الأحد 13 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نتنياهو أخفق فى ملف المحتجزين وأشعل الشرق تداعيات الحرب الإسرائيلية على «الجبهات المفتوحة»

لا تزال أصداء عملية «طوفان الأقصى» تلقى بظلالها بقوة داخل الأوساط الإسرائيلية  والعالمية نظرًا للآثار المترتبة عليها سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا لعديد من الدول، سواء فى الشرق بفتح جبهات صراع جديدة تحاول فيها إسرائيل - نتنياهو أن تحصد   خطوات تحسب لرئيس وزرائها عسى أن يعطيه ذلك بضعًا من الوقت أمام شعبه بعد أن أخفق فى ملف المحتجزين.. كما تحاول إسرائيل سد معاناتها بعد تراجع فى الشرعية الدولية وانقسام داخلى عميق وتباطؤ لمسارات السلام الإقليمى، كما أن جدارها الأمنى مُنى بضربة قوية أفقدت الجمهور الإسرائيلى جزءًا كبيرًا من شعوره بالأمن، مما أسفر عن حركة هجرة عكسية واسعة.



ومع المساعى الإسرائيلية المتعثرة لاستعادة الهيبة والردع فقد أدت المجازر التى ارتكبها جيش الاحتلال فى غزة ولبنان إلى تراجع المكانة السياسية والشرعية لدولة الاحتلال، وزيادة تكلفة دعمها على رعاتها التقليديين، كالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، وعلى الرغم من الوعيد الذى تتوعد به تل أبيب لإيران والهجمات المتوالية بين الطرفين تحاول إسرائيل أن تفتح أبواب الحرب بكل طاقتها المتبقية.. فالحرب الإقليمية سيكون الرابح الوحيد بها هو نتنياهو..وعلى واشنطن ودول أوروبا أن تستعدا لدفع هذه الفاتورة الباهظة ليس بالأموال والتسليح لإسرائيل فقط.. ولكن القادم لن يكون أفضل بكل الأحوال.

 إيران وإسرائيل.. الأهداف الضائعة

سنة مضت على الحرب الأطول التى تخوضها المقاومتان الفلسطينية واللبنانية ضد «إسرائيل» شل فيها الأمن القومى والاقتصاد، وتكبدت خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة فى جنودها وعتادها، فيما ارتفع معدل الهجرة المعاكسة هروبًا من نار الحرب على جبهتين، وبدت «إسرائيل» تعيش واقعًا معقدًا يرافقه فشل كبير فى تحقيق أهداف الحرب أو حسمها لصالحها أو إخضاع حركة حماس وتحرير المحتجزين بالقوة العسكرية، أو إعادة سكان مستوطنات شمال فلسطين إلى مستوطناتهم. 

وفى الجانب الآخر من الصورة، لا يزال حزب الله يعمل على تشكيل جبهة إسناد عسكرية على مدار عام مليء بالأحداث حاول فيه فرض استراتيجية العناد والندية خلال المواجهة المستمرة مع «إسرائيل»، وخوض مواجهة وهمية تطلق فيها صواريخ لم تصب أيًا من أهدافها كرد على مقتل زعيمه حسن نصرالله وبعض قادة الحزب.

وفى تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز» مقال للكاتب لورانس فريدمان تحت عنوان «إيران وإسرائيل فى قبضة دائرة الانتقام»، أوضح فيه أن ما نتج من أحداث بعد اندلاع حرب غزة، ومواجهة بين حزب الله وإسرائيل على طول الحدود، ثم تحول تركيز إسرائيل مؤخرا على حزب الله فى لبنان واغتيالها زعيمه حسن نصرالله، وضع إيران فى مأزق، حيث وجهت إسرائيل ضربات ضد وكلائها بينما بقيت هى صامتة. فى أبريل الماضى، ردت طهران على مقتل العديد من كبار القادة العسكريين فى هجوم على مجمع سفارتها فى دمشق، بإرسال أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار والصواريخ نحو إسرائيل. لكن معظمها إما فشل فى الوصول إلى أهدافه أو تم إسقاطه. وحتى بعد المزيد من الاستفزازات، بما فى ذلك اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده فى طهران، لم تفعل شيئا.

