء المقابل فى الصور الآتية: فقط  أخبار أمدنى بها المسئولون الأمريكيون، وكنت أتولى نشرها فى «أخبار اليوم» و«الأخبار» وباقى صحف الدار، وننفرد بها دون باقى الصحف الأخرى التى تصدر فى القاهرة، أدت إلى زياده توزيع صحف «أخبار اليوم»، وبالتالى أدت الى زيادة إيراداتها».

ثم يعدد الأستاذ مصطفى  أوجه الاستفادة التى تحققت له من صلاته بالمخابرات الأميريكية، والتى تمثلت فى حصول «أخبار اليوم» على امتياز إصدار مجلة «المختار»، وامتياز طباعة مجلة «الصداقة»، والحصول على إعلانات شركات: أرامكو و(تى دابليو إيه) و(بان أمريكان)، وأيضا، وغيرها من التعاملات التجارية التى أدرت على «أخبار اليوم» مبالغ كبيرة سنويا، بحسب اعتراف أمين الذى نشره هيكل فى كتابه، والذى شكك فيه بعد خروجه من السجن والعفو عنه، وأكد أنه كتبه مكرهًا وتحت التعذيب.

الثعلب فى المصرى اليوم

وجددت صحيفة «المصرى اليوم» الحديث عن قصة مصطفى أمين وعلاقته بالمخابرات الأمريكية، عندما أجرى الكاتب الصحفى محمد السيد صالح حوارًا نشِر على حلقات سنة 2014 مع ثعلب المخابرات المصرية الفريق محمد جبريل، والذى كان مكلفًا بالقبض على الأستاذ مصطفى والتحقيق معه، وقد أكد بشكل قاطع تورطه فى التخابر، مؤكدًا أن «أمين لم يجرؤ على رفع دعوى بعد خروجه لتبرئة ساحته»،  موضحًا أن الرئيس «السادات تعمد توقيع قرار الإفراج الصحى عنه، وسط مجموعة من قرارات رئاسية سيادية أخرى بالإفراج عن عدد من الجواسيس الإسرائيليين والأمريكيين فى إطار عملية تبادل الأسرى حينها».

وتلقت «المصرى اليوم» ردًا من السيدة صفية، ابنة الكاتب الراحل مصطفى أمين، ومحامى عائلته الأستاذ لبيب معوض، مشفوعًا بالوثائق والمستندات، «وفى ردها ذكرت أن والدها قد رفع تظلمًا إلى المدعى العام الاشتراكى طالبًا النظر فى إعادة محاكمته محاكمة علنية أمام محكمة مؤلفة من قضاة حقيقيين فى التهمة الظالمة الموجهة إليه، وبالفعل قام المدعى العام الاشتراكى بالتحقيق وانتهى فى تحقيقه إلى عرض الأمر بمذكرة على السيد رئيس الجمهورية ليتفضل بالموافقة على إصدار قرار بالعفو عن العقوبة وكافة الآثار والعقوبات التكميلية المترتبة على الحكم، وقد رأى السيد رئيس الجمهورية أنور السادات الموافقة على طلب المدعى العام الاشتراكى وأصدر القرار رقم 726 لسنة 1974 بالعفو عن السيد مصطفى أمين يوسف وتم نشر القرار بالجريدة الرسمية بتاريخ 30 مايو 1974».

مكالمة الأستاذة صفية

وفى صباح شتوى مشرق من ديسمبر سنة 2014، دخلت مكتبى بصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، حيث كنت وقتها مديرًا لتحرير الصحيفة بالقاهرة، فوجدت رسالة بضرورة الاتصال للأهمية من الأستاذة صفية مصطفى أمين تركتها مع سكرتيرتى مصحوبة برقم تليفونها، وتشرفت بالفعل وتواصلت معها هاتفيًا فأخبرتنى بأمر كتاب جديد أصدرته عن والدها الراحل، حرره واحد من تلاميذه أبناء «أخبار اليوم»، وهو الأستاذ أحمد عطية صالح، وبرقى بالغ أخبرتنى السيدة الكريمة بأنها تستأذنى لترسل لى نسختين من الكتاب أحدهما لي، والثانية تخص الأستاذ الكبير سمير عطا الله، راجية أن أجد طريقة تصله بها نسخته.

وتسلم الأستاذ سمير نسخته بعدها بأيام، وكتب عن الكتاب بعنوان «كتاب مصطفى أمين»، نشر فى عموده الثابت بالصفحة الأخيرة من صحيفة «الشرق الأوسط»، وفى نفس المكان الذى كانت تشغله «فكرة» مصطفى أمين لسنوات قبل أن يحتلها عطا الله بعده بعقود، وكان مقالًا مرتبكًا ولم أجد فيه من ألق الكاتب اللبنانى الكبير غير هذه الفقرة: «مرت الآن عقود على اتهام الرجل، وفترة على وفاته، بعدما أمضى فى السجن 9 سنوات، كان الأكثر مرارة منها الكتاب الذى وضعه عن تلك المرحلة، تلميذه ذات يوم، محمد حسنين هيكل. ولعل الكتاب الجديد له هدف واحد هو الرد غير المباشر على هيكل، الذى أورد فى كتابه ما اعتبرته، شخصيا، أقسى ما فى الكتاب، إذ قال إن صفية سألته: «هل صحيح أن والدى جاسوس؟». وشعرت أن من حق الأستاذ مصطفى أمين أن نقدم عن كتابه عرضًا أوسع يليق به وبعطائه للصحافة عموما ولصحيفة «الشرق الأوسط» بشكل خاص، فكان أن كلفت زميلتى سارة ربيع التى أعدت عرضًا شيقًا نشر فى الصحيفة تحت عنوان: «مصطفى أمين رائد الصحافة العربية يعود للجدل مجددا فى كتاب بالقاهرة»، وسبقه عنوان تمهيدي: أصدرته ابنته ويتضمن وثائق رسمية تؤكد براءة والدها من تهمة «الجاسوسية».

العيد الـ80

جدد الاحتفال بالعيد الـ80 لصدور «أخبار اليوم»، قصة مؤسسها العملاق مصطفى أمين، وتجربته المحيرة التى تتداعى معها الأسئلة الصعبة حول علاقة الصحافة والسياسة ومساحات التداخل بينهما، وحول حدود عمل الصحفى واتصالاته داخليًا وخارجيًا، والخيط الرفيع الذى يفصل ما بين «أن يحصل على معلومة» أو «أن يكون مصدرًا للمعلومة».

أما الأمر الأخير، فيتعلق بسر خلطة نجاح «أخبار اليوم»، والذى خلدها فى تاريخ الصحافة المصرية، وما سبب الربط بينها وبين تجارب صحفية أعقبتها بسنوات مثل «الشرق الأوسط» التى صدرت فى لندن بعدها بـ34 سنة، و«المصرى اليوم» التى صدرت فى القاهرة بعدها بـ60 سنة. هل تشابه توضيبها ومحتواها، وتأثرها بمدرسة الصحفى بيفر بروك؟، أم أن الثلاثة صيغ مختلفة من الـ«صنداى إكسبرس» كما أشار الأستاذ هيكل؟، أم أنها كانت (لا إراديا) جسرًا مرت عليه «القوة الناعمة» الأمريكية بحكم الهيمنة الإعلامية الغربية على عالمنا العربى؟!