الذراع السيبرانية ضد «حزب الله» وأعداء الدولة العبرية الوحدة الإسرائيلية 8200.. كلمة السر فى تفجير أجهزة «البيجر»
![](/UserFiles/News/2024/09/28/62115.jpg?240929100000)
مرڤت الحطيم
على الرغم من عدم تعليق إسرائيل على العملية الاستخباراتية التى أدت إلى وقوع انفجارات متزامنة فى الآلاف من أجهزة الاتصال اللاسلكى «البيچر» التى يستخدمها أعضاء جماعة حزب الله فى لبنان، يُسلط الهجوم الضوء على الوحدة 8200 أو شمونى ماتاييم، وهى وحدة الحرب الإلكترونية السرية فى إسرائيل وتختص هذه الوحدة التابعة للجيش الإسرائيلى بمجالات الحرب والاستخبارات الإلكترونية.
تعرف باسمها المشتق من الأرقام العبرية «شمونى ماتايم»، وهى الوحدة المتهم الرئيسى في تشغيل برنامج تسخين بطارية جهاز الاتصال سواء بيجر أو ووكى توكى ليتم انفجار المادة المتفجرة المزروعة؛ فقد سلط هذا الهجوم الضوء على وحدة الحرب الإلكترونية السرية الإسرائيلية 8200 ؛ ووفقًا لمركز الدراسات الأمنية فى المعهد الفيدرالى السويسرى للتكنولوچيا، يمكن إرجاع أصول الوحدة 8200 إلى وحدة الاستخبارات خلال الفترة ما قبل تأسيس إسرائيل والمعروفة باسم «شين ميم 2»، والتى قام الجيش الإسرائيلى بدمجها بعد 1948 مع العديد من مجموعات الاستخبارات الأخرى، ومن ثم إنشاء وحدة حرب إلكترونية تسمى الوحدة «515» وفى وقت لاحق 848 والتى كانت ميزانيتها صغيرة جدًا نسبيًا.
أما نقطة التحول بالنسبة لتطوير الوحدة، فكانت حرب أكتوبر عام 1973، إذ أدى الفشل الاستخباراتى إلى عمليات إصلاح شاملة لهيكل الوحدة، ليعاد تسميتها آنذاك باسم «8200» وتعتبر جزءًا من شعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية، وهى موازية أو شبيهة بوكالة الأمن القومى الأمريكية أو مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية، وتمتاز بأنها أكبر وحدة عسكرية مفردة فى الجيش الإسرائيلى، وتعود أصولها إلى الوحدات المبكرة لفك الرموز والشفرات ووحدات المخابرات التى تشكلت عند قيام دولة إسرائيل عام 1948.
أبلغ قائد وحدة الاستخبارات العسكرية «8200» فى الجيش الإسرائيلي الچنرال يوسى ساريئيل قادة الجيش أنه يستقيل من منصبه بسبب فشل 7 أكتوبر ؛ وغالبًا ما تكون أنشطة هذه الوحدة شديدة السرية وتتنوع من اعتراض الإشارات إلى تصنيف البيانات وفهم دلالاتها وهو ما يطلق عليه التنقيب فى البيانات والهجمات التكنولوجية و السيبرانية.
وتضمنت بعض العمليات التى قامت بها «الوحدة 8200» هجوم «ستاكس نت» الڤيروسى بين عامى 2005 و2010، الذى عطل أجهزة الطرد المركزى النووية الإيرانية، وهجومًا إلكترونيًا فى 2017 على شركة الاتصالات المملوكة للبنان (أوجيرو)، وإحباط هجوم لتنظيم داعش على رحلة تابعة لشركة نقل جوى مدنية فى 2018.
وقال قائد الوحدة العام الماضى خلال مؤتمر فى تل أبيب إن الوحدة تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى للمساعدة فى اختيار أهدافها من حركة حماس. وإلى جانب التجسس على الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، تنفذ الوحدة عمليات فى كل المناطق، بما فى ذلك مناطق القتال وفى أوقات الحرب تعمل فى تكامل وثيق مع مقرات قيادة المعارك بالإضافة إلى تفعيل برنامج تفجير أجهزة حزب الله؛ وتشبه الوحدة 8200 وتوازى وكالة الأمن القومى الأمريكية أو مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية وهى أكبر وحدة عسكرية مفردة فى الجيش الإسرائيلى.
ويجري اختيار أفراد «الوحدة 8200» من الشباب ممن هم فى أواخر مرحلة المراهقة وبداية العشرينيات، ويجرى تحديد وانتقاء بعضهم من برامج دراسة ثانوية عالية التنافسية، ويحظى كثير منهم بمسيرة مهنية فى قطاع التكنولوجيا المتقدمة والأمن الإلكترونى المزدهر فى إسرائيل. ويقول أعضاء سابقون إن ثقافة الوحدة تشبه ثقافة شركة ناشئة بها فرق صغيرة تعمل على مشكلات بدرجة غير معتادة من الحرية بهدف تعزيز الإبداع. وإضافة إلى بقية مؤسسات الدفاع والأمن، تأثرت سمعة الوحدة بسبب الإخفاق العسكرى فى منع هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل قبل حدوثه. وفى عام 2014، نشرت مجموعة من أفراد الاحتياط تتألف من 43 فردًا رسالة مفتوحة تندد فيها بالمراقبة غير الأخلاقية من قبل الوحدة للفلسطينيين غير الضالعين فى العنف.