وأضاف الكاتب البريطاني: «إن حزب الله يفترض أنه جزء من التهديد الرادع الذى تشكله إيران، ولكن إسرائيل نجحت فى تفكيكه بشكل منهجى. ولقد أدى اغتيال نصر الله إلى تفاقم هذه القضية. ولقد سعى الرئيس (الإيرانى) المنتخب حديثًا مسعود بزشكيان، الذى يدرك الحالة المزرية التى وصل إليها الاقتصاد الإيرانى والسخط الشعبى واسع النطاق، إلى مواصلة ضبط النفس. ولكنه خاضع للزعيم الأعلى آية الله على خامنئى، الذى تدعمه قوات الحرس الثورى القوية. ولقد كان المزيد من ضبط النفس بالنسبة لهم مهينًا».

وأضاف مقال «فاينانشال تايمز»، «إن فى إسرائيل، سرعان ما كثر الحديث عن الفرصة التى خلقها الهجوم الإيرانى، 180 صاروخًا باليستيًا نحو أهداف اسرائيلية، باعتباره هجومًا انتقاميًا حاسمًا، وقد تتجه إسرائيل نحو تكملة خطواتها لتفكيك المحور الإيرانى بالكامل من خلال مهاجمة إيران نفسها. 

وقد أدى هذا إلى تكهنات حول الأهداف المحتملة. إذا اختارت إسرائيل المنشآت العسكرية، فستواجه إيران نفس المعضلة كما كانت من قبل- الرد بالصواريخ أو تلقى الضربة».

«ولكن هل تستطيع إسرائيل أن تشن هجوما على إيران؟ لقد حث الرئيس الأمريكى جو بايدن إسرائيل على تجنب المنشآت النووية، لكنه أقر بأنها قد تهاجم منشآت النفط. وإذا فعلت ذلك، فقد تعهد خامنئى بأن الضربات الإيرانية القادمة قد تستهدف البنية التحتية للطاقة فى إسرائيل، كما قد تولد أزمة نفطية دولية بإغلاق مضيق هرمز».

وأضاف فريدمان أن إسرائيل ليست فى وضع يسمح لها بالتخطيط لتغيير النظام فى طهران. وإذا حدث هذا فسوف يكون بسبب تصرفات الإيرانيين العاديين. وبينما تمكنت إسرائيل من إظهار تفوقها العسكرى، وأضعفت خصومها الإقليميين بشدة، فإن إيران لا تزال تمتلك مخزونا كبيرا من الصواريخ الباليستية. ولا تمتلك إسرائيل (مخزونا لا نهائيا) من صواريخ الدفاع الجوى، وخاصة صواريخ Arrow (آرو) بعيدة المدى التى لعبت دورا حاسما فى إحباط الهجمات الإيرانية السابقة».

ويشير الكاتب إلى استمرار قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ، وإسقاط قتلى فى صفوف الجيش الإسرائيلى، الذى يحاول السيطرة على جنوب لبنان، بينما لا يزال وقف إطلاق النار فى غزة وإبرام صفقة لتبادل المحتجزين بعيد المنال، خاصة بعد فتح جبهات صراع جديدة فى لبنان وسوريا والعراق إلى حد ما.

ويختتم الكاتب: «ربما تشعر إسرائيل من جانبها بأنه مع وجود أهداف يمكن مهاجمتها، فإنها لا بد وأن تستمر فى مهاجمتها. ولكن من غير الواضح كيف تنوى تحويل نجاحها العسكرى إلى ميزة سياسية والاتفاق على ترتيبات، قد تجلب بعض الاستقرار طويل الأجل إلى حدودها».

 مشعل.. الظهور فى اللحظات الأخيرة

وفى خطوة غير متوقعة، ظهر خالد مشعل، رئيس حركة حماس فى الخارج، ليلقى خطابًا بمناسبة مرور عام على عملية «طوفان الأقصى»، وأضاف مشعل، إن الحرب دمرت صورة إسرائيل فى العالم بعد أن حققت فشلا كبيرا وأخفقت فى تحقيق أهدافها.

