مع بدء التصويت الانتخابى واشنطن بين تقليدية هاريس أو انعزالية ترامب
مروة الوجيه
بدأ موسم الانتخابات الرئاسية رسميًا فى الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضى، مع فتح مراكز الاقتراع أبوابها لبدء عمليات التصويت المبكر فى 3 ولايات هى فرجينيا ومينيسوتا وداكوتا الجنوبية، ومن المقرر أن يستمر عمل مراكز التصويت المبكر حتى الثانى من نوفمبر المقبل.
ووسط حالة من الاستقطاب الشديد بين مرشحى الرئاسة كامالا هاريس ودونالد ترامب، تبقى التوقعات فى حالة من التذبذب، رغم تقدم هاريس بفارق نحو 7 نقاط على ترامب فى أواخر استطلاعات الرأى؛ فإن انقلاب الأحداث فى لحظة هو سمة الانتخابات الأمريكية ولنا خير مثال خلال انتخابات 2016 التى نجح ترامب فى الفوز بأصوات المجمع الانتخابى متفوقًا على منافسته حينها هيلارى كلينتون.. وبين ترامب وهاريس يبقى سؤال إلى أين تتجه سياسة واشنطن؟
المشهد الانتخابى
وفق معطيات الوقت الراهن، من الصعب للغاية القطع بمن يمكن أن يكسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. ففى ظل حالة الاستقطاب الحالية، فإن الفارق فى استطلاعات الرأى يعتبر ضئيلًا نوعًا ما، حيث أشارت نتائج استطلاع للرأى أجرته «رويترز/إبسوس» تفوق هاريس بنسبة 47 % من المشاركين مقابل 40 % لترامب، ومن ثم فإن أى حدث قادر على ترجيح كفة أحد المرشحين، ناهيك عن الـ7 % قد تكون ضمن هامش الخطأ الخاص باستطلاعات الرأى.
من جهة أخرى، فإن الانتخابات المقبلة، تقوم على الموقف السلبى للناخبين الأمريكيين من أحد المرشحين؛ أى أن التصويت بالأساس هو «تصويت عقابى» ضد مرشح، أكثر منه تصويتًا لصالح آخر، وهى سمة مميزة للأجنحة المتطرفة للحزبين الرئيسيين، إذ تدور المنافسة الآن بين أقصى اليمين فى الحزب الجمهورى وأقصى اليسار فى الحزب الديمقراطى.
كما أن هناك عددًا من العوامل التى ساعدت ترامب مؤخرًا على تدعيم شعبيته، أهمها محاولتا الاغتيال اللتان تعرض لهما وكان آخرهما يوم 15 سبتمبر الجارى، ثم خطابه الذى نجح فيه فى تخويف الأمريكيين من تدفق المهاجرين من الحدود الجنوبية الغربية. على الجانب الآخر، تمكنت هاريس من تحقيق نجاح ملموس فى المناظرة الأولى التى جرت مع ترامب يوم 10 سبتمبر الجارى.
أما الخطاب الانتخابى، فيظهر فيه تدنٍ واضح بشكل جلى فى العديد من التصريحات الصادرة عن ترامب، ومنها التى ذكر فيها أن المهاجرين يأكلون لحوم الكلاب والقطط.
أما العامل الأكثر تأثيرًا فى انتخابات الرئاسة 2024، هو المال إذ ترتبط غالبية المؤسسات الأمريكية بالنخبة، وغالبية هذه النخبة تميل بشكل أكبر إلى الديمقراطيين، ولا سيما فى الآونة الأخيرة. ومع ذلك، فإن تأثير هذه المؤسسات فى الانتخابات قد لا يكون كبيرًا؛ نظرًا لعدم وجود إجماع بين بعضها بعضًا؛ إذ أصابها ما أصاب المجتمع الأمريكى من انشقاق. ويظهر التأثير الكبير للمال فى الانتخابات الأمريكية؛ ومن ثم فإن تأثير التبرعات الممنوحة من المؤسسات المالية والشركات الكبرى قد يفوق أى تأثير لمؤسسات أمريكية أخرى.
كما أن هناك ولايات فى الداخل الأمريكى ما زالت فى مرحلة البحث عن الذات، إذ إن حالة التذبذب الشديدة فى اختيار الرئيس الأمريكى خلال السنوات الماضية بدايةً من جورج بوش الابن، ثم باراك أوباما، ومن بعده ترامب؛ تشير إلى حالة من الحيرة المجتمعية؛ ومن ثم فإن الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر المقبل لن تحسم هذا الأمر، حتى لو جاءت هاريس كأول امرأه تشغل منصب الرئيس الأمريكى.
