بعد 29 عامًا.. «القاهرة الإخبارية» تحل لغز اغتيال علاء الدين نظمى يوسف ندا وبنك التقوى وراء اغتيال الدبلوماسى المصرى فى جنيف

محمد حسين
فى 13 نوفمبر 1995؛ أطلق مجهولون النار على دبلوماسى مصرى بوساطة مُسدَّس نصف آلى فى مرآب سيارات المبنى السكنى الذى كان يقيم فيه بضاحية بيتى-ساكونيكس فى جنيف بسويسرا.
وبعد مرور 29 عامًا على حادث الاغتيال، قدّمت النيابة العامة الفيدرالية السويسرية أول اتهام رسمى ضد متهمين اثنين فى هذه القضية.
المتهمان فى القضية هما رجل يبلغ من العمر 54 عامًا، إيطالى من أصل إيفوارى، وامرأة تبلغ من العمر 49 عامًا، تحمل الجنسيتين الإيطالية والسويسرية.
جماعات التطرف
قال الإعلامى كمال ماضى: إن 6 طلقات أُطلقت منذ 29 عامًا لا يزال صداها يسمع حتى وقتنا هذا، 6 طلقات وُجِّهت إلى صدر الدبلوماسى المصرى المستشار علاء الدين نظمى، نائب رئيس المكتب التجارى للبعثة المصرية فى جنيف، الذى أردته قتيلا وصعدت بروحه إلى بارئها، فى قلب جنيف كانت القصة، دوافع الاغتيال تبدو مجهولة، والجهات المحرضة مجهولة والقتلة أنفسهم كانوا مجهولين إلى أمد قريب.
وأضاف «ماضى»، خلال تقديمه برنامج «ملف اليوم»، المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»: «لم يكن يجول بخاطرهم أن بصمات على كاتم صوت بدائى الصنع ستتحول لأداة تجرهم جرًا رُغْمًا عنهم إلى ساحات العدالة، بيد أن السؤال المحير الذى يفرض نفسه ها هنا ما ثقل هذا الدبلوماسى؟ ما الذى جعله محطًا للأنظار وهدفًا يُسعى خلفه؟ وهو الرجل الثانى فى البعثة التجارية المصرية ليس بالرجل الأول حتى ولا بسفير أو قنصل».
وتابع: «خيوط البحث حول ماهية الرجل قد ينقشع معها الغمام بعض الشيء، قد تكشف جزءًا ولو صغيرًا من لغز صورة قديمة من تسعينيات قرن منقضى، الإشارات كلها تومئ إلى أنه كان باحثًا دؤوبا خلف الحقيقة الغائبة، مفتشًا داخل عش للدبابير عن سبل تمويل جماعات التطرف واستغلال الدين فى السياسة، القضية أغلقت لكن تقنيات العلم الحديثة أعادتها للحياة مرة أخرى بأصابع اتهام لأشخاص بعينهم، قد تطول الأيام والسنون يظن معها المجرم الآثم أنه قد نجا، لكن كما قيل سفينة العدل للشطآن واصلة وزورق الظلم مدفوع إلى الغرق، عدل ولو بعد 29 عامًا، عدل ولو بعد حين».
فك اللغز
تحدث عمرو المنيرى، مراسل «القاهرة الإخبارية»، عن حادث اغتيال الدبلوماسى المصرى، المستشار علاء الدين نظمى منذ 29 عامًا فى جنيف، مشددًا على أن جنيف تلك المدينة الهادئة التى تقع فى أحضان جبال الألب الشهيرة ومطلة على بحيراتها الزرقاء العذبة، مشهورة بأنها أكثر مدن العالم التى شهدت اتفاقيات سلمية، ولذا يوصف شعبها بأنه يتكلم بصوت الصمت.
وتابع «المنيرى»، خلال تقرير له عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»: سويسرا دولة يحكمها نظام فيدرالى ولديها نظام قضائى مستقل فى كل محافظة وولاية، وهى تحت إشراف محكمة فيدرالية عليا تابع لها نائب عام فيدرالى، معدلات الجريمة لديها منخفضة ومحاكمها تعمل 6 أشهر فى العام، لذا كانت مفاجأة كبيرة حين أصدر المدعى العام الفيدرالى السويسرى بيانًا أعلن فيه إعادة فتح الإجراءات الجنائية لقضية كبيرة، هى اغتيال الدبلوماسى المصرى علاء الدين نظمى نائب رئيس الملحقية التجارية التابعة لبعثة مصر فى الأمم المتحدة بجنيف عام 1995.
وشدد على أن هذه الجريمة وقعت منذ أكثر من 29 عامًا، وفى الـ13 من نوفمبر 1995، كان علاء نظمى قد أنهى عمله اليومى ولم يكن يعلم أن هذا آخر يوم عمل له فى مقر الأمم المتحدة.
ملف مهم
استعرض عمرو المنيرى، مراسل «القاهرة الإخبارية»، ما جاء فى الصحف والمواقع الأجنبية عن اغتيال الدبلوماسى المصرى علاء الدين نظمى نائب رئيس الملحقية التجارية التابعة لبعثة مصر فى الأمم المتحدة بجنيف عام 1995.