مؤكدًا خلال كلمة له عرضتها قناة «القاهرة الإخبارية»: «الاحتلال الإسرائيلى فشل فى الحرب فى غزة على مدار عام كامل وحاول تصدير أزمته بالعدوان على لبنان لاستعادة قوة الردع لديه»، متابعًا: «طوفان الأقصى أعاد الاحتلال إلى نقطة الصفر وهدد وجوده وهناك كثير من المستوطنين يريدون المغادرة دون رجعة».

وتابع خالد مشعل: أحداث 7 أكتوبر رد طبيعى على وحشية الاحتلال فى التعامل مع قطاع غزة والأسرى الفلسطينيين، متابعًا: «خسائرنا تكتيكية وخسائر الاحتلال الإسرائيلى استراتيجية».

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلى يخسر مساره الاستراتيجى وطوفان الأقصى كشف الوجه الحقيقى لإسرائيل وطبيعة مشروعها التوسعى، مشيرا إلى أنه يجب وضع استراتيجية جادة للانتصار فى هذه المعركة والمضى فى كل مسارات عملنا لإنهاء العدوان الإسرائيلى.

ظهور خالد مشعل فى هذا التوقيت قد تكون له انعكاسات والدلائل، أولها تقليل حجم الخسائر البشرية بتبريرات غير مقنعة، فبعد أن عبر عن الفخر بالتضحيات وبث روح الطمانينة أن النصر قادم وأن الفلسطينيين قدوة للعالم، جنح للتقليل والتضعيف من حجم المعاناة والشهداء حينما اعتبرهم للأسف «خسائر تكتيكية» ومؤكدًا لمن قد تبدو لديه شبهة فى ذلك أن الموت والألم خسائر تكتيكية، فى ظل عدم وصول العدو الإسرائيلى لأغراضه المعلنة وهى عودة المحتجزين.

وثانيًا، محاولة التبرير بالقول إن «كل الشعوب دفعت الأثمان الباهظة على طريق التحرير، وفى النهاية الشعوب انتصرت»، وهى مقاربة لا تتفق مع واقع الحال حيث ميزان الخسارة البشرية الحاصلة فى هذه الحرب (الصهيو-أمريكية) ضد الفلسطينيين لا تنطبق مقارنته لا حجما ولا مساحة ولا عددًا ولا زمنًا بتجارب أو ثورات الشعوب الأخرى، وأن انتصار الحروب لا يتحقق بشكل «عشوائي» أو بقانون ليس له قواعد والتى أهمها وجود القيادة الموحدة وحسن إدارة هذه القيادة للمعركة، وقدرتها على الفهم أولًا للمتغيرات، والتقدم والمراجعة وتغيير التكتيكات مما هي ملزمة به هذه القيادة ما لم يأت على ذكره قط.

أما النقطة الثالثة، فظهرت فى حيرة مشعل الواضحة بعدم وجود مخرج من هذه الحرب المستمرة، بقوله «المعركة التى فرضت علينا» ولم يقدم خطة أو بناءً متكاملا يصل ويربط بوضوح ما بين العمل العسكرى والعمل السياسى فى هذه «المعركة المصيرية» وحين طالب بفتح «جبهات جديدة للمقاومة» ما يعنى عمليًا عدم كفاية الجبهات المفتوحة، وعدم مقدرتها على تحقيق الانتصار الذى يرى تحققه فى كل خطابه بتناقض واضح. وهو يعلم أن بقية الأمة التى خاطبها بفتح جبهة جديدة للمقاومة فإذا قصد جبهات عسكرية، فهو يعى تمامًا أن الأمة العربية تحاول وقف هذه الحرب وعدم اتساع رقعتها والحفاظ على دماء أبنائها، أما إذا كان مقصده قنوات دبلوماسية جديدة فهى بالحقيقة مفتوحة لكنه لا يريد الاعتراف بإنجازاتها بالسياسة والقانون والدبلوماسية.

