منها «الفردان والمزرعة الصينية ومتلا» معارك حرب أكتوبر.. كيف كسرت ظهر إسرائيل؟

شهدت أيام وساعات حرب أكتوبر العديد من المعارك التى أكدت أن المصريين ليسوا كأى شعب.. أكدت أن التضحية والفداء من أجل كل حبة رمل من أرض الوطن ليس مجرد شعارات.. معارك أذهلت العدو وأصبحت تُدرس حتى الآن فى فنون الحرب.. وفى السطور التالية سوق نحاول رصد نماذج منها لأن رصد الكل يحتاج لسجلات لا حصر لعدد أوراقها.
(معركة كوبرى الفردان)
أبرز تلك المعارك هى معركة كوبرى الفردان.. وهى إحدى معارك الهجوم الإسرائيلى المضاد، ووقعت يوم 8 أكتوبر 1973، وحدثت المعركة شرق الإسماعيلية بقطاع الفردان، وانتهت بهزيمة اللواء 217 مدرع الاحتياطى الإسرائيلى، وخسر العدو الإسرائيلى فى هذه المعركة أكثر من 25 دبابة ووقعت 8 دبابات فى الأسر وتم أسر المقدم عساف ياجورى.

البداية كانت عندما رأت إسرائيل التوجه جنوبا نحو الدفرسوار والاستيلاء على كوبرى مصرى سليم عند نقطة الفردان الحصينة «هيزايون» التى لم تكن قد سقطت بعد، حيث أمر الجنرال أدان قائد الفرقة 162 العقيد غابى أمير قائد اللواء 460 مدرع بالتحرك بلوائه إلى قطاع الفردان لتحرير نقطتى هيزايزن وبوركان، وفى نفس الوقت أمر العقيد نيتكا نائير بالتمركز بلوائه المدرع اللواء 217 احتياطى أمام قطاع القنطرة وتنظيم قواته للتقدم جنوبا حين تصدر له أوامر بذلك، وعندما فشل لواء غابى فى مهمته، أمر الجنرال أدان العقيد نيتكا بترك كتيبة أمام القنطرة والتحرك بكتيبتين تجاه قطاع الفردان لتعزيز لواء غابى وإعادة حشد هذه القوة مع المتبقى من لواء غابى استعدادًا للهجوم الرئيسى على الطريق الممهد والمتفرع من الطريق العرضى رقم 3 «طريق عرام» إلى الفردان.

وفى الوقت نفسه، كانت قوات الإشارة المصرية قد التقطت رسالة لاسلكية بعث بها نيكتا إلى قيادته تفيد استعداده لبدء الهجوم بعد عشرين دقيقة تجاه الفردان بأقصى سرعة، ونظرًا لضيق الوقت قرر قائد الفرقة الثانية مشاة العميد حسن أبو سعدة استدراج القوات المدرعة الإسرائيلية المُهاجمة بالسماح لها بالتقدم مسافة 3 كم، حيث قَدَرَ أنها ستوجه ضربتها نحو نقطة الاتصال بين لوائى النسق الأول لفرقته، وبعدما تتقدم القوات الإسرائيلية كما هو مخطط، سيهاجمها لواء النسق الثانى للفرقة «لواء المشاة الميكانيكى» ولواء الفرقة المدرع «اللواء 24 مدرع الاحتياطى» بالإضافة إلى قوات احتياطية أخرى، مع توجيه احتياطى النسق الأول المضاد للدبابات لاحتلال الخطوط الجانبية لأرض القتل التى اختيرت لتكون وسط رأس كوبرى الفرقة، وفى نفس الوقت ستغلق الكتيبة اليمنى من لواء النسق الأول - التى سيجرى اختراقها كما هو مخطط - طريق الرجوع على القوات الإسرائيلية وبالتالى حصارها تماما.
وفى الساعة 12 ظهرا تقدمت القوات الإسرائيلية المدرعة بسرعة كبيرة وتركتها الكتيبة اليمنى تخترق خطوطها حتى تقع فى الكمين المُعد ومن ثمّ قطع طريق الرجوع عليها ولما دخلت الدبابات الإسرائيلية أرض القتل، وخلال 13 دقيقة كانت أطقم اقتناص الدبابات قد هاجمت الدبابات الإسرائيلية من الخلف ودمرت معظمها، كما نجحت فى أسر 8 دبابات سليمة.