وقال المنيرى: صحيفة Global Watch Analysis لها مقال فى الـ24 من مايو عام 2020، أكدت فيه أن علاء الدين نظمى أوقف سيارته من طراز BMW فى موقف السيارات بالمبنى الذى يسكن فيه، ليتم قتله بدم بارد بـ6 رصاصات أطلقت من مسدس، موضحًا أن الصحيفة أكدت أنه بعد أيام من الجريمة وفى الـ21 من نوفمبر 1995 فتشت الشرطة السويسرية المركز الإسلامى فى جنيف الذى أسسه سعيد رمضان صهر حسن البنا، مؤكدًا أن المستشار علاء الدين نظمى كان فى الـ42 من عمره ومتزوج من سيدة مصرية ورزق بطفلة قبيل مقتله بـ4 أشهر.
وأكد المنيرى، أن الدبلوماسى المصرى كان مشهودًا له بالتفانى والإخلاص وحسن الخلق وكان يحظى بحب واحترام كل من عمل معه وخصوصًا زملاءه من العاملين فى بعثات الدول بالأمم المتحدة، وفى الـ13 من نوفمبر 1995 كان نظمى مكلفًا بتقديم ملف هام فى مؤتمر كبير تابع للأمم المتحدة فى المغرب، لذا اضطر للبقاء لوقت متأخر فى مكتبه لإنهاء الملف الذى كان سيقدمه فى اليوم التالى لسفره إلى المغرب.
جماعات إرهابية
فيما قال أحمد كامل بحيرى، الباحث بمركز الأهرام للدراسات، إن الفترة التى تم اغتيال الشهيد المستشار علاء الدين نظمى بجنيف فى فترة 1995، هى الأسوأ فى تاريخ مصر خارجيا، لافتًا إلى أنه فى 13 نوفمبر عام 1995، كانت هناك محاولة اغتيال للملحق التجارى، وفى 19 نوفمبر تم تفجير السفارة المصرية فى باكستان، وفى 21 نوفمبر محاولة اغتيال السفيرة المصرية فى بلغاريا.
وأضاف «بحيرى» خلال مداخلة مع الإعلامى كمال ماضى، ببرنامج «ملف اليوم»، المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»، إن جماعة العدالة الدولية التى تبنت اغتيال الملحق التجارى المصرى، هى التى أصدرت بيانًا بتبنى تفجير السفارة المصرية بباكستان بعد عدة ساعات من العملية، وفى أكتوبر من العام ذاته، تم رصد مقابلة بين عبدالوهاب شرف الدين، مسئول جماعة الإخوان الإرهابية فى السويس فى لندن بلقائه مع ياسر السرى، وهو أحد العناصر المتهمة فى اغتيال عاطف صدقى.
وواصل: «كان محكومًا على السرى بالإعدام، وتم إعطاؤه حق اللجوء السياسى فى بريطانيا، وهناك روابط كثيرة يمكن جمعها فى صورة واحدة، يمكن أن تؤكد الحوادث الثلاثة التى تمت فى نوفمبر 1995 ضد المصالح المصرية، لم تكن صدفة ومن يقف وراءها ليس ما يسمى بالعدالة الدولية».
الجماعات التكفيرية
وأشار إلى أنه حتى بداية عام 2000، كان هناك بابان لدخول الجماعات التكفيرية، وهما السلفية وخصوصًا السلفية العلمية أو الجهادية، وباب الإخوان المسلمين، لافتًا إلى أن أى شخص يريد الانضمام لأى جماعة جهادية، كان يجب عليه أن يمر بأحد البابين، مضيفا إنه حتى عام 2002 لا توجد قيادة من قيادات تنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية لم تمر على جماعات الإخوان بمن فيهم عبدالله عزام، لكن داعش تختلف تمامًا عن تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية.
وواصل: «هناك أسماء عديدة ظهرت فى فيديوهات تنفذ عمليات تابعة لتنظيم داعش عندما كان متواجدًا فى سيناء فى مصر وأعلنت هذه الأسماء انضمامها للتنظيم»، مؤكدًا أن قيادات الجماعة الإسلامية أو الجهاد أو القاعدة كانت حتى عام 2002 تمر على باب السلفية أو الإخوان المسلمين.
وأضاف: «من وجهة نظرى وتحليلى، أن الملحق التجارى كان جزءًا من الملف الذى يعمل عليه، وهو محاولة تتبع المؤسسات الاقتصادية التى تمول بعض التنظيمات والعناصر الإرهابية التى تنفذ بعض العمليات فى الداخل المصرى، وجزءًا من التحقيقات فى 2003 بارتباط شخص سورى منضم عبر صورة التقطت بواسطة المخابرات الأمريكية، ولديه جمعية فى البوسنة والهرسك تحت مسمى مؤسسة البر والإحسان، ولديه حساب فى بنك التقوى الذى يرأسه يوسف ندا».
