الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصيرها غامض بعد اغتيال إسرائيل لقيادتها المقاومة الفلسطينية إلى أين؟

أصبحت حركات المقاومة الفلسطينية فى الوقت الراهن فى مأزق كبير بعد أن اغتالت آلة حرب الكيان الصهيونى أبرز قيادات الصف الأول فى هذه الحركات، خلال ارتكابها للمجازر الدموية التى تواصل ارتكابها ليل نهار فى قطاع غزة وجنوب لبنان، وتنفيذ سلسلة اغتيالات خارج الأراضى المحتلة طالت رئيس حركة حماس إسماعيل هنية. 



وعزز التاريخ الطويل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى الذى بلغ ذروته بحرب غزة فكرة المقاومة بتفسيرات عملية وجعلها أكثر التزاما بالكفاح المسلح كاستراتيجية وأسلوب حياة واستهداف إسرائيل باعتبارها المحور المركزى للنضال. 

 وأظهر هذا الصراع الممتد أن النهج التكيفى والمرن كان مطلوبًا مما مكن من الوساطة المستدامة بين الرؤية الكبرى والواقع المتغير وقد أدى هذا الوضع إلى مجموعة واسعة من التغيرات فى وسائل المقاومة التى شملت العسكرية والدبلوماسية والشعبية والدولية والتحريضية. 

ووجهت إسرائيل عدة ضربات قاصمة لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ورغم ذلك الحرب لم تنته بعد ولا تزال المقاومة بفصائلها المختلفة قوة سياسية واجتماعية لا يمكن تهميشها فى الحياة السياسية الفلسطينية لكن الوضع الراهن يجعلنا نتساءل عن مستقبل المقاومة الفلسطينية.. إلى أين؟

بينت الأحداث الدامية الحالية تنوع وتعقيدات المقاومة الفلسطينية والتى كانت موجودة مؤخرًا فى كل من فلسطين وإسرائيل وكانت تقوم بدورات متفرقة من النضال العنيف ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى وحكومته التى ترعى كل أشكال الإرهاب ضد الفلسطينيين والتوسع الاستيطانى غير القانونى مما دفع حماس إلى الرهان دون تقدير على الشرارات المتطايرة من ضربة السابع من أكتوبر أن تشعل المزيد من المقاومة على نطاق أوسع وأعمق بين الفلسطينيين والتضامن بين البقية فرغم أن عملية طوفان الأقصى كانت ضربة سياسية وعسكرية خطيرة لدولة الاحتلال الإسرائيلى وداعميها الغربيين بل كانت صفعة مؤلمة على وجه نتنياهو نفسه إلا أن عواقبها كانت مذبحة وحشية تعرض لها المدنيون بشكل غير مسبوق وملايين من الناس الذين أصبحوا بلا مأوى ومجاعة جماعية وانتشار الأمراض التى تسبب فيها العدوان الإسرائيلى الغاشم فأصبحت تمثل هاوية جديدة أغرقت حماس فيها المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها حيث يعد العدوان على غزة هو أسوأ حدث شهده الفلسطينيون منذ 75 عاما فلم يسبق قط أن قتلت وشردت مثل هذه الأعداد من الفلسطينيين منذ نكبة 1948 حتى عندما أجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على التخلى عن منازلهم والتحول إلى لاجئين، وأن الرأى القائل بأن عملية طوفان الأقصى حققت إنجازات أكبر من الانتفاضة الأولى إذ تمكن الفلسطينيون من استبدال الحجارة بالعمليات العسكرية يجهل حقيقة مفادها أن هذه العملية أشعلت فتيل إبادة جماعية هائلة تصل إلى حد التطهير العرقى ضد الشعب الفلسطينى وأن الانتفاضة كانت أكبر حركة جماهيرية منظمة ذاتيًا مناهضة للاستعمار فى التاريخ الفلسطينى أجبرت إسرائيل على تقديم تنازلات سياسية غير مسبوقة.

