الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كانت المنافسة قوية بين يحيى السنوار والقيادى نزار عوض الله على رئاسة الحركة بعد اغتيال قاداتها.. ما شكل مستقبل حماس؟

منذ بدء معركة «طوفان الأقصى»، التى قادتها كتائب القسام الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى، وضع قادة الاحتلال قوائم اغتيالات تضمنت أسماء قيادات سياسية وعسكرية لهذه الفصائل.



وبعد دخول حزب الله اللبنانى فى «معركة الإسناد» فى الثامن من أكتوبر، أى بعد يوم واحد من بدء العدوان على قطاع غزة، هددت تل أبيب باستهداف قيادته وقواعده وهيكليته العسكرية، سواء فى جنوب لبنان أو فى الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقد أكد محللون إسرائيليون أن حركة المقاومة الإسلامية حماس لا تتأثر باغتيال قادتها العسكريين، مشيرين فى الوقت نفسه إلى أن المواجهات مع حزب الله اللبنانى تزداد اشتعالا وأن الأخير عرف نقطة ضعف إسرائيل ويواصل العمل على تعميقها.

وقال رونى شاكيد -من معهد ترومان بالجامعة العبرية- إن اغتيال القيادى العسكرى بحماس محمد الضيف لن يؤثر فيها كحركة عسكرية، وإن الحرب الحالية «لم تغير شيئا فى طبيعة الصراع عند الفلسطينيين أو الإسرائيليين».

وفى السياق، قال تامير هايمان -رئيس معهد أبحاث الأمن القومى فى جامعة تل أبيب- إن جهاز الأمن العام (الشاباك) يتحمل المسئولية الرئيسية فى عمليات اغتيال القادة العسكريين لحماس، مشيرا إلى أنه «حصل على كل الموارد الممكنة بما فيها الوحدة 8200 الاستخبارية».

ووفقا لهايمان، فإن الشاباك «يقوم بنصب شبكة الكمائن والمصائد الصبورة لهؤلاء القادة منذ بداية الحرب، وليس مطلوبا سوى أن يوجَد الضيف فى واحدة من هذه المصائد».

 دون ضجيج

ويوحى ظاهر الأمور أن حركة حماس نجحت فى تجاوز مسألة اغتيال رئيس مكتبها السياسى إسماعيل هنية، واختيار يحيى السنوار قائد الحركة فى قطاع غزة وأحد النواب الثلاثة لرئيس الحركة خلفًا له بسلاسة ودون ضجيج وصخب داخلى الذى عادة ما يصاحب التفاعلات الداخلية للانتخابات الدورية التى تعقدها الحركة، كما هو الحال فى الانتخابات الأخيرة عام 2021 فى إقليم غزة تحديدا، حيث كانت المنافسة قوية بين يحيى السنوار والقيادى نزار عوض الله على رئاسة الحركة فى القطاع، عوض الله الذى يعتبر من الرعيل الأول وسبق أن شغل العديد من المواقع القيادية المتقدمة من ضمنها رئاسة الحركة فى قطاع غزة فترة الانقلاب عام 2007، وكانت النتيجة فوز السنوار بصعوبة بعد أكثر من جولة إعادة لانتخابات رئاسة المكتب السياسى (الدورة الثانية له فى رئاسة إقليم غزة)، وهو ما يوحى بتراجع التأييد للسنوار بسبب أدائه فى الدورة الأولى.

أمّا فى مرحلة ما بعد اغتيال القائد إسماعيل هنية، فإن قرار الحركة اختيار من لا يمكن تعريفه، فى هذا التوقيت، إلا بمن يبحث عن النصر الواضح، يُظهر تمسكها بمعطيات الميدان وبمعادلاته ورموزه، التى لن تقبل إلا أن يكون أى اتفاق مستقبلى انعكاسًا لنتائج معركة أغرقت الكيان فى حرب استنزاف لم تسلم منها أى بقعة يوجد فيها إسرائيلى فالخيار، الذى تبنته الحركة من خلال اختيار يحيى السنوار رئيسًا لمكتبها السياسى، لا يمكن تعريفه وتوصيفه إلا بالتخلى عن فكرة النصر الضمنى، والإصرار على تحقيق النصر الواضح، والذى لا لبس فيه.

