بعد 365 يومًا من الحرب الخاسرون والرابحون من حرب غزة

مروة الوجيه
عام مضى على حرب جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، يومًا تلو الآخر تصدر بيانات وكالة الإغاثة والصحف اليومية أرقام الضحايا والمصابين وكأنهم مجرد عداد أرقام دون أى خطوة حقيقية لوقف هذا العدوان، بل دخلت ساحة جديدة وفُتِح عداد آخر لرصد ضحايا لبنان، وسط صمت عالمى بل وتعهدات أمريكية باستمرار دعم تل أبيب فى جميع خطواتها الشيطانية، فمنذ عام 2011 ومع اندلاع الثورات العربية فى المنطقة والفترة التى تسبقها ظهرت جماعة «داعش» التى اتحد العالم أجمع لمحاربتها.. ورغم أنه لا يوجد اختلاف قوى بين أفعال داعش وإسرائيل سوى ادعاءات «أعداء السامية» نرى المجازر الإسرائيلية ربما تخطت مجازر «داعش» وأمثالها من الجماعات الإرهابية..فهل يمكن أن نرى اليوم الذى يتحد فيه العالم لمحاربة «إرهاب إسرائيل»؟
مكاسب وخسائر
بين الرابح والخاسر من الحرب الدائرة فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبرالماضى تظهر النتائج عن فئتين هما الرابح والخاسر من هذه الحرب. حيث كان العدوان الإسرائيلى على القطاع فاضحا وكاشفا للموقف الأخلاقى والإنسانى على المستوى العالمى، الذى اتسم بازدواجية معايير واضحة، فيما كانت لهذه الحرب من ناحية أخرى تداعيات إيجابية ملحوظة فى إحداث حراك شعبى وتعاطف عالمى كبير مع القضية الفلسطينية التى عادت للواجهة بعد أن كاد النسيان يطويها.

ويمكن أن نؤكد أن غزة عملت على إعادة ترتيب أولويات الأجندة الدولية فى وقت يعاد فيه ترتيب النظام العالمى وظهور نظام جديد يتسم بتعدد الأقطاب والقوى.
عملت حرب غزة على تحويل دولة إسرائيل الى بلاد منبوذة ومعزولة عالميًا، إلا من حليفها الأمريكى، كما أن الخاسر الأكبر فى هذه الحرب هما الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما اتخذت إيران لبعض الوقت حضورًا عالميًا وقوة حتى لو كانت لفظية فقط، فيما تراجع الاهتمام العالمى بالحرب الأوكرانية وهو ما صب فى مصلحة روسيا بعد أن اتخذت أوكرانيا زخمًا عالميًا كبيرًا على مدار أشهر قبل اندلاع الحرب فى غزة.
رغم تصريحات للمستشارة السياسية بمركز الدراسات الدولية بموسكو، إيلينا سوبونينا، إن الحرب فى غزة لم تؤثر على الأحداث فى أوكرانيا حيث لم تستفد روسيا على الإطلاق، فالأمور لم تتغير بالنسبة لإمدادات الغرب وتوريد المساعدات والإمدادات إلى أوكرانيا.
وتابعت فى تصريحات صحفية، أن روسيا تتقدم على الأرض ليس بسبب الأزمة الفلسطينية ولكن نتيجة لإمكانياتها الذاتية واستراتيجيتها، ولكن يمكن القول إن الحرب فى غزة أظهرت ازدواجية المعايير فى دول الغرب مرة أخرى «ففى أوكرانيا يكثر الحديث عن حقوق الإنسان وفى الوقت نفسه يتم غض الطرف عن الكارثة الحقيقية التى نراها فى فلسطين» بحسب قولها.
وأشارت المستشارة الروسية، إلى أن موقف موسكو واضح ومعروف منذ سنوات، حيث دائما ما تؤكد على قرارات مجلس الأمن، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول إنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية، مشددة على موقف القيادة الروسية فى رفض الاحتكار الأمريكى للقضية الفلسطينية الذى أدى للكارثة التى تحدث بالفعل حاليا فى قطاع غزة، معتبرة أن الاحتكار الأمريكى للقضايا الدولية أمر مضر للجميع، ليس بالنسبة للقضية الفلسطينية فقط بل للكثير من القضايا، متسائلة: ما هو البديل لهذه الهيمنة الأمريكية؟
العودة للقضية الفلسطينية
عملت الحرب فى غزة على إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرة أخرى محليًا وإقليميًا ودوليًا، بعد أن كانت فى طى النسيان فى حين تراجعت الملفات الروسية والصينية إلى حد كبير، كما أن هذه الحرب كان لها تأثير كبير فى إعادة تشكيل ميزان الردع بالمنطقة العربية.
