السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أعادت التوازن بعد التأثر بتراجع عائدات قناة السويس انفراجة دولارية تعززها تحويلات المصريين بالخارج

انفراجة مُبشّرة فى تدفقات النقد الأجنبى إلى مصر.. هذا ما يعكسه المشهد الحالى وتدلل عليه جميع الأرقام والمؤشرات، بعد أن سيطر الارتباك على سوق الصرف خلال العام الماضى ومطلع العام الجارى بسبب التأثيرات الدولية التى ألقت بظلالها على اقتصادات الأسواق الناشئة، وتسببت فى أزمات وشح بالنقد الأجنبى فى العديد من الدول.



 

ويبدو أن المصريين العاملين بالخارج اختاروا أن يكونوا فى صدارة مشهد هذه الانفراجة، التى تدعم اتزان سعر الصرف بقوة، حيث كشفت أحدث أرقام صادرة عن البنك المركزى أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزت بقيمة 3.8 مليار دولار فى 7 أشهر لتسجل 15.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير وحتى يوليو 2024 مقابل 11.7 مليار دولار فى الفترة ذاتها من العام الماضى.

وكشفت الأرقام عن ارتفاع التحويلات خلال شهر يوليو 2024 - وذلك للشهر الخامس على التوالى - بمعدل 86.8 % لتسجل نحو 3.0 مليار دولار خلال الشهر مقابل نحو 1.6 مليار دولار خلال شهر يوليو 2023، وهذا الرقم المحقق فى يوليو يعد الأعلى، فى سابقة لم يشهدها شهر يوليو من قبل منذ بداية رصد بيان تدفقات تحويلات العاملين بالخارج.

وطبقًا للمصرفيين فإن ثمة أسبابًا مهمة أدت إلى زيادة تحويلات المصريين، بل وعودتها بعد أن ابتعدت بشكل كامل تقريبًا عن الجهاز المصرفى الرسمى خلال العام الماضى، وعلى رأس هذه الأسباب عودة الثقة فى الجهاز المصرفى بعد قرار تحرير سعر الصرف فى مارس الماضى، حيث أصبحت البنوك قادرة على اجتذاب التدفقات بأسعار صرف حقيقية تخضع للعرض والطلب، بعد أن استأثرت السوق السوداء على تسعير العملة خلال العام الماضى.

وإلى جانب تحرير سعر الصرف، فإن صفقة رأس الحكمة والتى حركت المياه الراكدة فى الاستثمار الأجنبى المباشر، وضمنت لمصر تدفقات بقيمة 35 مليار دولار فى شهرين، هذه الصفقة كانت الباب الكبير لعودة الثقة فى الجهاز المصرفى الذى توفرت لديه سيولة دولارية دعمت قدرته على الوفاء بالالتزامات، وعززت التوقعات الإيجابية للسوق، وهو ما وضع حدًا للمضاربة على العملة فى السوق السوداء، ومهد الطريق لتحرير العملة والوصول إلى سعر صرف مقبول بحسب الظروف الراهنة.

وعوّضت الزيادة فى تحويلات المصريين فى الخارج جزءًا كبيرًا من التراجع الذى لحق بإيرادات قناة السويس والتى كان متوقعًا أن تسجل إيرادات تربو على 9 مليارات دولار خلال العام الجارى، إلا أن أحداث البحر الأحمر وارتباك حركة الملاحة حدتا من تحقيق هذا المستهدف وتسببتا فى تراجع ملحوظ فى الإيرادات خلال الشهور الماضية.

وبصفة عامة فإن تدفقات النقد الأجنبى للبلاد تشهد نموًا قويًا بفضل ارتفاع التحويلات والاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر، حيث زادت استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية لتقترب من مستوى 40 مليار دولار لأول مرة، كما بدأت الصادرات السلعية فى الارتفاع بعد حل جزء كبير من مشكلات المصانع التى توقفت خطوط إنتاجها فى العام الماضى بسبب نقص العملة وعدم القدرة على جلب مدخلات الإنتاج.

وتوقع الصندوق فى تقريره للمراجعة الثالثة لمصر، تحسن ميزان المدفوعات بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة بعد توفير التدفقات النقدية من رأس الحكمة وأذون الخزانة، وتحسن التدفقات بصفة عامة.

