الإثنين 11 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عبر مخططات تدبرها وحدات النخبة فى الحرس الثورى إيران تلجأ لـ«ملائكة الجحيم» لتنفيذ جرائم مميتة ضد معارضيها

بدأت إيران فى الاعتماد بشكل متزايد على المجرمين بدلًا من العملاء السريين لتنفيذ عمليات مميتة ضد معارضيها فى الخارج، وهو تطور تكتيكى مقلق من قبل دولة يعتبرها الغرب والولايات المتحدة واحدة من أكثر ممارسى القمع العابر للحدود تصميمًا وخطورة فى العالم.



وقامت إيران بتنمية واستغلال الروابط مع الشبكات الإجرامية التى تقف وراء موجة حديثة من المؤامرات العنيفة التى دبرتها سرًا وحدات النخبة فى الحرس الثورى الإيرانى ووزارة الاستخبارات الإيرانية.

 

يستند تقرير لصحيفة واشنطن بوست إلى مقابلات مع مسئولين كبار فى أكثر من عشر دول، ومئات الصفحات من سجلات المحاكم الجنائية فى الولايات المتحدة وأوروبا، فضلًا عن وثائق تحقيق إضافية حصلت عليها من الأجهزة الأمنية، ويشير التقرير إلى حالة الصحفى الإيرانى يوریا زراعتى الذى تعرض للطعن أربع مرات خارج منزله فى ضاحية ويمبلدون فى لندن، من قبل مهاجمين ليسوا من إيران وليس لديهم صلة واضحة بأجهزتها الأمنية، وفقًا للمحققين البريطانيين. 

وكان الصحفى قد حصل على حماية شرطة العاصمة البريطانية ونقل لمنازل الآمنة عدة مرات، لكن تلك الإجراءات فشلت فى حمايته.

وفى السنوات الأخيرة، استعانت إيران بمصادر خارجية لعمليات مميتة وعمليات اختطاف لعصابات راكبى الدراجات النارية «ملائكة الجحيم»، وهى شبكة سيئة السمعة لتوزيع الهيروين يقودها مهرب مخدرات إيرانى وجماعات إجرامية عنيفة من الدول الاسكندناڤية إلى أمريكا الجنوبية.

كما كلفت إيران هؤلاء القتلة بمؤامرات ضد ضابط عسكرى إيرانى سابق يعيش تحت هوية مستعارة فى ولاية مريلاند وصحفى أمريكى إيرانى منفى فى بروكلين، وناشطة فى مجال حقوق المرأة فى سويسرا، ونشطاء مجتمع الميم فى ألمانيا وما لا يقل عن خمسة صحفيين فى قناة إيران الدولية بالإضافة إلى المنشقين ومنتقدى النظام. 

وقال المسئولون إن لجوء إيران إلى مجرمين يعود إلى التدقيق المكثف الذى يواجهه عملاء إيران من الحكومات الغربية. 

وواجهت الولايات المتحدة موجة من التهديدات المماثلة، بما فى ذلك العديد من التهديدات التى تم تفصيلها فى لوائح الاتهام الجنائية وتربط عصابات راكبى الدراجات النارية فى كندا وعصابات فى أوروبا الشرقية بالاغتيالات المخطط لها بتكليف من إيران.

وقال ماثيو أولسن، الذى يرأس قسم الأمن القومى فى وزارة العدل، إن إيران على رأس القائمة للدول التى تسعى عامًا بعد عام إلى قتل أو اختطاف المعارضين والصحفيين خارج حدودها. 

وقال أولسن إن دولًا أخرى تسعى إلى تخويف أو قمع سكان الشتات لكن إيران تركز باستمرار على القمع العابر للحدود.ورفضت إيران الاتهامات ووصفتها بأنها تضليل غربى، وقالت بعثتها فى الأمم المتحدة «جمهورية إيران الإسلامية لا تضمر النية ولا الخطة للانخراط فى عمليات اغتيال أو خطف، سواء فى الغرب أو أى دولة أخرى.

وتكثفت عمليات إيران فى الخارج ردًا على فترة من الاضطرابات السياسية بسبب الاحتجاجات الجماهيرية على الظروف الاقتصادية ومعاملة النظام للنساء. 

وقال مسئولون ومحللون غربيون إن الأجهزة الأمنية فى طهران تستهدف من يتهمونهم خارج البلاد بتأجيج هذه الانقسامات الداخلية. وملائكة الجحيم للدراجات النارية (HAMC) هو نادٍ للدراجات النارية يعتبر جزءًا من الجريمة المنظمة وفقًا لوزارة العدل الأمريكية. ينشطون فى جميع أنحاء العالم فى 27 دولة من القارات الخمس، ويستعمل كل أعضائه دراجات هارلى ديڤيدسون النارية باعتبارها العلامة التجارية الأكثر تمثيلاً لهم. من الألقاب الشائعة للنادى رموز واختصارات أحرف «H.A.»، «Red & White»، «HAMC» و«81».

