الجولة الأولى.. لبنان إسرائيل.. «حصان طروادة» إرهاب الجيل الخامس
مروة الوجيه
على مدار يومين شهد لبنان والضاحية الجنوبية فى بيروت عددًا من التفجيرات السيبرانية التى أسفرت عن عشرات الضحايا وآلاف المصابين، فى خطوة توضح اتخاذ العدوان الإسرائيلى منحًى جديدًا من العدوان، فبعد استهداف أجهزة «البيجر» لأعضاء من حركة حزب الله، فى إطار خطة ممنهجة؛ لتوسيع نطاق الصراع جغرافيًا، وتمديده زمنيًا، وأيضًا فى الإطار النوعى، لتضيف إليه بُعدًا سيبرانيًا، يمثل تهديدًا صريحًا للسلم والأمن الدوليين، ليضاف إلى قائمة طويلة من الانتهاكات التى ارتكبتها قوات الاحتلال الغاشمة.
فى الأشهُر الماضية، تجاوزت عمليات القتل التى استهدفت آلاف المدنيين، باستخدام الأسلحة الفتاكة، فى مواجهة شعب أعزل مغتصبة أرضه، ثم الآن تتجه نحو استخدام سلاح آخر جديد يبدو أشد فتكًا، فى ضوء الخطورة الكبيرة التى يمثلها، فى مرحلة تبدو دقيقة للغاية، ليس فقط فيما يتعلق بمستقبل الصراع فى منطقة الشرق الأوسط؛ وإنما فى مستقبل الصراع العالمى.
داعش الجديد
ولعل الحديث عن الأمن السيبرانى، ليس جديدًا على الإطلاق، فى ضوء اختراقات طالت أجهزة كبار المسئولين الدوليين، ساهمت فى تغيير دفة السُّلطة، فى العديد من دول العالم، تجلى أبرزها فى تسريبات ويكيليكس، وما أثير حول اختراق البريد الإلكترونى، لوزيرة الخارجية الأمريكية الأسابق هيلارى كلينتون إبان حملتها الانتخابية فى محاولتها لاعتلاء عرش البيت الأبيض، فى عام 2016، وهو الأمر الذى ساهم بالدور الأبرز فى خسارتها أمام خصمها الجمهورى دونالد ترامب، رغم قلة أو انعدام خبرته السياسية، لتصبح القضية السيبرانية إحدى أهم أدوات التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وهو ما بدأ فى الاتهامات التى تطال روسيا بين الحين والآخر، فى التورط فى استخدامها لتوجيه السياسات وربما للسيطرة على الأنظمة الحاكمة فى الغرب.
إلا أن تفجيرات «البيجر»، التى نفذتها إسرائيل، فى لبنان، تمثل منحًى جديدًا، فى استخدام الأداة السيبرانية، فى ضوء ما يمكن اعتباره إرهاب دولة، من خلال تفجير أجهزة عن بُعد، للقضاء على خصومها، فى انتهاك صريح للأعراف الدولية، المتبعة من قِبَل أفراد القانون الدولى، بعيدًا عن الحروب العسكرية المتعارف عليها وهو ما يمثل امتدادًا للنهج الذى سبق أن تبنته جماعات الإرهاب، وعلى رأسها تنظيم داعش، الذى سعى لبناء دولته؛ حيث بزغ نجمه عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة، فى نشر أفكاره، وتحريض المؤمنين بها على تنفيذ عمليات داخل دولهم، بينما نشر فيديوهات أخرى حول كيفية صناعة العبوات الناسفة، وكيفية تفجيرها، وهو الأمر الذى أصاب دولًا تبعد عن التنظيم ومقراته، بآلاف الكيلومترات بحالة من الهلع؛ بسبب قدرته، عبر التكنولوجيا فى تجنيد موالين له، داخل دولهم، دون اتصال مباشر فيما بينهم.
إرهاب الدولة
وهنا تصبح تفجيرات البيجر أو أجهزة اللاسلكى (ووكى توكى)، بمثابة تحول جذرى، على مسارين متوازيين، أولهما يرتبط فى نوعية الخطر الذى بات يمثله؛ حيث تجاوز مجرد اختراق أجهزة الحاسب الآلى والبريد الإلكترونى لكبار المسئولين بالدول، وما يترتب على ذلك من الخروج عن إطار التدخل فى شئون الدول الأخرى، نحو أداة جديدة للقتل والتدمير، بينما يدور المسار الآخر حول خروج الإرهاب من إطار التنظيمات المتطرفة، نحو ما يمكننا تسميته بـ«إرهاب الدولة»، فى ظل خطة منظمة وممنهجة لقتل المدنيين والأبرياء، تحمل إطارًا يتجاوز الحدود التقليدية، دون تجنيد ميليشيات.
