بسب خسارة الغاز اللبنانى ويورانيوم النيجر فرنسا تحت صفيح ساخن

فاتن الحديدى
لا تهدأ فرنسا أبدًا من هدير الاحتجاجات، هنا مظاهرات لرفض زيادة سن المعاش، وهناك لارتفاع الإيجارات وإضرابات للفئات وأخيرًا ضرائب جديدة للكهرباء!
لم تتعاف فرنسا من أزمة الحرب الأوكرانية وتأثر حصتها من الغاز حتى أغلقت النيجر فى وجهها مناجم اليورانيوم وجاءت إسرائيل لتغلق آخر بوابات الأمل فى الطاقة: غاز لبنان.
ولم تجد الحكومة الفرنسية مفرًا من الإعلان بشكل مفاجئ عن زيادة جديدة فى أسعار الكهرباء والضرائب على الفواتير المنزلية والتجارية على حد سواء!
وظهر مانشيت فى صحيفة «لوباريسيان» احتجاجًا على القرار «هذه الرسوم الإضافية سوف تؤثر على الفرنسيين الذين وعد ميشيل بارنييه بحمايتهم من الزيادات الضريبية».
كان ميشيل بارنييه فى قناة فرانس 2 قد وعد بعدم «زيادة الضرائب على كل الفرنسيين، خاصة أصحاب الدخول المتواضعة، ولا على العمال ولا على الطبقات المتوسطة». بل على العكس من ذلك، تركيز الرسوم المحتملة على «الأشخاص الأكثر ثراءً» و«بعض الشركات الكبرى»، على حد تعبير رئيس الوزراء.
بعد أسبوعين من هذا الإعلان المطمئن، أعلنت وزارة الاقتصاد أنها فى طريقها لرفع الرسوم على الكهرباء إلى ما هو أبعد من مستواها قبل الأزمة، كما تعمل السلطة التنفيذية على إجراء من شأنه أن يجعل الفرنسيين جميعًا يدفعون الضريبة الجديدة!
وهذه الضريبة المنتظرة كانت قد ألغيت فعليا فى بداية عام 2022، كجزء من «الدرع الجمركي» الذى تم إنشاؤه ضد ارتفاع أسعار الطاقة.
وقد أعادتها الحكومة السابقة جزئيًا بداية عام 2024، وحددتها بـ21 يورو لكل ميجاوات فى الساعة. ومن المقرر إعادتها مرة أخرى فى فبراير 2025 إلى سعرها الحقيقى الذى ينص عليه القانون، أى حوالى 32 يورو لكل ميجاوات فى الساعة.
الهدف الضريبى أكثر من المعلن عنه!
وأكدت الحكومة على إعادة فرض الضرائب على الكهرباء، الأمر الذى من شأنه أن يزيد الفواتير بنسبة 10 % تقريبًا. ويشير خبراء الطاقة إلى أن الرسوم المفروضة على الكهرباء تتجاوز الآن ضرائبها على الغاز.
منذ خريف عام 2021، تعرضت أسعار الكهرباء فى أسواق الجملة الأوروبية لضغوط من الزيادة الأولية فى أسعار الغاز، المرتبطة بالتعافى بعد كوفيد، والزيادة فى أسعار ثانى أكسيد الكربون فى أوروبا ثم تضخمت هذه الزيادة الأولى مع الحرب فى أوكرانيا، التى بدأت فى نهاية فبراير 2022، وتزايد المنافسة الدولية على مشتريات الغاز الطبيعى. وانسحاب فرنسا أيضا من النيجر أدى إلى انخفاض توافر الوقود النووى الفرنسي.
أكاذيب حكومية!
ومع زيادة الاحتجاجات حاول لوميير التخفيف من الأمر، مؤكدا أنه على الرغم من هذه العيوب هناك ميزة أنه عندما تدخل الرسوم الإضافية حيز التنفيذ، فإن تأثيرها على التعريفة المنظمة سيتم تعويضه بشكل أكبر من خلال انخفاض سعر الكهرباء فى السوق. النتيجة: حتى لو تم رفع الضريبة فوق مستوى ما قبل الأزمة، «سيكون هناك دائما انخفاض فى الأسعار المتوقعة عند مستويات مرتفعة».
سعر الكهرباء سيرتفع بنسبة «أقل قليلًا من 10 % للمشتركين، وأنه ستتم زيادة السعر الأساسى، المعروف باسم «السعر الأزرق» فى EDF، بنسبة 8.6 %. أما بالنسبة لأسعار الذروة وخارجها فستكون نسبة الزيادة 9.8 %، حسبما أوضح وزير الاقتصاد والمالية.
ورغم محاولات التهدئة فإن وزير الطاقة اضطر أخيرا إلى التصريح لوكالة فرانس برس بأنه «من المخطط أن تذهب الأسعار إلى أبعد من ذلك [أكثر من 32 يورو] فى الوقت الحالى لا يوجد شيء نهائى، وسيخضع للنقاش البرلماني». يكفى الإشارة إلى أن الحكومة ستقترح هذا الإجراء كجزء من ميزانية عام 2025. وبحسب BFM Business، ترغب الوزارة فى استرداد ما لا يقل عن 3.4 مليار يورو بفضل هذه الرسوم الإضافية من هذه الضريبة فى العام المقبل. وستسمح هذه الزيادة للدولة بتقليص مجموع العجز فى ميزانيتها. المنطق هو الميزانية فقط وليس الطاقة.
