السبت 18 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بخطة الخداع وتدمير بارليف ومواجهة الجسر الأمريكى عندما تهاوت الغطرســـة الإسرائيلية تحت بيادات المقاتل المصرى فى أكتوبر 73

فى كتاب أعده المؤرخ العسكرى الإسرائيلى، يوآف غيلبر، كشف فيه أن إخفاقات إسرائيل فى حرب أكتوبر كانت أعمق بكثير من كونها إخفاقات المخابرات التى فشلت فى رصد مفاجأة الحرب رغم وجود معلومات، وأن الإخفاق الأكبر يكمن فى «إهمال يبلغ درجة الفساد العفن الذى ساد الجيش الإسرائيلى طيلة سنوات». 



يقول إن «ما حدث فى الجيش الإسرائيلى فى 5 و6 أكتوبر 1973، ليس مجرد الوقوع فى مفاجأة نتيجة لأخطاء فى التقدير، أو عدم فهم الإنذار، أو بسبب عدم استخدام وسيلة كهذه أو تلك من أجل الحصول عليه، فحسب، بل بالأساس لأن هناك أمراضًا خبيثة فى أداء الجيش وعقيدته فى السنوات الست التى سبقت الحرب، فمنذ حرب يونيو 1967، ساد شعور بالغطرسة والغرور فى قيادة الجيش، فأقنعوا أنفسهم بأن العرب لن يجرؤوا على محاربة إسرائيل».

هكذا وصف كاتب إسرائيلى أحد أسباب هزيمة بلده فى حرب أكتوبر.. أما عن كيف تمكن المقاتل المصرى من «مرمغة» تلك الغطرسة فى التراب على مدار أيام الحرب فسوف نذكر البعض منها، وقبل أن نسرد يجب أن نوضح أن غطرسة إسرائيل كانت متمثلة على سبيل المثال فى أنها كانت تروج وتردد أنها تمتلك أقوى جهاز مخابرات والذى يقدر أن يحدد ساعة الصفر للحرب بدقة، وزادت الغطرسة وانتفخت عندما شيدت خط بارليف التى قالت عنه إن القنبلة الذرية لا تقدر على هدمه، حتى عندما استعانت بجسر جوى أمريكى كنوع من استعراض القوى ومحاولة منها للسطو مرة أخرى على الأرض المصرية لم تقدر أن تفعل شيئًا.

الخداع الاستراتيجى

تفصيليا.. وفيما يخص كسر غطرسة الموساد الذى فشل فى كشف خطة الخداع الاستراتيجى المصرية والتى كانت لها عامل كبير فى كسب الحرب.. فقد وضعت مصر خطة خداع تُدرس حتى الآن فى معاهد وكليات الحرب ، والتى يتلخص بعض منها فى السطور التالية.

«خدعونا المصريون».. باعتراف إسرائيلى أمريكى، نجحت أكبر خطة للخداع الاستراتيجى فى تاريخ البشرية.. وكانت كلمة السر لتحقيق معجزة النصر فى حرب أكتوبر المجيدة.

بدأت قبل المعركة الخالدة بأكثر من عام.. قادها الجيش المصرى والرئيس الأسبق محمد أنور السادات.. ووقف بجانبها الشعب المصرى لدعمها.. وانتهت بمعجزة ستظل آثارها محفورة فى ذاكرة مصر والعالم..وستظل مسطورة فى كتب التاريخ ليتدارسوها جيلا بعد جيل.

إنها «خطة الخداع الاستراتيجى».. تلك الخطة متكاملة الأركان، ليس فقط عسكريا وسياسيا، لكن أيضا فنيا وصحيا واجتماعيا.. والتى بدأت فى شهر يوليو لعام 1972، واستمرت حتى يوم الحرب فى 6 أكتوبر لعام 1973م.. عندما نجحت مصر فى تحقيق النصر على العدو الإسرائيلى واسترداد كل شبر من أراضيها.. وأثبتت للعالم أجمع قدرة المصريين على إنجاز عمل جسور، يستند إلى شجاعة القرار، ودقة الإعداد والتخطيط، وبسالة الأداء والتنفيذ.

مواجهة تفوق العدو

فى يوليو 1972 قام الرئيس السادات بزيارة المخابرات العامة، وبصحبته قائد الجيش ومستشار الرئيس للأمن القومى ورئيس المخابرات العسكرية، ودعا كل رؤساء الأقسام بالجهاز إلى اجتماع تاريخى، استغرق أكثر من 5 ساعات.

ووجه بوضع خطة خداع استراتيجى يسمح لمصر بالتفوق على التقدم التكنولوجى والتسليحى الإسرائيلى عن طريق إخفاء أى علامات للاستعداد للحرب وحتى لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية فى مرحلة الإعداد على الجبهة.

