عــرب الــراب

عندما دخلت على قائمة الأغانى الأكثر رواجًا على موقع يوتيوب، بتاريخ 28 أكتوبر 2024، وجدت أن تقريبًا هناك غياب تام لفئة أغانى البوب ميوزك، والقائمة يكتسحها أغانى المهرجانات وبعض أغانى الراب مثل أغنية (دولايب) لـ«مروان بابلو» مع «هادى معمر»، و(كبدة) لـ«عفروتو».

وبعيدًا عن النظريات النقدية التقليدية التى تهاجم كل ما هو مختلف وجديد، وحتى يكون حديثنا علميًا وله أسس وقواعد، فكنت قد تحدثت على صفحات هذه المجلة عن العلاقة المشتركة بين أغانى الراب والمهرجانات، خصوصًا أن بينهما كثيرًا من التشابه.

 

ولكن يبقى السؤال الأهم: لماذا يستمع الجمهور إلى أغانى الراب؟!

فى رأيى السبب الرئيسى هو أن الراب غناء بشرى، وليس غناءً ملائكيًا دعائيًا، أغانيه تسمح بتواجد الشتائم وهو ما يعطى له بعدًا إنسانيًا لن يكون موجودًا فى أى شكل غنائى آخر، فنحن كبشر نحقد، ونغير، ونغتاب، ونكذب، ونسب، وكل هذا موجود فى الراب!

فى كتاب (عرب الراب) للأستاذة «أريج البدراوى» أستاذ علم الاجتماع الثقافى، و«بسنت محمود» الباحثة المصرية فى الأنثربولوجيا التطبيقية بجامعة الإسكندرية، سنجد أن الراب به العديد من المميزات التى تجعله جذابًا للمراهقين، بل للجميع، خاصة فى المواضيع المطروحة فى أغانيه.

كتاب (عرب الراب) يقدم تحليلًا هامًا لمحتوى أغانى الراب العربى، ويشرح الكتاب كيف تتحدث أغانى الراب عن فلسفة الحياة، ونقدًا لتقاليد المجتمع مثل التصورات التى ربما تكون غير صحيحة حاليًا بأن التفوق الدراسى هو السبب الرئيسى فى الترقى الاجتماعى.

أيضا الكتاب يشرح كيف تحدثت أغانى الراب عن الفقر وقلة مصادر الدخل، ولماذا يحلم الكثير من أبناء الجيل الجديد بالهجرة من الوطن وتركه، كما تتحدث الأغانى عن مشكلة تعاطى المخدرات، وكذلك غدر الأصحاب واضطراب العلاقات بين الشباب وبعضهم.

كما أن الراب أيضا به قدر كبير من الثورية، فيستطيع المغنى أن ينتقد ما يظن الكثيرون أنه أمر ثابت ولا يجوز الاقتراب منه مثل انتقاد السلطة الأبوية، بالإضافة إلى التعامل مع العلاقات العاطفية بمنظور مختلف عن الموجود فى الأغانى الرسمية التقليدية، بحرية لا حدود لها من حيث التعبير أو الاشتباك مع الأفكار.

كما أن الكتاب يبرز الجانب الإيجابى من تواجد أغانى الراب بالتأكيد على القيم الإيجابية مثل الاعتماد على الله، والكفاح والتغلب على الصعاب، والسعى للتميز والتفوق.

كما أن هذه النوعية من الأغانى تشتبك مع قضايا اجتماعية مهمة مثل «ما جدوى التعليم»؟ وفقدان العدالة الاجتماعية لقطاعات فى المجتمع.

والجميل فى الكتاب أنه يطرح كل هذه النقاط بشرح مبسط، ويستعرض الأغانى وكلماتها التى تتحدث عن كل نقطة من هذه النقاط، والأجمل فى كل هذا، أن التحليل مبنى على أساس المناقشة، ولا يوجد أى استعلاء من أى نوع، أو مصادرة، أو إصدار للأحكام، فقط يحاول الكتاب أن يشرح ويحلل ويستعرض ما يدور من أفكار لدى شبابنا فى مصر والوطن العربى من خلال ما يستمعون إليه من أغانى.

ولذلك أنصح كل القراء الذين يهتمون بالفنون والموسيقى، ويريدون أن يعلموا سر انجذاب الشباب والمراهقين لهذه النوعية من الأغانى، ومدى أهميتها للمجتمع بشكل عام بقراءة هذا الكتاب (عرب الراب)، والأهم من بعد قراءة الكتاب، هو سماع الأغانى بشكل متعمق وتحليلها بصدر رحب!