سرى للغاية كل الأسئلة وأهم التفاصيل: كيف فجر الموساد «حزب الله»؟
مرڤت الحطيم
تفجيرات متتالية لوسائل اتصال مختلفة شهدتها لبنان على مدى يومين، ورغم أن الأجهزة المتفجرة سواء «بيجر» أو «ووكى» قديمة جدًا مقارنة بالمتعارف عليه فى الوقت الحالى، إلا أن لجوء حزب الله إليها جاء لصعوبة تعقبها، لكن لم يكن من الصعب تفخيخها بمادة متفجرة لا تكشفها أجهزة الفحص فى أى مطار فى العالم.
المادة المتفجرة بيضاء اللون ويتم زرع جرام واحد منها بجوار البطارية، لكنها لا تنفجر إلا عن طريق ربط جميع الأجهزة المستهدفة ببعضها، ويتم التفجير فى نفس التوقيت، وهو ما يعنى أن هناك برنامج تعقب وتجسس تم وضعه داخل تلك الأجهزة.
وقال كثير من المحللين إن تلك الأجهزة تم تفخيخها من خلال إضافة كمية لم تتجاوز 20 جرامًا من المواد المتفجرة من نوع «آر دى إكس» أو «متفجرات التدمير الملكى» وتسمى أيضا «الهكسوجين»، وهى مادة تحمل الاسم الكيميائى «سيكلوتريميثيلين ترينترامين» وهى معروفة بثباتها الجيد وإنتاجها العالى للطاقة، ما يجعلها مناسبة لمجموعة متنوعة من التطبيقات العسكرية والصناعية.
وسائل إعلام عبرية قالت إن التقارير تشير إلى أن نوع المتفجرات التى تم إدخالها فى أجهزة النداء اللاسلكية «البيچر» التى انفجرت فى لبنان هى مادة «PETN» شديدة الحساسية، والتى لا يوضع منها فى كل جهاز أكثر من 1 جرام، وهذا هو الأقرب لما حدث، لأن وزن البيچر خفيف وجرام واحد لن يشعر به حامل الجهاز.
ومتفجرات التدمير الملكى فى صورتها الكيميائية صلبة بلورية، بيضاء تشبه السكر، وغير قابلة للذوبان فى الماء، وحساسة للصدمات، واستخدامها غير العسكرى الرئيسى هو فى كبسولات التفجير فى عالم التعدين. أما عسكريا، فعادة ما تستخدم فى خلطات مع متفجرات أخرى، فهى المادة المتفجرة الرئيسية فى المتفجرات الشهيرة «سى 4» وكذلك «سيمتكس».
وتلك المادة المتفجرة أكثر فاعلية واستقرارا من متفجرات ثلاثى نترو التولوين الشهيرة (تى إن تى). وتمتلك سرعة انفجارية تساوى حوالى 8750 مترا فى الثانية، ما يجعلها واحدة من أقوى المتفجرات الكيميائية، مع كثافة طاقة انفجارية عالية.
وتمتلك مادة «آر دى إكس» خصائص إضافية تجعلها مناسبة لعملية تفجير أجهزة صغيرة مثل أجهزة البيچر، الأولى: يمكن خلطها مع الملدنات لجعلها قابلة للتشكيل، مثل الصلصال، مع الاحتفاظ بخصائصها المتفجرة، ما يعنى أنه يمكن تشكيلها لتناسب مساحات صغيرة غير منتظمة، مثل الأجهزة صغيرة الحجم، ما يجعلها مثالية لمهام سرية تتطلب إخفاء الشحنة المتفجرة.
أما الخاصية الثانية فهى أنها بعد خلطها مع مواد أخرى، تصبح أقل حساسية ومستقرة فى التخزين، ولو على المدى الطويل، ويعنى ذلك أنها يمكن أن تقبع فى مكان ما لفترة طويلة انتظارًا لتفعيلها.
وبحسب موقع المونيتور الأمريكى، فإن ذلك كان ضروريا لخطة الاحتلال الأصلية، والتى كانت تقضى بتفجير الأجهزة حال اندلاع حرب شاملة مع حزب الله، من أجل تحقيق تفوق استراتيچى، لكن معلومات استخباراتية أفادت بأن اثنين من أعضاء حزب الله اكتشفا اختراق الأجهزة، فقامت إسرائيل بتفعيل المادة المتفجرة.
