الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

ثقل وتنوع اقتصاد مصر حماها من السقوط طوفان الأقصى الضربة الاقتصادية الثالثة لاقتصاد العالم

عام قاتم مُحمل بخسائر هائلة شهدته دول الشرق الأوسط جراء عملية طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية شاملة على قطاع غزة والجنوب اللبنانى ما تسبب فى أزمات اقتصادية طاحنة لدول المواجهة مع إسرائيل وكانت أولها فلسطين ثم لبنان فالأردن، ورغم الأرقام التى أعلنتها إسرائيل عن تأثر اقتصادها بالأحداث فإنها المستفيدة الاقتصادية الوحيدة جراء تلك الحرب وهو ما سنكشفه خلال السطور القادمة.



 تماسك مصر

حسب دراسة أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى شهر مايو الماضى أكد فيها أن مصر تشهد تداعيات فى مختلف المجالات وضغوطا اجتماعية واقتصادية نتيجة الحرب الدائرة فى غزة، قد تؤدى إلى تراجع التنمية البشرية والضغط على مسار الإصلاح الاقتصادى والتنمية مشيرة إلى أن الاقتصاد المصرى يعتمد بشكل كبير على السياحة والتحويلات المالية وعائدات قناة السويس والديون الخارجية وتدفقات رأس المال.

ورغم ارتفاع عائد السياحة وتحويلات المصريين بالخارج إلا أن إيرادات قناة السويس قد شهدت انخفاضا بقيمة 2.2 مليار دولار نتيجة الحرب وذلك نتيجة إعلان الحوثيين فى اليمن الحرب على إسرائيل بعد 24 يوما من بدء عملية طوفان الأقصى وبالتحديد فى 31 أكتوبر2023 حيث قصف الحوثيون إسرائيل بطائرة مسيرة مُعلنين الحرب ضدها حسب تصريح المتحدث العسكرى باسم الحوثيين العميد يحيى سريع آنذاك.

وقد أوضحت تقديرات إسرائيل أن الدفاعات الجوية اعترضت أكثر من 220 طائرة مسيّرة وصاروخا تم إطلاقها من قبل الحوثيين، بينما نفذوا أكثر من 190 هجوما على سفن فى البحر الأحمر فيما اعترضت الولايات المتحدة والتحالف الذى تقوده عشرات الصواريخ والمسيّرات الأخرى الموجهة ضد السفن العابرة لمضيق باب المندب فى البحر الأحمر، ويبدو أن تلك الصواريخ كان هدفها توقف الملاحة فى البحر الأحمر حيث لم تكن هناك خسائر بشرية تذكر فى إسرائيل أحدثتها تلك الصواريخ، وقد نجح الحوثيون فى مسعاهم بعض الشيء حيث توجهت العديد من شركات الشحن إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا وهو طريق أكثر تكلفة لسفن الشحن ما انعكس على ارتفاعات كبيرة فى معدلات الأسعار والتضخم فى الدول الشرق الأوسط بالإضافة لآثاره المدمرة على معدلات تشغيل موانئ البحر الأحمر. 

 

 

 

ووفقا لبيان أصدرته هيئة قناة السويس فقد فقدت القناة نسبة %23.5 والتى بلغت 2.2 مليار دولار من إيراداتها خلال العام المالى المنتهى فى يونيو 2024.

وحسب إحصائيات الهيئة فقد بلغ عدد السفن العابرة للقناة خلال العام المالى المنتهى 20148 سفينة بإجمالى حمولات صافية قدرها مليار طن وإيرادات 7.2 مليار دولار. فيما عبرت 25911 سفينة فى العام المالى السابق بإجمالى حمولات صافية 1.5 مليار طن، والتى حققت إيرادات قدرها 9.4 مليار دولار، كما حذر البيان من أن تأثير التوترات فى البحر الأحمر لا ينعكس على قناة السويس فحسب وإنما أيضا على سوق النقل البحرية وحركة التجارة، كما قد شهد قطاع السياحة انخفاضا بنسبة %50 بعد اندلاع الحرب مباشرة. 

 قروض وتحرير سعر الصرف 

ونتيجة لتلك الأحداث اضطرت الدولة إلى اتخاذ عدد من القرارات الاقتصادية وكان أهمها تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار يوم 6 مارس الماضى مما تسبب فى موجة من ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير وتواصلت الحكومة مع صندوق النقد الدولى والذى وافق على زيادة القرض الممنوح لمصر من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار وتم صرف 4 مليارات دولار فى نفس الشهر حتى تستطيع مواجهة أعبائها الاقتصادية. 

