الأحد 17 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. تثمن وتقدر وتؤكد وتدين وتشجب وتقرر أسطورة حقوق الإنسان.. دون تنفيــذ.. كيانات وهمية ومجالس أممية افتراضية!

مصر أولا.. تثمن وتقدر وتؤكد وتدين وتشجب وتقرر أسطورة حقوق الإنسان.. دون تنفيــذ.. كيانات وهمية ومجالس أممية افتراضية!

أعتقد أن الحديث عن مسألة حل تلك الكيانات الأممية من عدمه يفرض علينا الاشتباك مع بعض الأفكار التى تحتاج إلى التوقف والتحليل قبل المغامرة عنها بالإجابات سابقة التجهيز من جانب، وبعيدًا عن تفخيم دور تلك الكيانات وتضخيمه من جانب آخر، وبعيدًا أيضًا عن مجرد الكلمات الدفاعية التى لا يتجاوز تأثيرها الحبر الذى كتبت به والورق الذى طبعت عليه، والتى لا يخلو بيان لهم منها على غرار: نثمن ونقدر ونؤكد وندين ونشجب ونقرر.



تاريخيًا، لم تتمكن تلك المؤسسات الأممية من صياغة موقف إنسانى موحد وشامل فى أى قضية، ومثال ذلك غالبية مواقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن من كل التجاوزات الإسرائيلية. وموقف الجامعة العربية من ميثاقها الذى ينص على اعتبار إسرائيل هى عدو العرب الأول.. فى ظل وجود اتفاقيات تعاون وثيق بين العديد من الدول العربية مع إسرائيل.

هيستريا إسرائيلية..

فى 10 مايو 2024، هاجم جلعاد أردان «مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة الجمعية العامة بسبب تصويتها على مشروع قانون.. يتيح منح فلسطين.. امتيازات صفة «دولة مراقب». واعتبر هذا الإجراء نوعًا من المخالفة لميثاق الأمم المتحدة. وقال: (أنتم ‏اليوم تخالفون ميثاق الأمم المتحدة بالسماح بإنشاء دولة فلسطين الإرهابية التى يقودها هتلر زماننا ‏وعصرنا، المنظمة التى أرادت القضاء على الشر، الآن فى مفارقة سخيفة تريد أن تسمح ‏بانضمام دولة إرهابية إلى صفوف عضويتها).. فى إشارة مباشرة إلى يحيى السنوار وحركة حماس بقطاع غزة.

وفى حركة غير متوقعة ومشهد غير مسبوق.. قام جلعاد أردان بتمزيق نسخة من ميثاق الأمم المتحدة أثناء مشاركته فى جلسة الجمعية العامة. وهاجم أعضاء الجمعية العامة بعنف قائلًا: (أنتم تمزقون الميثاق إربًا إربًا ‏وتتجاهلون أقسى المذابح بعد الهولوكوست، وهى 7‏‎ ‎أكتوبر،‎ ‎هذا يوم سيجعله التاريخ من العار، ‏أن الأمم المتحدة التى تأسست بعد قتل 6‏‎ ‎ملايين يهودى لا تحترم ميثاقها).

لمس الأسلاك الشائكة..

منذ 7 أكتوبر 2023 وإلى الآن، زار أنطونيو جوتيريش «الأمين العام للأمم المتحدة» قطاع غزة مرتين فى 20 أكتوبر 2023 و23 مارس 2024؛ حيث هبط فى مطار العريش ثم عبر معبر رفح ليقف على أحوال القطاع المنكوب بنفسه فى رسالة للعالم بحكم منصبه من جانب، وبحكم إنسانيته كشاهد على كل ما حدث من خراب ودمار وقتل من جانب آخر. كما كرر مطالبته بالوقف الفورى لآلة الحرب الدموية وإسكات صوت البنادق. وهو بهذا الموقف.. اكتسب المزيد من عداء الولايات المتحدة الأمريكية وموالاتها مثلما حدث قبل ذلك مع د.بطرس غالى الذى تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة خلال الفترة من 1992 إلى 1996، ووقفت أمام ترشحه لفترة ثانية بسبب الخلافات بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة حول قضية حرب البوسنة والهرسك، والإبادة الجماعية فى رواندا، والخلاف على مستحقات الأمم المتحدة غير المسددة المستحقة على الولايات المتحدة.