بالنسبة إليهم فإنهم يدحضون مفاهيم الجنة والجحيم حيث يعتبرون أن الجحيم ليس مكانًا للعقاب وزجر مرتكبى الجرائم والخطايا فى حياتهم الدنيوية بعد الحياة وإنما الجحيم يوجد على الأرض. من هناك، جاءت فكرة الخلاص بالنسبة لهم عن طريق السرعة والقدرة على الهروب من جحيم الحياة بواسطة الدراجات النارية والمخدرات والأسلحة.

وفى توقيت زيارة رئيس إيران بزشكيان الأولى للعراق والتى كان الغرض المعلن منها الاقتصاد وملف المعارضة الكردية استهدف قراصنة يعتقد أنهم يعملون نيابة عن الحكومة الإيرانية مؤسسات حكومية عراقية وكيانات أخرى فى البلاد، كجزء من حملة تجسس جديدة، وفقًا لتحليل أجرته شركة متخصصة فى الأمن السيبرانى. ونشرت شركة Check Point تحليلًا على موقعها الرسمى قالت فيه إن مجموعة «APT34»، وتعرف أيضًا باسم «Oilrig»، استخدمت خلال الأشهر القليلة الماضية مجموعة جديدة من البرامج الضارة تسمى «Veaty» و«Spearal» ضد أهداف فى العراق. ومن المعروف أن هذه المجموعة تتبع وزارة الاستخبارات الإيرانية.

وتمكن القراصنة من تنفيذ هجماتهم من خلال استخدام قنوات تخترق البريد الإلكترونى للضحايا داخل المنظمات المستهدفة، حيث يشير التحليل إلى أن المتسللين استدرجوا ضحاياهم لفتح ملفات ضارة أرسلت لهم على شكل مرفقات مستندات. 

وأشار الباحثون فى شركة «Check Point» إلى أن هذه الحملة ضد البنية التحتية للحكومة العراقية تسلط الضوء على الجهود المستمرة والمركزة التى تبذلها جهات التهديد الإيرانية العاملة فى المنطقة. 

وقال الباحث سيرچى شيكيفيتش لموقع «Recorded Future News» إن البرامج الضارة المكتشفة حديثًا معقدة بشكل خاص ويصعب اكتشافها، وتكشف عن نمط مثير للقلق من التهديدات السيبرانية المستمرة المرتبطة بالدولة. وكانت تقارير سابقة أشارت إلى أن المجموعة تستهدف فى المقام الأول المنظمات فى الشرق الأوسط، وخاصة فى السعودية والإمارات والعراق والأردن ولبنان والكويت وقطر، وكذلك فى ألبانيا والولايات المتحدة وتركيا. كما أشارت تقارير مؤخرًا إلى أن المجموعة الإيرانية نفذت هجمات داخل إسرائيل بالتزامن مع تصاعد حدة الصراع فى غزة.

وفى أكتوبر الماضى اكتشف باحثون فى الأمن السيبرانى أن قراصنة تابعين للمجموعة أمضوا ثمانية أشهر داخل أنظمة حكومة شرق أوسطية غير محددة، وقاموا بسرقة ملفات ورسائل بريد إلكترونى؛ وفى أول رحلة خارجية له، اختار الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان العراق لتكون أولى محطاته خارج البلاد، فى وقت تشهد المنطقة تحولات فى التحالفات وتحديات إقليمية متزايدة، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات فى مختلف القطاعات. 

واستمرت زيارة بزشكيان ثلاثة أيام استهلها بلقاء رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى الذى أعلن مكتبه الإعلامى أن البلدين وقعا 14 مذكرة تفاهم فى مجالات مختلفة منها التجارة والرياضة والزراعة والتعاون الثقافى والتعليم والإعلام والاتصالات والسياحة. 

كما التقى الرئيس الإيرانى مسئولين أكرادًا فى إقليم كردستان بشمال العراق، حيث دعا إلى توسيع التعاون الاقتصادى والتجارى والأمنى قبل أن يتوجه للنجف وكربلاء لزيارة العتبات المقدسة، ويختتم جولته فى العراق بزيارة البصرة.

