بالتوازى مع الرئاسة.. تنافس حاد للسيطرة على الكونجرس الأمريكى
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، 5 نوفمبر المقبل؛ تهيمن المنافسة الشرسة بين كامالا هاريس ودونالد ترامب على اهتمام الرأى العام العالمى، إلا أن هذا السباق لا ينحصر بالنسبة للأمريكيين فى هوية قاطن البيت الأبيض، إذ إن ثمّة سباقًا آخر يوازيه أهمية وهو الانتخابات التشريعية التى يتنازع فيها الديمقراطيون والجمهوريون على حصد الأغلبية فى مجلسَى الشيوخ والنواب.
وبينما تسلط الأضواء كلها على السباق الرئاسى، ستحدد مئات دوائر الكونجرس فى أنحاء البلاد إن كان الرئيس القادم سيحصل على غرفتى الكونجرس معًا موحدة مكرسة لتطبيق أجندته... أمْ أنه ستواجه سياساته اصطدام بطريق بيروقراطى مسدود.
قلعة الديمقراطية
ويطلق على الكونجرس الأمريكى أو «الكابيتول هيل» والذى يعد قلعة الديمقراطية ورمزها فى العالم، وهذا المقر المطل على منتزه ناشيونال مول، منقسم بين مجلس النواب؛ حيث يتم الاقتراع على جميع مقاعده البالغ عددها 435، ومجلس الشيوخ المكون من 100 مقعد، يتم الاقتراع على 34 منها.
ويتولى المجلسان مهام صياغة القوانين والإشراف على باقى فروع الحكومة، لكنهما يحملان أهمية بالغة جدًا بالنسبة للشئون الدولية، إذ يحددان ميزانية الدفاع، وينظمان التجارة والرسوم الجمركية، ويخصّصان المساعدات للخارج.
ونذكر أنه فى فترة تولى ترامب مهام الرئيس الأمريكى، منعه الكونجرس من المضى قدُمًا فى خفض موازنة وزارة الخارجية وإلغاء برنامج «أوباما كير» للتأمين الصحى، ويمكن للنواب بأن يقفوا فى طريقه مجددًا إذا عاد للمكتب البيضاوى.
ومثلما نرى التقارب القوى بين هاريس وترامب فى المنافسة على كرسى المكتب البيضاوى، نشاهد أيضًا تقاربًا قويًا بين فرص الحزبين الجمهورى والديمقراطى الساعين إلى السيطرة على الكونجرس، وذلك قبل نحو 20 يومًا من موعد الانتخابات فى الخامس من نوفمبر المقبل.
الشيوخ.. انتخابات محسومة
ويرجّح أن ينتقل مجلس الشيوخ بفارق ضئيل للغاية إلى الجمهوريين؛ نظرًا إلى خريطة الانتخابات الصعبة التى يواجهها الديمقراطيون؛ حيث يتمتع الديمقراطيون بأغلبية بسيطة فى مجلس الشيوخ، تتجسد بـ48 مقعدًا ديمقراطيًا، مقابل 49 مقعدًا جمهوريًا، و3 مقاعد يشغلها مستقلون؛ اثنان منهم يصوتان مع الديمقراطيين، ما يجعل المعادلة الفعلية فى عملية التصويت 50 صوتًا ديمقراطيًا.
الحزب الديمقراطى يحظى بأغلبية فى مجلس الشيوخ بمقعد واحد فقط، لكنه يدافع عن نحو ثلث المقاعد التى يتم الاقتراع عليها. وبعض هذه المقاعد فى ولايات هيمن عليها ترامب مرتين فى السابق.
وبالإضافة إلى هذه المقاعد، تشهد ولايتا نبراسكا وكاليفورنيا انتخابات استثنائية، الأولى لشغر مقعد السيناتور الجمهورى بن ساس الذى غادر المجلس وعيّن حاكم الولاية عضوًا جمهوريًا ليخدم مكانه حتى انتخابات نوفمبر، والثانية لشغر مقعد السيناتورة الديمقراطية دايان فاينستاين التى تُوفيت فى سبتمبر الماضى.
وسيبدأ الديمقراطيون فى مجلس الشيوخ ليلة الانتخابات بعجز تلقائى بمقعد، إذ لا فرصة لديهم للاحتفاظ بمقعد المعتدل المتقاعد جو مانشين فى غرب فيرجينيا، إحدى الولايات الأشد تأييدًا لترامب. ويأمل الديمقراطيون فى موازنة أى خسائر عبر إطاحة ريك سكوت عن فلوريدا، الذى تراجعت صدارته بـ4 نقاط، أو تيد كروز المتقدم بـ5 نقاط فقط، والذى يواجه خطر إلغاء سيطرة حزبه المتواصلة منذ نحو 3 عقود على تكساس.