وفى الختام حين حاول أن يضع برنامج عمل أو خطة فإنه توجه للجماهير بالمطلق، وليس لـ«حماس»، ولا للفصائل الأخرى ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية التى أهملها كليًا طالبًا تحت شعار «أن ننتصر بهذه المعركة» قائلًا عليكم -أى كل الجماهير-أن تعودوا إلى الميادين وأن تتم ممارسة الضغط السياسى، وأن يتم تقديم الدعم المالى وموضحا أهمية معركة الإعلام والرواية، والحراك الطلابى وليعود ويؤكد على الجهاد بالنفس والسلاح وفتح جبهات إضافية أخرى.

 الانتقام الكبير

وبينما تستمر الحرب على غزة وتخطى عدد الشهداء الـ41 ألف شهيد وأكثر من 91 ألف مصاب، انتقل القتال الأعنف مؤخرًا إلى لبنان. واستشهد أكثر من ألف لبنانى منذ أن بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلى عدوانه المكثف فى الأول من أكتوبر الحالى، وأعقبه بعملية برية.

وبينما يقول المسئولون الإسرائيليون إن عملياتهم البرية ستكون محدودة النطاق، فإن العمليات الإسرائيلية السابقة فى لبنان عامى 1982 و2006، تصاعدت إلى حروب أوسع بكثير دمرت لبنان.

وبالتزامن مع الجبهتين، أعلنت إسرائيل أنها تخطط لـ«انتقام كبير» على الهجوم الإيرانى الأخير بـ180 صاروخًا، والذى قد يشمل ضربات على البنية التحتية النفطية وأهداف إستراتيجية أخرى.

وشنت طهران هجومًا ضخمًا غير مسبوق على إسرائيل، ردًا على اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسماعيل هنية والأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، وقائد «فيلق القدس» فى لبنان عباس نيلفروشان.

وأعلنت طهران أنها لا ترغب فى نشوب حرب إقليمية، مؤكدة أن ردها الانتقامى سينتهى ما لم ترد إسرائيل بقوة، لكن مازالت تل أبيب تتوعد طهران برد قاس وقوى ومن الممكن أن تستهدف المواقع النووية الإيرانية إذا استمر التصعيد، وفقًا لموقع «أكسيوس».

من جهتها، عطلت جماعة «الحوثي» فى اليمن حركة الملاحة الدولية من خلال شنها هجمات فى البحر الأحمر وخليج عدن على السفن الإسرائيلية والمتّجهة إلى إسرائيل.. كما تشن الجماعة هجمات صاروخية وبالمسيرات على المدن الإسرائيلية، إسنادًا لقطاع غزة.

فى المقابل، يتولى الجيشان الأمريكى والبريطانى والإسرائيلى قصف مدن يمنية من بينها الحديدة ردًا على هجمات الحوثيين فى البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى إسرائيل.

كما تعرضت القوات الأمريكية لهجمات شنتها فصائل مسلحة فى كل من العراق وسوريا، فى المقابل، شنت إسرائيل غارات داخل سوريا، بما فى ذلك استهداف فى العاصمة دمشق بداية الشهر الجارى، وأيضًا استهداف مدينة حسياء الصناعية بريف حمص،  ووفق المرصد السورى لحقوق الإنسان، فإن المنطقة المستهدفة فى حمص، تضم مستودعات أسلحة لحزب الله وإيران، وكانت وزارة الدفاع السورية قد أفادت بمقتل سبعة مدنيين بينهم نساء وأطفال، الثلاثاء، فى غارة إسرائيلية استهدفت مبنى سكنيا فى دمشق، اعتبره المرصد السورى على صلة بالحرس الثورى الإيرانى وحزب الله، كما أعلن الجيش الإسرائيلى، الأربعاء، اغتيال أدهم جاحوت، المسئول فى وحدة «ملف الجولان» التى تعتبر فرعا لحزب الله فى سوريا.