بنهاية الهجوم الإسرائيلى على القنطرة والفردان، خسر لواء نيتكا وغابى 75 دبابة كما أسرت 8 دبابات سليمة، لم يتبق سوى أربع دبابات فقط من أصل 50 دبابة من كتيبتى نيتكا بما فيها دباباته، وأُسر قائد إحدى هاتين الكتيبتين المقدم عساف ياجورى قائد الكتيبة 113.
معركة المزرعة الصينية
«المزرعة الصينية» هى قطعة أرض أجرت الحكومة المصرية عليها عدة اختبارات لاستزراع أراضى سيناء فى الخمسينيات، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى أن المنطقة أقيمت عليها مزارع تجارب يابانية فى سيناء، وعندما وجد الجنود الإسرائيليون أدوات ومعدات مكتوبا عليها باللغة اليابانية ظنوا أنها صينية وتم تسميتها بهذا الاسم.

وفى الخامس عشر من أكتوبر 1973 شهدت أرض «المزرعة الصينية» معركة كبرى بين قواتنا المسلحة وقوات الاحتلال الإسرائيلى بالضفة الشرقية لقناة السويس، بعد أن أبلغت طائرات الاستطلاع الأمريكية إسرائيل بوجود فجوة فى الجيش المصرى فى هذا الموقع، وشارك بالمعركة المشير الراحل محمد حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع والإنتاج الحربى الأسبق.
ووقعت المعركة التى شارك طنطاوى فيها برتبة مقدم، عندما قرر وقف إطلاق النار تمامًا لإغراء قوات العدو الإسرائيلى على التقدم عبر المنطقة الواقعة بين الجيش الثانى والجيش الثالث الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس، وبالفعل تقدمت القوات حتى أصبحت فى مرمى نيران القوات المصرية، ولا يمكن أن تخطئها أى رصاصة حتى من بندقية صغيرة، ودافعت القوات المسلحة المصرية ببسالة عن الموقع على مدار ساعتين ونصف الساعة.

وننقل عن المشير طنطاوى الذى كان قائدا للكتيبة 16 مشاة فى حرب أكتوبر، فى فيديو نادر له، إن الكتيبة 16 مشاة كانت من أولى الكتائب التى عبرت قناة السويس، بل هى عبرتها فى توقيت قبل العبور بدفع عناصر اقتناص الدبابات، وكانت أحد العناصر التى رفعت علم مصر على الضفة الشرقية قبل عبور القوات الرئيسية. وعلى الجانب المصرى، قَصَّ المشير طنطاوى لحظات ما قبل معركة المزرعة الصينية قائلا: كان بقالى 48 ساعة مكنتش بنام وفى الساعة واحدة شعرت بالهدوء فقلت أنام شوية وبلغتهم أنهم يصحونى لو حصل أى شيء، ولم أكد أنام نصف ساعة وفوجئت بمن يوقظنى ويبلغنى بأنهم يسمعون أزيز الطائرات الهليكوبتر، فتعاملت معه كموضوع سهل وبلغتهم يزودوا المراقبة ويبلغوا القيادة الأعلى، واستمرت فى محاولة النوم.
وتابع: بعد ساعة أى فى الساعة 2.30 صباحا، أبلغونى بأنهم يرون فى أجهزة الرؤية الليلية عناصر من القوات الإسرائيلية تحاول عبور حقول الألغام التى فى المواجهة، وعلى الفور استيقظت وتيقنت أن هناك أعدادا كبيرة من المشاة الإسرائيليين يحاولون عبور الثغرة باتجاه مواقع الكتيبة، فأعطيت أوامر لكل أسلحة الكتيبة والمدفعية والهاون وجميع الرشاشات والأسلحة المضادة للطائرات، وجهتها فى اتجاه الثغرة، وأمرت بعدم فتح النيران إلا بطلقة إشارة حمراء منى شخصيا، وحدث ذلك مع اقتراب العدو، وفتحت جميع أسلحة الكتيبة على القوات المظلية للعدو.

واستكمل: كانت معركة المزرعة الصينية طوال ساعتين ونصف الساعة حتى بدأ النهار، ومن حسن حظ القوات الإسرائيلية أن الضباب جعل تركيز النيران عليهم فى الصباح ليس بالكفاءة الكافية، ما أمكنهم من سحب خسائرهم وبعض من تبقى على قيد الحياة، وكان همى فى ذلك اليوم ألا يعود منهم أى فرد من الموقع.
