الصهيونية اعتمدت على الأنثى فى العمليات المخابراتية قبل قيام الدولة نساء الموساد فى طهران
آلاء البدرى
يعد جهاز المخابرات الإسرائيلى الموساد، أكثر الأجهزة الاستخباراتية فى العالم اعتمادا على النساء فى عمليات التجسس، خاصة فى الدول الشرقية، وكانت النساء دائمًا العمود الفقرى لعملياته الاستخباراتية، وتتراوح مساهماتهن بين الاستخدام الجنسى والإغراء والخبرة اللغوية إلى التعرف على الأنماط وجمع المعلومات الاستخباراتية البشرية وتحليل البيانات والابتكار التكنولوجى، إلى القيادة على أعلى المستويات.
ومؤخرًا تم تعيين امرأتين فى مناصب عليا لأول مرة، إحداهما مدير الاستخبارات العليا فى الوكالة، ومسئولة عن تشكيل الصورة الاستخباراتية الاستراتيجية على المستوى الوطنى، بشأن سلسلة من القضايا بما فى ذلك البرامج النووية فى منطقة الشرق الأوسط والتطبيع مع العالم العربى، وإدارة شبكات الجواسيس، ومئات الموظفين فى مجالات جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها.
والأخرى تشغل منصبًا رئيسيًا كرئيسة لمكتب إيران فى الموساد، وذلك بعد أن حققت عمليات الموساد نسبة نجاح كبيرة فى طهران، وهى مسئولة عن استراتيجية المنظمة ضد التهديد الإيرانى بكل أشكاله والتنسيق بين الفروع العملياتية والتكنولوجية والاستخباراتية، بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلى، وفروع الأمن الأخرى ذات الصلة.
إن اعتماد الموساد على النساء ليس سياسة مستحدثة، إنما يدعى الإسرائيليون أنه إلزام دينى مأخوذ من نصوص مقدسة تثبت براعة المرأة اليهودية فى التجسس والتخلص من الأعداء، حيث ذكر سفر يهوديت فى العهد القديم اغتيال الجنرال الآشورى هولوفيرن على يد الجاسوسة الإسرائيلية جوديث بمساعدة خادمتها، حيث قطعا رأس الجنرال بعد أن غرق فى النوم وهو فى حالة سكر.
وتعتبر إيران من الدول السهلة التى يتمتع فيها الموساد وعملاؤه وعميلاته بحرية كبيرة بسبب الاضطرابات الداخلية المستمرة، وضعف جهازها المخابراتى، وعدم إيمان مواطنيها بالانتماء إلى النظام الحاكم أو الدولة، فهى دولة شابة يحكمها كبار السن، وحوالى 72 % من سكان إيران لم يكونوا قد ولدوا وقت الثورة الإسلامية عام 1979، عندما استولت السلطة الدينية بقيادة آية الله الخمينى على السلطة بعد إجبار النظام المدعوم من الولايات المتحدة على التنحى.
وبدأ ذلك واضحا فى السنوات الأخيرة التى كشفت عن عدد من فضائح اختراق الموساد لأماكن حساسة أيضا داخل فيلق الحرس الثورى الإيرانى، وليس فقط عمليات تجسس، بل اعتقال واستجواب عملاء الحرس الثورى الإيرانى على الأراضى الإيرانية، ومنهم منصور رسولى ويبلغ من العمر 52 عامًا، واعترف بخطة لاغتيال دبلوماسى إسرائيلى فى تركيا، وجنرال أمريكى متمركز فى ألمانيا، وصحفى فى فرنسا، ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية ملفًا صوتيًا لاعتراف رسولى دون الكشف عن مصدره، لكن أهم العمليات التجسسية الناجحة والمؤثرة قامت بها نساء الموساد فى طهران.
سرقة الأرشيف النووى
سرقة الأرشيف النووى من أجرأ عمليات الموساد فى طهران على الإطلاق، فقد قرر القادة الإسرائيليون أن تكون المرأة هى التى تعمل على جمع وإرسال جميع المعلومات المطلوبة، على أساس أن امرأة تتجول فى حى يحتوى على أرشيف نووى سرى للغاية قد تجتذب اهتمامًا أقل من اهتمام رجل غريب، فرشح يوسى كوهين رئيس الموساد السابق عميلة للموساد تتحدث الفارسية بطلاقة وتحمل شهادة فى الهندسة، ولم يكشف الموساد عن كيفية تسللها إلى إيران لأسباب أمنية واضحة، وهى استمرار تدفق عميلات جدد إلى طهران.
