الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أسسها هرتزل وقضى عليها «بيبي»: نتنياهــو يكتب نهاية إسرائيل

المتابع لما يحدث الآن من تصعيد فى المنطقة؛ يتأكد أن هناك شخصًا مجنونًا يقود العالم إلى الحرب خوفًا من نهاية مشواره السياسى، وبينما يهرب «بيبى» إسرائيل من مصيره بإشعال المنطقة يقود فى الوقت نفسه دولته المزعومة واحتلاله القائم إلى نهاية محتومة. لتصبح إسرائيل دولة أسسها هرتزل وقضى عليها الـ«بيبى».



 

من الخطأ الاعتقاد بأن نتنياهو ليس لديه استراتيجية، فكل قرار يصدره رئيس الوزراء الإسرائيلى يؤدى إلى حرب بلا نهاية، فهو ليس مهتما بالنصر بل بمواصلة الحرب لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من نهر مصر إلى الفرات.

 فدائما ما يؤكد نتنياهو أن إسرائيل ليست مجرد «جيب» أوروبى فى العالم العربى كما يقال أحيانًا، بل إنها مشروع انفصالى دينى يعود إلى آلاف السنين والواقع أن فكرة «الدولة اليهودية» ذاتها الدولة التى يتمتع فيها اليهود والدين اليهودى بامتيازات حصرية يستبعد فيها المواطنون غير اليهود إلى الأبد متجذرة فى أعماق كل قادة إسرائيل.

 ولكن هوس نتنياهو وطموحة ورغبته فى أن يكون واحدًا من أبرز الزعماء اليهود مثل هرتزل أو بن غوريون أو فيسمان دفعه إلى خوض معارك فى جبهات مختلفة من أجل تحقيق نبوءات توراتية ويرى بيبى أنه على الورق يبدو هذا الحلم صعب التحقيق.

 أما على أرض الواقع فالأمر مختلف تمامًا، فهناك مخططات تجرى بلا هوادة لالتهام الأراضى العربية وضمها إلى السيادة الإسرائيلية وخاصة بعد النجاح فى التهام جزء كبير من الأراضى الفلسطينية وبعض الأراضى السورية ولا تزال عين الاحتلال تتطلع بعيدًا إلى الأراضى المصرية والأردنية واللبنانية وحتى العراقية.

قد يكون بنيامين نتنياهو هو رئيس الوزراء الأطول خدمة فى تاريخ إسرائيل لكن مستقبله هش وقد ينتهى حكمه بمجرد انتهاء العدوان على غزة ولبنان فقبل عملية طوفان الأقصى كان نتنياهو يواجه بالفعل مظاهرات حاشدة ضد زعامته فى أعقاب تحركه لإضعاف المحكمة العليا الإسرائيلية واختفت صورة إسرائيل المزعوة باعتبارها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط مع تعبير الإسرائيليين الأكثر اعتدالًا والشتات اليهودى فى الغرب عن معارضتهم له.

 واستمرت شعبية نتنياهو فى الانخفاض بعد هجمات حماس فى السابع من أكتوبر الماضى التى اعتبرت أسوأ عملية إذلال عانى منها جيش الاحتلال الإسرائيلى منذ أكثر من 50 عامًا ولكنه استغل فرصة الحرب من أجل البقاء فى السلطة من خلال الرقصة المعقدة بين الإيمان والسلطة السياسية، حيث استخدم الروايات الدينية لتعزيز سلطته وتمكن من شبك الهوية اليهودية مع روايته السياسية بطرق ملتوية ومثيرة للجدل وحشد اليهود والصهاينة والإسرائيليين حول حلم أرض إسرائيل الكبرى.

إشارات نتنياهو التوراتية

استخدم «بيبى» التضليل الدينى الزائف فى فرض استراتيجيته الاستعمارية التى تهدف إلى إقامة إسرائيل الكبرى مستشهدًا فى خطاباته بفقرات من التوراة التى قد يكسب بها تعاطف ودعم أتباعه من اليمين المتطرف واليهود المتدينين أو المسيحيين الصهاينة، لم يكن هذا النهج الذى انتهجه نتنياهو جديدًا فقد استخدمت الحركة الصهيونية وأنصارها من المسيحيين الصهاينة روايات العنف الخلاصى منذ ظهور الصهيونية فى نهاية القرن التاسع عشر.

 وكان هناك دائما تبرير ديني متعمد للتطهير العرقى الذى تمارسه إسرائيل ضد الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين وإن إشارة نتنياهو إلى «إبادة العماليق» استدعى بها على حد زعمه الدعم الإلهى يفسر الإسرائيليين اليوم عماليق على أنه كل فلسطينى وتستمد قاعدة الدعم السياسى لنتنياهو بين المستوطنين المتشددين الإلهام من هذه النصوص التوراتية العنيفة، كما تعهد القادة الإسرائيليون وكبار جنرالات الجيش علنا بضرب شعب غزة بالنار والكبريت نقلًا عن أنبياء العهد القديم لقد كانت هناك دعوات مفتوحة لتطهير غزة وبقية الأراضى المحتلة عرقيًا حتى تتمكن إسرائيل من تحقيق حلمها الطويل الأمد أرض إسرائيل الممتدة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.