وعن بطولات الكتيبة 16 مشاة فى حرب أكتوبر، استطرد طنطاوى: يكفى الكتيبة فخرا أنها لم تتكبد خسائر سوى شهيد واحد، وهو عادل بصروس، ومن ضمن البطولات الكثيرة ما قام به الشهيد نقيب محمد عبدالعزيز، الذى استشهد على مدفع مضاد للدبابات بعد استشهاد طاقم هذا المدفع، وكان هناك أحياء كثيرون أبطال ومنهم عبدالعزيز بسيون قائد سرية، لافتا إلى أنه لما كانت المعركة وهجوم الدبابات يوم 14 أكتوبر سألته عن دبابات العدو، وأجاب قائلا إنه ليس لديه وقت لإحصاء الدبابات؛ لأن أعدادها كبيرة جدا، فقررت معاونته بالمدفعية، ووجهته بعدم ترك دبابة تقترب لأنها ستخترق وتأتى خلف المواقع مباشرة فرد عليه قائلًا «لا تخف يا فندم، لو مرت دبابة واحدة هتكون على جثتى وجثة 100 واحد معايا».
( معركة الكيلو 19)
معركة الكيلو 19.. دارت رحى هذه المعركة يوم 6 أكتوبر، وكانت جزءا من العملية بدر.. أولى معارك حرب أكتوبر 1973، ودار القتال حول حصن لاهتزانيت، أحد حصون خط بارليف على 19 كيلومترا جنوب بور فؤاد، بين الجيش المصرى وجيش الاحتلال الإسرائيلى، وكانت النقطة القوية عند الكيلو متر 19 (حصن لاهتزانيت الإسرائيلي)، كان أول حصون خط بارليف التى سقطت فى أيدى القوات المصرية على طول الجبهة بأكملها، وكان سقوطه فى الساعة الثالثة والنصف مساء يوم 6 أكتوبر فى أيدى قوات اللواء 30 مشاة مستقل، أى بعد حوالى ساعة واحدة فقط من بدء مرحلة العمليات لاقتحام هذا الحصن، ويعد زمنا قياسيا على مستوى الجبهة بأكملها، ومثالا ناجحا للتخطيط الجيد والتنفيذ السليم للخطة الموضوعة.

بدأت الخطة فى الساعة الثانية إلا خمس دقائق ظهر يوم 6 أكتوبر، وتم عبور مجموعة استطلاع خلف الخطوط بقيادة مساعد رئيس استطلاع اللواء 30 مشاة سباحة جنوب النقطة القوية من معبر الكيلو 21، وقامت بفرد حبلى عبور لتسهيل عبور باقى القوات على نفس المعبر. وفى الساعة الثانية وخمس دقائق، بدأ التمهيد النيرانى على نقطة القوات الإسرائيلية القوية فى الكيلو 19 بنيران سرية اللواء المضادة للدبابات (عيار 85 مم) فقط، نظرًا لأن الممر الجوى للضربة الجوية كان يمر فوق هذه المنطقة، ولذا منع ضرب أى مدفعية ذات خط مرور عال.
وفى الساعة الثانية والربع بدأت المجموعات المعينة لعزل النقطة من الجنوب والشرق والشمال ومفرزة الصاعقة (سرية عدا فصيلة) من الكتيبة 203 صاعقة فى عبور القناة بالقوارب على المعبرين عند الكيلو 21 والكيلو 17.500، وتمكنت من الوصول إلى الساتر الترابى على الشاطئ الشرقى للقناة بعد عشر دقائق. وبدأت فى جذب نيران القوات الإسرائيلية فى اتجاه الجنوب والشمال محققة الهدف فى إخفاء اتجاه الهجوم الرئيسى على النقطة. وفى الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والأربعين، وصلت المجموعة المعينة لعزل النقطة من الشرق إلى المصطبة المعدة من قبل بواسطة القوات الإسرائيلية، ورفعت العلم المصرى عليها، مما كان له تأثير بالغ فى خفض الروح المعنوية للعدو بالنقطة القوية، وعقب ذلك مباشرة، وصلت مفرزة الصاعقة إلى المصطبة أيضا.