مستقبل فصائل المقاومة الفلسطينية 

الحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها تواجه تحديات جديدة بما فى ذلك الضغوط العسكرية والإرهاق العام والافتقار إلى الدعم المادى والسياسى والعسكرى وعبثية الاستمرار فى الكفاح المسلح دون تخطيط مسبق فقد وصلت حماس أكبر حركات المقاومة الفلسطينية إلى مفترق طرق بعد عام كامل من القتال ضد جيش الاحتلال الإسرائيلى وخاصة بعد استشهاد يحيى السنوار فى 16 أكتوبر وقتل إسرائيل للعديد من كبار قادة الحركة فقبل شهرين فقط من وفاة السنوار اغتيل سلفه إسماعيل هنية فى طهران فى عملية إسرائيلية مخططة وقتل أيضا القائد العسكرى لحماس محمد الضيف كما قتل صالح العارورى وهو مسئول كبير فى حماس وفتح الشريف زعيم حماس فى لبنان ومروان عيسى نائب القائد العسكرى لحماس والذى كان على رأس قائمة المطلوبين لدى إسرائيل ورغم أن حركة حماس لا تعتمد على شخصية واحدة أو دائرة ضيقة من القادة وإن سياستها اللا مركزية تسمح للمجموعة بمواصلة العمل حتى بعد خسارة شخصيات بارزة مثل السنوار لكن من الواضح أن وفاة أهم القادة فى الحركة ترك فراغًا سياسيا وعسكريًا من المرجح أن يستمر لعدة أشهر حتى تتمكن حماس من اختيار زعيمها الجديد.

 المرشحون لقيادة حماس 

برز اسم خليل الحية نائب السنوار ومسئول ملف المفاوضات فى حماس والمعروف بمواقفه المتمردة والذى شغل منصب نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى أغسطس 2024 خلفًا لصالح العارورى بعد اغتياله كما أنه يشغل منصب أحد القيادات الخماسية بالوكالة لحماس وعضو المجلس التشريعى الفلسطينى منذ يناير 2006 ممثلًا عن مدينة غزة ويعرف الحية بصلاته القوية بإيران، حيث أظهرت محاضر اجتماعات سرية كشف عنها مؤخرا أن الحية ناقش فى يوليو 2023 خطط الهجوم الذى قادته حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر مع القائد الإيرانى الكبير محمد سعيد آزادى من الحرس الثورى الإسلامى الإيرانى والذى كان متمركزًا فى لبنان وساعد فى الإشراف على علاقات طهران مع الجماعات المسلحة الفلسطينية.

وطرح البعض اسم القيادى زاهر جبارين الذى يشار إليه غالبًا باسم الرئيس التنفيذى لحماس بسبب إدارته لمالية المجموعة، ووفقًا للتقارير الأمريكية أصبح جبارين شخصية محورية فى حماس ويدير محفظة بقيمة مئات الملايين من الدولارات والتى تستخدم لعمليات المجموعة ضد إسرائيل إلى جانب إدارة للعلاقات المالية بين حماس وإيران وهو الدور الذى يتضمن الإشراف على نقل الأموال من طهران إلى قطاع غزة وتمتد مسؤولياته إلى مجموعة من الشركات التى تولد دخلًا سنويًا لحماس إلى جانب شبكة من المانحين من القطاع الخاص ورجال الأعمال الذين يستثمرون فى الجماعة الإسلامية كما أنه لعب دورًا حاسمًا فى تمويل هجمات السابع من أكتوبر وتوفير الموارد اللازمة للأسلحة وأجور المقاتلين وكان لعلاقاته الوثيقة مع صالح العارورى دورًا أساسيًا فى تأسيس الجناح العسكرى لحماس فى الضفة الغربية وأيضا صلاته القريبة من الرئيس التركى أردوغان تساعد حماس فى شراء الأسلحة وتمويلها مع تحويل إيران مبالغ كبيرة لدعم المجموعة كما لعب دورًا رئيسيًا فى الحفاظ على علاقات حماس مع حزب الله فى لبنان وتنسيق المعاملات المالية من خلال الصرافين المحليين.

ورشح بعض المحللين، محمد السنوار البالغ من العمر 49 عامًا باعتباره شخصا يمكن تنصيبه كزعيم جديد لحماس، حيث سبق وتولى قيادة كتائب القسام بعد مقتل قائدها السابق محمد الضيف فى غارة جوية إسرائيلية فى 13 يوليو الماضى وقد ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلى أن محمد السنوار قد قتل فى عام 2014 فى غارة على مجمع سكنى خلال هجوم جوى استمر سبعة أسابيع ضد حماس والمعروف باسم عملية الجرف الصامد لكن بعد تسع سنوات عثرت قوات داهمت موقع تدريب تابعا لحماس فى 10 نوفمبر 2023 على وثائق عسكرية قالوا إنها تعود لإخوة السنوار. 

ويعتبر محمد درويش رئيس مجلس شورى حماس من بين المرشحين البارزين ورغم أنه شخصية أقل شهرة من المرشحين الآخرين لكنه الرجل الأقوى فى حماس بعد السنوار لم يعرف الكثير عنه حياته لكن يعرف بصلاته القوية مع إيران وقادة مهمين فى الشرق الأوسط.