ويُعَد إرهابُ الدولة ليس بالأمر الجديد على النهج الذى تعتمده إسرائيل، فى ضوء تبنيها لسياسة الاغتيالات وتصفية الخصوم؛ إلا أن النهج المنحاز الذى تتبناه القوَى الدولية الكبرى، أضفى عليه قدرًا من الشرعية، فى إطار ذريعة الحروب العسكرية تارة، والدفاع عن النفس تارة أخرى؛ إلا أن الجديد فيما يتعلق بتفجيرات «البيجر» يرتبط بصورة مباشرة بمستقبل الصراع، ليس فقط فى منطقة الشرق الأوسط؛ وإنما فى الصراع العالمى، والذى بات ممتدًا فى الشرق والغرب، وهو ما يبدو، على سبيل المثال فى الأزمة الأوكرانية، التى باتت تشهد هى الأخرى منحنيات غاية فى الخطورة مع التلويح باستهداف المحطات النووية أو شن هجمات نووية.
الوحدة 8200
على مدار يومين تعرَّض لبنان إلى هجوم غير مسبوق على أجهزة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وقد تردد خلال هذه الأيام دور الوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلى كقوة رئيسية محتملة وراء هذا الهجوم.
وأفادت مصادر أمنية غربية ولبنانية بأن الهجومين، اللذين وقعا الثلاثاء والأربعاء، أسفرا عن مقتل العشرات وإصابة آلاف آخرين بإصابات متفاوتة الشدة؛ حيث تم زرع متفجرات دقيقة داخل أجهزة الاتصالات التى يستخدمها الحزب، بما فى ذلك أجهزة «البيجر» التى تعد إحدى وسائل التواصل الداخلية للجماعة.
وأوضح مصدر أمنى لبنانى أن جهاز المخابرات الإسرائيلى (الموساد) كان له دور أساسى فى تنفيذ هذه العملية المعقدة، التى شملت زرع كمية صغيرة من المتفجرات داخل أكثر من 5000 جهاز اتصال طلبها حزب الله للاستخدام. إلا أن مصادر أخرى أكدت أن الوحدة 8200، وهى وحدة عسكرية متخصّصة فى جمع المعلومات الاستخباراتية وتطوير التكنولوجيا العسكرية، كانت إحدى الأذرع الرئيسية فى التخطيط والتنفيذ لهذه العملية.
ورغم الامتناع الرسمى من الجيش الإسرائيلى والحكومة عن التعليق على العملية؛ فإن العديد من الخبراء يرون أن بصمات الوحدة 8200 واضحة فى هذه العملية؛ خصوصًا أن هذه الوحدة تُعرَف بقدرتها على تنفيذ عمليات تجسُّس واختراق تقنى عالى المستوى.
وتعتبر «الوحدة 8200» واحدة من أهم الوحدات العسكرية فى إسرائيل، وتضم نخبة من الأفراد المختارين بعناية من الشباب المجندين فى جيش الاحتلال؛ حيث تعمل هذه الوحدة على تطوير أدوات تكنولوجية متقدمة لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتشبه فى العديد من الأحيان بوكالة الأمن القومى الأمريكية (NSA).
يشير يوسى كوبرفاسر، المسئول السابق فى المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إلى أن أعضاء الوحدة هم من «أفضل العقول» فى الجيش الإسرائيلى؛ حيث يعملون على مواجهة التحديات الصعبة التى تواجه إسرائيل فى المجال التكنولوجى والدفاع الإلكترونى. وأكد أن الوحدة 8200 تلعب دورًا حاسمًا فى حماية الأمن القومى لإسرائيل، وذلك عبر شن هجمات سيبرانية متطورة والدفاع عن البنية التحتية الرقمية للدولة.