كما يراهن الديمقراطيون على أن يحشد استفتاء بشأن الإجهاض التأييد لهم فى ولاية فلوريدا، رُغْمَ أن الغضب بشأن القيود التى قادها الجمهوريون على الرعاية الصحية المرتبطة بالإنجاب لم تؤثر فى التأييد للحزب فى الولاية فى انتخابات منتصف المدة الرئاسية عام 2022.
النواب..الأكثر مصداقية
أمّا فى السباق الآخر؛ فيأتى مجلس النواب، هذا المجلس المسئول الأول عن القرارات التى تتعلق بالداخل الأمريكى، ويسيطر على هذا المجلس فى الكونجرس الحالى الجمهوريون بـ220 مقعدًا من أصل 435، مقابل 212 للديمقراطيين، مع وجود 3 مقاعد شاغرة.
وتعد انتخابات مجلس النواب انعكاسًا أكثر مصداقية للمزاج السياسى السائد فى الولايات المتحدة من انتخابات مجلس الشيوخ، إذ يتم تغيير النواب كل عامين، بينما لا يتم الاقتراع على مقاعد مجلس الشيوخ إلا كل 6 سنوات.
ونجح الجمهوريون بغالبيتهم البسيطة فى عرقلة أعمال المجلس التشريعى وقرارات الرئيس جو بايدن عدة مرات، لكنهم فى الوقت نفسه يواجهون موجة انقسامات داخل أعضاء الحزب الجمهورى نفسه، مع محاولة عدد صغير من النواب من أقصى اليمين فرض أجندتهم على رئيس المجلس؛ الجمهورى مايك جونسون.
وبلغت هذه الاختلافات «الجمهورية- الجمهورية» التهديد بعزل جونسون، المدعوم من ترامب.
فى المقابل؛ تمكن الديمقراطيون من الترويج للإنجازات التى حققوها فى جولات انتخابية أخرى عبر الإشارة إلى أن الولاية الأخيرة فى مجلس النواب بقيادة الجمهوريين، والتى تخللتها خلافات داخلية، كانت من بين الأكثر فشلًا والأقل إنتاجًا فى تاريخه على مدى 235 عامًا.
وقال أستاذ السياسة فى جامعة تكساس المسيحية كيث جادى إن الديمقراطيين قادرون على السيطرة على مجلس النواب، لكنه لا يراهن على أن الحزب سيحقق إمكاناته.
ومع بداية العام الجارى، قرر 23 نائبًا ديمقراطيًا عدم خوض الانتخابات لتجديد ولاياتهم، مقابل 21 جمهوريًا. وفى حين يسعى الجمهوريون للاحتفاظ بأغلبيتهم وتعزيزها، يذكر هال لامبرت، المستشار الاستراتيجى الجمهورى، بالمعادلة التاريخية التى عادة ما تظهر أن الحزب الفائز بالرئاسة هو الحزب الذى سينتزع الأغلبية فى مجلس النواب. موضحًا خلال حديثه: «فى مجلس النواب، يعود الأمر إلى الفائز بالانتخابات الرئاسية.
أعتقد بأنه إذا فاز ترامب؛ فسيفوز الجمهوريون بمجلس النواب ويعززون أغلبيتهم هناك. أمّا إذا فازت هاريس؛ فمن المحتمل أن يخسر الجمهوريون مجلس النواب».
المال.. وأهمية الكونجرس
السيطرة على مجلسَى الشيوخ والنواب ربما يكون لها تأثير أكبر فى الاقتصاد عن التأثير السياسى، وربما تكون أكثر أهمية بالنسبة إلى المستثمرين والأسواق، فالمرشحون للرئاسة قادرون على تقديم كل أنواع الوعود فى شأن أجندة السياسة التى سينتهجونها إذا ما انتخبوا، لكن الكونجرس هو المسئول فى نهاية المطاف عن تحويل المقترحات السياسية إلى قوانين قد تخلف تأثيرًا مباشرًا فى الأسواق.
ولم تسجل البيانات التاريخية أى تأثير يذكر للانتخابات الرئاسية الأمريكية على الأسواق فى أى وقت مضى، وفى المقابل فإن الحزب الذى يسيطر على مجلسَى النواب والشيوخ سيكون له تأثير كبير فى أجندة السياسة الاقتصادية عام 2025، بحسب ما تلخص مذكرة حديثة لبنك الاستثمار «تشارلز شواب»، مشيرة إلى أن «معركة الكونجرس» أكثر أهمية للأسواق من الماراثون الرئاسى، فى وقت سيواجه الكونجرس فى العام المقبل قضيتين ضخمتين بالغتى الأهمية للأسواق: معركة سقف الديون والضرائب.