ما قام به أنطونيو جوتيريش ومن قبله د.بطرس غالى هو موقف ليس فقط سياسيا وإنسانيا، ولكنه موقف أمام التاريخ.. حتى لو لم يترجم فعليًا إلى إجراءات وقرارات ملزمة. 

تغريد خارج السرب..

لم يقم الأمين العام لجامعة الدول العربية بزيارة مماثلة لما قام به الأمين العام للأمم المتحدة؟! رغم أنه من الطبيعى أن يقوم بمثل تلك الزيارة لأنها قضيته بالدرجة الأولى، وهو المنوط به التواجد والمساندة والدعم والمساعدة لأرض فلسطينية تم تدميرها، وإبادة أى مظهر للحياة الإنسانية فيها دون توقف لمدة تقترب من سنة الآن.

فى اعتقادى، أنه حتى لو لم يكن هناك تأثير فعلى على أرض الواقع لتصريحات ومواقف الأمين العام للأمم المتحدة، فعلى الأقل قام بدوره وأثبت موقفًا معلنًا وصريحًا، ليس بإصدار البيانات فقط ولكن بموقف الذهاب إلى هناك دون أى حسابات لتعرضه شخصيًا للخطر، وعقد مؤتمرًا صحفيًا لإعلان موقف. ولا ينفى هذا قطعًا.. وجود اتصالات سابقة وتمهيدية للزيارة مع كافة الأطراف المعنية فى مصر وفلسطين وإسرائيل.

جامعة.. مع إيقاف التنفيذ..

فى 1 يونيو 2023 صرح السيد أحمد أبوالغيط «الأمين العام لجامعة الدول العربية فى لقاء خاص أجراه معه الصديق أحمد الطاهرى على قناة إكسترا نيوز حيث قال فيه: (أى شىء يُرضى الدول العربية وتتوافق عليه يكون لزامًا على الأمين العام تنفيذه، ولكن ما يثيرنى أحيانًا هو قول البعض من المفكرين فلنذهب بعيدًا لكى ننشئ نظامًا عربيًا جديدًا). وتساءل: (كيف ستنشئ نظامًا عربيًا جديدًا؟! كيف فى وسط كل هذه الخلافات والنزاعات؟!.. الأول يجب أن تحافظ على الموجود وبعد ذلك تطوره وتدفعه إلى التقدم).

لقد تأسست جامعة الدول العربية منذ 79 عامًا.. فى 22 مارس سنة 1945 بالقاهرة، وضمت فى بدايتها مصر والعراق ولبنان والسعودية وسوريا والأردن واليمن. وتم نقلها بعد مقاطعة مصر بسبب توقيعها على اتفاقية كامب ديفيد إلى تونس سنة 1979. ثم عادت مرة أخرى إلى القاهرة سنة 1990 بعد غزو العراق للكويت.

منذ تأسيس جامعة الدول العربية، وهى تواجه العديد من الأزمات وتواجه تحدى الخلافات العربية – العربية والمشكلات الثنائية.لا زالت المنطقة العربية تعانى إلى الآن من تحديات عديدة.. تؤكد على تردى الأوضاع وعدم الاستقرار فى كل من: ليبيا وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين والسودان واليمن. وهو ما يمثل تحديا للجامعة العربية، والتى لا تستطيع فعليا حل مشكلة أى دولة منها.

ما زالت جامعة الدول العربية تتمسك بميثاقها الذى يمثل التحدى الأساسى التى لم تستطع تنفيذه، ومن أهم هذه البنود (توثيق الصـلات بين الدول العربية، وصيانة استقلالها والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها، وتعزيز التعاون السياسى والاقتصادى والثقافى بين الدول الأعضاء).