الاستقرار الكبير لهذه المتفجرات يجعلها تتطلب مفجرا أو صدمة عالية الطاقة للانفجار، وربما وضع معها جهاز تفجير صغير فى أجهزة البيجر، يمكن وضعه فى مكان سرى بجوار البطارية، وحينما يتم اختراق أجهزة البيجر للتسبب فى وضع أحمال إضافية على البطارية، تسخن الأخيرة بشدة مقدمة ما تحتاجه تلك المادة للانفجار.
وإلى جانب ذلك، فإن «آر دى إكس» تنضم لفئة «المتفجرات عالية التكسير»، ما يعنى أنها تولد موجة صدمة قوية وسريعة للغاية عند الانفجار، مما يتسبب فى تحطيم المواد أو تفتيتها بقوة كبيرة.
ويشير مصطلح «التكسير» فى هذا السياق إلى قدرة المتفجرات على إحداث تأثير تحطيم أو سحق، خاصة عند التعامل مع أهداف صلبة مثل المعدن أو الخرسانة.
وفى الصناعات مثل التعدين والبناء، يمكن استخدام «آر دى إكس» فى عمليات الهدم المتحكم فيها، وخاصة حيث تكون هناك حاجة إلى قوة انفجار دقيقة.
وتتميز المتفجرات عالية التكسير عادة بسرعات تفجير عالية للغاية، غالبا ما تتجاوز 7 آلاف متر/ثانية. حيث تخلق هذه السرعة موجة ضغط شديدة تتسبب فى قطع أو كسر أو حفر المواد، ولهذا السبب فإن هذه النوعية من المتفجرات غالبا ما تستخدم فى تركيب العبوات الناسفة، وهى قنابل محلية الصنع قد تستخدم فى إعداد الكمائن على جانب الطريق أو المبانى، ويمكن تركيبها على العربات والدبابات لتدميرها.
وسمح لمتفجرات التدمير الملكى بناء على خصائصها أن تجد لنفسها مكانا راسخا فى عالم العمليات العسكرية، وتم تصنيع مادة «آر دى إكس» لأول مرة فى عام 1899 بواسطة الكيميائى الألمانى هانز هينينج. ومع ذلك لم تجتذب الكثير من الاهتمام فى ذلك الوقت بسبب توفر متفجرات أخرى مثل ثلاثى نترو التولوين.
وأكد مصدر استخباراتى أمريكى لشبكة إيه بى سى نيوز، أن إسرائيل كانت لها يد فى تصنيع أجهزة الاتصال اللاسلكى البيچر التى انفجرت فى لبنان، مستهدفة أعضاء حزب الله، وذكر المصدر أن هذا النوع من العمليات تم التخطيط له منذ 15 عاما على الأقل.
وأضاف المصدر الأمريكى أن التخطيط للهجوم شمل شركات وهمية، مع ما وصفه بطبقات متعددة من ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، مشيرًا إلى عدم علم بعض المشاركين فى التصنيع بمن يعملون لصالحه.
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تم زرع حوالى 3 جرامات من المتفجرات ومفتاح تشغيل عن بعد فى أجهزة البيچر.
وذكر المصدر الأمريكى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سى آى إيه كانت مترددة منذ فترة طويلة فى استخدام هذا التكتيك، لأن الخطر على المدنيين كان مرتفعا للغاية.
وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن شركة «بى إيه سى كونسلتنج» المجرية التى ارتبط اسمها بتفجير أجهزة «البيچر» فى لبنان ما هى إلا جزء من واجهة إسرائيلية.
وكانت شركة جولد أبوللو التايوانية لصناعة أجهزة البيچر قالت إن نموذج الأجهزة الذى استخدم فى تفجيرات لبنان هو من إنتاج شركة «بى إيه سى كونسلتنج»، التى تتخذ من بودابست مقرا لها، ولديها ترخيص لاستخدام علامتها التجارية.
وقالت نيويورك تايمز نقلا عن 3 مصادر استخباراتية وصفتها بالمطلعة إن الشركة المجرية وشركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضا لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة البيچر.