وأوضح السادات «أن التوازن العسكرى مع إسرائيل ليس فى صالحنا، والتقدم العلمى والتكنولوجى يسمح لها برصد كافة تحركاتنا سواء على الجبهة أو فى الداخل، وما لم نتمكن من تنفيذ خطة خداع استراتيجى للعدو، فإن الانتصار فى الحرب سيكون مستحيلا».

وكلف السادات المخابرات العامة بالإشراف على وضع هذه الخطة بالتعاون مع المخابرات الحربية وكافة الجهات المعنية فى الدولة، حتى نستطيع التفوق على التقدم التكنولوجى والتسليحى الإسرائيلى عن طريق إخفاء أى علامات للاستعداد للحرب وحتى لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية فى مرحلة الإعداد على الجبهة.

ويوصف الخداع فى الحروب بأنه مجموعة من الإجراءات والأنشطة المنسقة والمخطط لها بعناية بالغة بغية إخفاء الحقائق التى من شأنها التأثير على مجريات الحرب، ومنعها من الوصول إلى الدول المعادية أو المتعاونة معها، وتوجيه ودعم تقديراتها وجهودها إلى اتجاهات زائفة تؤدى إلى قرارات تخدم الخطط الموضوعة.

وقد قام الرئيس الراحل السادات بأكبر عملية خداع استراتيجى، قام بها أى رجل «سياسى – عسكرى» فى تاريخ البشرية.. ونجحت القيادة السياسية ممثلة فى السادات والقوات المسلحة والمخابرات العامة وأجهزة الدولة فى عملية خداع استراتيجى للداخل قبل الخارج، خاصة فى الفترة التى سبقت الحرب. وتم اتخاذ مجموعة من الخطوات التى كانت تهدف إلى تضليل العدو الإسرائيلى، وكان أهمها؛ أن الرئيس السادات والجيش المصرى، لا يفكرون فى الحرب على الإطلاق، واستمرار الوضع على ما هو عليه، وهو «اللاحرب واللاسلم».

ستة محاور

اشتملت خطة الخداع الاستراتيجى التى أذهلت العالم أجمع، على 6 محاور.. وهي:

 إجراءات تتعلق بالجبهة الداخلية

-شملت الخطة إظهار ضعف مصر اقتصاديًا وعدم قدرتها على الهجوم، ومنها استيراد مخزون استراتيجى من القمح، عن طريق قيام المخابرات العامة بتسريب معلومات بأن أمطار الشتاء قد غمرت صوامع القمح، وأفسدت ما بها، وتحوّل الأمر لفضيحة إعلامية استوردت مصر على أثرها الكميات المطلوبة.

إخلاء المستشفيات

تحسبًا لحالات الطوارئ، عن طريق تسريح ضابط طبيب من الخدمة وتعيينه بمستشفى الدمرداش، ليعلن عن اكتشافه تلوث المستشفى بميكروب، ووجوب إخلائه من المرضى لإجراء عمليات التطهير، وفى اليوم التالى نشرت «الأهرام» الخبر معربة عن مخاوفها من أن يكون التلوّث قد وصل إلى مستشفيات أخرى، فصدر قرار بإجراء تفتيش على باقى المستشفيات، وأخليت باقى المستشفيات.

-استيراد مصادر بديلة للإضاءة أثناء تقييد الإضاءة خلال الغارات، عن طريق تنسيق أحد المندوبين مع مهرب قطع غيار سيارات لتهريب صفقة كبيرة من المصابيح مختلفة الأحجام، وبمجرد وصول الشحنة كان رجال حرس الحدود فى الانتظار، واستولوا عليها كاملة وتم عرضها بالمجمعات الاستهلاكية.

ومن أجل تقليل الانتباه العام دعا الفريق أول أحمد إسماعيل جميع وزراء الحكومة يوم 27 سبتمبر 1973 لزيارة هيئة الأركان العامة لإطلاعهم على الجديد من الأجهزة المكتبية والحاسبات الآلية.

  إجراءات تتعلق بنقل المعدات للجبهة

-نقل المعدات الثقيلة كالدبابات إلى الجبهة، عن طريق نقل ورش التصليح إلى الخطوط الأمامية، ودفع الدبابات إلى هناك فى طوابير بحجة إصابتها بأعطال.

-نقل معدات العبور والقوارب المطاطية عن طريق تسريب المخابرات تقريرًا يطلب فيه الخبراء استيراد كمية مضاعفة من معدات العبور مما أثار سخرية إسرائيل، وعندما وصلت الشحنة ميناء الإسكندرية، ظلّت ملقاة بإهمال على الرصيف حتى المساء وفى ظل إجراءات أمنية توحى بالاستهتار واللامبالاة، وأتت سيارات الجيش فنقلت نصف الكمية إلى منطقة صحراوية بضاحية (حلوان)، وتمّ تكديسها وتغطيتها على مرمى البصر فوق مصاطب لتبدو ضعف حجمها الأصلى، فيما قامت سيارات مقاولات مدنية بنقل الكمية الباقية للجبهة مباشرة.