النووى الإيرانى والوحدة 8200
كما أن الوحدة 8200 لها تاريخ طويل من العمليات البارزة التى تمتد خارج حدود إسرائيل. من أبرز تلك العمليات مشاركتها فى هجوم «ستوكسنت» الذى عطل أجهزة الطرد المركزى الإيرانية المستخدَمة فى البرنامج النووى، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلى لم يؤكد تورطه بشكل مباشر. كما ساهمت الوحدة فى إحباط العديد من الهجمات التى كانت تستهدف إسرائيل وحلفاءَها، بما فى ذلك هجوم كان ينوى تنظيم داعش شنه على إحدى الدول الغربية فى عام 2018.
وفق وكالة «رويترز»؛ فإن الطبيعة العسكرية المتقدمة للوحدة، تجعل الغالبية العظمى من أعضائها من الجنود الشباب الذين يتم اختيارهم بناءً على قدراتهم التكنولوجية والعلمية. ويتم تدريبهم على التعامل مع أكثر المشاكل تعقيدًا فى مجال التشفير، الاختراق، وبرمجيات الحماية، مما يجعلهم أحد أصول إسرائيل الاستراتيجية فى مجال الحرب السيبرانية.
ونقلت الوكالة الإخبارية عن آفى شوا، أحد خريجى الوحدة ومؤسّس شركة «أوركا سيكيوريتى» للأمن السحابى، أن الوحدة توفر لأعضائها المهارات اللازمة لحل المشاكل التقنية المعقدة بطرُق إبداعية وغير تقليدية، وهو ما ساعد العديد من خريجيها فى تأسيس شركات تكنولوجيا متقدمة فى إسرائيل.
وبالرغم من الإنجازات العديدة التى حققتها الوحدة 8200؛ فإنها لم تنجُ من الانتقادات؛ حيث شهدت الوحدة استقالة قائدها مؤخرًا بعد الفشل فى اكتشاف هجوم حماس على جنوب إسرائيل فى السابع من أكتوبر الماضى، وأشار فى رسالة استقالته إلى أنه «لم ينجز مهمته» فى التحذير من الهجوم. ومع ذلك، يبقى مستقبل الوحدة واعدًا بفضل التركيز على الابتكار والإبداع فى مواجهة التحديات الأمنية.
رسالة إسرائيل.. نحن نملككم
وفق تحليل للكاتب الأمريكى ديفيد اجناطيوس بصحيفة واشنطن بوست، قال فيه إن المَشاهد القادمة من لبنان يومى الثلاثاء والأربعاء أشبه بفيلم لجيمس بوند حيث انفجرت أجهزة «بيجر» والأجهزة اللاسلكية، بشكل متتابع فى جيوب مئات اللبنانيين حول البلد، فيما ظهر وكأنها عملية «عبقرية» جمعت بين الهجوم السايبرى والتخريب؛ إلا أن حزب الله هو من سيكتب الفصل المقبل من فيلم الإثارة فى الزمن الحقيقى.
وكان المسئولون الإسرائيليون فى ليلة الثلاثاء يُحضِّرون للهجمات الانتقامية، لو لم يتم احتواؤها، والتى قد تشعل حربًا إقليمية شاملة، حاول المسئولون الأمريكيون منعها، وفق تصريحاتهم المتوالية، لأكثر من عام. إسرائيل لا تعلن عن المسئولية، وهى ليست بحاجة لعمل هذا. فعمل بهذه البراعة والجرأة فى لبنان لا تقوم به أى دولة، غير إسرائيل.
فمَشاهد الفيديو التى أظهرت مقاتلى حزب الله وهم يسقطون على الأرض بواسطة أجهزة الاتصالات الخاصة بهم كانت بمثابة رسالة إسرائيلية لا لبس فيها إلى الجماعة المدعومة من إيران: «نحن نملككم ونحن قادرون على اختراق كل مساحة تعملون فيها». وعندما يفكر حزب الله فى الرد؛ فعليه أن يتصرف بأن إسرائيل قد يكون لديها مفاجآت لهم، ولديها فعلا»، حسب قول مَصدر على معرفة بالتفكير الإسرائيلى فى مقابلة مع الكاتب الأمريكى يوم الثلاثاء.
