من بين الأكثر «نفوذًا» فى فريق السياسة الخارجية لـ«بايدن» الرقصة الأخيرة لفتى نتنياهو قبل الانتخابات الأمريكية
آلاء البدرى
لا شك أن حرب استنزاف القوات التى فرضتها جبهة حزب الله على إسرائيل منذ عدة أشهر، أنهكت الأخيرة عسكريا واقتصاديا ونفسيا، مما اضطر نتنياهو للجوء إلى الدبلوماسية لتحقيق ما فشلت فيه القوة العسكرية، ومن السيطرة على جنوب لبنان وذلك من خلال تعديلات اقترحها فتى نتنياهو المخلص عاموس هوكشتاين، على قرار الأمم المتحدة 1701 بعد إدراكه جيدا أن الحرب مع حزب الله تظل مجرد مقامرة، رغم ترجيح كفة إسرائيل فى العمليات العسكرية الأخيرة.
اقترح المبعوث الأمريكى ورجل الظل فى الشرق الأوسط عاموس هوكشتاين، خلال زيارته للبنان اقتراحًا جديدًا يهدف للتوصل إلى حل سياسى على الجبهة الشمالية من خلال تعديل قرار مجلس الأمن، ويدعى «هوكشتاين» أنه يسعى لمراجعة مقدمة القرار لتحويلها إلى قرار يستهدف السلام على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ومنع الوجود المسلح فى المناطق اللبنانية القريبة من الحدود.
ويتضمن الاقتراح توسيع نطاق ولاية القوات الدولية – اليونيفيل، شمال نهر الليطانى، ومنحها سلطة إجراء دوريات مفاجئة وتفتيش المنازل والمركبات والمواقع المشتبه بها، والبحث عن أسلحة، كما يدعو لزيادة انتشار قوات الجيش اللبنانى فى المنطقة، وإنشاء فرق تفتيش فى المطارات اللبنانية، وإقامة أبراج مراقبة فى جميع أنحاء البلاد.
وبحسب الصحف اللبنانية نقلًا عن مصادر دبلوماسية، فقد وصل «هوكشتاين» إلى بيروت ومعه نص محدد مسبقًا، وأبلغ برفض إسرائيل التام قبول أى اتفاق لا يلبى مطالبها، وقد قوبلت التعديلات المقترحة التى قدمها «هوكشتاين» على أنها رؤية أمريكية للسلام، وصرح قائلًا: «إما أن نتوصل إلى حل أو أن الأمور ستتصاعد خارج نطاق السيطرة».
وتعتبر التعديلات المقترحة على القرار 1701 انعكاسًا للمطالب الإسرائيلية بفرض سيطرة أوسع على الأراضى اللبنانية، بل احتلال ضمنى للجنوب، وأن شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار ما هى إلا آليات دولية لتحقيق أهدافها، والتى تشمل استمرار العمليات البرية فى جنوب لبنان، والوصول غير المقيد للمجال الجوى اللبنانى، ما يعد انتهاكًا لسيادة لبنان، وتجاهلًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة.
ولم تكن زيارة «هوكشتاين» لبيروت هى الأولى، ففى عام 2021 زارها بصفته المستشار الأول لأمن الطاقة والذى عينه وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، وأثارت هذه الخطوة الدهشة فى بيروت فى ذلك الوقت، وكان «هوكشتاين» مكلفًا بالتوسط فى مفاوضات الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت تتعامل معه بيروت ليس باعتباره مبعوثًا أمريكيًا مسئولًا أمام إدارته، ولكن بصفته الإسرائيلية كفتى لنتنياهو.
علاقة هوكشتاين بإسرائيل
عاموس هوكشتاين أحد أكثر أعضاء فريق السياسة الخارجية لجو بايدن نفوذًا فى الشرق الأوسط، وقد كان يتنقل بين تل أبيب وبيروت وواشنطن العاصمة على مدار العام الماضى، بصفته مبعوثًا دبلوماسيًا رفيع المستوى للرئيس الأمريكى، وهو أحد المسئولين فى البيت الأبيض الذين أخبروا إسرائيل سرًا أن الولايات المتحدة ستدعم قرارها بتكثيف الضغوط العسكرية ضد حزب الله.