وأشارت الصحيفة إلى أن المصنع الحقيقى لهذه الأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وقالت إن شركة «بى إيه سى» تعاملت مع عملاء عاديين وأنتجت لهم مجموعة من أجهزة «البيچر»، لكن العميل الأهم كان حزب الله. وأوضحت أن أجهزة البيچر التى أنتجتها الشركة لحزب الله خصيصا كانت تحتوى على بطاريات مخلوطة بمادة بينت المتفجرة وفقا للمصادر الثلاثة.
ووفقا لنيويورك تايمز بدأ شحن أجهزة البيچر إلى لبنان فى صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن الإنتاج زاد بسرعة بعد أن حظر زعيم حزب الله حسن نصر الله استخدام الهواتف المحمولة سهلة التتبع، وقرر الاعتماد على أجهزة منخفضة التقنية مثل البيچر. وقالت الصحيفة نقلا عن مصادرها الاستخباراتية: أمر نصر الله مسئولى حزب الله بحمل أجهزة البيچر فى جميع الأوقات، وفى حالة الحرب يتم استخدامها لإخبار المقاتلين إلى أين يذهبون. وخلال الصيف، زادت شحنات أجهزة البيچر إلى لبنان، حيث وصلت الآلاف منها ووزعت على أعضاء حزب الله وحلفائهم، وفقا لمسئولى استخبارات أمريكيين.
وبالنسبة لحزب الله كانت هذه الأجهزة بمثابة إجراء دفاعى، لكنها فى إسرائيل كانت بمثابة أزرار يمكن الضغط عليها عندما يبدو الوقت مناسبا وفقًا لمصادر الصحيفة.
كما كشف تقرير لموقع أكسيوس الأمريكى، أن حزب الله كان يحمل شكوكا بشأن أجهزة الاتصال اللاسلكى التى يستخدمها أعضاؤه، قبل أيام من انفجار الآلاف منها بشكل متزامن فى لبنان.
وقال مسئول أمريكى لأكسيوس إن قادة إسرائيل عجلوا بشن الهجوم بعد أن انتابهم القلق من احتمال انكشاف زرع المتفجرات فى أجهزة البيچر.
وأوضح المسئول: رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وكبار وزرائه وقادة الجيش وأجهزة الاستخبارات قرروا استخدام النظام الآن بدلا من المخاطرة باكتشافه من قبل حزب الله.
وكانت تقارير صحفية تحدثت عن مخاوف إسرائيلية من انكشاف أمر البيچر مشيرة إلى أن اثنين من عملاء حزب الله أثارا الشكوك حول هذه الأجهزة فى الأيام الأخيرة. كما أعلنت شركة جولد أبولو التايوانية أن أجهزة الاتصال التى انفجرت بشكل متزامن بأيدى عناصر من حزب الله من صنع شريك مجرى، وأن أجهزة النداء تم طلبها من جولد أبولو وأن متفجرات زرعت بداخلها فى وقت ما قبل وصول الأجهزة إلى لبنان. وأضافت المصادر أن إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة قبل وصولها إلى لبنان، من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخل كل منها . ورفض رئيس الشركة هسو تشين كوانج التقرير، ونفى أن تكون الأجهزة من تصنيع الشركة، وقال للصحفيين فى تايبيه: هذه ليست منتجاتنا من البداية إلى النهاية فى الولايات المتحدة.
بينما قال مصدر أمنى لبنانى كبير ومصدر آخر إن جهاز المخابرات الإسرائيلى الموساد زرع كميات صغيرة من المتفجرات داخل 5 آلاف جهاز اتصال بيچر تايوانى الصنع طلبتها جماعة حزب الله اللبنانية منذ عدة أشهر من التفجيرات، وأن الموساد قام بحقن لوح داخل الأجهزة يحتوى على مادة متفجرة تتلقى شفرة من الصعب جدا اكتشافها بأى وسيلة، حتى باستخدام أى جهاز أو ماسح ضوئى.
وقال المصدر إن ثلاثة آلاف من أجهزة البيجر انفجرت عندما وصلت إليها رسالة مشفرة أدت إلى تفعيل المواد المتفجرة بشكل متزامن.