الظاهرة تحولت من فكرة إلى حركة شعبوية تؤيد ترامب بشكل متطرف هل غيرت "الماجا" المشهد السياسى الأمريكى؟
![](/UserFiles/News/2024/10/19/62243.jpg?241020100500)
أعد الملف: مروة الوجيه
ثلاثة أسابيع... العد التنازلى يقترب من لحظة الحسم، اللحظة التى ينتظرها العالم كله.. من الصين الى كوبا.. ومن روسيا الى إفريقيا.. العالم كله ينتظر الخامس من نوفمبر ليشهد آخر هذه الانتخابات التى شهدت تقلبات غير مسبوقة فى موسم واحد من السباق الرئاسى.. هل يعود ترامب إلى البيت الأبيض من جديد أم ستتوج هاريس بلقب أول امرأة ملونة رئيسة للولايات المتحدة؟
وهل سيكون هذا اليوم تمهيدًا لمشهد فريد آخر مثل اقتحام الكونجرس فى 2021؟ ماذا ستفعل «الترامبيستا» حال هزيمة ترامب.. الترامبيستا أو الماجا كما يطلقون على أنفسهم أصحاب شعار MAKE AMERICA GREAT AGAIN المجموعة التى بدأت تشق طريقها داخل الولايات المتحدة بصورة غير طبيعية ادعوا فيها أنهم حماة الحريات والثقافة الأمريكية، يرون أن المهاجرين آفة يجب محاربتهم، فهم من دمروا سوق العمل وأخذوا وظائف الأمريكيين، بل وكانوا السبب فى تراجع الاقتصاد الأمريكى أمام الصين.. وربما هم أيضًا سبب الحروب الدائرة الآن؟ الميجا أصبحت نهجا سياسيا وليست مجرد حركة شعبية لأنصار ترامب.. فماذا تحمله الماجا لنا فى انتخابات نوفمبر؟ وهل تصبح الماجا النهج الجديد لديمقراطية بلاد العم سام؟
ملاذ من العولمة
شعار سرعان ما تحول لحركة ذات أفكار.. أثارت قلقًا واسعًا فى الولايات المتحدة.. وهو «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
«MAKE AMERICA GREAT AGAIN»، والتى تختصر إلى «ماجا»، الأحرف الأولى من هذا الشعار الذى ابتكره الرئيس الأمريكى السابق، والمرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، كان علامة لحملته الانتخابية عام 2016، إلا أنه -مع مرور الأيام- تحول إلى حركة شعبوية لمجموعة من المؤيدين لترامب، تتمحور أفكارهم حول مزيجٍ من القومية، والشعبوية، والحمائية الاقتصادية، وباتت تعرف باسم «ترامبيستا»، أو «ماجا».
المحللون السياسيون اعتبروا أن تلك الحركة المحافظة التى تساند المرشح الجمهورى بشكل متطرف، هى ملاذ لمن يعانون من الضغوط الاقتصادية، والتغيرات الثقافية والتكنولوجية السريعة؛ فيما يعتقد البعض أنّ الترامبيستا هم قطاع من المجتمع الأمريكى يشعر بخيبة أمل شديدة من النظام السياسى القائم.
ومع ذلك، فإن التحولات الاقتصادية والثقافية ليست وحدها التى وفرت أرضية مناسبة لظهور هذه الحركة وصعودها، وإنما شخصية الرئيس الأمريكى السابق ترامب وطريقة كلامه، وخطابه معهم بلغة بسيطة بعيدة عن البلاغة السياسية.
الولاء الشديد الذى يكنه أعضاء الماجا لشخصية «ترامب» أثارت مخاوف داخلية كبيرة بين السياسيين والمسئولين، إذ أعربوا عن قلقهم من أن تتحول السياسة الأمريكية إلى قضية انتمائية تتسمك بالهوية بدلًا من الحرية السياسية، خاصة بعد ما رأوه خلال أحداث الكابيتول الشهيرة وغير المسبوقة على التاريخ الأمريكى، حينما اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول فى 6 يناير 2021، اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية وخسارة مرشّحهم، وتشير أصابع الاتهام حينها لتلك الجماعة.
تيّار «الماجا» عادة ما يتهم بالعنصرية، ويتبنى خطاب كراهية ضد الأقليات، يسهم فى التحريض على العنف، ومن بين أكبر معارضى هذا التيار، الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن، الذى وصف -فى وقت سابق- مؤيدى «ماجا» بأنهم متطرفون؛ مشيرًا إلى الخطر الذى يمثله هذا التيار، بسبب مهاجمته حرية الصحافة والانتخابات وتقويض مصداقيتها؛ مما يجعلهم خطرًا داخليًا كبيرًا يواجه الولايات المتحدة.
فقدان الهوية
رغم أن الولايات المتحدة تعتبر من الدول التى بنيت على شعوب مهاجرة، فإن تلك الشعوب كانت فى الأغلب قادمة من القارة الأوروبية، ذات البشرة البيضاء ويتبعون المسيحية دينًا، وهكذا يعرّف عدد كبير من الأمريكيين ثقافتهم، ولكن التغييرات الديموغرافية الناتجة عن توافد المهاجرين من أغلب دول العالم، وفى أعداد أكبر من أمريكا اللاتينية، أحدث تغييرًا، ليس ديموغرافيا فحسب، وإنما ثقافيًا أيضًا.
وحاليًا أضحت المخاوف من فقدان الهوية الوطنية، كما يراها الأمريكيون البيض خاصة، عاملًا محوريًا فى جاذبية الترامبيستا أو الماجا. فوفق محللين فإن هناك شعورا بأن هوية أمريكا تتلاشى، وأن الحزب الديمقراطى يكسر القيم التقليدية.