مكثت فتاة الموساد هناك لعدة أيام، وكانت تبدو وكأنها مواطنة محلية عادية، وكانت برفقة رجل دائمًا للتمويه، لأن المرأة التى تتجول بمفردها فى أى مجتمع إسلامى محافظ قد تجذب الانتباه، وقام الزوجان بعدة زيارات إلى منطقة المستودع، وفى كل مرة كانت المرأة ترتدى ملابس مختلفة حتى لا تصبح موضع فضول من جانب السكان المحليين، والأهم من ذلك حراس الأمن الذين كانوا متمركزين فى المستودع أثناء النهار.
وبينما كانت المرأة فى طهران كان كوهين والمساعدون القلائل الذين كانوا يعرفون ما يجرى يعيشون فى قلق عصبى، وكانوا قلقين للغاية من اكتشاف أمر العميلة المهمة، ثم تمكنوا من التنفس الصعداء عندما عادت هى ورفيقها سالمين حاملة كل المعلومات المهمة التى تمكنهم من إتمام العملية دون مخاطرة.
حملت المرأة معها معلومات استخباراتية حساسة للغاية مكنت أعضاء فريق الموساد من التحرك بسهولة وسرعة، كانوا يرتدون نظارات الرؤية الليلية، وكانوا مسلحين بمسدسات مزودة بكواتم صوت فى حالة مواجهتهم للمقاومة فى الداخل، أو فى حالة اكتشاف العملية، ووقعت السرقة الفعلية فى حدود المستودع الضيقة، وتم تركيب حاويتين للشحن على مقطورات مسطحة يمكن سحبها بواسطة شاحنة ونقلها فى غضون مهلة قصيرة فى الداخل.
كانت الملفات النووية مخزنة فى صفين من ثمانية خزائن فولاذية بارتفاع مترين متقابلين مع متر واحد بالكاد بينهما، كان لا بد من قطع الخزائن وإزالة المحتويات ذات القيمة العالية فقط، وإلا فإن الحمولة ستكون كبيرة جدًا بحيث لا يمكن إزالتها فى الوقت المتاح للفريق وكبيرة جدًا بحيث لا تتسع للشاحنات التى تنتظر نقلها بعيدًا.
كان فريق الموساد قد تدرب على عملية السرقة عدة مرات، على نموذج فردى فى دولة أجنبية لا تزال هويتها سرية، وتدربوا على كل جانب من جوانب العملية من اقتحام المستودع لتحديد الوقت الذى يستغرقه قطع الخزائن فى الواقع، وقد حصل الموساد على نفس النموذج من الخزائن المصنوعة فى إيران والتى تستخدم لتخزين الأرشيف النووى، وتمت العملية بنجاح وخرج الأرشيف النووى إلى إسرائيل، وكشفت عنه فيما بعد لتؤكد جهود إيران الطموحة والسرية للغاية لبناء أسلحة نووية، شملت أبحاثًا مكثفة فى تصنيع معدن اليورانيوم، بالإضافة إلى اختبارات متقدمة للمعدات المستخدمة فى توليد النيوترونات لبدء تفاعل نووى متسلسل، وتظهر أيضا معلومات صريحة حول تصميم الأسلحة من مصدر أجنبى، وكانت على وشك إتقان تقنيات رئيسية لصنع القنابل عندما صدر الأمر بوقف الأبحاث قبل خمسة عشر عامًا.
اغتيال مجيد شهريارى
ترى إسرائيل أن الطريقة الأكثر فعالية التى يتم استخدامها لوقف البرنامج النووى الإيرانى وطموحاتها، هى اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
وأدت عمليات الاغتيال إلى القضاء على أشخاص يتمتعون بمعرفة وخبرة قيمة، وأجبرت الحكومة الإيرانية على تنفيذ تدابير أمنية صارمة، مثل البحث عن عملاء الموساد، وفحص المعدات بحثًا عن الفيروسات، وتعيين حراس شخصيين للعلماء، مما أدى إلى تأخير البرنامج لسنوات، وتسبب فى ترك العديد من العلماء الإيرانيين للبرنامج.
ومن أشهر عمليات الموساد التى قادتها إحدى نساء الموساد هى اغتيال العالم الكبير مجيد شهريارى، حيث وضع عميلان على متن دراجة نارية قنبلة على سيارته ثم فجراها، مما أدى إلى مقتله على الفور.
وقد أكد ميخائيل بار زوهار، والصحفى نيسيم ميشال فى كتابهما «محاربات الموساد»، إن العميل الذى قام بربط العبوة الناسفة بالسيارة كانت امرأة على ما يبدو، وهى التى جمعت معلومات عن تحركاته بشكل دقيق.