إجراءات خداع ميدانية

ومنها توفير المخابرات لمعلومات حيوية سمحت ببناء نماذج لقطاعات خط بارليف فى الصحراء الغربية لتدريب الجنود عليها وخداع الأقمار الصناعية لملء المعسكر بعدد من الخيام البالية والأكشاك الخشبية المتهالكة، ولافتات قديمة لشركات مدنية.

كما أنشأ الجيش المصرى على الضفة الغربية للقناة ساترًا ترابيًا فى مواجهة مناطق تمركز قوات العدو لإخفاء التحركات العسكرية، وكذلك أنشأ عددًا من السواتر فى العمق بزوايا ميل مختلفة لنفس الغرض، وقد حققت هذه السواتر أهدافها إذ جعلت العدو يقتنع بأن الجيش المصرى قد لجأ إلى استراتيجية دفاعية فى حماية هذه السواتر، كما ساعدت على إخفاء تحركات القوات المدرعة المصرية نحو شاطئ القناة لتأخذ أوضاع الهجوم عندما بدأت الحرب.

 التدريب على العبور

فطوال صيف عام 72 كانت القوات المصرية تتدرب على عبور القناة تحت سمع وبصر قوات العدو، ففى مواجهة أجهزة التصوير الإسرائيلية أعد المصريون شواطئ للنزول عليها، وبنوا الجسور وعرضت الأفلام التى التقطت فى ذلك اليوم على التلفزيون الإسرائيلى، وقام المصريون مرة واحدة على الأقل فى عام 73 بتمثيل عملية العبور بأقل تفاصيل ممكنة، ونقلت الصحف المصرية سير هذه العملية التى شهدها جنود العدو فى خنادقهم على الضفة الشرقية للممر المائى، وهذا التكرار للتدريب على عملية العبور أكبر خدعة للعدو، إذ إنه لم يثر فيهم سوى الضحك والاستهزاء من عدم قدرة القوات المصرية على القيام بذلك وعبور أكبر خط دفاعى عرفه التاريخ.

والشىء المثير هو أن عبور القوات المصرية يوم 6 أكتوبر كان بالضبط نفس ما حدث قبل ذلك بكل تفاصيله الدقيقة، وهكذا كان العدو يعتقد أنه تدريب اعتيادى يقع أمام عيونه، وهو حقًا كذلك، فى حين أنه كان فى نفس الوقت تدريبًا عمليًا على خطة العبور.

كما تم إطلاق أكثر من رسالة عن احتمالات شن الحرب دفعت إسرائيل للاستعداد واستدعاء الاحتياطى وتم تأجيل الحرب، وهو ما أربك حسابات العدو خاصة مع وجود رسائل متناقضة وفى اتجاهات مختلفة، وفى النهاية شن المصريون الحرب وحطموا الأسطورة واعترف القادة الإسرائيليون أمام لجنة «إجرانات» وغيرها بأن المصريين خدعوهم وأن جهاز الموساد وأجهزة المعلومات الإسرائيلية تعطلت تماما قبل الحرب.

فى يوليو 1972 صدر قرار بتسريح 30 ألفا من المجندين منذ عام 1967 وكان كثير منهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية وفى مواقع خلفية.

وفى الفترة من 22 وحتى 25 سبتمبر تم الإعلان عن حالة التأهب فى المطارات والقواعد الجوية بشكل دفع إسرائيل لرفع درجة استعدادها تحسبا لأى هجوم، ولكن أعلنت القوات المصرية بعد ذلك أنه كان مجرد تدريب روتينى، واستمرت القوات المصرية تطلق تلك التدريبات والمناورات من وقت لآخر حتى جاءت حرب أكتوبر وظنت إسرائيل فى بدايتها أنها مجرد تدريب أيضا ولم تكن مستعدة لها.

وفى يوم 21 أغسطس 1973.. تم عقد اجتماع ما بين القادة السوريين والمصريين ولإخفاء فكرة حضورهم مصر، جاءوا بالملابس المدنية على إحدى السفن القادمة إلى الإسكندرية، وخلال الاجتماع تم تحديد موعد الهجوم ما بين 5-11 أكتوبر.

تسريب معلومات

وتم تسريب معلومات للجانب الإسرائيلى، مفادها أن مصر ستبدأ إجراء مناورات شاملة وليس حربا فى الفترة من 1 وحتى 7 أكتوبر... وفى يوم 9 أكتوبر سيتم تسجيل الضباط الراغبين فى تأدية مناسك الحج، وكذلك تنظيم دورات رياضية عسكرية مما يتنافى وفكرة الاستعداد للحرب، والإعلان عن السماح لسائر المصريين بالسفر لتأدية الشعائر نفسها مما جعل إسرائيل تظن أن مصر لن تخوض حربا وأنه لن يحدث أى هجوم من قبل جيشنا على قواتها.

