الثلاثاء 18 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عمليات «تل أبيب» ورشقات «طهران»: مواجهة نووية أم تسوية سلمية؟!

الارتباك والمشاعر المتناقضة هى العناوين الأبرز فى المشهد الإقليمى الدامى الذى يلف المنطقة، التى تتدحرج يوما بعد يوم نحو حرب قد تتسع أوارها إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط، وبرغم نفى الأطراف المتحاربة رغبتها فى توسيع نطاق الحرب إلا أن حالة الحرب المستعرة التى تشنها إسرائيل على كل من قطاع غزة وجنوب لبنان تشى بغير ذلك.



 المعلن من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة فى المنطقة أن سيناريو الحرب الشاملة هو خيار مرفوض، فلا توجد دولة فى خط المواجهة أو أخرى إقليمية تريد أن تتحمل تداعيات هذه الحرب، إذن كيف سيتغير  الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط الذى اعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلى  بنيامين نتنياهو بدون جر إيران إلى حرب تتيح للجيش الإسرائيلى ضرب المفاعل النووى الإيرانى؟.

الحروب التى تخوضها إسرائيل فى قطاع غزة وجنوب لبنان تضع المنطقة برمتها على فوهة بركان على حافة الانفجار، وفوق برميل بارود على وشك الاشتعال، وبرغم نجاح الجيش الإسرائيلى فى تنفيذ عمليات استخباراتية ناجحة فى إيران ولبنان اعادت له رد الاعتبار بعدما منى بانتكاسة مذلة قبل عام مضى فى السابع من أكتوبر الماضى على يد حركة حماس، إلا أنه ليست هناك ضمانات من ردات الفعل فى ظل مواجهة برية بداتها إسرائيل الثلاثاء الماضى خصوصا من حزب الله الجريح بعدما تلقى ضربات موجعة هزت صورته أمام العالم، فهل يستعيد الحزب توازنه وقدراته القتالية بعدما بات فى ساحة المعركة مكشوفا من دون دعم إيران التى أرسلت اليه إشارات واضحة تفيد بأن عليه أن يتصرف بمفرده وأن يدافع عن نفسه لمواجهة الوضع الحالى، وأن طهران فى وضع لا يسمح لها بالانخراط بأى شكل من الأشكال فى التصعيد مع إسرائيل، وأن على من تبقى من قياديى الحزب وحلفائه من الفصائل الفلسطينية أن يضعوا فى حساباتهم أن إيران ليست بصدد الرد على إسرائيل من أجل اغتيال الأمين العام حسن نصرالله أو إسماعيل هنية أو غيرهم من القيادات التى تم اغتيالها، فى الوقت نفسه وجهت إيران رسائل إلى إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أنها لن ترد، وأن ما يتعرض له وكلاؤها فى المنطقة شأن يخصهم وحدهم، وأنها لا تنوى الاشتباك مع إسرائيل، وفى المقابل فيما يبدو أن إسرائيل تراهن على أن الوفاة الغامضة للرئيس الإيرانى السابق إبراهيم رئيسى واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وكذلك سلسلة الاغتيالات التى طالت قيادات عسكرية مهمة فى الحرس الثورى الإيرانى، وقوات النخبة فى حزب الله سوف تغير من المشهد السياسى والعسكرى فى منطقة الشرق الأوسط وهو ما قد يشكل مدخلا لتوافق إقليمى جديد ينتج عنه خفض التصعيد، وفصل جبهات الإسناد لحركة حماس فى قطاع غزة، فى ظل تخاذل وإحجام إيران عن دعم ومساندة حزب الله ومن قبله حركة حماس حتى بعد اغتيال رئيس المكتب السياسى لحماس على أراضيها وفى ضيافتها، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذى كان يعد رأس الحربة فى المشروع الإيرانى فى المنطقة، أغلب الظن أن الرئيس الإيرانى الحالى مسعود بزشكيان جاء (من وجهة نظر عدد من المراقبين) من أجل إعادة هيكلة المشروع الإيرانى والتمهيد لإعادة ترتيب المشهد الإقليمى ويؤدى الدور الذى لعبه رئيس الاتحاد السوفييتى، ميخائيل غورباتشوف صاحب البروسترايكا والجلاسنوست، تلك السياستين اللتين أدتا إلى تفكك الاتحاد السوفيتى فى 25 ديسمبر عام 1991م، وفى مقابل الدور الإيرانى المتخاذل والمتراجع فإن إسرائيل المدعومة أمريكيا وأوروبيا تسعى للحد من النفوذ الإيرانى فى المنطقة وجر طهران للحرب المباشرة، ومن ناحية أخرى، تظهر إيران رغبة واضحة فى عدم السقوط فى براثن الفخ الإسرائيلى المعلن وتبتلع الضربات الإسرائيلية لقادتها وقادة محور المقاومة، تجنبا منها لأى تصعيد يكون فيه التفوق العسكرى لإسرائيل، واستباقا على نتائج الانتخابات الأمريكية المنتظرة بفوز مرشح إسرائيل المفضل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، والعدو اللدود لإيران والذى سبق له أن الغى الاتفاق النووى مع إيران من جانب واحد إبان دورته الرئاسية السابقة، والذى غرد صهره جاريد كوشنر بعد اغتيال حسن نصر الله عبر حسابه على منصة «إكس» قائلا: مع تأكيد مقتل نصرالله، والقضاء على 16 من كبار القادة فى غضون تسعة أيام فقط، كان أول يوم بدأت أفكر فيه هو قيام شرق أوسط من دون ترسانة إيران الموجهة نحو إسرائيل. ولذلك عدد من النتائج الإيجابية المحتملة، وحذر كوشنر الولايات المتحدة الامريكية من إهدار الفرصة، بحجة أن الشرق الأوسط غالبًا ما يكون كتلة صلبة حيث يحدث فيها القليل من التغيير. أما اليوم، فهى سائلة وإن فرص إعادة تشكيل تلك الكتلة غير محدودة، يجب الانطلاق منها لتنفيذ المشاريع التى كانت مؤجلة فلا تفوتوا هذه اللحظة، مضيفا أن هذا هو الوقت المناسب للوقوف خلف السلام وأمة إسرائيل، وفى ذات السياق رشحت معلومات أن طهرات تدير اتفاقا سريا مع إدارة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن استباقا لنتائج الانتخابات الامريكية مطلع شهر نوفمبر المقبل تخلت بموجبها عن وكلائها فى المنطقة، مقابل ضمان الولايات المتحدة الأمريكية عدم مهاجمة إسرائيل ل§لمفاعل النووى الإيرانى، خصوصا أن طهران على بعد خطوات من إنتاج القنبلة النووية التى سوف تكون لها بمثابة الرادع الاستراتيجى، وتتيح لها هيمنتها على الإقليم.

