السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى الشرق الأوسط (12) زيارة جديدة لعصر السادات بين الاغتيال والغضب

الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى الشرق الأوسط (12) زيارة جديدة لعصر السادات بين الاغتيال والغضب

قال الأستاذ محمد حسنين هيكل فى أحد حواراته التليفزيونية إن معاهدة «كامب ديفيد» كانت عملية الاغتيال الأولى للرئيس السادات، قبل أن يقوم خالد الإسلامبولى ورفاقه بالاغتيال الثانى له خلال العرض العسكرى الذى أقيم احتفالاً بذكرى النصر العظيم فى السادس من أكتوبر سنة 1981، وأزيد على أستاذنا الراحل؛ بأن الاغتيال الثالث للرئيس كان بواسطة أشهر «صحفى» مصرى وعربى، وتم ذلك بصدور كتابه الشهير «خريف الغضب.. قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات»، لكاتبه الأستاذ حسنين هيكل، نفسه.



 

واليوم وبعد 43 عامًا على رحيل الرئيس البطل بجسده فقط سنة 1981، فظنى أن عمليات الاغتيال الثلاثة، كانت مجرد محاولات فاشلة، عاش بعدها السادات ولا تزال روحه تحلق فوق عالمنا، سعيدًا بانتصاره على كل خصومه (كما تخيل الرئيس السيسي وهو يشيد بعبقرية السادات)، ممن عارضوه وانتقدوه وحاربوه؛ لأنه أبحر عكس التيار السائد فى العالم العربى، وضد رغبة الشارع المصرى، ومد يده بالسلام للعدو الصهيونى، وذهب إلى الكنيست الإسرائيلى «يرتل تراتيل السلام»، فأعاد الأرض وحفظ لمصر شعبها وجيشها؛ ليخوض غمار معارك التعمير والبناء والتنمية، ويبحر بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمان والاستقرار.

 الخريف الذى ظلم هيكل

صدرت الطبعة الأولى من كتاب «خريف الغضب» باللغة الإنجليزية فى لندن وباللغة العربية فى بيروت منتصف سنة 1983، فيما صدرته طبعته المصرية الأولى عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر» سنة 1988، وطوال هذه السنوات الخمس كان الكتاب محظورًا فى القاهرة دون قرار رسمى بمنعه، فقد ظنت الدولة المصرية (وقتها) أن الكتاب يسىء إلى الرئيس السادات. 

فيما كان الكتاب سببًا فى أول تعاون للأستاذ هيكل مع الصحافة السعودية؛ حيث نشر الكتاب فى حلقات مسلسلة فى صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية فى سنة صدور طبعته الأولى، ووقتها كان رئيس تحرير الصحيفة هو الكاتب اللبنانى عرفان نظام الدين.

وفى نهاية الطبعة المصرية، نشر هيكل رسالة وجهها إليه الأديب والمفكر الكبير توفيق الحكيم، رفضت صحيفة «الأهرام» نشرها، لتنشرها صحيفة «الأهالى» التى كان محررها الصحفى فى ذاك الزمان، الكاتب الكبير صلاح عيسى يجرى حوارًا مطولاً مع الأستاذ حول الكتاب وعصر السادات، وتختصر هذه الفقرة أهم ما جاء فى الرسالة: «كل الذى يهمنى بالنسبة لك ولى هو عدم احترام «الرأى الحر».. فاكتب رأيك ولأكتب أنا رأيى.. وليس من الضرورى ان يعجبنى رأيك أو يعجبك رأيى.. المهم أن يوجد الرأيان.. والأهم أن يكون المجتمع خاليًا من السلطة الواحدة المسيطرة برأى واحد فى إمكانه إسكات كل صوت غيره».

 درس «الغضب»

وقد كان كتاب هيكل عن عصر السادات نقطة تحوُّل غيرت نظرتى السلبية لهذه الفترة السياسية، وجعلتنى أعيد اكتشاف تجربة السادات عبر قراءة أكثر اتساعًا وعمقًا، كما استخدمت منهج الأستاذ التحليلى فى إعادة قراءة عصر عبدالناصر، ومن بعدهما عصر مبارك، وخلصت إلى أن شخصنة التاريخ هى المنزلق الذى يختطف حياد الكاتب الباحث، ويدفعه ليسجن عصرًا داخل وجهة نظر بشر قابلة للتأثر وتلوين الأحداث بما يروق لها، حاول هيكل واجتهد لكنه مثل السادات أبحر عكس الاتجاه السائد فالتصقت به فكرة الانتقام من السادات بسبب اعتقاله فى سبتمبر 1981، ومحاولة اغتياله (معنويًا) بعد اغتياله (فعليًا).