كما اعتمد نجاح خطة الخداع الاستراتيجى على عنصر فى غاية الأهمية، وهو عنصر المفاجأة من خلال إخفاء توقيت العملية حتى عن الجيش المصرى نفسه.. بمعنى إخفاء ساعة الصفر والتعامل معها فى غاية السرية وعدم إعلانها إلا قبل الحرب بوقت قليل، وإلغاء أية أعمال للتخطيط والاستطلاع التى تسبق الحرب حتى لا يتم الكشف للجيش الإسرائيلى عن نوايا مصر لاتخاذ قرار الحرب قريبا.

 إجراءات خداع سيادية

ومنها اختيار توقيت ساعة الصفر للهجوم وتحديدا الثانية ظهرا فى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر، وهذا لعدة أسباب:

- أولها أن العدو لن يخطر بباله أن الجيش سيخوض الحرب فى شهر الصوم.

- ثانيها اختيار الساعة وقت الظهيرة وتعامد الشمس فوق رؤوس العدو بشكل يصعب عليهم الرؤية، وهذا شىء لم يتوقعه العدو حيث إن العمليات العسكرية تكون مع أول ضوء أو آخر ضوء.

- ثالثها.. الحرب فى أكتوبر مستبعدة حيث تحتفل إسرائيل بعيد الغفران اليهودى، وتغلق خلاله المصالح الحكومية بما فيها الإذاعة والتليفزيون.. كما أنها تستعد لخوض انتخابات تشريعية.

وفى صباح يوم الحرب نفسه 6 أكتوبر، شوهد الجنود وهم فى حالة استرخاء وخمول، يقضون وقتهم فى مص القصب وأكل البرتقال، وقبل ذلك بيوم اجتمع هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى وقتها، بنظيره المصرى الدكتور محمد حسن الزيات ليتبادلا الحديث حول مبادرة السلام التى كان الأول بصدد التفكير فيها بعد الانتخابات التشريعية فى إسرائيل التى كان مقررا لها أن تجرى فى نهاية الشهر نفسه، ومرت الجلسة فى سلام وجو هادئ ولم يدرك كسينجر الأمر إلا بعد الحرب، عرف أن الدكتور محمد الزيات قد نفذ خطة الخداع على أكمل وجه.

وفى اليوم نفسه أيضا تم الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية وقتها اللواء حسنى مبارك إلى ليبيا، ثم تقرر تأجيلها لعصر يوم 6 أكتوبر، كما وجه المشير أحمد إسماعيل دعوة لوزير الدفاع الرومانى لزيارة مصر فى 8 أكتوبر وأعلن أنه سيكون فى استقباله بنفسه.

(إغلاق مضيق باب المندب)

ولإخفاء نية القوات البحرية فى إغلاق مضيق باب المندب، نشر خبر صغير فى شهر سبتمبر عام 1973، عن توجه ثلاث قطع بحرية مصرية إلى أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث إلى ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعًا ثم صدر لها الأمر بالتوجه إلى أحد الموانئ الصومالية فى زيارة رسمية استغرقت أسبوعًا آخر لزيارة بعض الموانئ الصومالية، ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلى عدن وهناك جاءتها الإشارة الكودية فى مساء الخامس من أكتوبر 1973 بالتوجه إلى مواقع محددة لها عند مضيق باب المندب فى سرية تامة عند نقط تسمح لها بمتابعة حركة جميع السفن العابرة فى البحر الأحمر راداريًا وتفتيشها، ومنع السفن الإسرائيلية من عبور مضيق باب المندب طوال الحصار.

وكذلك تم استخدام اللهجة النوبية والتى تم اقتراحها من الصول أحمد إدريس.. كنوع من الخداع والتمويه لتشفير الرسائل الهامة بين القوات أثناء المعركة لتضليل معترضى تلك الرسائل.

المستوى الاقتصادى

كما شملت الخطة إظهار ضعف مصر اقتصاديًا وعدم قدرتها على الهجوم، وإظهار حرصها على أن حل الأزمة يجب أن يكون سلميا، واشتمل الحل السياسى بإظهار قبول حالة اللاسلم واللاحرب والإعلان عن عدم الحسم أكثر من مرة.

وجميعها خطط خداع تفسر ما كتبه وزير الخارجية الأمريكى الأسبق «كيسنجر» عندما كتب فى مذكراته «سنوات مضطربة»، فصلا بعنوان «لماذا أخذنا على حين غرة»، وهو اعتراف صريح وواضح بمدى قوة تلك الخطط الاستراتيجية فى خداع إسرائيل وأمريكا نفسها.

خطة الخداع فى الإعلام

وسائل الإعلام المصرية لعبت دورا هاما فى ساحة المعركة فى تلك الفترة الحرجة، حيث كان الإعلام إحدى الأدوات المهمة فى خطة الخداع الاستراتيجى أثناء الإعداد لحرب أكتوبر وأثناء الحرب، وكان للدكتور عبدالقادر حاتم والذى أنشأ جهازا إعلاميا قويا فى مصر والشرق الأوسط ممثلًا فى التليفزيون المصرى ثم تولى مهمته كنائب رئيس وزراء فى الحرب، دور لا يمكن إغفاله فى الإعداد لخطة الخداع الاستراتيجى التى جعلت الإعلام المصرى بكل وسائله يعزف سيمفونية الخداع، فقام بدور مهم استراتيجيًا ونجح فى كسب ثقة الشعب المصرى وتحقيق انتصار كبير على الإعلام المضاد.