ووفقا لمعهد فلسطن لأبحاث الأمن القومى، العديد من الأسباب جعلت عملية الاختيار تتم بسرعة وبسلاسة، فى مقدمتها العدوان المستمر على الشعب الفلسطينى وعنوانه المعلن “القضاء على حركة حماس”، والذى أحدث هزة كبيرة فى البنية التنظيمية للحركة ومؤسساتها الشورية والتنفيذية تمثلت فى غياب عدد من قيادات وازنة، وأخرى فاعلة ومؤثرة فى العملية الانتخابية، لو جرت فى وضعها الطبيعى، والاختفاء القصرى لقيادات أخرى تحديدا فى إقليم غزة، وهو ما فرض على الحركة أن تتماهى مع هذا الواقع الاستثنائى واجتراح وسيلة استثنائية تعتمد على مشاورات ومداولات نخبوية للقيادات التنفيذية والشورية المتاح التواصل معها، وهذا الواقع ساهم فى تلاشى وتجاوز أى خلافات داخلية بغض النظر عن مستواها وعمقها وتجذرها، وهو ما يجنب الحركة تداعيات ربما لا تستطيع احتمالها.

الأمر الآخر هو إدراك التيار الآخر وعلى رأسه خالد مشعل، والذى يحمل نهجًا ورؤية تخالف تلك التى يحملها السنوار وتياره، أنه وفى ظل هذا الواقع المعقد لا يمكن له أن يقود الحركة وفق رؤيته حيث سيكون أمام خيارين أحلاهما مر، الأول: الصدام مع تيار السنوار الذى يمتلك قوة ميدان المعركة ،وبالتالى التحكم فى مسارها ومآلاتها، والأهم مسألة مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، وما يرتبط بها من رؤية مستقبلية ذات علاقة باصطفافات وتحالفات الحركة على المستوى الإقليمى، وهو ما ينذر بانقسامها، ويتحمل مشعل بوصفه رئيس الحركة مسئولية نتائج هذا الموقف وما ستؤول إليه أوضاعها من ضعف وتشتت.

 الاستسلام لنهج السنوار

أما الخيار الثانى: فهو الاستسلام لنهج وسياسة السنوار، وهو ما يتعارض مع استحقاقات الموقع ولا ينسجم مع شخصية مشعل، القائد العتيق والمعتق، والذى يقال بأنه صاحب الرؤية الاستراتيجية، كما يعنى الاستسلام والتسليم لنهج السنوار تراجع وضعف قدرته وتياره فى التأثير على واقع ومستقبل الحركة، وكذلك ضعف الرهان عليه من الداعمين الإقليميين لصالح منافسه السنوار وفريقه، والأهم أنه سيتحمل مسئولية مرحلة هو بالأساس يتحفظ على أحداثها ومجرياتها، ولم يبدأها ولم يكن جزءا منها، وهو ما سيقود لنفس النتيجة.

الخيار النموذجى والأمثل أمام مشعل كان هو التمنع والرفض ثم الانسحاب من المنافسة بعد أن أبدى السنوار رغبته بقيادة الحركة، وترك الجمل بما حمل لمن كان سببا فى الكارثة التى حلت بالحركة وبالقضية الفلسطينية على جميع الأصعدة والمستويات، وليتحمل هو وتياره مسئولية إتمام المشوار لآخره، وانتظار انتهاء الحرب وإنجلاء الأمور، وحينها سيكون لمشعل الحديث والموقف والمسئولية التى أحجم عن تحملها والدفاع عنها.