 ووعد «بيبى» فى خطابه أمام البرلمان الإسرائيلى بعد وقت قصير من بدء الهجوم الدموى على غزة بتحقيق نبوءة إشعياء وتتحدث النبوءة عن إنشاء إسرائيل الكبرى الممتدة من نهر مصر إلى نهر الفرات.

 وفى خطاب آخر قال نتنياهو إن عدوان إسرائيل على غزة مَهمَة فى حين استشهد بقصة عماليق فى الكتاب المقدس وكانت مملكة عماليق العدو اللدود لبنى إسرائيل وكان عماليق حفيد عيسو الابن الأكبر لإسحاق ويعتقد أن عيسو هو والد الأدوميين وهى قبيلة سامية كثيرًا ما كانت فى صراع مع اليهود ووفقًا للقصة التوراتية أمر الله شعبه المختار بنى إسرائيل بالقضاء على العماليقيين تمامًا واعتُبرت هذه الإشارة تصريحا رسميا للإبادة الجماعية وأكد على كلامه الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوغ فى خطاب له، قائلا أنه لا يوجد مدنيون أبرياء فى غزة، وتعهد وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت بـالقضاء على كل شيء فى غزة حتى أصبحت نية الإبادة الجماعية للحكومة الإسرائيلية أكثر وضوحًا بعد عدة أشهر من الحرب واستطاع نتنياهو بهذه الإشارات التوراتية أن يحصل على دعم الحركة المسيحية الصهيونية الدولية التى تتصاعد فى الجنوب العالمى وجنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية واعتمد عليهم فى تقديم الدعم السياسى والاقتصادى والإعلامى على الرغم من التراجع الكبير فى شعبيته فى الداخل والخارج حتى أنه بعد وقت قصير من هجمات السابع من أكتوبر صدر خطاب دعم لحرب إسرائيل على غزة من قبل ستين من القادة الإنجيليين المحافظين فى الولايات المتحدة، بمن فى ذلك رئيسان سابقان للجنة الأخلاق والحريات الدينية راسل مور وريتشارد لاند وقد وقع على الرسالة العديد من القساوسة من المؤتمر المعمدانى الجنوبى أكبر طائفة مسيحية إنجيلية فى الولايات المتحدة وتبنى جميعهم عقلية الحرب المتمثلة فى «إبادة عماليق» وتم تسليم الرسالة إلى البيت الأبيض وجميع مكاتب الكونجرس فى الكابيتول هيل حيث تضمنت دعمًا للعدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة. 

حلم إسرائيل الكبرى 

إسرائيل الكبرى هو مفهوم توراتى وفقًا للكتاب المقدس وله تعريف جغرافى وهو ما أعطى لإبراهيم بما فى ذلك من وادى مصر إلى الفرات ويشمل كل ما يعتبر اليوم الأراضى الفلسطينية وغرب سوريا وجنوب تركيا وجزءًا من العراق وجزءًا من المملكة العربية السعودية وجزءًا من مصر وحتى لبنان ويفسر ذلك أن إسرائيل هى الوحيدة فى العالم التى تتغير حدودها وفقًا للتطورات العسكرية أو الدبلوماسية ووفقًا لتفسيرات الخط الأخضر، إذ يحدها لبنان فى الشمال والجولان وسوريا فى الشمال الشرقى والضفة الغربية والأردن فى الشرق وقطاع غزة ومصر فى الجنوب الغربى وتظهر خطة نتنياهو الحربية على قطاع غزة وجنوب لبنان وضرب مناطق حيوية فى سوريا والتآمر الدائم ضد العراق ومصر.

 إن إسرائيل اليوم لا تستطيع أن تكتفى بالاستيلاء على الأراضى الفلسطينية وأنها سوف تحقق مصيرها فى يوم من الأيام وفقًا للكتاب المقدس وتحقق الميراث الكامل بدأت الخطط تظهر للعلن بشكل كبير بعد العدوان الغاشم على غزة حتى أن نتنياهو رفع على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خارطة شرق أوسط جديد تظهر فيها مساحة بالأزرق الداكن بجوارها سهم يشير إلى أنها دولة إسرائيل وتشمل كل الأراضى الفلسطينية كما ظهر أيضا تقرير لمعهد ميسغاف الإسرائيلى الذى يرأسه أمير فايتسمان وهو أحد المقربين من نتنياهو وكان عنوان التقرير الفرعى يوضح نواياه «هناك فى الوقت الحالى فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بالكامل بالتنسيق مع الحكومة المصرية» وتقترح خطة الطرد إرسال فلسطينيى غزة إلى مبان جديدة فى مصر حيث ستدفع الحكومة الإسرائيلية للحكومة المصرية ثمن هذه المبانى ويقدر التقرير تكلفة هذه الخطة بمليارات الدولارات ويعرض حلًا مبتكرًا ورخيصًا وقابلًا للتطبيق وظهر هذا التقرير فى الوقت الذى تطلب فيه إدارة بايدن من الكونجرس الأمريكى تخصيص 106 مليارات دولار يتم تقسيمها إلى بين أوكرانيا وإسرائيل.