بداية الخطة

 قبل انطلاق حرب أكتوبر بـ 6 أشهر بدأت خطة الخداع بالتنسيق بين ثلاث وزارات هى الإعلام والخارجية والمخابرات الحربية وتم الترويج عبر الإذاعات المصرية لأخبار خاطئة تستهدف خداع العدو بأن الجيش المصرى لن يحارب ولن يشن أى هجمة عسكرية على إسرائيل.

وقبل نشوب الحرب بخمسة أشهر تم نشر أخبار سلبية عن الوضع الاقتصادى.. وتصدير فكرة أن مصر لا يمكنها خوض أى معارك، وليس أمامها خيار آخر سوى القبول بحالة السلم.

كان أول قرار اتخذه عبدالقادر حاتم عندما تولى رئاسة مجلس الوزراء هو منع أى تصريحات مباشرة أو تلميحات عن الأداء أو الاستعداد للحرب وانطبق ذلك على العسكريين والسياسيين أيضا.

تعبئة مزيفة 

كان من أهم الأخبار التى نشرها الإعلام المصرى، هو الإعلان عن استعدادات لحالة طوارئ فى مصر وتم نشر الخبر فى بعض أجهزة الإعلام العالمية، الأمر الذى دفع إسرائيل لحشد قواتها وتكلفت هذه العملية 3 ملايين دولار، ولم يحدث أى طوارئ ثم تكررت هذه الخدعة مرة أخرى، ولم يحدث أى طوارئ أيضا، مما دفع موشى ديان ليقول فى أحد تصريحاته بمجلس الوزراء الإسرائيلى إن كل هذه الأخبار هدفها الاستهلاك المحلى المصرى وخداع الإسرائيليين، وهو ما تسبب فيما بعد فى تأجيل قرار الحشد والارتباك بشأنه عندما حل موعد الحرب الحقيقي.

يقول عبدالقادر حاتم فى كتابه: «استطعنا أن نوصل إلى إسرائيل معلومات عن نوايانا بأننا سنحارب فى وقت معين فى شهر مايو ثم فى شهر أغسطس 1973، وفى الحالتين أسرعت إسرائيل بإعلان التعبئة العامة والاستدعاء الكامل لقوات الاحتياط فى حين كانت القوات المصرية يبدو عليها حالة الاسترخاء».

التركيز على المظاهرات

وفى إطار إخفاء النوايا المصرية عن الحرب تم نقل أخبار المظاهرات الصاخبة والسخط الشعبى من أداء الحكومة بسبب التأخر فى إعلان الحرب وكان الهدف من نقل أخبار هذه المظاهرات الشعبية إلى الإعلام الأجنبى إقناع الجميع وأولهم إسرائيل: أن مصر عاجزة عن أى عمل عسكرى كبير يعيد إليها أرضها.

وقبل الحرب بأيام.. صدّرت حكومة الرئيس السادات، من خلال الصحافة، للشعب المصرى، صورة البلد المنغمسة فى التنمية المحلية، التى تستعد لموسم المدارس ورمضان، دون أن يكون لديها أى وقت لكى تفكر فى الحرب؛ لذلك فوجئ الجميع بالحرب، وأولهم الشعب المصرى.

حكومة السادات استغلت توقيت رمضان والمدارس، كنوع من الخداع الاستراتيجى، فى توفير احتياجات المصريين التموينية، والتأكيد على أن البلد مستمرة فى روتينها الطبيعى، مؤكدة فى أحد الأخبار عدم السماع للإشاعات المغرضة التى قد تؤدى إلى تخزين بعض السلع ونفادها؛ لأنه لن يحدث أى شىء قريبا.

ضخت الدولة، قبل بداية رمضان، العديد من السلع التموينية للشعب المصرى، لشراء كل ما يلزمه خلال الشهر الكريم، ولم يكن الشعب يعلم أن الرئيس كان يريد أن يتزود الشعب بجميع المنتجات الاستهلاكية قبل الحرب المجيدة، حيث قررت الدولة مضاعفة ما يقدم فى المجمعات الاستهلاكية يوميا للمواطنين.

الخطة تذهل العالم

وبفضل خطة الخداع الاستراتيجى والخطة العسكرية المحكمة، تحقق العبور العظيم لجيش عظيم وباقتدار ، جيش خير أجناد الارض، وليسجل التاريخ المعاصر أول أنتصار للعرب على اليهود الصهاينة ويدون فى السجلات وفى أنصع صفحات التاريخ العسكرى المعاصر والتى ظلت مراكز البحوث والأكاديميات العسكرية فى أنحاء العالم تبحث وتدرس وتتعلم ذلك الدرس العظيم للجندى العربى الجسور والمقدام حين تتوفر له الإرادة السياسية والعسكرية.