(موقعة متلا)
تعد موقعة «متلا» واحدة من كبرى المعارك التى شهدتها ساحة العبور والتى بثت الرعب فى قلب العدو وأرهبته، ويعد التعاون بين الجيشين الثانى والثالث والأسلحة المختلفة له دور كبير فى نجاح تلك المعركة.. ففى ليلة السابع من أكتوبر قامت قوات الجيشين الثانى والثالث الميدانيين بمعاونة القوات الجوية بصد الهجمات المضادة لاحتياطيات العدو المحلية والقريبة والتكتيكية والتعبوية والتى بلغ تعدادها ثلاث ألوية مدرعة إلى عناصر الألوية المشاة التى كانت تتمركز شرقى القناة مباشرة.
وأبلغت قيادة قوات «متلا» أن الدبابات المصرية تحاصرها من كل جانب حيث قامت أقسام صغيرة من الفرزة البرمائية التى عبرت البحيرات المرة واندفعت دبابتها لتبث الذعر فى مواقع العدو فانطلقت سرية ميكانيكية برمائية ومعها بعض الدبابات الفردية صوب مشيق «متلا» على حين اتجهت سرية أخرى صوب مضيق الجدى وتابعت السريتان تقدمهما فقامت الأولى بمهاجمة قيادة القطاع الجنوبى التمركز عند مدخل مضيق «متلا» وذلك فى الساعة 810 ثم واصلت هجومها ضد أهداف العدو الخلفية وكبدت العدو خسائر لا يستهان بها قبل أن تعود لتنضم إلى قواتنا الرئيسية فى رءوس الكبارى فى حين قامت السرية وهاجمت بعض المواقع الصغيرة للعدو وتجنبت الدخول معه فى معركة طويلة حيث كان هدفها الوصول إلى مطار تمادا لتباغته وقد نجحت فى ذلك.
وكان لأعمال تلك القوات الصغيرة أكبر الأثر فى إرباك العدو وإخلال تحركاته وانهيار قيادته إذا تصور العدو أن الدبابات المصرية لن تتوقف قبل أن تصل إلى الحدود.

ولاحتواء الموقف قام ديان فى الساعة 1140 بالتوجه إلى جبهة سيناء إلا أن جونين نصحه بالابتعاد لوجود قوات مصرية على التلال المحيطة بمركز القيادة واحتمال تعرضه للنيران أصبح أمرًا واردًا إلا أن ديان نزل على الجبهة فى سيناء وطلب تقريرًا عن الموقف، الذى قدمه له جونين ونصح فيه بالانسحاب بكل القوات إلى الجبال مع ترك الحصون لمصيرها وفى الساعة 1430 وصل «ديان» إلى الأركان العامة بتل أبيب وكان ديان شديد التشاؤم وكان يقول: «يجب الدفاع عن دولة إسرائيل ولن نتمكن من ذلك مالم نقصر خطوط المواصلات ونترك خليج السويس كله ولا مانع من أن نبقى قوة فى شرم الشيخ».. وعرض «ديان» فكرة الانسحاب على «مائير» إلا أنها استدعت «اليعازر» الذى عارض فكرة ديان وأصر على التشبث بالخط الدفاعى والذى يقع بين الممرات والقناة حتى يبدأ منه جونين الهجوم المضاد فى اليوم التالى.
وعقب ذلك كان «جونين» قد أعاد تنظيم النطاقات بجبهة القناة استعدادا لشن هجوم مضاد فى الصباح ورسم الحدود بين هجوم مجموعة آدن فى الشمال ومجموعة شارون فى الوسط ومجموعة كندلر فى الجنوب وقد اقترح شارون الهجوم ليلا لإنقاذ الأحياء فى الحصون إلا أن جونين رفض هذا الرأى وسفهه.
وبعدها وصل «أليعازر» إلى مركز قيادة جبهة سيناء وبرفقته الجنرال إسحاق رابين والتقى بجونين بالإضافة إلى قادة الفرق الإسرائيلية الجنرالات مندلر وآدن وشارون وقد تاخر الأخير لعطل أصاب طائرته فلم يصل إلا واليعازر يتأهب للعودة إلى تل أبيب وبعد أن استمع اليعازر إلى وجهات النظر المختلفة أمر جونين بتنفيذ الهجوم المضاد فى صباح اليوم التالى.
وبعد ذلك رفع جونين قوة مظلات إلى سدر ليخلى مندلر من مسئولية هذه المنطقة النائية حتى يتفرغ للهجوم المضادة فى النطاق المخصص له من جبهة القناة.
