يكتب عام 2006: عمامة على رأس الممثلة.. وحجاب على عقل التليفزيون؟
وحيد حامد
بداية.. وحتى نغلق الطريق أمام الجهلاء والأدعياء وأهل الزُّور والبُهتان، وحتى لا تنقض علينا طيور الظلام بمخالبها الحادة فتمزق وجوهنا وتقطع أجسادنا، وقبل أن تنطلق حناجر الضلال بالاتهامات الباطلة؛ فإننا نعلن بكل وضوح وإيمان وقناعة أن «الحجاب» فريضة إسلامية صحيحة.. ولا أحد يعترض عليه أو يُحرّض على عدم ارتدائه.
المجتمع المصرى يشهد حاليًا انتشارًا واسعًا لهذا الزّى الذى لم يكن غريبًا فى يوم من الأيام عن الحياة المصرية؛ وبخاصة فى المجتمع الريفى والأحياء الشعبية، حيث تلتزم المرأة بالفطرة بغطاء الرأس وارتداء الملابس التى تستر الجسد وتحجب مفاتن المرأة.. ومن الثابت أن الوقار والحشمة والالتزام قيم أصيلة فى حياة الناس.. كما أننا شعبٌ يعرف ما هو العيب ولا يسمح بالخروج على الآداب العامة أو الأخلاق.. والمرأة المحجبة فى مصر الآن متواجدة فى كل المجالات، هناك الطبيبة والمهندسة والمُدرسة ورَبّة البيت والطالبة، فلا أحد يحظر الحجاب كما يحدث فى دول أخرى بعضها إسلامية، ولكن لا أحد يستطيع أن يعامل المرأة غير المحجبة على أنها خارجة عن الإسلام أو حتى بعيدة عنه، وليس من حق أى إنسان أن يفرض عليها الحجاب دون إرادتها، عليها أن تتحمل مسئولية قناعتها أمام الله سبحانه وتعالى، فإذا كنا فى مجتمع يحترم الأديان والعقائد مَهما اختلفت، وهذا ليس مجرد عُرف اجتماعى؛ بل تعاليم إسلامية تؤكد سلامة هذا الدين، وعليه نسأل أنفسنا: ما كل هذا الضجيج؟ ما كل هذا الصخب؟ ما كل هذا الهوس الإعلامى عندما ترتدى إحدى الممثلات المصريات تحديدًا الحجاب بعد أن قضت شطرًا طويلاً من عمرها سافرة ومتحررة.. وكسبت وهى على هذا الحال المال والشهرة والمكانة الاجتماعية، وما هو أكثر بكثير من كل هذه الأشياء، بينما هناك الملايين من السيدات والآنسات العاديات الفضليات اللاتى أقبلن على ارتداء الحجاب بقناعة دينية بحتة وعن إيمان حقيقى، ومنهن من وجدت فيه الزّى المناسب لها من الناحية النفسية والجسدية، ولا أحد يحدث ضجة لأن الأمر عادى جدًا، وفى النهاية المسألة حرية شخصية وعلى الإنسان أن يختار ما يراه لنفسه.
لهذا كله؛ أصابتنى الدهشة وملكتنى الحيرة عندما شاهدت الفنانة حنان ترك على شاشة التليفزيون المصرى فى برنامج «البيت بيتك» وهو يقيم لها احتفالية فجة زائفة، فى بداية الحلقة أعلن الأستاذ تامر بسيونى أنه شاهد «حنان» بالحجاب خارج الاستوديو، وأنها جميلة جدًا فى الحجاب، فقلنا خيرًا إن شاء الله، ولكن تساءلت: هل حجاب ممثلة- أىّ ممثلة- يُعَد انتصارًا للإسلام، هل حجاب ممثلة يتميز عن حجاب أى مسلمة أخرى؟ هل حجاب ممثلة حدث جلل وكل يوم تتحجب عشرات السيدات والفتيات؟ هل حجاب ممثلة قضية قومية حققت الحكومة المصرية فيها إنجازًا عظيمًا أرادت تبشر به الناس فأمرت تليفزيونها الرسمى بأن يهلل ويرحب بهذا الإنجاز؟! هل حجاب هذه الممثلة سوف ينهى المشاكل المزمنة فى الصحة والتعليم ويقضى على الفقر والبطالة ويرفع البورصة من عثرتها؟!