أسطورة خط بارليف

خط بارليف.. كانت إسرائيل تتباهى بقوته وأنه لا قوة على الأرض تقدر عليه.. فكيف حوله المقاتل المصرى لكومة من التراب.. وكان «خط بارليف»، عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية التى كانت تمتد على طول الساحل الشرقى لقناة السويس، حيث قامت إسرائيل ببنائه بعد احتلالها لسيناء بعد حرب عام 1967، بهدف تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبور أى قوات مصرية إليها.

سمى «خط بارليف» بذلك الاسم نسبة إلى حاييم بارليف القائد العسكرى الإسرائيلى، حيث تكلف بناؤه نحو 500 مليون دولار، وتميز «خط بارليف» بساتر ترابى ذى ارتفاع يصل لما يتراوح بين 20 و22 مترا، وانحدار بزاوية 45 درجة على الجانب المواجه للقناة، كما تميز بوجود 20 نقطة حصينة على مسافات تتراوح بين 10 و12 كيلومترا وفى كل نقطة نحو 15 جنديا تنحصر مسئوليتهم فى الإبلاغ عن أى محاولة لعبور القناة وتوجيه المدفعية إلى مكان القوات التى تحاول العبور.

روجت إسرائيل طويلا لخط بارليف على أنه يستحيل عبوره وأنه يستطيع إبادة الجيش المصرى إذا حاول عبور قناة السويس، مدعية أنه أقوى من خط «ماجينو» الذى بناه الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى.

كان خط بارليف يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كيلومترا داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة، ويتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، بطول 170 كيلومترا على طول قناة السويس، وبنت إسرائيل الخط بعد عام 1967، والذى اقترحه حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلى فى الفترة ما بعد حرب 1967 بهدف تأمين الجيش الإسرائيلى المحتل لشبه جزيرة سيناء.

ضم خط بارليف 22 موقعا دفاعيا، و26 نقطة حصينة، تم تحصين مبانيها بالأسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للوقاية ضد جميع أعمال القصف، كما كانت كل نقطة تضم 26 دشمة للرشاشات، و24 ملجأ للأفراد بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، و15 نطاقا من الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام.

وتعتبر كل نقطة حصينة به عبارة عن منشأة هندسية معقدة تتكون من عدة طوابق وتغوص فى باطن الأرض بمساحة تبلغ 4000 متر مربع، وزودت كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التى تتحمل القصف الجوى وضرب المدفعية الثقيلة، حيث إن لكل دشمة عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات، وتتصل الدشم ببعضها عن طريق خنادق عميقة.

وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائرى إذا ما سقط أى جزء من الأجزاء المجاورة، ويتصل كل موقع بالمواقع الأخرى سلكيا ولاسلكيا بالإضافة إلى اتصاله بالقيادات المحلية مع ربط الخطوط التليفونية بشبكة الخطوط المدنية فى إسرائيل ليستطيع الجندى الإسرائيلى فى خط بارليف محادثة منزله فى إسرائيل.

بينما اعترض أرييل شارون الذى كان يتولى منصب قائد الجبهة الجنوبية على فكرة الخط الثابت واقترح تحصينات متحركة وأكثر قتالية ولكنه زاد من تحصينات الخط أثناء حرب الاستنزاف.

وفى السادس من أكتوبر عام 1973 تمكن الجيش المصرى من عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف، حيث أفقد العدو توازنه فى أقل من ست ساعات، حيث يوافق ذلك اليوم «يوم كيبور» أو عيد الغفران لدى اليهود.

وبدأ الجيش المصرى الهجوم بالضربة الجوية، مستغلا عنصرى المفاجأة والتمويه العسكريين الهائلين اللذين سبقا تلك الفترة، كما تم استغلال عناصر أخرى مثل المد والجزر واتجاه أشعة الشمس من اختراق الساتر الترابى فى 81 موقعا مختلفًا وإزالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات مياه ذات الضغط العالى، التى قامت بشرائها وزارة الزراعة للتمويه السياسى ومن ثم تم الاستيلاء على أغلب النقاط الحصينة للخط بخسائر محدودة ومن الـ441 عسكريا إسرائيليا تم قتل 126 وأسر 161، بينما لم تصمد إلا نقطة واحدة هى نقطة بودابست فى أقصى الشمال فى مواجهة بورسعيد.

وفى سبتمبر عام 1969، اقترح صاحب فكرة خراطيم المياه، اللواء المهندس باقى زكى يوسف، فكرة استخدام ضغط المياه لإحداث ثغرات فى الساتر الترابى المعروف بخط بارليف والتى تم تنفيذها فى حرب أكتوبر عام 1973، حيث تم تسجيل الفكرة باسمه لحفظ حقوقه المعنوية، وكان تحطيم أسطورة خط بارليف، وبرغم بساطة تلك الفكرة فإنها أنقذت 20 ألف جندى مصرى على الأقل من الموت المحقق.

