الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

.. من غزة إلى لبنان «اليوم التالى» للشرق الأوسط

عام من الفوضى وضعت الشرق الأوسط على صفيح ساخن، عام مضى على عملية «طوفان الأقصى» فى غزة لينقلب العالمان العربى والغربى رأسًا على عقب وتتساقط الأقنعة وتنبذ الدول على إثر مجازر إسرائيلية يروح ضحيتها أكثر من 41689 شهيدا (69 % منهم من النساء والأطفال) و 96625 مصابا فضلًا عن نزوح 2.5 مليون مواطن من أراضيهم، ثم يأتى الدور على لبنان بهجمات جوية استشهد على أثرها نحو 1700 لبنانى، ونحو 8500 مصاب، وتهجير أكثر من مليون لبنانى.



لتزداد المنطقة اشتعالًا بين مصابين وضحايا جدد، وحتى كتابة هذه السطور مازالت قوات الاحتلال تقوم بعملياتها العسكرية فى الضاحية الجنوبية لبيروت وجنودها يجتاحون الأراضى اللبنانية، فى تكرار لنفس خططهم فى غزة، ورغم جميع المساعى العربية لردع هذا المحتل الغاشم ومحاولات الدول الأشقاء لوقف زحفه داخل الشرق الأوسط بكل الطرق الدبلوماسية، إلا أن إسرائيل نتنياهو مستمرة فى خطواتها لتدمير الشرق الأوسط والعالم العربى، مؤكدة أن قواتها الغاشمة لا يوجد رادع لها، فإسرائيل أصبحت هى الخطر الأكبر والمستمر على مر العقود.

> الحرب الشاملة

ما جرى خلال الأشهر الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط سوف يؤدى إلى إشعال الحرب الشاملة بين إسرائيل وجماعات المقاومة، مع توقعات بدخول دول إقليمية ودولية على خط المواجهة، فى ظل تمسك الحلف الأمريكى الإسرائيلى بخوض حرب عقائدية لإقامة «دولة الرب من النيل إلى الفرات» كما يدعون، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأنه سوف «يغير خريطة الشرق الأوسط لإقامة دولة إسرائيل الكبرى»، كل ذلك يأتى بمباركة أمريكية وبعض حلفاء الغرب على رأسهم بريطانيا لضمان وجود إسرائيل بل وإضافة مساحة أخرى يتم اغتصابها لتوسيع رقعة دولة الاحتلال.

وفق تصريحات سابقة للرئيس الأمريكى السابق والمرشح الرئاسى الأمريكى دونالد ترامب فى تجمع يهودى قال «أرى إسرائيل كنقطة صغيرة وسط خريطة كبيرة.. علينا أن نعمل على زيادة مساحة هذه النقطة» ثم تأتى تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن على الضربات المتتالية فى الداخل اللبنانى من قبل إسرائيل ليؤكد أن الولايات المتحدة ستستمر فى دعم دولة الاحتلال دون قيود.

 

 

 

> جنون الدعم

ورغم هذا الدعم المستمر من قبل حكومات الغرب، دون أغلب الشعوب، أدت إلى تحويل المنطقة العربية إلى مسرح للأحداث من أجل تنفيذ ما يسمى بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».. تكون السيادة فيه لإسرائيل على حساب الدول العربية، ذلك المشروع أنفق عليه التحالف الصهيونى الأمريكى مليارات الدولارات وجند له آلاف العملاء.. ووفقًا لأحد أكبر مهندسيه برنارد لويس: «العراق وسوريا أهداف تكتيكية، والسعودية هدف استراتيجى، أما مصر فهى الجائزة الكبرى» .. لذا ما يجرى فى العراق وسوريا، وما يحدث فى غزة ولبنان، وما يتم فى السودان وليبيا.. والتحركات فى الصومال، وأزمة سد النهضة الإثيوبى، ليس إلا حصار لمصر وتقويض أطرافها.. وهو ما تدركه الإدارة المصرية بصورة قوية وتوليه كل الاهتمام.. لذا تتحرك القاهرة بهدوء شديد لأن المنطقة عبارة عن حقل من الألغام مستعد إلى الانفجار فى أى لحظة.

