صاحبة الرقم القياسى البارالمبى «فاطمة محروس»: لم أكن أعلم أننى حققت رقمًا قياسيًا كُتب فى التاريخ باسمى
ياسمين علاء
«لم أكن أعلم أننى حققت رقمًا قياسيًا بارالمبيًا جديدًا كُتب فى التاريخ باسمى وعلمت ذلك بعد عودتى لمصر».. بتلك الكلمات أبدت البطلة البارالمبية فاطمة محروس امتنانها وسعادتها كواحدة من بطلات العالم فى رياضة رفع الأثقال البارلمبى، استطاعت فى مشاركتها البارالمبية الثانية أن تحصد ميدالية فضية، ليس هذا وحسب ولكنها كتبت اسمها فى التاريخ بعد أن حققت رقمًا قياسيًا بارالمبيًا فى رفع الأثقال بعد أن قامت برفع وزن 139 لأول مرة. كل هذا تم بينما كانت تعانى من إصابة شديدة كادت أن تُعوقها عن اللعب، لكنها أصرت على بذل كامل طاقتها وتقديم المزيد من الجهد من كل قلبها لرفع اسم مصر عاليا هى اللعبة المصرية البارالمبية كابتن «فاطمة محروس».
فاطمة ابنة الـ 24 عامًا وُلدت كابنة وحيدة لأب وأم من بيئة متوسطة، لكن ما عكر صفو الأسرة أن تلك الطفلة حديثة الولادة جاءت للعالم بإعاقة فى قدميها لم تُمكنها من السير وخشيت الأسرة من المستقبل.
عاشت فاطمة حياتها كطفلة فى حالة نفسية ليست الأفضل فهى لا تستطيع ممارسة حياتها كباقى الأطفال لأنها كانت تستند على عكازين. وظنت أن حياتها ستنتهى عند هذا الحد، ولكن كان للقدر تصاريف أخرى.. عندما التقاها مدربها الحالى كابتن سمير جبارة وهى فى عمر الـ8 سنوات وتمشى بالعكازين فى الشارع مع أسرتها وعندها قال لها: «أريدك أن تلعبى معى رفع أثقال.. فما رأيك؟» لم يكن لدى الأسرة أى علم بتلك الرياضة، ولم يكن عندهم تصور لمستقبل تلك الطفلة ورأوا أن هذا الأمر سيكون فكرة جيدة تساعد فى تحسين نفسية تلك الطفلة وتساعدها على اكتشاف العالم الخارجى بعيدًا عن غرفتها.
وذهبت فاطمة إلى النادى المصرى القاهرى وقدمت أوراقها وبدأت فى ممارسة تدريبات رفع الأثقال ونجحت فى رفع الأوزان بشكل سريع جدًا. واستمرت فى التمرين حتى شاركت فى أول بطولة محلية لها وهى فى عمر 12 عامًا واستمرت فى ممارسة التمارين الرياضية حتى عام 2017 حيث خاضت أول بطولة رسمية لها مع المنتخب من خلال بطولة فزاع الدولية لرفع الأثقال عام 2017، وحققت الميدالية البرونزية بعد رفع وزن 82 كجم. وكانت أول مشاركة بارالمبية لها فى دورة الألعاب البارالمبية التى أقيمت فى طوكيو 2021 وحققت المركز الرابع.
وكانت مشاركتها فى بارلمبياد باريس هى المشاركة الثانية لها فى البارالمبياد بعد أن حققت فضية كأس العالم لرفع الأثقال البارالمبى فى البطولة التى أقيمت بجورجيا وهى التى قادتها للتأهل إلى بارالمبياد باريس. ثم حصدت فضية رفع الأثقال فى بارالمبياد باريس. وكسرت رقما قياسيا بارالمبيا جديدا بعد أن رفعت وزن 139. روزاليوسف التقت البطلة البارلمبية كابتن فاطمة محروس وحدثتها عن رحلتها من البداية وعن التحديات التى واجهتها وصولًا لحصولها على الميدالية الفضية.