محدودو الدخل على الخط الأمامي
حسب ما نشرته مجلة «ماريان»: «مثل هذه الزيادة ستكون محسوسة بشكل أكبر بين الأسر ذات الدخل المنخفض مقارنة بالأسر «الأكثر ثراء» لأنه كلما كانت الأسرة فقيرة، زاد سعر الطاقة على ميزانيتها فى المتوسط. لأن فواتير الكهرباء تمتص حوالى 3.8 % من دخل شريحة الـ20 % الأقل دخلا، فى حين تستحوذ على 1.3 % من أجور شريحة الـ20 % الأكثر ثراء، وفقا لحساباتنا استنادا إلى بيانات المعهد الوطنى للإحصاءات الاقتصادية لعام 2017.
هذه التكاليف تبدو فى المتوسط أثقل بين الأغنياء، عند التعبير عنها باليورو لكن الفجوة فى الدخل بين الفئتين أكبر من ذلك. وفى ظل هذه الظروف، فإن الإيرادات التى تتوقعها السلطة التنفيذية ستأتى إلى حد كبير من الطبقتين العاملة والمتوسطة. مجتمعة، يدفع أدنى 50% من السكان 44% من إجمالى نفقات الكهرباء المنزلية، مرة أخرى وفقًا لحساباتنا باستخدام بيانات عام 2017، وبالتالى يجب أن تساهم هذه الأسر فى الرسوم الإضافية بنسبة مماثلة - ما لم تتفاعل من خلال تقليل استهلاكها.
أضرار على البيئة
وأعربت وزيرة التحول البيئى أنييس بانييه روناشر على شاشة قناة فرنسا 2، عن قلقها بشأن عدم عدالة مثل هذا الإجراء، وحذرت «إذا اضطر الشعب الفرنسى والطبقات الوسطى والفقيرة إلى دفع ضرائب أكثر مما كان عليه قبل الأزمة، فسوف يتعرضون لعقوبة مزدوجة» سيكون التأثير على ميزانيات الأسرة حقيقيًا جدًا بالنسبة للمنازل الأكثر فقرا وفى حالة المنزل الصغير المكون من أربع غرف والذى يتم تسخينه بالكهرباء، فإن التكلفة الإضافية السنوية ستكون حوالى 200 يوروكحد أدنى.
وتدعو الوزيرة إلى «عدم التجاوز» مستندة إلى حجة بيئية: «يجب أن نكون يقظين للتأكد من أن تكون ضرائبنا جائرة على الكهرباء الخالية من الكربون، مقارنة بالوقود والغاز».
يوضح بوريس سولير، مدرس وباحث فى الاقتصاد وحاصل على درجة الماجستير فى اقتصاديات الطاقة فى جامعة مونبلييه أن مؤشرات الأسعار بعد فرض الضريبة الجديدةعلى الكهرباء نجدها صارت أعلى من الغاز، وأن الضريبة الداخلية على الاستهلاك النهائى للكهرباء (TIFCE) أعلى من الضريبة على الغاز الطبيعى لاستخدام الوقود (TICGN)، سترتفع إلى 16.37 يورو. فى يناير. بعد أن كانت 8 يورو حتى ديسمبر 2023: «مثل هذا الاختلاف فى الضرائب بين الكهرباء والغاز لا يتوافق مع أهدافنا البيئية».
طاقة نظيفة
وبسبب الاحتجاجات والاقتراحات بالإضراب العام على مواقع التواصل الاجتماعى أصدر عدد من الكتاب والصحفيين والنشطاء فى مجال البيئة ودعم الطاقة النظيفة ودعم الأسر مذكرة للحكومة والبرلمان، مؤكدين على أن تخلى الحكومة عن دعم أسعار الكهرباء، التى ارتفعت فواتيرها بالفعل بنسبة 32٪ منذ فبراير 2020 مؤلم لميزانية الأسر وغير مقبول كليًا لأنه قرار ضد مكافحة التلوث والسعى نحو تعميم البيئة النظيفة.
قرارات معاكسة
اعترف الوزير المسئول عن الماليات العامة، توماس كازينوف، أمام مجلس الشيوخ: نحن نعلم أنه يجب علينا تسريع عملية كهربة الاستخدامات بشكل جدى إننا الآن نرسل رسالة معاكسة ولكن الأمر خارج عن إرادتنا فى الوقت الذى نحاول فيه تحويل الأسر نحو السيارات الكهربائية أو المضخات الحرارية: نخفض الضرائب على ملوثات البيئة التى نريد تقليل استهلاكها»!
كان من المفترض أن يؤدى تغييرالأسعار فى الأسواق المالية إلى استقرار الأسعار المنظمة، بحسب حسابات هيئة تنظيم الطاقة (CRE)، التى تعتمد على أسعار الجملة خلال العامين الماضيين.
يقول المستشار نيكولاس جولدبرغ، المسئول أيضًا عن الطاقة فى مختبر «أفكارتيرانوفا». هناك نتيجة أخرى لزيادة الرسوم الجمركية على الكهرباء، وهى مبلغ ثابت ينطبق على الكمية المستهلكة، وليس السعر: العقود المواتية للاستهلاك المنخفض خلال فترات الذروة.
ويؤكد المستهلكون الفرنسيون: إن الحكومة تغرقنا بالأرقام وتمطرنا بالأكاذيب كل ما نعرفه هو أننا مجبرون على دفع ضرائب عالية، وأن جيوبنا المهترئة هى وسيلة الحكومة لسد عجزها المالى الذى لا ينتهى.
إن الرفع الفعلى للضرائب على الكهرباء يمثل تراجعًا مخزيًا من قبل الإدارة السياسية حول الاتجاه نحو جعل الكهرباء مصدرًا رئيسيا للطاقة صديقة البيئة.