إذًا هذا التوافق والإجماع يخفى خلفه خلافًا جديًا وحقيقيًا بين تيارين رئيسيين يتنافسان وربما يتصارعان داخل الحركة، وهذا الأمر له جذوره ومساراته ومسائله، والذى واكب حركة حماس منذ انطلاقتها عام 1987، بغض النظر عن مستوى هذا الخلاف وقضاياه وشخوصه، والذى شهد مستويات مختلفة تبعًا لظروف وسياقات كل مرحلة من مراحل تطور الحركة. الثابت الوحيد الذى يمكن الحديث حوله فى هذا السياق أن تطورات هذا الخلاف قادت فى المرحلة الحالية إلى وجود التيارين المشار إليهما آنفا. التيار الأول يمثل المنهج والنهج الإخوانى الذى يقوده خالد مشعل وفريقه من “مجموعة الكويت” الذين تربوا وترعرعوا فى كنف جماعة الإخوان، والذى يحمل نهجا مختلفا فى فهمه لموقع ودور حماس فى القضية الفلسطينية قائما على مفهوم المشاركة كمرحلة انتقالية لتحقيق الهدف الاستراتيجى بسيطرة الحركة على مقاليد السلطة والمنظمة، مستندا فى ذلك إلى المراجعات التى أجراها على خلفية الفشل الذى صاحب تجربة الإخوان فى الصعود والسقوط فى مرحلة ما يسمى بثورات الربيع العربى، والتى سجل فيها مشعل انتقادات علنية “للحركات الإسلامية” وتحديدا حول كيفية تعاطيهم مع مفهوم الشراكة والعلاقة مع الآخر وإدارة الدولة، وفى السياق نفسه أكد على فشل نظرية البديل فى إطار العلاقات الفلسطينية الداخلية. وهو يرى كمخرج من الوضع الكارثى الذى وضعت الحركة نفسها فيه بفعل مغامرة 7 أكتوبر، الحفاظ على الرأس فوق الماء بدلاً من قطعه، عبر اتباع سياسة الانكفاء الإخوانية، والاصطفاف مع قوى إقليمية قادرة على إنقاذ الحركة مما هى فيه.

التيار الآخر الذى يقوده السنوار، والذى أمضى معظم سنوات عمره داخل السجن بعيدا عن معايشة جماعة الإخوان وتشرب نهجهم وسياساتهم، وخرج من السجن فى مرحلة شهدت فيها الجماعة تراجعا تدريجيا وانقسامات وملاحقات قادت إلى فقدانها مقومات ومقدرات الفعل المؤثر وأهمها نزع الشرعية عنها فى أهم مراكز الثقل التى كانت تتمتع بها، وهذه الحالة تزامنت مع صعود كبير وتعاظم فى قدرات حماس العسكرية والمالية والامتدادات الإقليمية والدولية، والأهم قدرتها على الاحتفاظ بمشروعها فى قطاع غزة بعكس النماذج الأخرى للإخوان التى سقطت سقوطا مدويا، وهو ما أوجد شعورًا بأن الحركة أكبر من الجماعة، وفى ظل العقلية المغامرة والصدامية التى يحملها السنوار وجد ضالته فى إيران، ومن هنا نشأت هذه العلاقة بين حماس وإيران بعد أن تمكن السنوار من السيطرة على قرار ومقدرات الحركة، واستطاع تشكيل تيار موال له ولمشروعه فى الحركة، بحراك ودعم من إيران وذراعها حزب الله.

الواضح الآن أن تيار السنوار الذى يدور فى فلك إيران هو من يقود زمام الأمور بحكم قوة الأمر الواقع، وأن التيار الآخر والمضاد الذى يقوده مشعل سلم بالأمر الواقع، انتظارًا لما ستسفر عنه نتائج الحرب ومنها مصير قائد الحركة الجديد يحيى السنوار، والذى سيخرج إن بقى على قيد الحياة منهكًا وتياره مثخن بالجراح، وحينها ستكون لمشعل وتياره كلمتهم، ومن خلفه القوى الإقليمية التى تسانده لإعادة صياغة الحركة من جديد، وفق ما تقتضيه نتائج ومخرجات الحرب.