واستكمل: «جزء من جمع هذه الأمور هو جمع مواد اقتصادية لشبكة اتصال ما بين عناصر تدعم بعض العناصر الإرهابية لتنفيذ عمليات إرهابية، يمكن أن يكون الملحق التجارى قد وجد بعض التفاصيل التى تربط أو ترسم الصورة بشكل أوضح ما بين عناصر مطلوبة وبعض المؤسسات الاقتصادية سواء للإخوان أو عناصر متهمة بعملية إرهابية من جنسيات أخرى بمصر، فكان هناك قرار بتصفية الملحق التجارى».
من يقف وراء الحادثة؟
علق أحمد كامل بحيرى، الباحث بمركز الأهرام للدراسات، على كشف تفاصيل اغتيال المستشار علاء الدين نظمى فى جنيف، بعد 29 عامًا من وقوعها، قائلا إن من يقف وراء هذه الحادثة ليس كما يسمى بالعدالة الدولية، والبيان الصادر من هذه الجماعة، وهى ليست لديها أى أثر بأى شكل من أشكال ولم تتبنّ أى عمليات قبل هذه العملية، أو بعدها باستثناء العملية التى تم الإعلان عنها فى جنيف، وعملية السفارة المصرية فى باكستان، لم يذكر أى أثر لديها حتى فى التنظيمات والجماعات المتطرفة، مضيفًا إنه فى مصر عندما حدثت العملية الإرهابية فى المنطقة الغربية بالواحات صدر بيان من تنظيم يسمى «أنصار الإسلام» وهو عماد عبدالحميد فى النهاية، لكن فكرة تبادل المسميات كل عملية باسم يعطى إيحاء أولًا ببعد الصفة عن مرمى الاتهام، وثانيًا يشتت الأجهزة الأمنية فى عملية التعقيب، وثالثًا يعطى عملية التضخيم بأن هناك تعددًا فى التنظيمات الإرهابية التى تستهدف مصالح الدولة أو الشخص.
وتابع: «بالتالى من المؤكد لا يوجد جماعة تسمى بالعدالة الدولية، ليس لها أثر، وما يحسم هذا الأمر أنه بعد سنوات يخرج أيمن الظواهرى يعترف أن التنظيم هو الذى تبنى العملية ضد السفارة المصرية فى باكستان رغم أن جماعة ما تسمى بالعدالة الدولية أصدرت بيانًا بالتبنى ولم تعلن فى لحظتها جماعتا الجهاد والقاعدة فيما بعد تبنيهما لهذه العملية».
سر فتح القضية الآن
فيما قال الدكتور توفيق حميد، الباحث السياسى، إن المدعى العام السويسرى قرر فتح قضية اغتيال الدبلوماسى المصرى علاء الدين نظمى فى جنيف قبل سقوطها بالتقادم لوجود احتمالين، أولهما اكتشاف التكنولوجيا التى تتيح كشف الجرائم، أو أن هناك تحركات قوية داخل أنظمة المخابرات فى الدول الغربية لإدراكهم خطورة منظمة الإخوان.
حيث بدأت هذه الأنظمة ترى أنهم مثل السرطان المستشرى والمنتشر فى جميع أنحاء العالم، وأن الجماعة منظمة خطيرة، ولها قدرات مالية قوية خاصة مع وجود سويسرا فى هذا الأمر.
وأضاف «حميد» خلال مداخلة لبرنامج «ملف اليوم» تقديم الإعلامى كمال الماضى، المذاع على شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، إنه أثناء فتح التحقيقات والبحث عن الإخوان وتنظيماتهم وأموالهم وعلاقتهم بالتنظيمات المتطرفة الأخرى، وتشعبها السرطانى فى العالم، وقدرتها المالية والتمويلية لجهات مريبة جاءت قضية علاء الدين نظمى فى الصورة.
وأوضح الباحث السياسى، أنه فى مرحلة تاريخية كانت سويسرا تستضيف المتطرفين على أراضيها، من منظور الليبرالية المفرطة، وحماية أى شخص صاحب فكر حتى لو كان مدمرًا ومؤذيًا ويدعو إلى تدمير بلده وقتل الآخرين، تحت مظلة حرية الرأى، ولكن بعدما رأوا ما يمكن أن يقدم عليه هؤلاء المتطرفون بتجربة عملية من خلال الاغتيالات وحوادث قتل وكوارث، بدأ كثير من العقلاء يدرسون هذا الأمر ليضعوا له حدودًا وليس فى سويسرا فقط؛ بل إنه اتجاه عام فى أوروبا ككل.
وأضاف الباحث السياسى: باتوا يشعرون بأن هناك جيشًا من أصحاب الفكر المتطرف يخترقهم ويؤثر عليهم، وفى لحظة ما قد تنتهى دولهم تمامًا أمام هذا العدد الرهيب الذى يؤثر فى ديمقراطيتهم وحريتهم.
وتابع: هناك اختلاف كبير بين سويسرا فى حقبة التسعينيات التى كانوا فيها «سُذج» ولا يدركون خطورة هذه الجماعات وكانوا يعاتبوننا حتى للوقوف ضدهم، وبين سويسرا اليوم بعد أن عرفوا مدى خطورة تلك الجماعات وبدأوا يدركون، حتى لو كان الأمر متأخرًا فأن تأتى متأخرًا خير من ألّا تأتى.