ومن رده على رسالة الحكيم اخترت هذا المقطع الذى يشرح فيه لصديقه فكرة كتابه، قائلاً: «لقد بدأت برئيس غاضب. تتذكر كيف كان- رحمه الله- ضيق الصدر ومنفعلاً. آلاف فى المعتقل بقرار. مئات يُفصلون من الجامعات والصحف. بيوت الله- مساجد وكنائس- تنقض عليها الصواعق. قرارات وخطابات ومؤتمرات كلها ساخنة إلى درجة الغليان»، ويكمل: «ولكى أشرح أسباب غضبه فقد حاولت أن أقترب من مفاتيح شخصيته. لم أتخذ من التحليل النفسى معيارًا واحدًا لفهم التاريخ، ولكنى اعتمدته كما يفعلون فى الدنيا كلها أداة ضمن أدوات».

ويتحدث الأستاذ عن الوجه الآخر للغضب، قائلاً: «وكانت جماهير الشعب المصرى غاضبة، وفى الحقيقة فإنها كانت غاضبة منذ يناير 1977، حين اكتشفت بالواقع العملى أن تضحياتها على جسور العبور تحولت إلى أرصدة بنوك للذين لم يكونوا هناك على الجسور. كانت غاضبة على مجموعة من الأزمات تشابكت وتعقدت: غلاء.. إسكان.. مواصلات.. إعلام يحكى بما لا يدرى.. إلى آخره.. وكان الانفتاح وما أدى إليه استفزازًا مستمرًا».

عشر محطات تاريخية

وقد اختزل عصر السادات بين أكتوبر 1970 وصولاً إلى أكتوبر 1981، فى عشر محطات فارقة فى تاريخ مصر، بعضها ذكرته بصياغة أقرب إلى منهج هيكل ومن سار على دربه فى رفض تجربة السادات ومشروعه، وكثير منها رد الزمان فيها غيبة السادات وانتصر له، وثلاث منها بقيت أخطاء لا تغتفر للرئيس الراحل.. وكانت تلك هى أبرز المحطات:

• ثورة التصحيح سنة 1971، والانقلاب على رجال عبدالناصر، واستقرار حكم الرئيس الجديد، وصدور دستور مصر الدائم.

• الاصطدام بالحركة الطلابية التى بلغت أوج نشاطها الاحتجاجى سنة 1972، ثم كان قرار مواجهتها ببعث الروح فى جسد جماعة «الإخوان المسلمون»، ومنحها فرصة تاريخية للتوغل فى أوصال المجتمع المصري.

• خلال معارك النصر العظيم فى أكتوبر سنة 1973، بدأ التواصل مع الإدارة الاميركية مبكرًا بالكشف ثم كان قرار بتوسعة العمليات شرقًا فى سيناء، مما دفع بالأمور لحدوث «ثغرة الدفرسوار» الشهيرة.

• إعادة تأسيس النظام السياسى المصرى، بالتحول الديمقراطى فى الحكم بإطلاق المنابر السياسية ثم إتاحة التعددية الحزبية.

• سياسة الانفتاح الاقتصادى غير الممنهجة وإدارة التحول الكبير نحو اقتصاد السوق من دون رؤية شاملة تتضمن توفير مظلة حماية مجتمعية للفقراء ومحدودى الدخل، مما أدى إلى انفجار الغضب الشعبى المكبوت فيما عُرف بـ«انتفاضة الخبز» فى 18، 19 يناير 1977.

• زيارة الكنيست الإسرائيلى سنة 1977، وبداية الانشقاق العربى وخروج الجامعة العربية من القاهرة، ومقاطعة غالبية الدول العربية لمصر.

• الاندفاع فى المشهد الدولى بلا رؤية استراتيجية وبأكثر مما تحتمله قدرات مصر (أفغانستان على سبيل المثال)، والرهان على إدارتين أمريكيتين متتاليتين، نيكسون ثم كارتر.

• التنازلات التى قُدمت من وجهة نظر كثيرين للوصول إلى اتفاق مع إسرائيل للوصول فى «كامب ديفيد»، ثم معاهدة السلام سنة 1979.

• القرار باستضافة شاه إيران عقب سقوط حكمه بفعل ثورة الخمينى سنة 1979، وهو الأمر الذى تم استغلاله ضد السادات داخليًا وخارجيًا.

• اعتقالات سبتمبر سنة 1981 التى مهدت الطريق إلى مشهد المنصة الحزين فى ذكرى نصر اكتوبر.

ربما يتفق معى كثيرون فى أن عودة «الإخوان» للمشهد السياسى والانفتاح العشوائى واعتقالات سبتمبر 1981، هى أكبر أخطاء السادات وأكثرها تأثيرًا على مستقبل مصر، فيما أنصفته الأيام فيما يتعلق بالحرب والسلام، وأكدت صدق نواياه وراجحة اختياراته. ليبقى الحديث عن السادات وعصره مستمرًا، نحصد الثمار ونتبادل الآراء والأفكار، ما بين إنجازات كبيرة وأخطاء عظيمة، تتأكد دومًا عبقرية الرجل ورؤيته الثاقبة التى عبَرَت بمصر من الهزيمة إلى النصر، ومن اليأس إلى الأمل.