أتفق تمامًا مع وجهة النظر التى تطالب بإنشاء شكل جديد للجامعة العربية، وعلى أن يتم كتابة ميثاق جديد لها يتواكب مع متغيرات العصر وتحدياته. وهى ليست بدعة فى السياسة الدولية.. ولا ننسى أن الأمم المتحدة هى النسخة المعدلة من عصبة الأمم المتحدة.. فالتغيير عند الحاجة هو فرض وطنى وسياسى حتى تستطيع المنطقة العربية المشاركة الحقيقية والفعالة والمؤثرة فى النظام الدولى. 

جزر منعزلة..

ما تمر به المنطقة العربية الآن.. هو مشهد غير مسبوق بالمرة، ولم تمر به منذ نشأتها. انقسامات داخلية وصراعات دموية وحروب أهلية فى الإقليم كله.. فى فلسطين (السلطة الوطنية وحركة حماس)، والعراق (الجيش العراقى وقوات الحشد الشعبى)، ولبنان (الحكومة وحزب الله)، وسوريا (الحكومة وداعش وغيرها)، والسودان (الجيش وقوات الدعم السريع)، وليبيا (شرق وغرب، وتدخلات دولية من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا)، واليمن (الحكومة والحوثيين).

أصبحنا منطقة دون استراتيجية واحدة أو موقف ورأى متفق عليه تجاه أى قضية أو أزمة أو توتر. وأصبحت المواقف العربية إما تعبر عن السياسة الخارجية لكل بلد على حدة، أو مواقف شبه موحدة بين دولتين أو ثلاث على أقصى تقدير. وهو ما استغلته العديد من دول العالم الكبرى لتحقيق مصالحها الخاصة حتى لو كانت على حساب تفتيت دول أو دفعها لحروب واقتتال داخلى. وأصبحت دول منطقتنا دون أى اتفاق، بل ومع تصاعد غياب أى شكل من أشكال الضغط الموحد، وتفاقم التناقض فى القرارات والانحيازات.

أصبحنا مستباحين ليس فقط لدول العالم الكبرى التى تحدد استراتيجياتها وخططها حسب مصالحها المستقبلية، ولكن من بعض دول المنطقة نفسها التى ترى لنفسها أدوارًا على حساب قضايا لا تقبل المساومة أو التوظيف والاستغلال. والأسوأ هو الاستباحة الداخلية للدول على يد أبنائها.

منطقتنا العربية.. هى الإقليم الوحيد على مستوى العالم، الذى لم يتأسس فيه أى تحالف حقيقى رغم العديد من المشتركات التى كانت من الممكن أن تكون أساسًا لتحالفات حقيقية قوية، بل مع تزايد التشابكات المعقدة والمصالح المتعارضة بين دول الإقليم، تغيرت ملامح العلاقات بين دول المنطقة العربية، وأصبحت الملامح الرئيسية لهذا التغيير هى أنه ليست هناك مصالح مشتركة، وليست هناك أخوة.

الملامح الدقيقة لطبيعة العلاقات العربية- العربية.. تتجلى الآن فى اتفاقات جزئية.. تمثل مصالح وتوجهات وحسابات كل دولة على حدة. لم تعد هناك اتفاقات كلية، ولكنها اتفاقات جزئية فى ملفات محددة، وليس جميعها. وطغت المواقف الفردية للدول على المجمعة منها، حسب القوة النسبية لكل دولة، فى فرض إرادتها على منظومة عربية افتراضية مخوخة.

نقطة ومن أول السطر..

على مرأى ومسمع من المنظمات الدولية المعنية وفى مقدمتها جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها.. تحدث الآن منذ سنة.. إبادة إنسانية للشعب الفلسطينى. وهو تعبير ليس فقط عن المعايير المزدوجة وسقوط الأقنعة شبه الإنسانية، ولكن تعبير مباشر عن سقوط أوهام حقوق الإنسان فى مواجهة العنصرية الإسرائيلية. وسقوط كل تلك المنظمات والهيئات الأممية الدولية.