وفى الصباح كان للجيش الثانى على الضفة الشرقية للقناة عدد من الدبابات فضلا عن الأسلحة المضادة للدبابات وكتائب مدفعية الميدان وغيرها من أسلحة القتال وكانت معابر الفرقة السادسة مشاة معدة منذ الصبح لعبور وحدات الجيش الثالث الميدانى إذا تطلب الأمر ذلك.
وكانت للشرطة العسكرية وأفراد مراقبة المرور دور كبير، حيث أرشدوا الجميع إلى محاورهم حتى ينضموا بسرعة إلى وحداتهم التى كانت تشتبك بعنف داخل رءوس الكبارى ورغم أن هذا تم فى الظلام إلا أنه تم بطريقة مثالية مما ترتب عليه وصول الأسلحة والمعدات الثقيلة إلى أماكنها المخططة فى الوقت المناسب لتقلب موازين القوى لصالح الجيش المصرى.
وفى المقابل ركز العدو هجماته الجوية ونيران مدفعيته على الكبارى لإحباط عبور القوات المصرية إلا أن المعابر الهيكلية امتصت هذه الضربات.
وازدادت مع إشراقة شمس السابع من أكتوبر حدة الهجمات الجوية المصرية عنفا وكثافة وزاد تنظيمها، وراحت تستخدم أسلوبًا أفضل وهو الاقتراب على ارتفاعات منخفضة جدًا تجنبًا لكشف الرادار لها ثم ترتفع فجأة لتلقى بقنابلها وفى نفس الوقت سقط عدد كبير من طائرات العدو فى حين استمرت عملية العبور تتدفق تباعا للضفة الشرقية لتحطم عددًا كبيرًا من الحصون المعادية.
وفى صباح ذلك اليوم وقواتنا الجوية تضرب احتياطيات العدو التعبوية وتلحق بها طوال أيام القتال التالية أفدح الخسائر فى الدبابات والمعدات والأسلحة والأفراد.
أما القاذفات فقد انطلقت من القواعد لتصب الدمار على أهدافها المنتخبة وتلقى مئات الأطنان المهلكة على مطارات سدر والطور وتبيد وتشتت تجمعات العدو المدرعة وقواته الميكانيكية، التى حاولت التسلل نحو الدفرسوار وحطمت معابره ومراكز قياداته، بالإضافة إلى الدور الكبير للقاذفات فى حماية أهدافنا السياسية والاقتصادى من غدر العدو بوقوفها على أهبة الاستعداد لردعه إذ ما سولت له نفسه أن يقصف أهدافنا المدنية فى أى وقت خاصة وقد حسم الرئيس السادات الأمر بتأكيده قبل المعركة أن السن بالسن والعمق بالعمق والنابلم بالنابلم.
وخلال تلك المعارك لم يصب جندى واحد من جنودنا بنيران الطائرات الإسرائيلية كما لم تصب أية معدة من معدات الدفاع الجوى وكان هذا انتصارًا وقطعًا ليد إسرائيل الطويلة.
وتراوح متوسط ما يفقده العدو يوميا من طائرات فى هذه المهمة أى عند مهاجمة القوات البرية شرق القناة بين 4-6 طائرات ونتيجة ذلك تلاشت كثافة الهجمات الجوية حتى وصل الدعم الأمريكى لإسرائيل فعاد الخط البيانى إلى الارتفاع ثانية بصورة ملحوظة، حيث حققت قوات الدفاع الجوى المصرية غطاء جويًا صلبًا قاتلت القوات البرية فى حماها فحققت المعجزة وفازت باعجاب الجميع.
وعلى امتداد السابع من أكتوبر حاولت طائرات العدو الإسرائيلى مهاجمة قواتنا على طول الجبهة مع التركيز على المعابر والكبارى فوق قناة السويس كما هاجم بعض المطارات على موجتين وكان الطيارون يحاولون الابتعاد عن مدى صواريخ الدفاع الجوى المصرى بالإضافة إلى استخدام الإعاقة الرادارية إلا أن القوات الجوية المصرية استطاعت إسقاط عدد من طائرات العدو وطوال ليلتى السابع والثامن من أكتوبر ظلت مجموعات العمليات الثلاث تنفذ الفتح التعبوى للاستعداد لشن الهجوم المضاد من جانب العدو الذى تحدد له صباح الثامن من أكتوبر وقد خرج أحد التشكيلات الصاروخية من قاعدة بورسعيد بغرض اكتشاف وتدمير أية وحدات بحرية معادية تقترب من منطقة رمانة بالذات.