وعلى الرغم من الدعوات الدولية للتهدئة فقد قام الجيش الإسرائيلى فجر الثلاثاء بشن عملية برية وصفها بأنها محدودة وموضعية ومحدّدة الهدف فى جنوب لبنان ضد أهداف تابعة لحزب الله، إلا أن حالة الجموح والانتشاء لرئيس الوزراء الإسرائيلى بعد نجاح الجيش الإسرائيلى فى تنفيذ عمليات استخبارية قضت على عدد كبير من قيادات حزب الله ورغبته فى تحقيق نصر والثأر من حزب الله إلا أن نتنياهو قد يستمر بالغزو البرى عند حدود نهر الليطانى من أجل تطبيق بنود قرار الأمم المتحدة 1701 وإجلاء صواريخ قوات المقاومة إلى ما وراء النهر، وإذا كانت حرب 2006 قد استمرت أربعة وثلاثين يوما فإن مدى طول الحرب الحالية يعتمد أساسا على حسابات القيادات الجديدة لحزب الله من هذه الحرب، وهل ستعمل على الحفاظ على القدرات التدميرية والقتالية للحزب، وتأجيل المواجهة إلى السنوات المقبلة. 

وخلال الأسبوع الماضى دعت العديد من الدول العربية ومعها باريس وواشنطن إلى وقف فورى لإطلاق النار لمدة 21 يوما بين حزب الله وإسرائيل من أجل إفساح المجال أمام المفاوضات ومن شأن هذه المبادرة أن تكون واجهة لتنازلات حزب الله، لكن المسؤولين الإسرائيليين لا يبدون أى اهتمام بما يقال بشأن وقف الحرب، وماضون فى تنفيذ خطط اليمين الإسرائيلى الحاكم الذى يسعى إلى تنفيذ مخططاته وفرض هيمنته مدفوعا بأوهام تلموديه توراتية بان تشغل إسرائيل محل النفوذ الأمريكى المتراجع فى المنطقة، والذى يعتقد بأن بقاء حسن نصرالله على رأس حزب الله يمثل تهديدا لإسرائيل، وشجع على استنساخ نماذج من الميليشيات الشيعية المسلحة فى العراق واليمن وسوريا، وبالتالى فغيابه عن المشهد سوف يفتح الطريق أمام جهود السلام، ويرسل رسالة واضحة إلى جميع الميليشيات الإيرانية المسلحة فى العراق واليمن وسوريا، بأن الحبل على الجرار وأن يد إسرائيل الطولى سوف تجز رؤوس قادتها، وسوف تخذلهم إيران كما فعلت بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر وحسن نصر الله وآخرين، وأنه لا يوجد مكان فى الشرق الأوسط لا يمكن لإسرائيل الوصول إليه.>