وتقف مصر بالمرصاد لأى من هذه المخططات التى تستهدف التهجير القسرى لسكان غزة لسيناء المصرية وتصفية القضية الفلسطينية أو تقنين أى أوضاع فى المنطقة على حساب مصر ومن جانب آخر يحاول نتنياهو كل المحاولات لتوسيع الحرب فى لبنان من الاستيلاء ببطء وبشكل استراتيجى على المزيد والمزيد من الأراضى اللبنانية.

وفى العراق يعتبر نتنياهو من أشد الصهاينة عداوة للعراق ويحاول دائما التآمر من أجل تفتيت العراق وإضعافها دون تدخل مباشر ففى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين فى شهادته أمام الكونجرس فى عام 2002 والذى كان آنذاك موظفا إسرائيليا عاديًا ليقدم وجهة نظر إسرائيلية فى دعم الغزو الأمريكى للعراق.

ومن جانب آخر يرى المحللون الإسرائيليون أن هوس نتنياهو بالحرب على غزة ينبع من المأساة الشخصية العميقة التى عانى منها فى أعقاب وفاة شقيقه يوناتان فى عام 1976 فى غارة إسرائيلية جريئة على يد قوات كوماندوز إسرائيلية لتحرير رهائن إسرائيليين أسرهم مسلحون فلسطينيون وألمان فى مدينة عنتيبى الأوغندية ومن بين 106 رهائن تم أسرهم تم إنقاذ 102.

 وأسفرت المهمة عن مقتل شقيق نتنياهو الجندى الإسرائيلى الوحيد الذى لقى حتفه فى العملية، ورغم أن بيبى خدم فى نفس وحدة القوات الخاصة التى خدم فيها شقيقه فقد كان هناك دائما شك كامن فى أنه كان يعيش دائمًا فى ظل شقيقه الأكبر البطل وأن أجندته السياسية المتشددة هى طريقته للتعويض عن وفاة شقيقه يوناتان.

 وقد أدى العداء العميق الذى يكنه نتنياهو للعالم العربى وخاصة الفلسطينيين إلى تبنيه سياسات اعتبرها حتى بعض أنصاره متطرفة وبدلًا من محاولة السعى إلى حوار سلام مع الفلسطينيين والعرب اختار نتنياهو بدلًا من ذلك دعم أنشطة المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين فى الضفة الغربية الذين زادت أعدادهم بشكل كبير خلال العقود الثلاثة التى سيطر فيها نتنياهو على المسرح السياسى فى إسرائيل إلى جانب توسيع الحرب الانتقامية على جبهة لبنان وسوريا والتآمر على مصر والعراق.

 وسواء كان حلم نتنياهو إقامة اسرائيل الكبرى أو إعلان الحرب الانتقامية على العرب فالحلمان يستندان إلى أيديولوجية صهيونية تقوم على الاستغلال الدينى العنصرى وهى أيديولوجية لا تنسجم مع العصر.

 بينما تبدو الولايات المتحدة منبهرة بما يحدث فى إسرائيل والدول العربية فإن سرعة استيقاظ الإسرائيليين من أحلامهم قريبة لأنها مبنية على سلسلة من الأوهام التى تعتقد أن الفلسطينيين وتطلعاتهم إلى الحرية يمكن إخفاؤها وراء حواجز خرسانية وتجاهلها وأن المقاومة يمكن إدارتها من خلال مزيج من التكنولوجيا والقوة النارية الساحقة وأن العالم العربى سئم من القضية الفلسطينية إلى الحد الذى يجعل من الممكن إزالتها من الأجندة العالمية.

 والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن طموح نتنياهو قد استهلك كلا من نفسه وإسرائيل فمن أجل استعادة منصبه والبقاء فيه ضحى بسلطته ووزع السلطة على السياسيين الأكثر تطرفا ومنذ إعادة انتخابه فى عام 2022.

 لم يعد نتنياهو مركز القوة بل أصبح فراغا وثقبا أسود اجتاح كل الطاقة السياسية فى إسرائيل وقد أعطى ضعفه اليمين المتطرف والأصوليين الدينيين سيطرة غير عادية على شئون إسرائيل فقد أدى سعى رجل واحد إلى السلطة إلى تحويل إسرائيل عن مواجهة أولوياتها الأكثر إلحاحًا التى تتمثل فى التناقضات الداخلية بين الديمقراطية والدين والصدام بين رهاب القبائل وآمال التكنولوجيا الفائقة فقد تسبب هوس بيبى بمصيره كمخلص لإسرائيل في إلحاق أضرار جسيمة ببلاده، قد يصل إلى القضاء عليها.