وفى يونيو 2023؛ توصّل الكونجرس إلى اتفاق لتعليق سقف الدَّيْن حتى الأول من يناير 2025، وحد الديْن هو السقف الأقصى الذى فرضه الكونجرس على إجمال مَبلغ الديْن الذى يمكن للولايات المتحدة أن تقترضه، ويتعين على الكونجرس رفع أو تعليق الحد بصورة دورية، إذ إن الفشل فى فعل ذلك يضع الولايات المتحدة فى حالة تخلف عن السداد للمرة الأولى فى تاريخها.
وفى يناير المقبل ستكون البلاد عند هذا الحد، الذى تجاوز أخيرًا 35 تريليون دولار للمرة الأولى، وعادة ما تستخدم وزارة الخزانة ما تسميه «تدابير استثنائية»، وهى سلسلة من الخطوات التى يمكنها اتخاذها لتفادى التخلف عن السداد موقتًا، لكن هذه الخطوات لا تمنح الكونجرس سوى بضعة أشهُر إضافية، فبحلول ربيع عام 2025 سيحتاج الكونجرس إلى رفع الحد.
وأدى عدم اليقين فى شأن موعد معالجة الكونجرس لسقف الديْن والقلق من التخلف المحتمل عن السداد إلى تقلبات فى السوق فى السنوات الأخيرة.
أمّا القضية الثانية التى يتعين الكونجرس النظر إليها فهى الضرائب؛ حيث من المقرر أن تنتهى جميع التخفيضات الضريبية لعام 2017 - بما فى ذلك خفض معدلات ضريبة الدخل الفردى، وزيادة الخصم القياسى، وزيادة مقدار الأصول التى يمكن توريثها من دون التسبب فى فرض ضريبة التركة، وعشرات الأحكام الأخرى- فى نهاية عام 2025، وهذا يعنى أن التشريعات الضريبية الرئيسة تشكل أولوية قصوى فى العام المقبل.
وتعتبر الضرائب إحدى القضايا الرئيسية فى مسار الحملة الرئاسية، إذ كان المرشحان دونالد ترامب وكامالا هاريس يعبران ليس فقط عمّا يفضلانه فيما يتعلق بالأحكام المنتهية الصلاحية؛ لكن أيضًا عن التغييرات الضريبية الأخرى التى يرغبان فى رؤيتها فى حزمة العام المقبل.
وبينما يدعو ترامب إلى تمديد جميع الأحكام المنتهية الصلاحية، مع إنهاء الضرائب على دخل الإكرامية، ومزايا الضمان الاجتماعى، وأجر العمل الإضافى، تدعم هاريس السماح بانتهاء صلاحية بعض التخفيضات الضريبية مع تمديد بعض التخفيضات التى تؤثر فى المقام الأول على الأفراد ذوى الدخل المنخفض، كما دعت إلى توسيع الائتمان الضريبى للأطفال، وحوافز ضريبية جديدة لمشترى المنازل للمرة الأولى، وخصم ضريبى معزز لكلفة بدء تشغيل أصحاب الأعمال الصغيرة.
وأخيرًا؛ تقول مذكرة «شارلز شواب» إن الانتخابات الرئاسية لم تؤثر يومًا فى الأسواق، إذ بلغ متوسط العائد الإجمالى لمؤشر «ستاندرد أند بورز 500» 7.5 % فى أعوام الانتخابات الرئاسية منذ عام 1928، فى حين انخفض المؤشر أربع مرات فقط فى عام الانتخابات الرئاسية: فى أعوام 1932 و1940 و2000 و2008.
بعبارة أخرى تحفز مذكرة «شارلز شواب» المستثمرين بضرورة الاستثمار فى عام الانتخابات، فالأسواق لا تهتم حقًا بالانتخابات نفسها، ومن المؤكد أن الأسواق لا تهتم بالدراما اليومية فى السباق الرئاسى التى قد تهيمن على العناوين الرئيسة للصحف خلال الأسابيع القليلة الأخيرة قبل يوم الانتخابات، ومن المرجح أن تتأثر الأسواق بصورة أكبر بالعوامل المعتادة فى الأشهُر المقبلة: أرباح الشركات والبيانات الاقتصادية والسياسة النقدية، وقد تكون سنوات الانتخابات عاطفية، ويبدو أن انتخابات عام 2024 عاطفية، لكن لا ينبغى للمستثمرين السماح لهذه المشاعر بإملاء قراراتهم الاستثمارية.