قبل عام كانت التقارير المخابراتية تشير إلى خطط صهيونية لإعادة احتلال كامل الأراضى الفلسطينية فى قطاع غزة والضفة الغربية، وضرب لبنان وسوريا والأردن، وفرض أمر واقع على جميع شعوب المنطقة، بعد تهيئة مسرح العمليات وتحييد الكثير من الدول العربية، لذا كانت أحداث 7 أكتوبر الماضى ضربة استباقية أربكت الجميع، ومع استمرار التصعيد الصهيونى فى غزة وباقى الإقليم وصولًا إلى ما يجرى الآن بين حزب الله وإسرائيل، وضرب العاصمة اللبنانية بيروت، باتت المواجهة أكثر وضوحًا، وأصبحت المنطقة كالقنبلة الموقوتة تستعد إلى الانفجار فى أى لحظة فلا صوت يعلو فوق صوت البارود.. وسيطر الترقب والقلق والقتل والدمار على جميع شعوب المنطقة.. فى ظل جنون صانع القرار العالمى.

الأسبوع الماضى قرر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان فى اجتماع مجلس الحرب توسيع القتال فى لبنان، مؤكدًا أن ضرب حزب الله ضرورة، وكشفت تقارير الأجهزة الأمنية الصهيونية، أن التسوية السياسية لن تعيد سكان الشمال الإسرائيلى إلى منازلهم، بعدما أجبرهم حزب الله منذ شهور على الفرار والعيش فى الملاجئ لأول مرة فى تاريخ إسرائيل، حيث وصلت صواريخ حزب الله إلى كامل الجليل وحيفا، وهو ما تسبب فى غضب شعبى واسع داخل دولة الاحتلال.. غضب بات يهدد كرسى نتنياهو.. لعجزه حسم حرب غزة وإعادة المحتجزين كما وعد، أو حتى نجح فى إعادة سكان جنوب وشمال إسرائيل إلى منازلهم فى أمان.. لذا اتجه نتنياهو لإشعال المنطقة بالكامل من أجل الحفاظ على كرسى رئيس الوزراء.. انطلاقًا من رؤيته العقائدية بأنه «الموعود بإقامة الهيكل المزعوم».

ومع استمرار الحرب على جبهة غزة، وغرق إسرائيل فى أزمات اقتصادية، مع شدة الانقسامات الداخلية التى أصبحت تتسم بالعنف ضد حكومة نتنياهو والمطالبة بعزله أو إسقاط حكومته، كان السؤال الأهم.. هل الجيش الإسرائيلى المنهك فى قطاع غزة يستطيع دفع فاتورة فتح جبهة أخرى مع حزب الله فى لبنان؟وهل توسعة الحرب مع لبنان سوف يؤدى إلى الانسحاب الاضطرارى لجيش الاحتلال من قطاع غزة والمعابر فى نيت ساريم ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) .. وهل يستطيع جيش الاحتلال الدخول فى جبهتين للحرب بنفس القوة؟!، قد يذهب البعض إلى أن حرب جنوب لبنان ستكون «عملية عسكرية مؤقته» أو كما وصفها نتنياهو «حرب بكثافة ما» إلا أن الواقع يعود لسيناريو حرب 1967 بنفس الأعداء ونفس الأهداف.

ولكن فى الوقت الراهن، أى إدارة حرب حسب قدرات جيش الاحتلال ومحاولة احتواء رد فعل حزب الله، ومحاولة توجيه ضربة وقائية إلى باليستى حزب الله، قد يؤدى فى أى لحظة إلى حرب شاملة تشترك فيها كل جبهات المقاومة فى فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسوريا؟!