بعد أن خضتِ كل تلك الرحلة ما أبرز التحديات التى واجهتك خلال مسيرتك؟
- رُغم أننى على المستوى الرياضى كانت مهاراتى مرتفعة من البداية ونجحت فى رفع الأوزان سريعًا لكن خلال مسيرتى الرياضية كان أبرز تحدٍِ واجهنى هو عدم فهم من حولى ما المقصود بلعبة رفع الأثقال فى الأساس. وكيف يُمكن لفتاة ترتدى الحجاب أن ترفع الأوزان وهى ترتدى نصف كم. وعلى الصعيد الشخصى كان هذا التحدى صعبا جدًا لى. وجعلنى أحاول باستمرار أن أجعل الناس تفهم طبيعة اللعبة.
ولكن هذا العام وتحديدًا قبل خوض مسابقات دورة الألعاب البارالمبية باريس خضت عددا من التحديات الصعبة أبرزها وفاة والدتى قبل المباريات بـ3 أشهر فى شهر مايو السابق. وكان هذا تحديًاٍِ صعبًا جدًا. وكان الإعداد النفسى يقف إلى جوارى لكى أكمل طريقى. ليس هذا وحسب ولكن قبل البطولة بشهر أصبت إصابة شديدة. فنحن كان عندنا حِمل ثقيل بسبب البارالمبياد وكنا نضغط على أنفسنا لكى نتأهل لباريس وكان عندى التهابات وتسببت تمرينة خاطئة فى حدوث قطع صغير فى الوتر وكبر القطع بمرور الوقت.
ولم نكن على علم بذلك كنا نعتقد أنها مجرد التهابات بسيطة وكنا نتعامل على هذا الأساس؛ ولكن ما إن عرفنا بالأمر حتى بدأت الوحدات الطبية فى توفير علاج سريع لى ورغم أن الوقت لم يكن كافيا لكى أتعافى وأكمل تدريباتى. إلا أن فريق الأطباء لم يتأخر عنى وظلوا بجوارى وصولا لخوض المنافسات والفوز الحمد لله.
ما الذى دفعك للاستمرار رًغم التحديات ؟ وكيف تمكنتِ من التركيز رًغم الإصابة؟
- كنت أبذل أقصى جهدى فى البارالمبياد نظرا لإصابتى، ورُغم ذلك فإن تلك لم تكن أرقامى الحقيقية ولم يكن فى الإمكان أن أضغط على نفسى أكثر بسبب الإصابة. وأكثر ما كان يدفعنى للاستمرار رغبتى فى تحقيق أمنية والدتى. لأنها قبل وفاتها قالت لى أننى سأحصل على هذه الميدالية، وكنت أتمنى أن تكون معى كانت ستفرح كثيرًا بالميدالية.
ما الذى شعرتِ به عند إعلان فوزك بالميدالية الفضية؟
- عندما دخلت لرفع وزن 139 كنت أدعو أن أكون على قدر الثقة وأقوم برفعها، وكنت أناشد الجمهور أن يقوم بتشجيعى ويكون معى لكى يساندنى معنويا ويشجعنى على الرفع. وبمجرد أن قيل أننى فزت بالميدالية الفضية شعرت بسعادة وراحة. فلقد تخلصت من الحمل الثقيل والحمد لله أخيرا بعد 3 سنوات من التمرين بعد أولمبياد طوكيو، كانت تلك اللحظة هى اللحظة الفارقة معى كنت فى غاية سعادتى وشعورى بالارتياح وكنت أقول لهم فى الكواليس «يلا بينا بسرعة عايزة أروح أستلم الميدالية».
تمكنتِ من كسر رقم قياسى بارالمبى برفع 139كجم.. كيف استعددتِ نفسيًا وجسديًا لتلك اللحظة؟
- لم أكن أعرف أن هناك رقمًا قياسيًا بارالمبيًا، وعندما كنا فى الكواليس كانوا يعطوننا أرقامًا بمثابة id وجدت خلف رقمى رقمين وسألت الكابتن عن الفرق فقال لى أن هذا رقم بارالمبى وهذا رقم عالمى. وأثناء الماتش لم ألاحظ أن الرقم البارالمبى كان 138 وأننى ألعب بوزن 139، وبالتالى أقوم بكسر الرقم البارالمبى.