وقد أكد وزير الخارجية الإيرانى الرئيس السابق للوكالة النووية الإيرانية على أكبر صالحى، أن مخابرات الكيان الصهيونى تمكنت من ملاحقة العلماء النوويين الإيرانيين الأكثر أهمية فى البلاد فى إيران والأردن وبلدان أخرى، ثم خططت لتصفيتهم بطرق مختلفة وبشعة.
وأضاف أن مجيد شهريارى ومسعود على محمدى وهما عالمان نوويان بارزان فى إيران عملا فى مركز أبحاث بالأردن على مشروع علمى يسمى «سيزامى» - (المركز الدولى) لعلوم ضوء السنكروترون والتطبيقات التجريبية فى الشرق الأوسط، وعندما علمت بمشاركتهما فى هذا المشروع عن طريق ممثلين لإسرائيل كانوا مشاركين أيضا فى المشروع خططوا لاغتيالهما، ونفذوا مخططهم لاحقا فى طهران.
واتهمت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مباشر بعملية الاغتيال من أجل الإضرار بالبرنامج النووى الإيرانى، وردت إسرائيل الاتهامات مدعية أن النظام الإيرانى قد قضى على شهريارى خوفا من أن يكشف أسرار إيران النووية. وأكد الكتاب أيضا أن عدة نساء شاركن أيضًا فى عملية فى فيينا لكشف أسرار سوريا النووية فى عام 2007، حيث تمكنت إحدى العميلات من الحصول على نسخة من مفتاح غرفة رئيس هيئة الطاقة الذرية السورية، كما رتبت امرأة أخرى موعدًا معه لإغرائه بالخروج من الفندق، وبفضل هذه العملية تمكن الجيش الإسرائيلى من شن غارة جوية على منشأة فى شرق سوريا، يشتبه فى أنها تضم مفاعلًا نوويًا يتم تطويره سرًا من قبل النظام السورى بالتعاون مع كوريا الشمالية.
فى ذلك الوقت أصدر الجيش وثائق بما فى ذلك لقطات من قمرة القيادة وصور للضربة، مؤكدًا أن المفاعل كان قيد الإنشاء بمساعدة كوريا الشمالية، وكان يعمل لبضعة أشهر فقط، وبعد سنوات عديدة تلمح إسرائيل إلى أن المفاعل كان إيرانيا لكن على أرض سورية، وأن العملية كانت تستهدف البرنامج النووى الإيرانى.
امرأة أوقعت 100 مسئول إيرانى
تمكنت كاثرين بيرزشكدام خلال فترة عملها فى وسائل الإعلام الإيرانية بما فى ذلك وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثورى الإيرانى، والموقع الرسمى للمرشد الأعلى، من نشر فضائح المسئولين الإيرانيين، وتفاصيل حساسة عنهم تتعلق بالأمن القومى.
وأكدت الصحف الإسرائيلية إن عميلتها تمكنت من إيقاع أكثر من 100 مسئول إيران فى شباكها، واستدرجتهم فى عمليات زواج مؤقت حتى تحصل على معلومات حساسة وقيمة، ويعد رجال الدين من أبرز الشخصيات التى استهدفتها كاثرين، حيث كانوا يشغلون مناصب مهمة فى إيران.
أوضحت كاثرين أنه وفى جلسات خاصة وحميمة كان المسئول يتحدث عن أسرار الدولة وجلسات البرلمان المغلقة، وعلاقات رجال الدولة المشبوهة.
كانت كاثرين قد دخلت إلى طهران بجواز سفر فرنسى، وساعد زواجها من يمنى مسلم عن إبعاد الشكوك عنها، وبرز اسم كاثرين بيريز شكدام بعد أن كتبت فى مذكرة على موقع «إسرائيل تايمز» الإخبارى على الإنترنت عن تجربتها فى إيران، وحذرت من «معاداة السامية» لقادة الجمهورية الإسلامية والبرنامج النووى للبلاد.
يدعى رؤساء الموساد أن كل عملياته تقريبا لصالح الأمن القومى الإسرائيلى، وأن دمج النساء والاعتماد عليهن فى العمليات المخابراتية سياسة قديمة اتبعتها الصهيونية حتى قبل قيام الدولة، وأن النساء فى الموساد لديهن كل الصلاحيات للتمتع بالإمكانيات غير المحدودة المتاحة لهن فى الجهاز، وأن الموساد مثال للأجهزة الأمنية الأخرى فيما يتعلق بدمج النساء فى الأدوار الرئيسية، واليوم تشكل النساء ما يقرب من 50 % من المجندين فى الموساد، وفى عام 2017 أطلقت وكالة التجسس حملتها الأولى لاستهداف المجندات الإناث، ودعت الإعلانات عبر الإنترنت «النساء القويات» اللاتى يتمتعن بصفات شخصية خاصة للتقدم بطلبات الالتحاق.