وفى أعقاب يونيو 1967 أرسل رئيس تحرير مجلة دير شبيجل الألمانية خطابا إلى جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل قال فيه: «بكل انبهار إننى يا سيدتى أشعر بالأسف الشديد لأننى أصدرت ملحق المجلة الخاص بالانتصار الإسرائيلى باللغة الألمانية، إننى سأفرض على المحررين فى دور الصحف التى أملكها أن يتعلموا العبرية.. لغة جيش الدفاع الذى لا يقهر».

وبعد أيام من حرب أكتوبر فى 22 نوفمبر 1973 تقول دير شبيجل الألمانية الغربية: «إن اجتياح المصريين خط بارليف، جعل الأمة العربية بكاملها تنفض عن نفسها آثار المهانة التى تحملت آلامها منذ 1967».

وفى وصف دقيق لخط بارليف، قال حمدى الكنيسى المراسل الحربى المصرى خلال حرب أكتوبر 1973 فى كتابه «الطوفان»: «إنه أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث كان يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كيلومترا داخل شبه جزيرة سيناء، يتكون من الخط الأول والرئيسى على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس وبعده على مسافة من 3 إلى 5 كيلومترات كان هناك الخط الثانى ويتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية ثم يجىء بعد ذلك وعلى مسافة تتراوح بين 10و12 كيلومترا الخط الثالث الموازى للخطين الأول والثانى الذى كان يحتوى على تجهيزات هندسية أخرى وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، وكل هذه الخطوط بطول 170 كيلومترًا على طول قناة السويس».

وبسبب تلك التحصينات، لم يكن يخطر ببال قادة إسرائيل أن العرب يمكنهم تدمير هذا الخط الحصين، بل إن بعض الخبراء العسكريين الغربيين بعد دراستهم لتحصينات خط بارليف والمانع المائى أمامه «قناة السويس»، قالوا: «إنه لا يمكن تدميره إلا إذا استخدمت القنبلة الذرية»، إلا أنه وبعد العبور العظيم فى 6 أكتوبر، وقف قادة إسرائيل فى ذهول بعد أن دمر هذا الخط الدفاعى خلال ساعات ليتبرأ موشى ديان منه قائلا: «إن هذا الخط كان كقطعة الجبن الهشة».

وتقول وكالة «اليونايتد برس»: إن تخلى إسرائيل عن خط بارليف الحصين على الضفة الشرقية لقناة السويس يعتبر أسوأ نكسة عسكرية أصيبت بها فى تاريخها.

وأفادت الوكالة بأن الجنود الإسرائيليين الذين أقاموا وراء خط بارليف كانوا يقولون دائما: «إنهم يشعرون باطمئنان تام وأنهم آمنون وراء حصن لا يمكن اقتحامه والآن أصبح هذا الحصن فى أيدى المصريين، وكان الخط مكونا من عدد كبير من الدشم التى تحتوى على ملاعب طائرة وحمامات سباحة وغرف للنوم ومطابخ ليتساءل رجل الشارع الإسرائيلى الآن هل حقا أصبح المصريون يقيمون حيث كان يقيم الجندى الإسرائيلى ويأكلون الأطعمة الساخنة ويستمتعون بالماء البارد ويشاهدون الأفلام ويلعبون الكرة الطائرة؟».

 الجسر الجوى الأمريكى  

مع مرور أيام الحرب الاولى لما تجد إسرائيل أمامها سوى الاستقواء بأمريكا لإنقاذها على أمل أن تعود مرة أخرى لتستولى على أرض من سيناء كما اوهمتها غطرستها ولكن لم تنفعها أمريكا ولا جسرها الجوي.

تفصيليا.. أتى الآن دور عملية «نيكل جراس» أو حشائش النيكل او عملية الجسر الجوى الأمريكى، كانت عبارة عن التحول فى التخطيط العسكرى الأمريكى، والاتجاه إلى مساعدة إسرائيل، فقد استجاب نيكسون إلى نداء شخصى من مائير، واتخذ قرار إعادة إمداد إسرائيل بالأسلحة فى 9 أكتوبر.

فى البداية، اقترح المخططون لـ«نيكل جراس» أن تكون إسرائيل مسئولة عن تنفيذ الجسر الجوى بأكمله باستخدام 8 طائرات تحمل 5500 طن من العتاد إلى إسرائيل، لأن معظم شركات الطيران الأمريكية رفضت الانخراط فى ذلك، خوفا من خسارتها عملائها من العرب. فقرر نيكسون شخصيا أن تكون واشنطن مسئولة عن تنفيذ الجسر الجوى، وحمل العتاد إلى تل أبيب، وأمر: «أرسلوا كل شىء يستطيع الطيران إلى تل أبيب». وقبل بذلك سلاح الجو الأمريكى التحدى، وبدأ الجنرالات بتحميل الطائرات، وإعطاء عملية «نيكل جراس» الأولوية، وعليه تم إنزال المعدات فى عدة مواقع مهمة فى إسرائيل.