وفى صباح الثامن من أكتوبر اكتشف هذا التشكيل الصاروخى هدفا بحريا متوسط الحجم ودارت معركة بحرية انتهت بإغراق الوحدة الإسرائيلية وعودة تشكيلنا سالمًا إلى قواعده.
(معركة حصن بودابست)
حصن بودابست، يقع بالقرب من منطقة بورفؤاد، وكان منطقة حصينة بشكل طبيعى حيث تحيط به المياه من كافة الجهات، سيطر عليها قوات الجيش الإسرائيلى فى أعقاب حرب 1967.
وفى ظهر يوم السادس من أكتوبر، تمكنت قوات الكوماندوز المصرية من عزل الموقع من ناحية الشرق وتركت ممرًا للدخول منه، وتمكنت من تدمير قوة الدعم بالكامل القادمة للقائد الإسرائيلى موتى اشكينازى. وانسحب الجيش الإسرائيلى من موقعه بـ بودابست فى نهاية المعركة بعد تكبدهم خسائر فادحة، وظلت المدفعية المصرية تلاحقهم خلال هروبهم.
كان موتى اشكينازى، قائد حصن بودابست فى بورفؤاد قال عن الواقعة خلال الفيلم الوثائقى «وثائق النصر»: «فى ظهر السادس من أكتوبر تلقيت اتصالا من قائد الكتيبة يأمرنى بالخروج من بودابست، والذى يقع شرق بورفؤاد ويحتل الموقع فصيلة مشاة وفصيلة دبابات ومحاط بتربة سبخية، وبعد الضربة الجوية الأولى بدأ جحيم من القصف، صعب جدا وصفه ما يعنى 30 قذيفة فى الدقيقة الواحدة.. فتحنا النيران بدون تمييز، لا نعرف أين العدو، وفى الوقت نفسه فُتح علينا جحيم من النيران».
(معركة تبة الشجرة)
ظهر الرئيس الراحل أنور السادات، من موقع «تبة الشجرة» -فى صورة نُشرت عقب انتصار 6 أكتوبر المجيد- أثناء خروجه من داخل خندق فى قلب سيناء، وهو إحدى النقط الحصينة التى أقامتها إسرائيل على طول خط بارليف عقب نكسة عام 1967، وذلك من أجل التحكم فى 8 نقاط حصينة على طول خط بارليف، من منطقة «البلّاح» شمالًا، حتى الدفرسوار جنوبا، كان اختيار إسرائيل لذلك الموقع تحديدا، لأنه يرتفع عن سطح قناة السويس بواقع 74 مترًا، فيمكن من خلاله رؤية خط بارليف على طول مجرى القناة، كخط دفاع لها، كانت تستطيع من خلاله مراقبة الضفة الغربية للقناة، أو الوجود على منطقة مرتفعة لتتمكن من قصف مواقع للجيش المصرى.
يتكون الموقع من خندقين كبيرين، لا يظهر لأى طيران مصرى مُحلق فى السماء، واستطاعت إسرائيل أن تشيد هذا الحصن بطريقة هندسية يصعب تدميره، عن طريق بناء خمسة طوابق بصخور ذات أحجام كبيرة، مترابطة بمجموعة من الأسلاك. وتم تحويل الموقع حاليا لمزار سياحى.
خلال حرب السادس من أكتوبر، فى اليوم الثالث على بداية المعركة، تقدمت قوات من الجيش المصرى، للسيطرة على الموقع، وبعد قتال عنيف مع القوات الإسرائيلية، استطاعت القوات المصرية الاستيلاء على الموقع، وتدمير عدد كبير من الدبابات الإسرائيلية. وكانت إسرائيل تُطلق على الموقع اسم «رأس الأفعى المدمرة» لكونه مرتكزا قويا لها. وحاول العدو استرداد الموقع فدفع بدباباته بقيادة اللواء عساف ياجورى.
(معركة عيون موسى)
يوجد المكان على مقربة من موقع عيون موسى التاريخى الذى سميت النقطة باسمه، وهو الموقع الذى مر به سيدنا موسى (عليه السلام) حين استسقى ربه، فتفجرت له اثنتا عشرة عينا من الصخر. وكان مقرا عسكريا لقوات الاحتلال أبان الحرب، يحتوى على الكثير من الخنادق التى تُسهل حركة الجنود الإسرائيليين دون الكشف عنهم.