وطرح محللون اسم خالد مشعل رئيس المكتب السياسى السابق للحركة الذى يحظى بشهرة دولية واسعة ويعرف بالاعتدال بين القادة ولكنه قد يواجه صعوبات فى تقلد المنصب مرة أخرى بسبب دعمه السابق للثورة السورية ضد الرئيس السورى بشار الأسد الذى دعمته إيران بقوة ولا تزال تدعمه، وعلى الرغم من النجاح التكتيكى المتمثل فى القضاء على أكبر قيادات حماس وتورط إسرائيل بعمق فى صراع لا تظهر أى علامات على نهايته قريبًا والذى أدى بالتبعية إلى إضعاف حماس إلا إنها بعيدة كل البعد عن الهزيمة وخاصة مع ومواجهة حكومة نتنياهو ضغوطا متزايدة داخليا وخارجيا لإيجاد وسيلة للخروج من الصراع ولكن فى غياب خطة واضحة وقابلة للتنفيذ يجعل هناك القليل من الأمل فى التوصل إلى حل دائم.

 معاناة حركة الجهاد الإسلامى

وعانت حركة الجهاد الإسلامى وهى ثانى أكبر حركة مقاومة مسلحة فى قطاع غزة بشكل كبير من الهجوم الإسرائيلى فى الشهور الأخيرة، حيث قتل ستة من كبار قياداتها فى غارات جوية إسرائيلية، بعد تسعة أشهر فقط من هجوم إسرائيلى آخر على غزة أدى إلى اغتيال ثلاثة آخرين من بينهم خالد منصور الذى قتل فى رفح جنوب قطاع غزة وتيسير الجعبرى قائد المنطقة الشمالية للحركة وعضو المجلس العسكرى للحركة التى تعتبر هيئة صنع القرار فى الحركة فى غزة.

وقاد الجناح العسكرى سرايا القدس قاعدة واسعة من المجاهدين لكن من غير الواضح عدد الذين ما زالوا على قيد الحياة بعد أن خصصت حركة الجهاد الإسلامى نسبة كبيرة من هذه القوات لهجمات السابع من أكتوبر والحرب المفتوحة التى تلتها ورغم التعاون الوثيق مع حماس فى الآونة الأخيرة تظل حركة الجهاد الإسلامى منافسًا قويا لحماس فقد حالت الخلافات الاستراتيجية والأيديولوجية والشخصية لفترة طويلة دون أى تقارب حقيقى بين الحركتين فقد ظلت حركة الجهاد الإسلامى سرية على الدوام مع هيكل خلوى مقسم على النقيض من التعبئة الجماهيرية التى تفضلها حماس كما أنها لا تمتلك شبكة رعاية اجتماعية واسعة النطاق أو مشاركة فى الإدارة والحكم مثل الجماعة الأكبر وكثيرًا ما اصطدمت حركة الجهاد الإسلامى وحماس بشأن التكتيكات والمفاوضات، حتى وإن ظلت العديد من أهدافها النهائية ومعتقداتهما الإسلامية الأساسية متطابقة.

 إيران تجفف منابع التمويل 

ولعب تجفيف إيران مؤخرا لمنابع تمويل حركات المقاومة الفلسطينية، دورا قويا فى تراجع قوة المقاومة، نتيجة المعارضة الداخلية والهجوم الشعبى على النظام الإيرانى واتهامه بتبديد المليارات من الدولارات على أوهام الامبراطورية الفارسية وبعد أن أدركت إيران أيضا أن دعمها المادى والعسكرى لمحور المقاومة الشيعى وحركات المقاومة الفلسطينية السنية لم يجر دول الجوار المستقرة إلى حد كبير إلى حرب أوسع وأنه حتى لو أثرت الصراعات الدائرة بالسلب عليهم لكنهم لم ينجرفون فى تيار حرب إقليمية، مما أكد أن العلاقات الإيرانية الفلسطينية كانت بمثابة زواج مصلحة قائم على سعى إيران إلى تحقيق أهدافها وحاجة الفصائل الفلسطينية إلى رعاية الدولة ونتيجة لهذا فإن إيران والمقاومة الفلسطينية تعملان باستمرار على تعديل علاقاتهما ببعضهم البعض وفقًا لحساباتهما الاستراتيجية الخاصة وكان هذا أكثر وضوحًا فى أعقاب الثورة السورية التى أظهرت للجميع أن إيران وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية يتلاعبان ببعضهما البعض.