ولم يكن هذا القرض هو الوحيد كما أعلن د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بل تقدمت الحكومة للحصول على قرض إضافى بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلى لقرض مصر نحو 9 مليارات دولار. وأضاف مدبولى حينئذ إن «توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى يسمح أيضا لباقى شركاء التنمية وعلى رأسهم البنك الدولى والاتحاد الأوروبي، لتوفير قروض ميسرة للدولة المصرية بحيث يكون برنامج متكامل بأرقام كبيرة يُمكن مصر من الاستقرار النقدى والاستمرار فى الإصلاحات الهيكلية».

هل استفادت فلسطين اقتصاديا من الحرب 

عبر اسم عملية السابع من أكتوبر 2023 عن الوضع الذى ستكون عليه فلسطين بعد ذلك فقد شهدت القضية الفلسطينية طوفانا من الخسائر يهدد وجودها بشكل كبير.

وهو ما يوضحه تقرير حديث أطلقه البنك الدولى ويحمل عنوان «انعكاس الصراع فى الشرق الأوسط على الاقتصاد الفلسطينى» قال فيه إنه بعد مرور 11 شهراً على الصراع فى الشرق الأوسط، تقترب الأراضى الفلسطينية من السقوط الاقتصادى الحر، وسط أزمة إنسانية تاريخية فى قطاع غزة. حيث كشفت البيانات الرسمية عن انحدار بنسبة %35 بالناتج المحلى الإجمالى الحقيقى فى الربع الأول من عام 2024 للأراضى الفلسطينية بشكل عام، ما يمثل أكبر انكماش اقتصادى لها على الإطلاق، 

وأوضح البنك الدولى أن الصراع دفع اقتصاد غزة إلى حافة الانهيار التام، مع انكماش مذهل بنسبة %86 فى الربع الأول من عام 2024. كما ترك التوقف شبه الكامل للنشاط الاقتصادى القطاع فى حالة ركود عميق، حيث انخفضت حصته من الاقتصاد الفلسطينى من 17 فى المائة - فى المتوسط بالسنوات السابقة - إلى أقل من %0.5 حالياً. وبالتوازى مع ذلك، انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 25 فى المائة بالربع الأول من عام 2024، حيث شهدت قطاعات التجارة والخدمات والبناء والتصنيع أكبر انخفاضات.فيما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك السنوى بشكل كبير، بنحو %250 بسبب اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الحرب

 لبنان.. اقتصاد هش 

يعتبر إعلان لبنان فى شهر أغسطس الماضى عن انقطاع التيار الكهربائى بشكل كامل، ودخول منشآت حيوية كمطار بيروت، والمرفأ والسجون ومضخات المياه فى عتمة شاملة بسبب نفاد «الغاز»، خير شاهد على الحالة الاقتصادية المتردية التى يشهدها البلد الصغير وبالتالى لم يكن مؤهلا للصمود أمام الحرب التى تشنها إسرائيل على أراضيه حاليا ما دعا أمين سلام وزير الاقتصاد اللبنانى إلى إطلاق استغاثة للعالم الخارجى بأن الوضع فى بلده ينذر بكارثة وأن حجم المواد الغذائية داخل الأراضى اللبنانية يكفى الاحتياج لنحو 4 أشهر على الأقل 

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ 4 سنوات، تسببت فى انخفاض الناتج المحلى للبلاد من نحو 54 مليار دولار إلى ما دون 20 مليار دولار، ما يعنى اختفاء %60 من حجم الاقتصاد، وسط تخلف الدولة عن دفع ديونها، فى ظل أزمات فى قطاع الكهرباء والاتصالات، وتضخم وبطالة وفقر وتدهور سعر الصرف 

وقد شهد لبنان معدلات متسارعة فى التضخم بلغ %221.3 خلال عام 2023 بحسب بيانات إدارة الإحصاء المركزى اللبنانية نتيجة تغير سعر الصرف وارتفاع أسعار العديد من السلع عالميا واعتمادها على الاستيراد لسد جزء كبير من احتياجاتها.. وارتفع معدل البطالة إلى %13 خلال عامين 2022-2023 وبلغ معدل الفقر %44 فى عام 2022 ( آخر إحصائيات فى هذا الشأن ) أما سعر الصرف فقد خسرت الليرة نحو %90 من قيمتها مقابل الدولار ووصلت إلى مستوى 89.550 ليرة مقابل دولار واحد فى ديسمبر 2023 