وكشف البنك المركزى فى أحدث تقاريره عن ارتفاع صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر ليحقق زيادة غير مسبوقة خلال الفترة من يوليو 2023 وحتى مارس 2024 ليسجل نحو 23.7 مليار دولار، منها 18.2 مليار دولار خلال الفترة من يناير وحتى مارس فقط.

وطبقًا للمركزى فإن التدفقات الداخلة سجلت 31.5 مليار دولار منها 21 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى مارس، وذلك على ضوء البدء فى تمويل أعمال تطوير مشروع رأس الحكمة بنحو 15 مليار دولار من جانب الإمارات.

وتصدرت الدول العربية صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر لمصر خلال الفترة من يوليو 2023 إلى مارس 2024 لتسجل نحو 18.6 مليار دولار مقابل 3.8 مليار دولار خلال الفترة نفسها من السنة المالية السابقة.

وجاءت الزيادة أساسًا من الإمارات العربية المتحدة لتحقق صافى تدفق بلغ 17.2 مليار دولار، منها 15.6 مليار دولار خلال يناير إلى مارس 2024، وارتفعت استثمارات المغرب بنحو 87.5 مليون دولار لتسجل نحو 127 مليون دولار.

وأدى كل هذا التحسن فى تدفقات النقد الأجنبى إلى ارتفاع صافى الاحتياطيات الدولية إلى 46.59 مليار دولار بنهاية أغسطس، لتغطى ما يزيد على 7 أشهر من الواردات السلعية، وهو ما يفوق معدلات الأمان الدولية بشأن الاحتياطى والذى يحدد 3 أشهر لتغطية الاحتياطى.

وبلغت قيمة الزيادة فى أرصدة الاحتياطى النقدى الأجنبى منذ بداية العام الجارى 2024 نحو 11.377 مليار دولار، إذ بلغت فى نهاية ديسمبر الماضى نحو 35.22 مليار دولار.

وفى ظل ذلك توقعت شركة «بى إم آى للأبحاث» التابعة لـ«فيتش» أن تعوض العملة المحلية فى مصر بعض خسائرها خلال الفترة المتبقية من العام الجارى، حيث رجحت أن يكون سعر الدولار فى نطاق 47.5 جنيه حتى نهاية عام 2024.

كذلك فقد بدأت البنوك إجراءات هامة تعكس الانفراجة فى النقد الأجنبى، حيث أعلن بنكا الأهلى ومصر، خلال الأسبوع الماضى، عن عن رفع حدود استبدال العملة الأجنبية حتى 5000 دولار للمسافرين للخارج. كما قام البنكان برفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية بالعملة الأجنبية للإنفاق خارج مصر ليصل حد الشراء الشهرى إلى 300000 جنيه مصرى لأعلى فئة من البطاقات الائتمانية.

كذلك بدأت لبنوك تمويل استيراد عدد من السلع غير الأساسية، حيث كان البنك المركزى قد أوقف تمويل استيراد مجموعة سلع غير أساسية بداية عام 2022 مع خروج الأجانب من أدوات الدين المحلية بأرقام ضخمة وبدء حدوث أزمة شح عملة فى البلاد، وقرر «المركزي» وقتها أن يكون استيراد مجموعة مكونة من 13 سلعة بموافقة مسبقة منه، ولم تمولها البنوك منذ ذلك الوقت.

وبدأت البنوك فعليًا- بتوجيهات من البنك المركزي- تلبية طلبات استيراد بعض هذه السلع، ومنها ملابس جاهزة ومعدات ثقيلة وإطارات مستعملة ومفروشات وأثاث، بعد أن كان محظورًا استيرادها.

كذلك ونتيجة لزيادة السيولة بالعملات الأجنبية فقد عدلت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى مؤخرًا نظرتها المستقبلية لأربعة بنوك محلية فى مصر من مستقرة إلى إيجابية.

وتضم البنوك الأربعة كلاً من البنك الأهلى المصرى، وبنك مصر، وبنك القاهرة، والبنك التجارى الدولى- مصر. وفى نوفمبر الماضى، كانت «فيتش» قد خفضت التصنيف الائتمانى للبنوك الأربعة من مستوى B إلى مستوى B- وذلك عقب تخفيض التصنيف الائتمانى للبلاد.

أما فى تقريرها الأخير فقد أكدت «فيتش» أن أداء البنوك سيظل قويًا على المدى المتوسط مدعوماً بأسعار الفائدة المرتفعة والنمو القوى للأعمال والاستقرار الأكبر للاقتصاد الكلى.