وانتظرت ظهور السيدة حنان ترك، وكان لزامًا علىّ أن أنتظر لأننى أول مَن قدمها إلى السينما، وآخر مرة شاهدتها فيها كانت فى منزل السيد وزير السياحة مع حشد كبير من الفنانين، وكانت بصحبة زوجها الذى طلب منّى كتابة عمل لها، أى أن أمورها كانت عادية جدًا وحياتها تسير بشكل طبيعى، وعليه انتظرت ظهورها حتى أعرف إيه الحكاية؟.. وأطلت السيدة حنان ترك- غفر الله لها- بالزّى الذى اختارته ليكون حجابًا على رأسها، شىء يشبه عمامة الدراويش أو حَمَلة المباخر من المشعوذين ورداء أسود يغطى الرقبة وفوقه فستان بلا أكمام، لم أجد عذوبة ورقة وبساطة الزّى؛ إنما وجدت الافتعال والمبالغة والغرابة، فكان رد الفعل المباشر هو عدم الارتياح، وسأل الأستاذ محمود سعد وهو المُحاور الذى يستخرج المعلومة من رأس الضيف كأنه يمسك بسمكة محاصرة فى إناء زجاجى وتكلمت السيدة حنان فإذا بها تتحول إلى داعية وواعظة وتدعونا إلى الهداية، وإذا بفارس الحوار يكتفى بالصمت والتطلع إليها ويردد: الله.. وما شاء الله!
يا سبحان الله!
أنا وكل الناس نقبل ونرحب بأن ترتدى حنان ترك الحجاب أو حتى النقاب، ولكن بعد 72 ساعة من ارتدائها هذه «التوليفة» التى رأت فيها حجابًا تتحول إلى الوعظ الدينى، وأين؟!.. على شاشة تليفزيون الدولة ومع ترحيب القائمين على البرنامج، فهذا عبث واستهتار بالدين وبعقول الناس وهدم للمصداقية، وحاولت الممثلة أن تؤدى دورها بكل طاقتها، ولكنها لم تتمكن من السيناريو فكانت مثل الببغاء الذى يردد ما لا يفهم، قالت إن الحجاب فرض، كل الناس تعرف أنه فرض! قالت إن هناك ثلاث آيات فى القرآن- بتخفيف الرّاء-، وهنا تدخّل المحاور النابه وأفادنا أن هذا النطق هو الصحيح للقرآن حتى نأخذ عن السيدة حنان، ولم يسألها أن تقرأ علينا هذه الآيات حتى نطمئن إلى صدق قولها ونواياها، ولكن هذا لم يحدث، وأظن- وبعض الظن إثم- أنها تراجعت عن قراءة الآيات خشية الخطأ فتكشف نفسها.. وعندما تم سؤالها عن موقفها من التمثيل قالت إنها سوف تستمر، ولا مانع لدينا، ولكن الكارثة التى أعلنت عنها السيدة حنان- غفر الله لها- قالت بارك الله فيها أنها الآن تعمل فى مسلسل تليفزيونى وفيلم سينمائى ولا توجد مشكلة فى المسلسل؛ حيث إن الدور لفتاة ترتدى منديلاً على ر أسها؛ أمّا الفيلم فقد قام المؤلف والمخرج بالتعديل وإيجاد الحلول التى توافق هواها وحجابها! وهنا تبدد حُسن النوايا؟! المسألة وراءها شىء لا ندرى معالمه حتى الآن، ها هى ممثلة متوسطة القيمة تفرض شروطها وينفذ أوامرها منتجون ومؤلفون ومخرجون، واسألوا أساتذة الدراما عن مدى شرعية هذا الهزل الفنى؟! والعجيب والمدهش أن الإعلام المصرى بأجهزته الإنتاجية هو المنتج المشارك فى كل الأعمال التى يجرى تصويرها بشروط الفنانات المحجبات؛ حيث اشترطت إحداهن ألا يلمسها أحد من الرجال؟! وهكذا؛ فنحن ننتظر مزيدًا من الهطل الفنى، والتخلف الفكرى، وحقيقة الأمر أن المملكة العربية السعودية تخفف بحسم وقوة من سطوة وجبروت الفكر الوهابى المتشدد، فأصبحت مصر هى الوطن البديل الذى يجرى إعداده لاستقبال هذا الفكر بكل ترحاب، وهناك من ينفق بسخاء، ولا أزيد؟! المهم أن السيدة حنان- غفر الله لها- قالت لماذا لا تكون السينما المصرية مثل السينما الإيرانية؟! إنها تحصد الجوائز.