وقد حذر تقرير للبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية من أن التصعيد فى الشرق الأوسط أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية فى لبنان وتضر بدول مجاورة مثل الأردن ومصر 

 خسائر بالجملة فى الأردن 

يأتى الأردن على خط التماس المباشر مع إسرائيل وقد شهد اقتصاده خسائر كبيرة ويعتبر قطاع السياحة أحد أكثر القطاعات تأثراً بتداعيات الحرب. ووفقاً لبيانات وزارة السياحة الأردنية، انخفضت إيرادات القطاع بنسبة %20 على أساس سنوى خلال النصف الأول من 2024، مع تراجع أعداد السياح بشكل ملحوظ، ولا سيما فى ظل تزايد المخاوف الأمنية وتأثيرات التوترات الإقليمية على خطط السفر.

كما أشارت تقارير جمعية الفنادق الأردنية، إلى أن معدلات إشغال الفنادق انخفضت بنسب تتراوح بين %50 و%75 منذ بداية الحرب، لينعكس ذلك على العاملين فى القطاع، إذ تأثرت أعمال نحو 57 ألف أردنى بشكل كلى أو جزئي.

وارتفعت تكاليف المواد الخام نتيجة هجمات الحوثيين فى البحر الأحمر حيث يستورد الأردن نحو %70 من المواد الخام ما تسبب فى حالة من الإرباك لدى المصانع،وهو ما نتج عنه تراجع فى تنافسية المنتج المحلي، قلّل من حجم الصادرات بشكل عام. 

ويعانى المواطن الأردنى نفس معاناة المواطن المصرى حيث تقلصت القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية. 

امتدت التأثيرات السلبية للحرب لتشمل المالية العامة للدولة، حيث أشارت أرقام وزارة المالية إلى أن الإيرادات العامة فى النصف الأول انخفضت بمقدار 564 مليون دولار عن التقديرات الأصلية للموازنة العامة لعام 2024. ودفع هذا التراجع الحكومة إلى تخفيض نفقات الوزارات والمؤسسات بنسبة %15، إضافة إلى تقليص الإنفاق الرأسمالي، وهو ما قد يؤثر على النمو الاقتصادى فى المستقبل القريب.

 سرقات إسرائيل الاقتصادية 

رغم الأرقام التى تعلنها إسرائيل عن خسائر اقتصادها إلا أن عدوانها على غزة جعلها تحقق مشروعات كانت تصبو إليها وتخطط لها منذ سنوات. 

 الاستيلاء على شمال ووسط غزة 

بدأت إسرائيل عملية زمنية للاستيلاء على غزة حيث أعلنت فى مطلع شهر نوفمبر الماضى أن المنطقة الجنوبية ومساحتها 230 كلم مربع وتوازى %63 من مساحة قطاع غزة مساحة إنسانية آمنة (كما يوضح تقرير نشره المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة فى شهر أغسطس الماضى) وخلال عام كامل منذ اندلاع أحداث طوفان الأقصى ظلت إسرائيل تقلص تلك المساحة حتى بلغت 36 كلم مربع بما نسبته %9.5 من إجمالى مساحة قطاع غزة وتشمل أراضى زراعية ومقابر ومناطق خدمات وتجارة وطرقات ويشغلها 1.7 مليون فلسطينى, ويعتبر الجيش الإسرائيلى محافظتى غزة وشمال غزة ليستا ضمن المناطق التى يدعى أنها مناطق إنسانية آمنة وذلك بشكل مطلق.

ونأتى للاستفادة القصوى من تلك الأراضى المحتلة فى غزة حيث بدأ الجيش الإسرائيلى فى تسوية المبانى بالأرض وإنشاء القواعد والبنية التحتية وشق الطرق كما أفاد تحقيق لصحيفة «هآرتس الإسرائيلية» وحسب الجيش الإسرائيلي، فإن «الاستيلاء على هذه الأجزاء خطوة استراتيجية».