> الرعب أم الردع

يرى مراقبون، أن إسرائيل تخشى صواريخ حزب الله الموجهة والدقيقة وبعيدة المدى ولذا فهى تريد حربًا ذات سقف، بعدما أصابها الرعب من الصاروخ الباليستى الفرط صوتى الذى أطلقه الحوثيون فى 15 سبتمبر الجارى على وسط إسرائيل الصاروخ الذى تجاوز الجغرافيا وكل التكنولوجيا الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، ووصل لمستوى سرعة 4020 كيلو مترا فى دقيقة ونصف، حيث حلق فوق أكثر من منظومة دفاع جوى من الباتريوت ومنظومة حيتس الإسرائيلية دون أن تصيبه ووصل إلى وسط إسرائيل، وعلى الرغم من أن الصاروخ لم ينم عنه أى إصابات، لكنه عكس أن الحرب فى لبنان لو تجاوزت الخطوط الحمراء ستكون مدمرة لإسرائيل ولبنان معًا.. تل أبيب تخطط لاقتحام جنوب لبنان وأن يعود حزب الله حتى حدود نهر الليطانى، وإقامة منطقة عازلة ومحظورة عسكريًا كما فعلت فى غزة، وهو ما لم يقبله حزب الله، حتى الآن، ووفق العقيدة المتبعة فى الحزب أن هذا الأمر لن يحدث إلا فى حالة إصدار شهادة وفاة «حزب الله» إلى الأبد.

على الجانب الآخر، يرى الكثير من المحللين، أن إشعال نتنياهو جبهة لبنان ليس إلا هروبا للأمام بعدما أفسدت مصر مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء واربكت كل حسابات نتنياهو، وأصبحت حربه على غزة بلا هدف، وهذا سر تصريحاته الهجومية ضد مصر، فهو يعى جيدًا أن الحرب فى غزة دخلت المرحلة الأخيرة وإذا فشل فى التهجير سيعود بخفى حنين، وإذا تنازل عن تهجير سكان قطاع غزة، لن يستطيع تنفيذ الجزء الثانى من الخطة القائمة على تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وهو سر التوتر بين عمان وتل أبيب خلال الفترة الماضية بعدما كشفت الأردن خطة نتنياهو.. وحذر خبراء من أن أى تصعيد فى الضفة الغربية قد ينهى اتفاق السلام مع عمان وتدخل فى حرب مباشرة مع تل أبيب.

الخطوات الإسرائيلية فى لبنان ربما لن تتوقف عند الجنوب بل من المرجح أن تشمل منطقة الجليل، ودخول الجولان السورية، وهو ما دفع إسرائيل وفق الإعلام العبرى إلى تسليح 120 وحدة عسكرية حسب خطة «أجابة الريح» للتصدى لأى اجتياح يتم من قوات حزب الله..

> الصراع على السلطة

هنا يسأل الكثيرون فى ظل التصعيد العسكرى لماذا هدد نتنياهو بإقالة وزير دفاعه جالنت .. فهذا أمر غير منطقى فى ظل دولة تخوض حربا متعددة الجبهات؟ إلا أن نتنياهو وفقًا لتقارير سياسية يدير الحرب وهو ينظر إلى الانتخابات القادمة المقررة فى منتصف 2025، ويخشى من زيادة شعبية جالنت منافسه المتوقع فى الانتخابات، حيث كان جالنت هو صاحب فكرة الضربة المزدوجة والربط بين حزب الله وحماس منذ 7 من أكتوبر، وهو من رفض الاعتراض الأمريكى لخطة احتياج جنوب لبنان، وأخبر نظيره الأمريكى بأن قرار احتلال جنوب لبنان قرار دولة إسرائيل، حتى نجح فى الحصول على الضوء الأخضر من واشنطن، وهنا يرى نتنياهو أى انتصار فى غزة ولبنان سوف ينسب إلى جالنت.

نتنياهو يرى أن تدمير جنوب لبنان تدميرًا شاملًا هو الرد على تدمير شمال إسرائيل، وأن أى ضربات من حزب الله نحو شمال إسرائيل سيكون تدميرًا لما تم تدميره، وأن الهدف صناعة منطقة عازلة فى جنوب لبنان حتى نهر الليطانى، بينما يذهب بعض المحللين إلى أن اقتحام حزب الله للشمال الإسرائيلى بقوات الرضوان سوف يقلب المعادلة وسوف تدخل المنطقة فى مواجهة مباشرة جديدة بين إسرائيل ومحور المقاومة، وتبدأ حرب عصابات ممتدة بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية فى مواجهة 120 وحدة عسكرية فى الجليل والجولان.

