انطلق بقوة منذ اللحظات الأولى: القاهرة السينمائى.. مهرجان عريق وافتتاح فلسطينى بجدارة
آية رفعت
افتتحت أول أمس الخميس دورة استثنائية من عمر مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، والتى كان من المقرر إقامتها العام الماضى وتم تأجيلها بسبب أحداث غزة الموجعة.. وعلى الرغم من عدم انتهاء الحرب على غزة؛ فإن إدارة المهرجان لم يكن باستطاعتها تأجيله لأكثر من عام.. مما دفعهم إلى إقامة الدورة الجديدة بشكل يناسب الأوضاع فى الوطن العربى؛ حيث جاء افتتاح المهرجان بشكل بسيط ومبهج ومناسب للقضية الفلسطينية فى نفس الوقت.
> الدبكة الفلسطينية
شهد الافتتاح رقصات للدبكة الفلسطينية واكتسى المسرح بالشال الفلسطينى.. هكذا أعلنت إدارة المهرجان عن موقفها الداعم للمقاومة الفلسطينية بعد اختيارهم بأن تكون تلك الدورة داعمة للقضية الفلسطينية بشكل كامل.
بعد رقصات الدبكة قام الفنان «حسين فهمى» رئيس المهرجان بالخروج على المسرح لتحية أعضاء الفرقة، مؤكدًا أنهم جميعًا من قطاع غزة.
وأكد «فهمى» فى كلمته، أن ما يحدث فى المهرجان من اهتمام بالقضية الفلسطينية لأنها قضية مصر الأولى.. مضيفًا أنه يجب ألّا ننسى دولة لبنان الشقيقة فى دعواتنا وتضامننا؛ خصوصًا أنها دولة تعانى منذ سنوات من اختبار صعب.
وفى كلمات مقتضبة أعلن وزير الثقافة «د.أحمد هنو» عن افتتاح الدورة الـ45 من عمر المهرجان.. وهى الدورة الأولى له منذ توليه منصب وزير الثقافة؛ حيث قال: «من قلب القاهرة عاصمة الفن تتلاقى الحضارات. ونلتقى مجددًا بمحيط الإبداع فى مهرجان القاهرة السينمائى الذى أصبح رمزًا للفن السابع، وسجل اسمه بحروف من نور بين المهرجانات العالمية.. لتكون مصر ضمن الريادة، فمصر حاضنة المواهب.. وهنا نحكى حكايتنا ونستمع إلى صوت الإنسان عبر إبداعات فنية من مختلف انحاء العالم».
ووجَّه الوزير «أحمد هنو» التحية لكل رؤساء مهرجان القاهرة السينمائى، الذين تركوا بصماتهم الواضحة على المهرجان بداية من مؤسِّسه «كمال الملاخ» حتى الفنان الكبير «حسين فهمى» الرئيس الحالى.
وقام «فهمى» بتوجيه كلمات لمنتقدى عودته للعمل بالمهرجان رغم أحزانه على وفاة شقيقه الفنان الراحل «مصطفى فهمى»؛ حيث ألقى كلمات رثاء للفنانين المصريين الراحلين عنّا فى عامى 2023 2024، مؤكدًا أن العرض يجب أن يستمر؛ حيث علمتنا الحياة المسئولية وتحملها رغم الظروف وآلام الحزن والفقد.. ثم قام المهرجان بعرض صور للفنانين الذين رحلوا فى هذين العامين وهم «أشرف عبدالغفور وناهد فريد شوقى وصلاح السعدنى وعصام الشماع وعاطف بشاى وحسن يوسف ومصطفى فهمى».
كما أعلن «فهمى» عن قرار إدارة المهرجان بالاستمرار فى ترميم وتطوير كلاسيكيات السينما المصرية؛ حيث قال إن المهرجان قام هذا العام بترميم عدد كبير من الأفلام التى أتلفها الزمن؛ حيث قام بعرض فيلم تسجيلى يوضح الفَرق بين الفيلم قبل وبعد الترميم.. مؤكدًا أن فكرة الترميم تهدف إلى تحسين مستوى الأفلام المصرية والحفاظ على تاريخنا السينمائى عن طريق تحويله إلى النسخ الرقمية.. ومن الأفلام التى تم ترميمها (السمان والخريف، قصر الشوق، بين القصرين، الحرام، شىء من الخوف، سواق الأتوبيس، وقشر البندق).
وبعد افتتاحية وجيزة تم الإعلان عن المكرمين بهذه الدورة؛ حيث تم منح جائزة خاصة للمخرج والمنتج البوسنى «دانيس تانوفيتش»، الذى يشارك بهذه الدورة كرئيس للجنة التحكيم.
بينما تم منح جائزة الهرم الذهبى لإنجاز العمر للمخرج القدير «يسرى نصر الله» الذى أكد على سعادته لاختيار المهرجان له للتكريم منذ العام الماضى.. موضحًا أنه سعيد بالتكريم هذا العام خصيصًا لأن السينما المصرية بدأت تعود لرونقها من حيث الإيرادات والمشاركات بالمهرجانات الدولية.