وفيما يتعلق بتنظيمها وبنيتها، أشار تقرير مركز الدراسات الأمنية إلى أن «8200» تضم ما لا يقل عن 5 آلاف عنصر فى الخدمة الفعلية، مقسمين إلى وحدات أصغر مختلفة، وتدير العديد من القواعد بالإضافة إلى وحدات «SIGINT» متنقلة أخرى. وسعيًا إلى الوصول للمستوى المطلوب من حيث القوى العاملة والقدرات، أنشأت الوحدة عملية فحص واختيار وتدريب انتقائية وتنافسية للغاية للمجندين الجدد، حيث تشترط اختبارات صعبة ودقيقة، تبدأ بالفحص أثناء المدرسة الثانوية ضمن برامج حكومية وخاصة للمواهب الشابة.
وتتألف شروط الاختيار التركيز على المهارات وإجراء اختبارات نفسية وتعليمية ومقابلات صارمة، وفى حال القبول تخضع العناصر الجديدة لتدريبات مكثفة وشاملة، تغطى كل شىء، بما فى ذلك الاتصالات والهندسة الكهربائية ومهارات اللغة العربية. ومن حيث الملف الشخصى لا ينصب التركيز فقط على الكفاءة التقنية بل أيضًا والأهم من ذلك على القدرة على التعلم بسرعة والتفكير النقدى ويعد كتاب أمة الشركات الناشئة: قصة المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية، الصادر عام 2009، أول إصدار يكسر الصمت علنًا حول الوحدة «8200» سيئة السمعة والتى ظلت حتى ذلك الحين سرية للغاية.
وجود الوحدة 8200 وقدراتها السيبرانية المتقدمة فى بلد صغير مثل إسرائيل يمثل فرصة فريدة للعلاقات الوثيقة بين القطاعين العام والخاص. ويدعم هذا أيضًا وصف الوحدة 8200 بأنها مجتمع إسرائيلى عالى التقنية ومترابط بشكل كبير بين القطاعات الاقتصادية والعسكرية والحكومية والأكاديمية؛ وأن المجموعة الوطنية من خبراء الإنترنت فى إسرائيل على اتصال وثيق بفضل فترة خدمتهم فى الوحدة. وجدت الشركة الإسرائيلية نفسها فى قلب فضيحة تجسس عالمية خلال عام 2021، حيث أظهرت التحقيقات أن برنامج بيجاسوس، الذى صممته الشركة، سمح بالتجسس على ما لا يقل عن 180 صحفيًا، و600 شخصية سياسية، و85 ناشطًا حقوقيًا، و65 رجل أعمال فى دول متعددة. بمجرد تنزيله على الهاتف الجوال، يتيح برنامج بيجاسوس الوصول إلى رسائل المستخدم وبياناته وصوره وجهات اتصاله بالإضافة إلى تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بعد. ويعتبر بيجاسوس أحد أخطر برامج التجسس وأكثرها تعقيدًا، ويستهدف بشكل خاص الأجهزة الذكية التى تعمل بنظام التشغيل آى أو إس (iOS) الخاص بشركة آبل، رغم وجود نسخة أخرى تستهدف أجهزة أندرويد لكنها تختلف بعض الشىء عن النسخة المخصصة لـ iOS.
وقد أوضحت شركة كاسبرسكى (Kaspersky) المتخصصة فى برامج الحماية من الڤيروسات، أن بيجاسوس هو برنامج ضار معيارى (modular malware)، أى يتكون من وحدات. يبدأ البرنامج بعملية مسح للجهاز المستهدف ثم يثبت الوحدة الضرورية لقراءة رسائل المستخدم وبريده الإلكترونى والاستماع إلى المكالمات والتقاط صور للشاشة وتسجيل نقرات المفاتيح وسحب سجل التصفح وجهات الاتصال. وقد عقد فى باريس اجتماع رفيع المستوى بين مسئولين إسرائيليين وفرنسيين لتهدئة التوترات الناجمة عن المعلومات التى كشفت حول برنامج بيجاسوس، وذلك وفقًا لما أعلنته الرئاسة الفرنسية فى 22 أكتوبر 2021، وفى هذا السياق، قال لوران ريشار مدير منظمة «فوربيدن ستوريز» غير الحكومية، إن أرقام هواتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من أعضاء حكومته كانت على قائمة الأهداف المحتملة لبرنامج بيجاسوس، الذى استخدمته بعض الدول للتجسس على شخصيات بارزة. ويستطيع بيجاسوس أيضًا الاستماع إلى الملفات الصوتية المشفرة وقراءة الرسائل المشفرة بفضل قدرته على تسجيل نقرات المفاتيح وتسجيل الصوت، مما يمكنه من سرقة الرسائل قبل تشفيرها والرسائل الواردة بعد فك تشفيرها. ورغم الامتناع الرسمي من الجيش الإسرائيلى والحكومة عن التعليق على العملية، فإن العديد من الخبراء يرون أن بصمات الوحدة 8200 واضحة فى هذه العملية خاصة أن هذه الوحدة تعرف بقدرتها على تنفيذ عمليات تجسس واختراق تقنى عالى المستوى.