وأسألها عن الأفلام الإيرانية وأين ومتى شاهدتها حتى تطالبنا بأن نقلدها، ثم إننا فى مصر ولسنا فى إيران، ولن نغير هويتنا ولن نبدل ثقافتنا ولن نتنكر لعاداتنا المصرية وتقاليدنا، وإذا كانت السينما الإيرانية تعجب السيدة حنان فلماذا لا تذهب إلى هناك وتمثل هناك براحتها بدلاً من أن تفرض علينا ما يوافق هواها، وبأى حق تأمرنا فنطيع؟! هل لمجرد ارتدائها الحجاب؟! أمْ أنها وفجأة أصبحت داعية إسلامية فى زمن الفوضى؟! كنت أفَضّل لها أن تتصرف بخشوع وتقوَى وتهجع ولا تحول أمر حجابها إلى زفة إعلامية كاذبة، الطريق إلى الله لا يحتاج إلى شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد، وهى لن تكون الممثلة الصالحة التقية بهذا الحجاب وبهذا الإعلان المجانى؛ وإنما بالتقوى والعمل الصالح ومن حقها أن تفعل ما تريد دون أن تتجاوز حدودها، فهى الآن امرأة محجبة تعمل ممثلة، من حقها أن تقبل ما يُعرَض عليها أو ترفضه، ولكن دون أن تملى شروطها، وهى تقول إنهم فى دبى «فرحانين قوى بها»، وأعتقد أن الفرحة القادمة إليها من دبى يجب ألا تسعدها، فدبى ليست بلد الكعبة الشريفة؛ إنما هى «دبى سعادة» كما يطلق عليها عمرو أديب، دبى يا صاحبة العمامة على رأسك، فيها خمر ونساء وغلمان وحرية مطلقة، والأدب يمنعنى من ذكر التفاصيل.
ونصل إلى النقطة الأهم ومنطقة الخطر الحقيقى، من حق أى فنان أن يفعل ما يشاء وما يريد، كل واحد حر، ولكن إعلام الدولة ومؤسّسات الإنتاج الفنى والثقافى لا يجب أن تصاب بالغفلة والعته وانعدام الرؤية!
هناك دائمًا سياسات تهدف إلى تقوية الهوية الوطنية والحفاظ عليها ودفع الأذى عنها وحمايتها من الأفكار السياسية أو الاجتماعية أو الدينية المتطرفة، ولا أحد فى مصر يستطيع أن ينفى أن الإعلام المصرى قد تم اختراقه بحيث أصبح يدعو ويروج لأشياء من شأنها الإضرار بالصالح العام والقضاء على الشخصية المصرية ذات الصفات الأصيلة وتحويلها إلى مسخ مُهَجَّن لا تعرف إذا كانت سعودية أمْ خليجية أمْ شامية، صدقونى هناك من يعمل على تدمير الشخصيات المصرية.
وتلعب الفضائيات العربية ذات الإمكانيات الواسعة دورًا واضحًا فى سبيل تحقيق ذلك، ونحن هنا غافلون ومخدرون؛ بل نائمون، وللأسف إن بين المصريين المئات من «يهوذا» على أتم الاستعداد للبيع بثلاثين فضة؟!
الآن أصبحت لدينا فصائل لنشر الفكر الوهابى، ولدينا فصائل تسعى لنشر النموذج الإيرانى، ولدينا البهائية، والذى يدفع الثمَن المواطن المصرى المسلم فى اعتدال والعارف بأحكام دينه دون مغالاة، لصالح من يتم تشويه العقل المصرى؟! من الذى يريد أن يسلب مصر نورها الحضارى والثقافى والعلمى، من الذى يَسخر من شعبها الطيب ويبث له الخزعبلات والخرافات ويدفعه إلى الإيمان بها، من الذى يريد أن يحول شعبها إلى قطيع من البشر لا يعرف قيمة العمل وأهمية العلم؟! من الذى يريد لمصر أن تكون بِرْكة مكدسة بالرخويات؟! من الذى يسعى إلى وضع الحجاب على عقول الرجال والنساء معًا وقبل رؤوس النساء؟! ألا يكفينا ما نحن فيه من هوان حتى نعمل بأنفسنا على نشر الهوان ومن خلال الأجهزة المكلفة برعاية عقولنا والحفاظ عليها، أمّا إذا كانت هذه السياسة المطلوبة وهذه إرادة الدولة فأقول برافو، عشرة على عشرة، لقد دمرتم الدين والوطن معًا!
وختامًا؛ قد يتفق معى فريق ويختلف معى فريق، ولكن الحق لا يختلف عليه أحد، فابحثوا عن الحق وتمسكوا به، وأنا معكم فى الحق أسعى إليه.
والله المستعان.