> الحليف المنتظر

وعلى الجانب الآخر كما يحاول نتنياهو أن يكسب بعض الوقت فى حروبه المتعددة لحماية «كرسى الحكومة» يسعى أيضًا إلى وصول حليفه وصديقه المقرب دونالد ترامب إلى سدة حكم الولايات المتحدة مرة أخرى، فنتنياهو الذى يرى قرب نهاية مستقبله السياسى أمام عينيه، يرى أيضًا أن انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية ضرورة تصل لقداسة الضرورة الدينية، وأنه الرفيق الأمثل، بعد ضعف جو بايدن المستمر رغم تقديم الدعم لتل أبيب دون توقف، إلا أن ترامب سوف يساعد فى تنفيذ خطة نتنياهو لتغيير الإقليم وفك عزلة تل أبيب خلال سنتين من حكمه.

> إشعال الحروب العربية

وأخيرًا ومع قراءة واسعة للمشهد، نرى أن يد تل أبيب تعبث فى العديد من دول الإقليم وحرب غزة ولبنان ليست الهدف فقط، وما يحدث فى السودان ليس بعيدًا عما يحدث فى غزة ولبنان أو ما يحدث فى أى دولة عربية أخرى.. فالعدو الإسرائيلى يتحرك وفق خطة للوصول إلى هدفه الأكبر من النيل إلى الفرات، لذا إشعال الحرب الأهلية فى السودان ليس إلا جزءا من خطته وتوفير الحماية لإثيوبيا وسد النهضة.. السودان هى الحديقة الخلفية لمصر، والسد الإثيوبى يهدد الشعبين المصرى والسودانى معًا، وما تم فى الخرطوم جاء لمنعه من امتلاك أسباب قوته العسكرية لمواجهة المؤامرة الصهيونية الإثيوبية (إسرائيل تعتبر من أكثر الدول المساهمة فى إنشاء سد النهضة)، كما أن إشعال الحرب الأهلية فى السودان تم بعد طلب الخرطوم شراء الطائرات الشبحية الصينية من الجيل الرابع G10C لتكون بجانب سرب الطائرات المصرية Meg 29 فى قاعدة مروى السودانية.. وهنا قررت إسرائيل بمباركة أمريكية دفع قوات الدعم السريع لإشعال الحرب الأهلية بمعاونة بعض الدول.. خشيت تل أبيب من أنه بطائرات السودان – الصينية الصنع – إلى جانب الرفال وF16 تكتمل القوى الضاربة للبلدين (مصر والسودان) فى مواجهة إثيوبيا، لذا لم يستغرب المتابعون أن تكون أول إشارة عسكرية لقوات حمدتى هى الهجوم على قاعدة مروى السودانية، كرسالة للقاهرة التى كانت تدعم صفقة الطائرات بين الصين والسودان.

واكتمال الحصار بإشعال شرق ليبيا، عملت القاهرة على التحرك بدقة لوقف التصعيد فى هذه الجبهة، وكانت البداية مع نهاية الخلاف المصرى التركى فى ليبيا، والتعاون مع أنقرة فى الصومال بعد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره التركى رجب طيب أردوغان، بل ودعمت القاهرة لقاء الرئيس الصينى مع رئيس مجلس السيادة السودانى عبدالفتاح البرهان وساندت السودان للحصول على الطائرات الصينية مجددًا.

الأوراق والأزمات تتشابك يوما تلو الآخر بصورة متسارعة، والخطر يزداد يومًا تلو الآخر على جميع الدول فى منطقة الشرق الأوسط، وكما جاءت المحاولة السابقة للعمل على وقف نزيف غزة وإبرام اتفاق وقف لإطلاق النار باءت كلها بالفشل بسبب «جنون نتنياهو» بات الأمر الآن فى مفترق طرق، وبات التفكير الآن ليس فى حل أزمة غزة فقط أو اليوم التالى لانتهاء الحرب فى القطاع.. بل أصبح التفكير الأدق الآن فى اليوم التالى لنهاية الحروب الشاملة التى بدأت تنفجر واحدة تلو الأخرى وقدرت الدول العربية الآن على الاتحاد بقوة فهو الخيار الوحيد والواقعى لصد العدوان الخارجى ووقف نزيف الدم للشعب العربى.>