وأضاف «نصر الله» أنه يستمد القوة من المخرجين الفلسطينيين الذين يستطيعون الإبداع وتقديم فنون تحت قصف الاحتلال ووسط الحرب والظلم.
ومن جانبه قال النجم «أحمد عز» بعد تكريمه بجائزة فاتن حمامة للتميز، بأنه كان يتمنى منذ 24 عامًا أن يحضر حفل افتتاح مهرجان القاهرة وأن تتم دعوته بشكل رسمى كفنان ويجلس فى الصفوف الأولى مع النجوم.. مؤكدًا أن اسم الجائزة يُعتبر تكريمًا فى حد ذاته.. وقام بإهداء الجائزة للزعيم النجم «عادل إمام».
> تاريخ حافل بالمواقف
الجادة والنجوم
يُعَد مهرجان القاهرة السينمائى ذا شأن عالمى وتاريخى كبير، حيث حفر اسمه بالذهب بين كبرى المهرجانات العالمية واحتل ترتيبًا عالميًا فريدًا ومتميزًا؛ خصوصًا أنه ثانى مهرجان يتم إنشاؤه فى المنطقة العربية بعد أيام قرطاج السينمائى وإن كان تفوَّق عليه فى الترتيب العالمى.
انطلقت أولى دورات مهرجان القاهرة فى عام 1976 على أيدى الجمعية المصرية للكُتّاب والنقاد السينمائيين برئاسة «كمال الملاخ»، الذى نجح فى إدارة هذا المهرجان لمدة سبع سنوات حتى عام 1983، ثم شكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد نقابات الفنانين للإشراف على المهرجان عام 1985، الذى تولى مسئوليته الأديب «سعد الدين وهبة»؛ حيث احتل مهرجان القاهرة خلال هذه الفترة مكانة عالمية متميزة.
تولى الفنان «حسين فهمى» رئاسة المهرجان لمدة أربع سنوات من عام 1998 حتى عام 2001، إلى أن تولّى إدارته «شريف الشوباشى» حتى عام 2005 ليترأسه بعد ذلك الفنان «د.عزت أبو عوف» والعالمى «عمر الشريف» كرئيس شرفى.
وتولى إدارة المهرجان عددٌ من الرؤساء الذين وضعوا بصماتهم المميزة، ومنهم الناقد الراحل «سمير فريد» الذى استحدث مسابقات مختلفة بتاريخ المهرجان، وهى مسابقة آفاق السينما العربية وأسبوع النقاد الدولى ومسابقة الأفلام القصيرة. ومن بعده الناقدة «ماجدة واصف»، ثم المنتج والكاتب «محمد حفظى»، ثم عودة الفنان «حسين فهمى» لرئاسة المهرجان عام 2022.
وقد كرّم المهرجان عددًا كبيرًا من النجوم العالميين على مدار تاريخه.. من بينهم: «مارشيلو ماسترويانى، كاترين دينوف، جون مالكوفيتش، نيكولاس كيج، مورغان فريمان، باد سبنسر، جينا لولوبريجيدا، أورنيلا موتى، صوفيا لورين، صامويل جاكسون، كلوديا كاردينال، فيكتوريا ابريل، إليزابيث تايلور، ناكى سى سافانى، شاشى كابور، ألان ديلون، غريتا سكاكى، بيتر أوتول، كرستوفر لى، إيرين باباس، عمر الشريف، أوليفر ريد، جولييت بينوش، دانى غلوفر، تشارليز ثيرون، جوليا أورموند، سلمى حايك، لوسى لو، كورت راسل، ميرا سورفينو، غولدى هاون، أليسيا سيلفرستون»، وكذلك المخرجين مثل: «روبرت وايز، إيليا كازان، أوليفر ستون، رولاند جيفى، كارلوس ساورا، إسماعيل ميرشانت، مصطفى العقاد، مايكل أنجلو أنطونيونى».
> حمامة السلام المفقودة
وقع اختيار إدارة المهرجان على فيلم (أحلام عابرة) للمخرج الفلسطينى «رشيد مشهراوى»، الذى كان اختيارًا مناسبًا لاحتفاء الدورة بالقضية الفلسطينية.. فقصة الفيلم تدور فى إطار اجتماعى كعادة أفلام «مشهراوى»، الذى يقوم بطرح القضية الفلسطينية فى سياق العمل من دون التوجيه بشكل مباشر.. وإن كان فى هذا الفيلم قام باستخدام رمز مباشر للسلام والحرية وهى الحمامة؛ حيث تدور أحداث الفيلم حول صبى فى الثالثة عشرة من عمره يقوم بالبحث عن حمامته التى طارت برسالة مُحَمّلة لأبيه فى المعتقل ولم تعود مجددًا.. ويقوم الصبى برحلة مع خاله حول المدن الفلسطينية المحتلة ومنها حيفا والقدس القديمة وبيت لحم؛ وذلك للبحث عن بيت الحمامة الأصلى، الذى يمكن أن تكون عادت إليه بعد رحلة من الطيران.