كان اقتحام تلك النقطة من المهام المستحيلة، فهى تتكون من 6 دشم خرسانية مسلحة ذات حوائط سميكة مغطاة بقضبان سكة حديد، وفوقها سلاسل من الصخور والحجارة التى يمكنها تحمل القنابل زنة ألف رطل، كما أنها محاطة بنطاقين من الأسلاك الشائكة، ومزودة بشبكة إنذار إلكترونية. وكل دشمة بابها من الصلب، وهناك أماكن مخصصة لمبيت الجنود والقادة، يربطها خنادق للمواصلات، ويعلوها نقط مراقبة ومنشآت إدارية وطبية، وهذه النقطة بها الاكتفاء الذاتى الذى يكفيها لمدة شهر. وكان الجيش الإسرائيلى من هذا الموقع يتحكم فى طريق الشط - الطور المؤدى إلى جنوب سيناء. وفقا لـ«جريدة الشرق الأوسط».
ورغم كل التحصينات التى تتمتع بها تلك النقطة، فإنه بعد معرفة القوات المصرية بتلك النقطة بمساعدة بدو سيناء، قررت القوات المصرية يوم 9 أكتوبر اقتحام المكان، وأرسلت 3 مجموعات قتالية من المشاة تابعة للجيش. ودخلت معركة قوية مع قوات الاحتلال التى رضخت فى النهاية لجنودنا رغم سقوط العديد من الشهداء، وانسحب العدو من المنطقة.
وعلى مدار أيام، حاول الجيش الإسرائيلى شن هجوم مضاد لاستعادة النقطة الاستراتيجية التى استخدم فيها ضربات الطيران، إلا أن القوات المصرية نجحت فى صد كل تلك الهجمات بنجاح. وأصبح الموقع الآن مزارا سياحيا.
(معركة أبوعـطوة)
دارت المعركة فى 22 أكتوبر فى محافظة الإسماعيلية بقرية «أبو عطوة» وقعت المعركة والتى تعد أشد معارك الدبابات التى خاضها الجيش المصرى ضد جيش العدو الإسرائيلى. إذ تصدت دبابات الجيش المصرى لمحاولة العدو الوصول إلى منطقة أبو عطوة التى تحتوى على تل مرتفع حتى يتمكن من ضرب محافظة الإسماعيلية.
خاض أبطال قوات الصاعقة معركة قوية تصدوا فيها لقوات القائد الإسرائيلى آرئيل شارون، وحاولت نحو 300 دبابة إسرائيلية اقتحام القرية واحتلال الإسماعيلية واعتدوا على السكان المدنيين فى فايد وعدة مناطق فى المدينة. إلا أن قوات الجيش المصرى نفذت كمينا لقوات العدو بعد أن كان على بعد دقائق من المدينة وانقضوا عليهم. واستطاع جنود المجموعة «139 قتال» أن يهزموا الدبابات الإسرائيلية، بسلاح قاذفات الـ «آر بى جى 7». واستطاعت الحصول على مجموعة كبيرة من دبابات العدو فى المعركة.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد كرم أبطال معركة أبو عطوة العام الماضى، خلال ندوة تثقيفية عقدتها القوات المسلحة للاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر. كما تم إنشاء متحف لـ دبابات أبو عطوة يقع بالقرب من طريق السويس - الإسماعيلية فى قرية «أبو عطوة»، وتم إنشاء المتحف عام 1975 لعرض الدبابات التى تم أسرها من الجيش الإسرائيلى، ويضم المتحف 7 دبابات مختلفة، بالإضافة إلى نصب تذكارى مدون عليه العديد من أسماء الشهداء من الجنود والضباط والمدنيين المصريين الذين استشهدوا فى المعارك.
(معركة المنصورة الجوية)
نفذت نسور الجو المصرية بمهارة واقتدار فى يوم الرابع عشر من شهر أكتوبر عام 1973، مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلى بين ما تملكه قواتنا الجوية من طائرات أقل تقدمًا وكفاءة عن ما يملكه العدو.
وهنا تتجلى براعة الطيار المصرى وكذلك الأطقم الفنية بسرعة إعادة الطائرات لتلك المعركة وإصرارهم على النصر الذى تحقق فى معركة استمرت لأكثر من خمسين دقيقة كأطول معركة جوية فى تاريخ الحروب الحديثة فقد فيها العدو حوالى ثمانى عشرة طائرة ولم يكن أمام باقى طائراته إلا أن تلقى بحمولتها بعيدًا عن أهدافها وتلوذ بالفرار وسميت هذه المعركة بمعكرة المنصورة وأصبحت هذه المعركة عيدًا للقوات الجوية وتعتبر الفترة هى المرحلة الثالثة.