ويعد العراق ثانى أكبر وجهة للصادرات الإيرانية وقد بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 12 مليار دولار، كذلك لا يزال العراق يعتمد على الكهرباء والغاز الطبيعى الإيرانى لتلبية احتياجاته المحلية من الطاقة، وتعتبر إيران هذه الشراكة ضرورية لاستقرارها الاقتصادى؛ وفى سبتمبر 2023، أطلق البلدان مشروع ربط «البصرة-الشلامجة» للسكك الحديد، وهو خط سيربط المدينة الساحلية الكبيرة فى أقصى جنوب العراق بمعبر الشلامجة الحدودى على مسافة أكثر من 32 كيلومترًا.

ويقول الباحث والمحلل السياسى العراقى عقيل عباس إن بزشكيان يريد أن يصنع فارقاً فى الوضع الاقتصادى لأن الإشكالية الأساسية التى يواجهها هى الحصول على الأموال، وخاصة ما يتعلق بالديون المترتبة على العراق من جراء بيع الغاز وتصل لنحو 10 مليارات دولار. 

ويضيف عباس أن الرئيس الإيرانى يحاول الحصول على الأموال بطريقة أخرى اقترحتها إيران، لكن العراق رفضها لأنها ممكن أن تعرض بغداد لعقوبات أمريكية. ويعتقد عباس أن زيارة بزشكيان لإقليم كردستان هى إعلان تصالح مع أربيل بعد التوتر الذى شاب العلاقات بين الطرفين بسبب تواجد جماعات كردية معارضة ونشاطها داخل الإقليم. 

وتتهم طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة الى أراضيها انطلاقًا من العراق وبتأجيج التظاهرات التى هزت إيران فى أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أمينى فى 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة فى الجمهورية الإسلامية.

وفى مارس 2023، وقع العراق وإيران اتفاقًا أمنيًا بعد أشهر قليلة على تنفيذ طهران ضربات ضد مجموعات كردية معارِضة فى شمال العراق. ومنذ ذلك الحين، اتفق البلدان على نزع سلاح المجموعات المتمردة الكردية الإيرانية وإبعادها من الحدود المشتركة. 

وكان بزشكيان أول رئيس إيرانى يزور الإقليم الذى يتمتع بحكم ذاتى، وذلك فى انعكاس لتحسن العلاقات بين طهران وأربيل. ويرى مدير المركز العربى للدراسات الايرانية محمد صادقيان أن زيارة بزشكيان تمكنت من الحفاظ على ما جرى الاتفاق عليه قبل عدة أشهر من أجل البدء بمرحلة جديدة. ويضيف إن زيارة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزانى لإيران فى مايو الماضى ولقائه مع كبار المسئولين الإيرانيين هى التى أعادت تنظيم بوصلة العلاقات بين طهران وأربيل.

بعد الزيارة تم تفكيك المعسكرات للحركات الكردية داخل العراق وجرى تنفيذ التفاهمات الأمنية بين طهران وبغداد وأربيل. وكان السودانى قد قال إن بغداد أكدت موقفها المبدئى والدستورى والقانونى بعدم السماح لأى جهة بارتكاب عدوان أو عمل مسلح أو تهديد عابر للحدود ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتخذ منطلقًا من الأراضى العراقية.

وتوجد فى العراق عدة أحزاب وفصائل مسلحة متحالفة مع إيران حيث تعزز طهران بشكل مطرد من نفوذها فى الدولة المنتجة الرئيسية للنفط منذ أن أطاح الغزو الذى قادته الولايات المتحدة بصدام حسين فى عام 2003. ويستضيف العراق 2500 جندى أمريكى، وهناك أيضًا فصائل مدعومة من إيران مرتبطة بالقوات الأمنية العراقية. 

وعانى العراق من تصاعد الهجمات بين الجانبين منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس فى قطاع غزة فى أكتوبر2023 ؛ لكن مع ذلك يعتقد عباس أن زيارة بزشكيان لم تبحث مثل هكذا ملفات لأن الرئيس الإيرانى عادة لا يتعامل مع قضايا الأمن فى العراق لأنها خارج اختصاصه ومن اختصاص الحرس الثورى الإيرانى. 

ويسعى العراق إلى تعزيز تحالفه مع طهران، لكنه يحتفظ فى الوقت نفسه بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة. وكان بزشكيان تعهد بإعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة فى إطار سعيه إلى تخفيف عزلة إيران الدولية وتخفيف تأثير العقوبات الغربية على اقتصاد الجمهورية الإسلامية. 

وكذلك، تعهد خلال حملته الانتخابية السعى لإحياء الاتفاق الدولى لعام 2015 الذى أتاح رفع عقوبات اقتصادية عن طهران مقابل تقييد أنشطتها النووية، وانسحبت الولايات المتحدة أحاديًا من الاتفاق فى 2018 معيدة فرض عقوبات قاسية خصوصًا على صادرات النفط.