كما يعتبر الخاسر الأكبر فى هذه الحرب هما الولايات المتحدة وإسرائيل وأتباعهما فى الغرب، حيث كان هناك اعتقاد بإمكانية بناء تحالف إسرائيلى عربى لمواجهة إيران، ولكن مسألة أن تحل إيران محل إسرائيل هى محاولة لقلب كل ما يتعلق بالتاريخ والجغرافيا، فقد أصبحت إيران أكثر قوة وحضورًا عنها قبل السابع من أكتوبر الماضى.
وعلى عكس ما كان يتم التخطيط له أمريكيًا فيما يتعلق بالانسحاب من المنطقة، لكن الواقع أننا رأينا تورطًا أكبر بالمنطقة من خلال حاملات طائرات وغواصات نووية ومدمرات حربية وغيرها، وعلى واشنطن أن تضرب قدميها بالنار من خلال عسكرة البحر الأحمر وعدم الدخول فى حوار وعلاج لأصل الأزمة فى غزة.
كما أن أكثر ما يمكن أن نرصده من حرب غزة هو «الانكشاف والسقوط الأخلاقى والإنسانى الأمريكى نتيجة الانخراط فى هذه الحرب»، وأن النظام الدولى الذى بنته أمريكا والغرب بعد الحرب العالمية الثانية هم من يقومون الآن بتقويضه وهدمه.
كما نجحت حرب غزة فى كشف ازدواجية المعاييرالغربية، فضلا عن صعود الحس والشعور الشعبى الذى تجسد فى الحراك الطلابى بالجامعات الأمريكية والتى وصلت إلى نحو 100 جامعة، فقد حولت حرب غزة دولة الاحتلال الإسرائيلى لدولة منبوذة ومعزولة عالميًا..إلا فى الداخل الأمريكى فقط.
القوة العالمية
من جهة أخرى كان لحرب غزة تأثير واضح على قوة عالمية كبيرة مثل الصين التى تنتهج سياسة «المشى على الحبال»، والتى تتسم بالحذر تجاه أى قضية عالمية ومنها قضية الشرق الأوسط.
وكانت مصلحة الصين فى منطقة الشرق الأوسط تتمحور حول فى تأمين موارد الطاقة بالمنطقة حيث إنها تستورد نحو 11 مليون برميل من النفط يوميا نصفها من الشرق الأوسط وبالتالى فهو أمر يعزز العلاقة مع الدول العربية بشكل عام، أما الأمر الآخر فيتعلق بالاستراتيجية الحديثة للصين وهى محاولة كسر الهيمنة الأمريكية فى المناطق الحيوية بالعالم ومن بينها منطقة الشرق الأوسط.
وقد حاولت الصين التوازن بين مصالحها مع الدول العربية وبين إسرائيل فكان موقفها إلى حد ما أقرب للموقف العربى، فيما حاولت قدر الإمكان أن تستغل الحرب فى انتقاد الولايات المتحدة وازدواجيتها فى التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية.
ووفق تقديرات، فإن الصين تعتبر من الرابحين فى هذه الحرب من خلال كشف التعامل بازدواجية من قبل الولايات المتحدة التى تتحدث وتنتقد تعامل الصين مع الإيجور وفى الوقت نفسه تغض الطرف عما يحدث فى غزة على أيدى إسرائيل.
وأخيرًا تغيرت عوامل الحرب الإسرائيلية - الفلسطينية بصورة جذرية منذ عملية طوفان الأقصى، فسياسيًا قد استفادت الدولة الفلسطينية بالفعل وأثرت فى الرأى العام العالمى كما تحولت القضية إلى حرب وليست مفاوضات.
كما أن القضية الفلسطينية باتت قضية حقوق الإنسان الأولى فى الجامعات الغربية تحديدًا بصورة لم تتكرر منذ حرب فيتنام ، وأصبحت تشكل حاليًا رأيًا عامًا يريد وقفًا كاملًا لهذه الحرب الإبادية الآن وليس غدًا.
أن إسرائيل فشلت فى وضع خطة ما بعد الحرب ومن الواضح أن الشيء الوحيد القابل للتطبيق والنجاح فى غزة ما بعد الحرب هو حكومة فلسطينية بموافقة حماس حتى وإن لم تشارك فيها ولكن لا يمكن استبعادها من المشهد.