وأوضح اجناطيوس، أن مسئولى إدارة بايدن نأوا سريعًا بأنفسهم عن الهجوم فى لبنان، قائلين إنهم لم يتلقوا أى إشعار مسبق، وبالنسبة للرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، المرشحة الرئاسية؛ فإن التوقيت لا يمكن أن يكون أسوأ: يأتى هذا التصعيد الحاد وخطر اندلاع حرب أوسع نطاقًا قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية- وقد يؤدى ذلك إلى تفجير أى فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
أهداف إسرائيل
وفق موقع المونيتور الأمريكى؛ فإن قرار إسرائيل شن العملية فى هذا التوقيت كان مدفوعًا باعتبارات سياسية وعملياتية، فقد تعطلت خطة وقف إطلاق النار التى تقودها الولايات المتحدة، ومعها الأمل فى التوصل إلى اتفاق دبلوماسى مع حزب الله لتهدئة الحدود. وبعد أن طورت إسرائيل القدرة غير العادية على تحويل أجهزة الاتصالات الخاصة بخصومها إلى قنابل، ربما حكمت بأن هذه القدرة يجب استخدامها قبل اكتشافها وتعطيل أجهزة النداء أو بيجر.
رغبة إسرائيل بتوجيه ضربة قوية لحزب الله تعكس وجهة نظر واسعة بين الإسرائيليين مفادها أن البلاد لا تستطيع تحمُّل ما أصبحت حرب استنزاف طويلة مع حزب الله. ورغم أن إسرائيل نجحت فعليًا فى تحييد حماس عسكريًا فى غزة؛ فإن حزب الله واصل توسيع هجماته الصاروخية ضد شمال إسرائيل. واضطر أكثر من 60 ألف إسرائيلى إلى إخلاء منازلهم فى الشمال، تاركين خلفهم ما يمكن وصفها ببلدات أشباح.
الرغبة بالتعامل مع «الشمال» كما يتحدث الإسرائيليون صارت قوية وكثيفة مثل الرغبة فى تحرير الأسرى لدى حماس. وبحسب مصدر مطلع على التفكير الإسرائيلى: «عندما يتعلق الأمر بلبنان والشمال، هناك إجماع متزايد فى إسرائيل على ضرورة القيام بشىء ما»، وفق المونيتور.
كما لاحظ المصدر أن مجلس الوزراء الإسرائيلى أضاف يوم الاثنين هدفًا جديدًا إلى قائمة أهداف الحرب: عودة الإسرائيليين إلى منازلهم بالقرب من الحدود مع لبنان. ويعتقد الكاتب أن براعة العملية الإسرائيلية وتفجير أجهزة النداء/بيجر تعطى صورة أن إسرائيل تعرف أسرار سلسلة الإمدادات السرية لحزب الله، التى وزعت الأجهزة المتفجرة.
تحذيرات حسن نصر الله
فى فبراير الماضى، يبدو أن زعيم جماعة حزب الله، حسن نصر الله، قد شعر بخطر الاختراق السيبرانى لأعضاء جماعته، وفى خطاب ألقاه حذر «نصر الله» عناصره وطالبهم بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة، التى «أصبحت مثل الأكسجين للجميع»، ولكنها كشفت عن مواقع المقاتلين، وكانت تعمل فى بعض الأحيان كأجهزة تجسُّس إسرائيلية. وقال نصر الله: «لم تعد إسرائيل بحاجة إلى عملاء، إن أجهزة مراقبتها موجودة فى جيوبكم، وإذا كنتم تبحثون عن العميل الإسرائيلى؛ فانظروا إلى الهاتف الذى بين أيديكم وهواتف زوجاتكم وأطفالكم». فقد كان «نصر الله» يعلم أن الأجهزة المحمولة ترسل إشارات إلى أبراج الهواتف المحمولة التجارية التى يمكن اعتراضها بسهولة.
وعليه؛ سارع حزب الله لحماية شبكته العسكرية وتوفير بيجر خاص لعناصره يعمل على نظام من الصعب تتبعه. ولم يكن الحزب يتخيل قدرة العملاء الإسرائيليين على اختراق سلسلة التوريد لبيجر. وهو ما حدث على ما يبدو- حسب قول خبير حرب إلكترونية أمريكى.
بطاريات الليثيوم
وأرسل حزب الله رسالة فيها دلالة يوم الثلاثاء أمر فيها كل عنصر من عناصره حصل على بيجر جديد بتدميره.