فقد كانت آمال العدو الإسرائيلى تحطمت فى ذلك اليوم فى أطول معركة جوية فى العصر الحديث، حيث لقنت «معركة المنصورة الجوية»، العدو، أعظم الدروس، وبرهنت على مدى الجاهزية والكفاءة العالية لنسور الجو، الذين تصدوا ببراعة وجسارة لتلك الهجمة الشرسة قبل أن تصل طائراته لأهدافها رغم تفوقها «الكمى والنوعى».
( معركة حصن بورتوفيق)
حصن بورتوفيق كان من أقوى حصون خط بارليف تحصينًا وأخطرها أثرًا حيث يقع فى منتصف لسان يمتد داخل خليج السويس ويمكنه موقعه من توجيه ضربات موجعة لمدينتى بور توفيق والسويس ومعامل البترول بالزيتية وميناء الأدبية ومواقع اخرى حيوية متعددة على الضفة الغربية للقناة وفى الوقت نفسه كان يتولى توجيه نيران وصواريخ القوات الإسرائيلية نحو مواقع حيوية مصرية غرب القناة. وهو محاط بالمياه من ثلاث جوانب وأمامه ساتر ترابى يرتفع إلى 15 مترًا، مغطى تمامًا بأسلاك شائكة، وحوله خنادق ودشم مسلحة برشاشات، وأضف إلى ذلك 11 دبابة تعمل كاحتياطى تكتيكى وسرية دبابات تتمركز خارج اللسان وسرية مظلات وطيران حربى جاهز للعمل لنجدة الحصن، وقطع بحرية حاولت فعلًا نجدته بعد إحكام الحصار حولة لكن كثافة النيران المصرية وصمود أبطال الحصار أجبرتها على الانسحاب.
الكتيبة 43 صاعقة من المجموعة 127 صاعقة التابعة للجيش الثالث يقودها العقيد أ. ح فؤاد بسيونى، تولت مهمة حصار الموقع تمهيدًا للسيطرة عليه وتدميره.وتحت ستار من نيران المدفعية وأسلحة الضرب المباشر، بدأت مجموعات الكمائن من الكتيبة 43 صاعقة فى عبور القناة بالقوارب المطاطية وتمكنت تحت وابل من نيران العدو من الوصول إلى الساتر الترابى ونجحت فى السيطرة على النقطة الجنوبية من الموقع وقتل من فيها وقامت الكتيبة 43 صاعقة بحصار الموقع حصارًا كاملًا وعزله وتمسكت بمواقعها رغم كثافة نيران العدو من مدافع ورشاشات وهجمات طيران مكثفة ووجد الإسرائيليون أنه لا مجال أمامهم إلا التسليم خاصة بعد تزايد أعداد القتلى والجرحى ونفاذ المؤن والعلاج.
وكان داخل الحصن 42 جنديًا منهم 5 قتلى و20 جريحًا بجروح خطيرة. وفى صباح يوم 13 أكتوبر، تم استسلام الحصن ورفع العلم المصرى عليه وأسر 37 فردًا بينهم 5 ضباط، من الجيش الذى لا يُقهر ولا يستسلم.
(معركة القنطرة شرق)
كانت الحصون التى بناها جيش الاحتلال الإسرائيلى فى «القنطرة شرق»، من أقوى حصون خط بارليف، البالغ عددها «سبعة حصون»، واستمر القتال يومى 7 و8 أكتوبر.
وفى يوم الاثنين 8 أكتوبر تمكنت الفرقة 18 مشاة بقيادة العميد فؤاد عزيز غالى من تحرير مدينة القنطرة شرق، بعد أن حاصرتها داخليًا وخارجيًا ثم اقتحامها، ودار القتال فى شوارعها وداخل مبانيها حتى انهارت القوات المعادية واستولت الفرقة على كمية من أسلحة ومعدات العدو بينها عدد من الدبابات وتم أسر ثلاثين فردًا للعدو وهم كل من بقى فى المدينة وأذيع فى التاسعة والنصف من مساء اليوم 8 أكتوبر من إذاعة القاهرة تحرير المدينة مما كان له تأثير طيب فى نفوس الجميع.