وهوكشتاين شخصية معروفة جدًا فى إسرائيل حيث ولد هناك، وخدم فى الجيش كجندى فى طاقم الدبابات فى التسعينيات، وبصفته رجل أعمال فقد شارك أيضًا فى بداية الطريق بين إسرائيل والولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بقطاع الطاقة، واعترفت زوجته فى أحد اللقاءات التليفزيونية أنه إسرائيلي، لكن الخارجية الأمريكية نفت أنه مزدوج الجنسية، وكان قد عمل فى بداياته مستشارًا للسياسة الخارجية لأعضاء الحزب الديمقراطى فى الكونجرس بوظائف مختلفة، وخلال هذه الفترة كان أيضًا جزءًا من المناقشات الخلفية للولايات المتحدة مع العراق فى عهد صدام حسين، بشأن إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين فى المناطق الوسطى من البلاد، مقابل رفع العقوبات الأمريكية، وفقًا لمذكرات كتبها جراف هانز كريستوف سبونيك، منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية فى العراق فى التسعينيات، وعندما أخذ إجازة لبعض الوقت عمل نائبًا تنفيذيًا للرئيس للعمليات الدولية فى شركة كاسيدى آند أسوشيتس حتى عام 2011. بعدها انضم «هوكشتاين» إلى إدارة أوباما كدبلوماسى فى مجال الطاقة، وفى عام 2014 أصبح مبعوث أوباما الخاص ومنسق شئون الطاقة الدولية، وفى وقت لاحق تم تعيينه مساعدًا لوزير الخارجية لشئون موارد الطاقة، وبعد فترة وجيزة بسبب رئاسة ترمب عاد هوكشتاين إلى نفوذه الرسمى فى واشنطن تحت إدارة بايدن فى عام 2021 حتى تعيينه مبعوثا أمريكيا إلى الشرق الأوسط.
وشغل «هوكشتاين» منصب المنسق الرئاسى الخاص لبايدن لشئون البنية التحتية العالمية وأمن الطاقة، ومؤخرا منصب نائب مساعد الرئيس، والمستشار الأول للطاقة والاستثمار، وخلال فترة عمله فى مجال الطاقة كان قد ساهم فى تسوية النزاع على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان حتى إن يائير لابيد رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك فى عام 2022 كتب على منصة X نيابة عن دولة إسرائيل: أشكر وسيطنا الأمريكى عاموس هوكشتاين على عمله الجاد للتوصل إلى هذا الاتفاق التاريخى.
ولا تزال علاقة عاموس بإسرائيل وخلفيته العسكرية الإسرائيلية تثير العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة فى جهودها الدبلوماسية من أجل وقف إطلاق النار وتحقيق السلام، وما إذا كان المخضرم فى واشنطن قادرًا على أن يكون وسيطًا نزيهًا فى منطقه.
ورغم أن الولايات المتحدة تاريخيًا، كانت لاعبا رئيسيا فى الصراع الإسرائيلى اللبنانى، وادعت الحياد فى التصعيد الأخير، فإن اختيارها لعاموس واقتراحها تعديل القرار 1701 لصالح إسرائيل، ينظر إليه باعتباره إشارة واضحة إلى موقفها المتحيز.
رفض لبنان
رفض المسئولون اللبنانيون مقترحات تعديل قرار مجلس الأمن 1701، وصرح نجيب ميقاتى، رئيس الوزراء اللبنانى، بأن المطلوب أولا هو التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار دون أى تعديل أو توصية من الجانب الإسرائيلى.
أظهر الرد اللبنانى الحاسم موقف لبنان من محاولات إسرائيل المستميتة من أجل التوغل فى الجنوب عن طريق الدبلوماسية، وأيضا عارض نبيه برى، زعيم حركة أمل، والحليف القوى لحزب الله، على الفور التعديلات التى اقترحها «هوكشتاين»، وبصفته رئيسًا للبرلمان منذ عام 1992 كان «بري» شخصية رئيسية فى مقاومة التعديات الإسرائيلية والدفاع عن السيادة اللبنانية، وصرح قائلا بأن القضية الحقيقية ليست الافتقار إلى الرقابة بل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمجال الجوى والأراضى اللبنانية.
كما أكد برى أن أى سعى حقيقى لتحقيق السلام يجب أن يبدأ بمحاسبة إسرائيل على عدوانها، وضمان التزامها بقرارات الأمم المتحدة القائمة.
وتجعل علاقته الطويلة الأمد بحزب الله والحركة السياسية الشيعية الأوسع نطاقًا من «برى» شخصية بالغة الأهمية فى نضال لبنان ضد التدخل الأجنبى، وعندما تلقى مقترحات «هوكشتاين» أدرك أنها محاولة لتقويض السيادة اللبنانية تحت ستار تعزيز حفظ السلام.
فى حين اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية هذه المقترحات حلا سلميا وضروريا لتحقيق الاستقرار، فيما تعد زيارة «هوكشتاين» هى الفرصة الأخيرة قبل الانتخابات الأمريكية للتوصل إلى هدنة.
ويدعو قرار الأمم المتحدة 1701 الذى أنهى الجولة الأخيرة من الصراع بين إسرائيل وحزب الله فى عام 2006، إلى أن يكون جنوب لبنان خاليا من أى قوات أو أسلحة غير تلك التابعة للدولة اللبنانية، لكن القرار لم يطبق إلى حد كبير منذ صدوره ما سمح لحزب الله ببناء مخزون هائل من الأسلحة والقدرات الدفاعية العالية، فى حين لم تكن قوات حفظ السلام التابعة لليونيفيل ولا القوات المسلحة اللبنانية على استعداد لتحدى أحد فصائل مدعومة من إيران.