وبحسب محلل أمريكى نقلت عنه صحيفة «واشنطن بوست» قال إن حزب الله قد اشتبه بأن البرامج الإسرائيلية الخبيثة ربما تسببت فى انفجار بطاريات الليثيوم فى أجهزة النداء/بيجر. ولكن مقاطع الفيديو التى التقطت العديد من الانفجارات تجعل هذه النظرية غير مرجحة؛ ذلك أن بطاريات الليثيوم تسخن بشدة قبل أن تنفجر؛ حيث تصبح ساخنة جدًا بحيث لا يستطيع أحد أن يحتفظ بها فى جيبه لفترة طويلة.
ويبدو أن الانفجار كان يسبقه عادة دخان ثم حريق، كما تظهر مقاطع الفيديو. وبحسب مصادر أمريكية، فما حدث بالفعل هو أن عملاء إسرائيليين تمكنوا من الوصول إلى أجهزة النداء/بيجر نفسها قبل توزيعها وإدخال كميات صغيرة من المتفجرات القوية للغاية. وقالت المصادر إن البرامج الخبيثة التى تم إدخالها فى أنظمة تشغيل أجهزة النداء ربما خلقت محفزًا إلكترونيًا، بحيث تنفجر أجهزة النداء عند تلقيها مكالمة من رقم معين أو أى إشارة أخرى.
وفق تحليل إجناطيوس؛ فان العملية كانت رائعة؛ لأنها استهدفت الجميع فى الشبكة العسكرية، بمن فيهم السفير الإيرانى فى لبنان الذى ظهر فى مقاطع فيديو وهو يدخل المستشفى بعد إصابته. موضحًا إن حزب الله فقد نظام اتصالاته الخاص. ولأنها على ما يبدو تمتلك رقم حزب الله فعليًا، تستطيع إسرائيل إرسال رسائل تحذر فيها العناصر فى حزب الله الذين نجوا بأنها ستقتلهم لو حاولوا الرد- كما أشار مصدر أمريكى.
وبعيدًا عن الأثر المدمر للعملية على حزب الله؛ فإن الهجوم يؤكد بداية حرب سيبرانية خطيرة؛ حيث أصبح أى جهاز مرتبط بالإنترنت قابلاً للتحول إلى سلاح. ومن الممكن التلاعب بدوائر الأجهزة «الذكية» بحيث تتعطل بطريقة خطيرة. ففى الهجوم الإلكترونى «ستوكسنت» ضد البرنامج النووى الإيرانى، تسببت البرمجيات الخبيثة فى دوران أجهزة الطرد المركزى بسرعة شديدة بطريقة دمرت فيها نفسها. وفى مستقبل ما يسمى «إنترنت الأشياء»، قد يكون الجهاز الضال هو هاتفك أو ثلاجتك أو جهاز التلفاز.
مع كل تقدم جديد فى تكنولوجيا الأسلحة، يتخيل المصممون أنهم سيحتكرون أدوات الحرب القاتلة. فعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة تتمتع ذات يوم بما بدا وكأنه احتكار للطائرات بدون طيار، ولكنها الآن أصبحت أداة حرب شاملة.
الصراع الدولى
وأخيرًا؛ فان تفجيرات لبنان تقدم فى جوهرها سابقة غاية فى الخطورة، يمكن أن تتكرر فى العديد من المواقف المستقبلية، مع تأجج الصراعات الدولية، وصعود قوى جديدة، تسعى لفرض كلمتها على العالم، ناهيك عن مستقبل الصراع بين روسيا والغرب؛ خصوصًا مع توجه العديد من القوى الدولية الكبرى، نحو عدم الانغماس فى مستنقع الحرب المباشرة، والقائمة على إرسال جنود إلى مناطق الصراع، وهو ما يبدو فى سلسلة الانسحابات العسكرية الأمريكية من العديد من دول الصراع، سواء فى سوريا أو العراق أو أفغانستان، لتتحول نحو عمليات نوعية لاستهداف خصوم بعينهم، خلال السنوات الماضية، على غرار أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادى وغيرهما.
وهنا يمكن القول بأن تفجيرات لبنان تمثل بُعدًا جديدًا فى مستقبل الصراع الدولى، ربما يكون الأشد خطورة فى التاريخ العالمى، فى ضوء ما يمثله من خطر داهم، وانتهاك صريح للأعراف الدولية، وحقوق الإنسان، فى ظل ما تحظى به الأدوات السيبرانية من قدرات خارقة، يمكن من خلالها استهداف المدنيين، والبنى التحتية، وما قد يسفر عن ذلك من دمار.