 الاستيلاء على حقلى الغاز الفلسطينيين 

ويتضح الهدف الأول من الاستيلاء على تلك الأراضى وهو تشغيل حقلى الغاز (غزة مارين وبوردر فيلد) واللذين تم اكتشافهما عام 1999 ولا داعى للاندهاش عزيزى القارئ فرغم مرور 25 عاما على اكتشاف الحقلين لم يتم تشغيلهما رغم سيطرة حماس على القطاع ويبلغ احتياطى الحقل نحو 1.4 تريليون قدم مكعب، ويمكن إنتاج 1.5 مليار متر مكعب سنويًا من الحقلين معًا. بالإضافة لوجود مخزون يقدر بنحو ألف مليار متر مكعب مقابل حيفا فقط.. وقد كانت هناك محاولات من السلطة الفلسطينية لاستغلال الحقلين ولكن الخلافات السياسية بينها وبين حركة حماس حالت دون ذلك. 

وبعد سنوات عديدة وفى عام 2021 وقعت مصر ممثلة فى الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» مذكرة تفاهم مع الشركاء فى حقل غاز « غزة مارين» بهدف تطويره لتوفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعى. 

وفى منتصف شهر يوليو 2023 منحت تل أبيب الضوء الأخضر مبدئيًا لتطوير حقل الغاز الفلسطيني، إذ أعلنت موافقتها الأولية على تطويره، لكنها أشارت إلى أن هذه الخطوة تتطلب تنسيقًا أمنيًا مع كل من مصر والسلطة الفلسطينية، وفق تقرير لوكالة رويترز، ولم يتم استكمال المشروع نتيجة طوفان الأقصى والآن ستقوم إسرائيل منفردة باستخراج الغاز منه ليضاف إلى حقليها «تمارو ليفياثان».

 قناة بن جوريون المنافسة لقناة السويس 

حقق الاستيلاء على غزة حلما إسرائيليا وضعه دافيد بن جوريون مؤسس دولة إسرائيل وأول رئيس وزراء لها بحفر قناة تهدف إلى منافسة قناة السويس المصرية حيث يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر الطرف الجنوبى لخليج العقبة وستمتد القناة من خليج العقبة بالقرب من الحدود الإسرائيلية الأردنية وعبر وادى عربة الواقع بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية ويستمر غربا وشمالا مرورا بقطاع غزة ووصولا إلى البحر الأبيض المتوسط وقد كانت غزة هى العقبة الوحيدة أمام إتمام المشروع وفى ظل الوضع الحالى أصبح الطريق ممهدا لتنفيذها خصوصا بعد إنشاء ميناء غزة البحرى على البحر المتوسط والذى أقامته الولايات المتحدة بزعم توصيل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة فى الوقت الذى كانت فيه إسرائيل تدك القطاع وتقوم بتسويته بالأرض وتقوم بالترحيل القسرى لما تبقى من الفلسطينيين إلى جنوب غزة.

  إنشاء مدينة ملاهٍ عالمية 

أما الاستفادة الأخيرة فقد أعلنت عنها إسرائيل فى شهر يناير الماضى بإنشاء مدينة ترفيهية عالمية وقد تم تخصيص 5 مليارات دولار لتنفيذ المشروع الذى كان من المقرر إقامته جنوب قطاع غزة ويبعد عنها حوالى 14 كيلو مترا والآن وبعد احتلالها لشمال ووسط غزة فسوف يتم إنشاء المشروع فى تلك المنطقة حيث بدأت وزارة السياحة الإسرائيلية الترويج للمشروع الذى حددت له مدة خمس سنوات لتنفيذه وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فسوف يضم المشروع جاذبيات سياحية متنوعة، منها أماكن للتخييم، إضافة للأهم، وهى مدينة للملاهى والتى من المقرر أن تحتوى على أكبر Ferris Wheel أو «دولاب دوّار» هوائى فى الشرق الأوسط. بالإضافة لإنشاء فنادق ومجمع سياحى يحتوى على أماكن مخصصة للحفلات الموسيقية ومتحف تذكارى لقتلى إسرائيل بحربها الحالية مع حماس، يشبه مركزا بنته فى 1953 بالقدس المحتلة، هو Yad Vashem الخاص بقتلى «المحرقة» من اليهود فى الحرب العالمية الثانية كما يهدف المشروع إلى إعادة الوضع والمناطق الطبيعية المفتوحة، ومعها المعالم السياحية، كما كانت قبل 7 أكتوبر، ولكن ببنية تحتية جديدة.