هاريس سياسة «خطوة بخطوة»
فى حال فوز هاريس فمن المتوقع أن يصبح تشكيل الإدارة الأمريكية ذا غالبية من داخل المؤسسات ذاتها؛ إذ تميل هاريس إلى النهج التقليدى فى اختيار معاونيها.
وذلك نظرًا لأن هاريس ليست لديها خبرة خارجية كبيرة، كما أن مواقفها الخاصة بالسياسة الخارجية ما زالت غير واضحة، ومن ثم فلن تلجأ لأى خطوات أو مبادرات كبرى أو مفاجئة.
كما ستعمل هاريس ومشروعها على التركيز بصورة أكبر على الداخل الأمريكى، ولا سيما الاقتصاد والقضايا الاجتماعية.
وعلى الرغم من عدم وجود رؤية واضحة لهاريس تجاه قضايا الشرق الأوسط؛ فإنه من المتوقع أن تنتهج سياسة واقعية تجاه المنطقة، والتركيز على سياسة «الخطوة خطوة».
وفيما يتعلق بقضايا منطقة الشرق الأوسط، وخاصة إيران، فقد تلجأ هاريس إلى اتباع نهج بايدن فى تجميد موقفها تجاه طهران، بل يمكن أن تتجه إلى إعادة إحياء الاتفاق النووى مع إيران، مع الأخذ فى الاعتبار وجود تيار كبير داخل الحزب الديمقراطى مؤيد لهذا الموقف. أما طهران فسوف تقبل ذلك بشكل أكبر إذا ما كان الكونجرس أيضًا ذا أغلبية ديمقراطية؛ بحيث تضمن تنفيذ الاتفاق.
وليس من المنطقى أن يخشى أحد من هاريس، كما أن التوقعات إزاءها يجب أن تكون محدودة؛ إذ ستكون تحركاتها على الأرجح تقليدية وعبر المؤسسات الأمريكية وبشكل تدريجى.
انعزالية ترامب
أما فى حال فوز ترامب بكرسى البيت الأبيض، فمن المتوقع أن يستمر فى نهجه القديم الخاص باختيار شخصيات جدلية داخل إدارته، لكنها تتمتع بالقدرة على الحسم، وقد تكون هذه الشخصيات من خارج المؤسسات الأمريكية؛ أى من دوائر المال والأعمال أو من دوائره الشخصية؛ خصوصًا فى مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا.
وليس مرجحًا أن يلجأ ترامب إلى استخدام القوة العسكرية بشكل واسع النطاق خارجيًا سواء فى المنطقة العربية أم غيرها؛ إذ إن ترامب يتعامل بصورة برجماتية بحتة، ويعتقد أن الدخول فى صراعات خارجية يمثل تكلفة بلا عائد حقيقى، كما أنه سبق وعبر عن معارضته لغزو العراق؛ ومن ثم فإن توجهه بشكل أساسى سيكون تقليل الوجود الأمريكى الخارجى المباشر.
أما فيما يتعلق بإيران تحديدًا فمن المتوقع أن يعنى انتخاب ترامب استبعاد خيار العودة إلى الاتفاق النووى مع طهران، مع تكثيف متوقع للعقوبات المفروضة عليها.
وفيما يتعلق بإسرائيل، فيستمر ترامب فى نهجه الخاص بعقد «صفقات». وفى حالة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ فإن أى صفقة أمريكية لترامب هنا ستميل كفتها بشكل واضح لصالح تل أبيب.
من جهة أخرى، فقد يستمر سلوك ترامب الخاص بالقيام بمبادرات فردية مفاجئة، ولعل أبرز مبادراته من هذا النوع إبان توليه منصب الرئيس كانت لقاءه مع الزعيم الكورى الشمالى، كيم جونغ، فى عام 2019، والذى فاجأ حينها حتى الداخل الأمريكى.
أما الداخل الأمريكى وخاصة القضايا الاقتصادية، فيمكن أن يستمر ترامب فى فرض قيود كبيرة على الواردات القادمة من الخارج إلى الولايات المتحدة خاصة الصين التى تعتبر أكبر منافس لطموح ترامب الاقتصادى، وفى الوقت نفسه تسهيل حركة المنتجات وتقديم تسهيلات للشركات الأمريكية داخليًا.
فى الختام، فمن الصعب تحديد من الذى سيفوز فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024؛ نظرًا لتقارب هاريس وترامب فى استطلاعات الرأى. وفى حال فوز هاريس، فمن المتوقع أن تُشكل إدارة أمريكية تقليدية تعتمد على فكرة المؤسسات بشكل رئيسى، وكذلك الأشخاص القادمون من مؤسسات. ولكن فى حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، فمن المتوقع أن يشكل إدارة تعتمد على شخصيات من خارج الصندوق؛ خاصةً فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية والتكنولوجية.