ولم أكتشف أننى كسرت رقمًا قياسيًا سوى بعد انتهاء البارلمبياد وبعد عودتى لمصر. حيث وجدت الجميع يتحدث عن الأمر وأخبرنى كابتن شعبان أننى حققت رقمًا قياسيًا بارالمبيًا «اتحسب لى». وقبل أن أعرف هذا كنت حزينة بسبب أن المتسابقة الصينية التى فازت بالميدالية الذهبية كسرت رقمى، ولكننى علمت لاحقًا أننى حققت رقمًا قياسيًا كُتب باسمى فى التاريخ البارلمبى وبالمناسبة أنا أيضًا حققت رقمًا إفريقيًا وهو 135 كجم.
الجمهور فى باريس كان داعمًا جدًا لكِ.. كيف أثر هذا الدعم على أدائك خلال المنافسات؟
- قبل أن أدخل كنت متوترة جدا ألا يتفاعل معى الجماهير؛ ولكن على عكس توقعاتى الجمهور فى باريس كان من أكثر الأشياء التى أبهرتنى وأمتعتنى وبسببهم مازلت أشعر بالرغبة فى إعادة الماتش مرة أخرى. فالجماهير الفرنسية استمرت فى التصفيق لى لمدة دقيقة ونصف بعد انتهاء اللعب حتى دخول اللاعبة التالية بعدى. فالجمهور لم يتوقف عن التحية حتى بعد دخولى للكواليس. وهو ما أسعدنى كثيرًا وشجعنى.
ماذا عن استقبال الجماهير المصرية للحدث؟
- بالنسبة للجماهير فى مصر لم يكونوا يتوقعون أن تقوم البعثة المصرية بحصد أكبر عدد جوائز فى البارالمبياد وخصوصا رفع الأثقال، حيث حازت على العديد من الميداليات وقمنا بتحطيم أرقام قياسية «وعملنا اللى علينا» وهو بالنسبة لنا إنجاز عظيم استعدادًا بارالمبياد لوس أنجلوس. وأفضل ما فى الأمر عندما عدنا لأرض الوطن أننا وجدنا ترحيبًا كبيرًا من الناس فى الشارع وهو شعور رائع أن تقوم بشىء يتم تقديرك عليه.
ما نظامك التدريبى اليومى؟ وكيف تستعدين لمثل هذه البطولات الكبرى؟ هل هناك أى تغييرات أجريتها على نظامك التدريبى قبل الألعاب البارالمبية؟
- نظام تدريبى العادى كان تدريبًا مرتين فى اليوم. إحداهما ألعب بنج، والأخرى ألعب إعداد جيم. وخلال الإعداد للبارالمبياد لم نقم بتغيير أى تدريبات؛ ولكن ربما بعد إصابتى بدأ مدربيا فى وضع تكنيك جديد لى بعيد عن الإصابة لكى أستطيع أن أقوم بالرفع جيدًا.
هل تلقيتِ دعمًا من الدولة المصرية والاتحاد الرياضى المصرى؟
- نعم، فالحكومة كانت تقدم لنا دعمًا ماديًا ومعنويًا مستمرًا. وتم صرف مكافآت فورية لنا بعد الفوز. فالاتحاد خاصتى كان مهتما جدًا وفرحًا بى كثيرًا لحصولى على ميدالية. لأنهم كانوا على اطلاع على التعب الذى تعبته خلال الفترة الماضية.
من يقوم بالاهتمام بكِ فى البيت؟
- فى الحقيقة أنا المسئولة عن البيت وحتى عندما كانت والدتى على قيد الحياة كنت المسئولة عن كل ما يتعلق بشئون البيت. فهى كانت دائمًا تعلمنى أن أكون مسئولة وأتحمل المسئولية، ورُغم أننى لست متزوجة بعد فإننى أهتم بأمورهم فى البيت فأنا مثلا بعدما عدت من البارالمبياد اهتممت أن أقوم بإعداد الطعام المنزلى لأسرتى بعد عودتى، لأنهم ظلوا فترة طويلة بدونه خلال فترة سفرى.
بعد فوزك بالميدالية الفضية ما خططك المستقبلية؟ هل لديكِ أهداف جديدة تتطلعين لتحقيقها أو مسابقات قادمة تسعين للمشاركة فيها؟
- بعد فوزى بالميدالية الفضية فى باريس أخطط من الآن للفوز فى بارالمبياد لوس أنجلوس، وأن أحصل على ميدالية ذهبية وأحقق رقمًا عالميًا وليس رقمًا بارالمبيًا فقط. وإن شاء الله تكون بطولة العالم القادمة خطوة جيدة للالتحاق بلوس أنجلوس.