وقال «مشهراوى» إن مهرجان القاهرة السينمائى له قيمة كبيرة لديه؛ حيث إنه يُعتبر انطلاقته الحقيقية منذ مشاركته بالمهرجان بأول أفلامه عام 1994 وحصل عنه على جائزة لينطلق منذ ذلك الوقت لكل المهرجانات الدولية ويشتهر كمُخرج عالمى.
وأضاف أنه فخور باختيار فيلمه (أحلام عابرة) ليكون فيلم الافتتاح لهذه الدورة، أولاً لأنها موجهة للقضية الفلسطينية وثانيا كنوع من التحدى؛ لأن هذا الوقت يعتبر مُهمًا جدًا لنشر صورة معبرة عن القضية.
وأضاف «مشهراوى» أنه لا يحب أن يستدرج التعاطف مع القضية من خلال أفلامه.. فالقضية لم تبدأ منذ السابع من أكتوبر فى أحداث غزة ولكنها قضية منذ عشرات السنين من كفاح أهلها ضد الاحتلال ويجب أن يعكس الفن روح إرادة الشعب.
ووصف فيلمه بأنه بمثابة بحث موسع عن فلسطين نفسها داخل البلد ومحاولة لاكتشاف ما أصبحت عليه اليوم واستعراض لبشاعة الواقع إنسانيًا وجغرافيًا.
> ندوات المكرمين
منذ الأيام الأولى للمهرجان انطلقت ندوات المكرمين بمهرجان القاهرة؛ حيث أقيمت ندوات كبار الصناع ومنها ندوة النجم الأمريكى «إريك روبرتس»، وهو ممثل أمريكى، بدأ مسيرته فى نيويورك وفاز بجائزة المسرح العالمى عام 1989. ترشح لجائزة الأوسكار عن دوره فى فيلم(Runaway Train)، كما ترشح ثلاث مرّات لجائزة الجولدن جلوب عن أدواره فى (Runaway Train، وStar 80، وKing Of The Gypsies).
كذلك؛ فاز بجائزة ستالايت الذهبية من أكاديمية الصحافة الدولية عن دوره فى مسلسل (Less Than Perfect) عام 2002، وحقق نجاحاً لافتاً فى مسلسل (Cold Blood). كما فاز بجائزة أفضل ممثل عن دوره فى فيلم (الصرصور) من مهرجان نيويورك للأفلام المستقلة عام 1998.
وقد قام المهرجان بتكريمه أول أمس الخميس وذلك قبل عقد ندوة على المسرح المكشوف بالأوبرا تحدّث خلالها عن مشواره الفنى.
وقال «إريك» إن كل شخصية قدمها لها تفاصيلها المختلفة والاستعداد دائمًا يكون مختلفًا وهناك استعداد ذهنى كبير يجب أن يقوم به الفنان.
وتحدّث عن كيف يتعامل مع ظروف العمل الصعبة، قائلاً: «عليك أن تكون أمينًا باستمرار كممثل كى تعمل وتقنع جماهيرك وأن تقبل الدور وأنت مؤمن به، تحاول أن تبيّن أهمية الفن، الفن يأتى بعد الحرب والتنظيف والتعليم، الفن الأخير وإذا لم نقم بدورنا فسوف نصبح مِثل الأبله الذى لم يفعل شيئًا».
أمَّا النجم «أحمد عز»، الذى تم تكريمه بجائزة فاتن حمامة فى حفل الافتتاح؛ فقد أقيمت له ندوة شهدت إقبالاً كبيرًا من الجمهور والصحافة والإعلام وبعض أصدقاء «عز» من الوسط الفنى.. وتحدّث «عز» عن بداياته قائلاً إن دعوات والدته كانت السبب فيما وصل إليه حاليًا.. مؤكدًا أن المخرج الراحل «على عبدالخالق» أعطى له فرصة عمره بالمشاركة ببطولة فيلم (يوم الكرامة).
وأضاف أنه أهدى جائزته للزعيم «عادل إمام»؛ لأنه فنان مُلهم لجيله وللأجيال المقبلة؛ حيث إن لديه معادلة خاصة به وهو أنه يقدم أفلامًا ذات موضوعات مهمة للمجتمع وتحقق نجاحًا جماهيريًا وإيرادات مذهلة.
وقال أنه قابل الزعيم بعد تقديمه فيلم (ملاكى إسكندرية) ونصحه بضرورة الالتزام فى المهنة واختيار الورق؛ لأن هذه هى أهم عناصر النجاح.. وأكد «عز» أنه يعيش بهذه النصيحة حتى الآن ولم ينساها.
وقال «عز» أنه لم يقدم شيئًا بعد، وأنه يتمنى تقديم عدد كبير من الشخصيات التاريخية؛ خصوصًا أن التاريخ المصرى ملىء بالأحداث والشخصيات التى يمكن تقديمها.. مؤكدًا رغبته الشديدة بتقديم شخصية «خالد بن الوليد».>