ويوضح بتير روف، وهو باحث وكاتب محافظ، أن الخوف من الهجرة غالبًا ما يكون مشحونًا بالعنصرية: «هناك ازدواجية فى المعايير. لا أحد يستهدف المهاجرين الإيرلنديين غير الشرعيين، لكن يتم استهداف اللاتينيين والهايتيين».
وأضاف روف، فى حديث صحفي: «الخوف من الهجرة يتغذى على مشاعر فقدان السيطرة، ليس فقط اقتصاديًا، بل اجتماعيًا. يشعر كثيرون بأن التغيير السريع فى التركيبة السكانية والثقافية للبلاد يمثل تهديدًا للقيم التقليدية التى يعرفونها، إذ من السهل إلقاء اللوم على المهاجرين عندما يشعر الناس أن وظائفهم وثقافتهم مهددة».
وتأتى وعود ترامب بترحيل نحو مليون شخص من المهاجرين غير الشرعيين، وإغلاق الحدود مع المكسيك لتلبى رغبة أمريكية بـ«الحفاظ على الهوية الثقافية والقومية».
ترامب.. الصديق
التحولات الاقتصادية والثقافية ليست وحدها التى وفرت أرضية مناسبة لظهور «الترامبيستا» وصعودها، وإنما شخصية الرئيس السابق ترامب وطريقة كلامه، حيث يوضح أنصاره أن المرشح الجمهورى يتحدث بلغة الشارع، كما لو كان يتحدث إلى أصدقائه، بلغة بسيطة بعيدة عن البلاغة السياسية الملتوية. ولعل خبرته فى عالم الميديا كـ “Showman” منحته القدرة على معرفة كيفية التواصل مع الجمهور ومداعبة مشاعرهم.
«الترامبيتسا» والعنصرية
مناصرو ترامب دائمًا ما يأخذ عليهم سمة «العنصرية» بأنهم يواجهون كل من ليس أمريكيًا ذا ملامح بيضاء ويتبع الدين المسيحى، يناهضون كل من يأتى إلى بلادهم من أصحاب البشرة الملونين، هذه الفئة التى سيطرت على الأعمال والوظائف بل وعملت على تراجع الاقتصاد الأمريكى أمام منافسيه، لكن هل هذه هى الحقيقة؟ هل بالفعل يدعو ترامب إلى سيطرة العنصر الأبيض فقط على بلاده؟
وفق تصريحات لمسعد بولس، منسق العلاقات العربية لحملة دونالد ترامب وصهره، والد مايكل بولس زوج ابنته تيفانى، لقناة القاهرة الإخبارية، الذى أوضح أن عائلة ترامب من أصول مهاجرة ألمانية، كما أن أبناءه متزوجون من عائلات من أصول مهاجرة أيضًا، مسعد بولس من أصول لبنانية، لذلك فهو ليس ضد المهاجرين بشكل عام لكنه يكافح للوقوف أمام الهجرة غير الشرعية التى أدت إلى العديد من الأزمات فى الداخل الأمريكى، أما فيما يتعلق بعنف جماعة «الماجا» أو «الترامبيستا» أوضح بولس، أن العنف ليس من سمات ترامب أو أنصاره وهو ضد كل من استخدام العنف فى أى من شعاراته أو تجماعته الانتخابية، لكن بسبب حدة المنافسة مع الفريق الديمقراطى، قد يتم استغلال بعض تصريحات ترامب بصورة خاطئة والترويج لها ببروباجندا إعلامية.
كما أوضح بولس، أن ترامب تجمعه العديد من العلاقات الطيبة من رؤساء الدول العربية والمسلمين، وهو لا يسعى لإثارة حروب فى الشرق الأوسط مثلما نرى الآن، بل يسعى دائمًا إلى حقن دماء الشعوب، وهو ما رأيناه خلال فترة حكمه للبيت الأبيض التى قدم خلالها أربع سنوات دون حروب.
الديمقراطية الأمريكية
الترامبيستا أصبحت رمزا سياسيا يدافع عن حقوق الأمريكيين، وسواء شئنا أم أبينا، فقد أصبح ترامب رمزا من رموز الحفاظ على الهوية الأمريكية، كما أصبح رمزا لقوة الشارع الأمريكى وسواء كانت الترامبيستا مجرد حركة شعبوية، إلا أنها أصبحت ذات قوة مؤثرة فى الشارع الأمريكى، ورغم أن كثيرًا من الخبراء يحذرون من الولاء الشديد للشخص «ترامب» قد يُضعف الديمقراطية الأمريكية إذ إنه عندما تتحول السياسة إلى هوية بدلًا من سياسة، يصبح من الصعب إيجاد تسوية. الديمقراطية تعتمد على التوافق، لكن الترامبية تزدهر فى الصراع.
ولكن يبقى السؤال الأهم، هل يمكن أن تستمر «الترامبيستا» من دون ترامب؟ يرى مارك هاركينز، الزميل أول فى معهد الشئون الحكومية، أنه «من دون ترامب، قد تنقسم التحالفات التى بناها. ومن غير الواضح ما إذا كان يمكن لأى شخص آخر توحيد هذه الفصائل المختلفة.
ولكن القضايا التى سمحت لـ«الترامبيستا» بالازدهار - كالقلق الاقتصادى والتوترات الثقافية - لن تختفى بسهولة. حتى لو لم يكن ترامب على ورقة الاقتراع، فإن الإحباطات التى غذت صعوده ستظل قائمة.