ما زال التهديد بحظر النفط العربى عن واشنطن قائما، وفى 12 أكتوبر انطلقت الآلات الأمريكية، وبدأت تعمل إلا أنها تأخرت قليلا فى البداية، مما أثار غضب البيت الأبيض آنذاك، بجانب ذلك لم يكن هناك عدد كاف من الطائرات والمعدات اللازمة، إلا أن الخطة تركز أساسا على إنشاء ممر جوى يمكنه أن يتكيف لمرور أعداد هائلة من الطائرات والمعدات مع استمرار الضغط من الحكومة الأمريكية على شركات الطيران التجارية، للحصول على المساعدة منها، وحلقت الطائرات إلى مضيق جبل طارق فى جنوب إسبانيا، ثم إلى البحر الأبيض المتوسط إلى تل أبيب.

كان هناك تخوف من اعتراض الدول العربية على مرور الطائرات الأمريكية إلى تل أبيب، فعمل الأسطول السادس للبحرية الأمريكية كحامٍ لتلك الطائرات.

ولمست أول طائرة «سى -  5» أراضى تل أبيب، وتبعها 97 طنا من قذائف 105 ملم هاوتزر، ووصلت فى وقت كانت فيه القوات الإسرائيلية فى حاجة إلى حمولة من الذخيرة، وسيتم تسليم آخر 829 طنا فى الـ24 ساعة المقبلة آنذاك.

وقام العمال الإسرائيليون بتفريغ أول شحنة من الطائرات، وتم تشكيل مناورات ضخمة بين المدرعات الإسرائيلية والمصرية على بعد 100 كيلومتر فى معركة تعتبر الأكبر منذ معركة «كورسك» فى الحرب العالمية الثانية.

كانت فى استقبال الطائرات التى وصلت بهجة كبيرة من قبل الإسرائيليين، حيث تلقوا الطواقم، ووضعت إسرائيل نظاما لتسريع مناولة البضائع، وتفريغها من وسائل النقل، فى الجبهة بسوريا فى نحو 3 ساعات وفى سيناء فى أقل من 10 ساعات.

ومن 21 أكتوبر إلى 30 أكتوبر ارتفع مستوى تدفق الطائرات إلى 6 طائرات يوميا، ثم بدأ الطلب عليها فى الانخفاض.

ولأن الطائرات تلغى الحاجة إلى الذخيرة والمواد الاستهلاكية الأخرى، تم التمكن من نقل الفيضان المستمر لعتاد القوات الأمريكية-الإسرائيلية، وبالتالى الذهاب إلى الهجوم فى المراحل الأخيرة من الحرب، ففى الشمال استعادت القوات البرية الإسرائيلية بعض الأراضى فى دمشق، وفى سيناء.

وبقيادة اللواء آرييل شارون وصلت القوات الإسرائيلية عبر قناة السويس إلى الخلف، وطوقت الجيش الثالث المصرى على الجانب الغربى من القناة، وهددت الإسماعيلية، ومدينة السويس، وحتى القاهرة نفسها.

شعرت مصر وسوريا، بعد ذلك بالاضطرار إلى الرجوع إلى التفاوض، بعد أن كانت الفكرة بعيدة تماما عنهما، وفى 22 أكتوبر تمت الموافقة على ترتيب التوصل مع واشنطن وموسكو إلى حل لمنع التدمير الكامل للجيش المصرى المحاصر، وهو ما أحجمت إسرائيل عنه مؤقتا فى محاولة لكسب أكبر قدر ممكن من الوقت قبل وقف إطلاق النار.

واجه بعد ذلك الاتحاد السوفيتى هجوما متواصلا مع إسرائيل، أثار المخاطر، وأعلنت موسكو للولايات المتحدة أنه إذا تعذر للولايات المتحدة جعل إسرائيل تتراجع، فإنه سيتخذ إجراءات من جانب واحد، مما يعنى ضمنا الاستعداد للعمليات النووية، إذا لزم الأمر.

فقدت إسرائيل 10800 قتيل، وهى فى خسارة كبيرة لشعب يتكون من نحو 3 ملايين نسمة، ومعهم 100 طائرة و800 دبابة، وفى المقابل فقد العرب 17000 ما بين قتيل وجريح، و8000 أسير، و500 طائرة و1800 دبابة.

وانتهت «نيكل جراس» رسميا فى 14 نوفمبر. وقتها، سلاح الجو الإسرائيلى قد تسلم 22.395 طن «إنقاذ» أمريكى، لتطلق مجلة «ريدرز دايجست» على العملية اسم «الجسر الجوى الذى أنقذ إسرائيل».