الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محاولة اغتيال ترامب.. كلاكيت ثانى مرة فوضى الانتخابات الأمريكية

تشهد الانتخابات الأمريكية حالة استقطاب عنيف جدًا وتوترات وطنية أسفرت عن محاولتين لاغتيال الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وانسحاب الرئيس بايدن من السباق، وهجمات خطابية شرسة.



وتحت عنوان «العنف وعدم الاستقرار سمة من سمات الحياة السياسية فى الولايات المتحدة»، ألقت صحيفة الجارديان البريطانية الضوء على محاولة اغتيال دونالد ترامب المرشح الجمهورى والرئيس السابق، للمرة الثانية، وقالت إن الخطر وعدم الاستقرار أصبح سمة وليس حدثا عارضا فى الحياة السياسية الأمريكية قبل أقل من 50 يوما على الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

لن أستسلم

ويبدو أن الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب لا يملك وقتًا للهدر، حيث سارع فى غضون ساعات من استهدافه من قبل مسلح إلى إطلاق نداء لأنصاره للتبرع، وقال ترامب فى ندائه: «لن أستسلم أبدًا! سأظل أحبكم دائمًا لدعمكم لي».

وكتب جيكوب هايلبرون، الزميل البارز غير المقيم فى مركز أوراسيا التابع لأتلانتيك كاونسيل، فى مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، أن الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس قد وجها رسائل تدين الهجمات، ومع ذلك، يتهم الجمهوريون البارزون الديمقراطيين بالتسبب بها عبر تصوير ترامب كتهديد للديمقراطية الأمريكية. ويهدف هذا الأسلوب الخطابى إلى تصوير الديمقراطيين على أنهم المستبدون الحقيقيون، وليس الجمهوريين. 

كما قال النائب مايك والت فى مقابلة على قناة فوكس نيوز: «يجب أن يتوقف هذا الخطاب ضد الرئيس ترامب، هذه السردية التى تصوره على أنه سيكون الديكتاتور القادم أو هتلر الجديد».

وعلى منصة «إكس»، صرح روجر كيمبال، ناشر مجلة «نيو كرايتريون»، بأن «الديمقراطيين... مسئولون بالكامل عن هذه المحاولات لقتل ترامب والهجمات على مناصريه». 

ويبقى التساؤل حول مدى فاعلية هذا النوع من «الحجج»، الذى يسعى لمهاجمة خصوم ترامب السياسيين. فمن جهة، تشير الخلفية الغريبة لمطلق النار، رايان ويسلى روث،  إلى أنه نموذج للذئب المنفرد، مدفوع بمزيج معقد من المظالم والاستياء، والتى يصعب تفسيرها منطقيًا، وبصراحة، يبدو أن روث يعانى من اضطرابات عقلية، بحسب جيكوب هايلبرون.

ويبدو أن روث سبق أن جمع ما يصل إلى 100 تهمة بجرائم مختلفة. ففى سنة 2002، ألقى القبض عليه بتهمة حيازة سلاح دمار شامل بعد مواجهة استمرت ساعات عدة مع شرطة ولاية كارولاينا الشمالية، كما رأى نفسه مدافعًا عن السلام، فدعا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى هاواي، حيث وصف نفسه بأنه «سفير ووسيط».

كما رأى المقاول السابق فى مجال تسقيف المنازل نفسه محاربًا. لقد أراد القتال ضد روسيا بالنيابة عن أوكرانيا. 

وعلى النقيض، نشرت صحيفة دير تاجس شبيجل اليومية فى برلين مقالًا حصريًا لمراسل أجرى مقابلة مع روث فى مايو 2022، أشارت فيه إلى أن المتهم كان مشوشًا إلى درجة أن الجيش الأوكرانى رفض خدماته. وتقول وحدة من المواطنين الأجانب الذين يقاتلون فى أوكرانيا إن «المواطن الأمريكى رايان روث لم يخدم قط فى الفيلق الدولى التابع للمديرية الرئيسية للاستخبارات بوزارة الدفاع فى أوكرانيا».

نظرية المؤامرة

وعقب حادث محاولة الاغتيال توالى انتشار نظريات المؤامرة على وسائل التواصل الاجتماعى. إذ كتب إيلون ماسك نفسه تغريدة قال فيها: «ولا أحد يحاول حتى قتل بايدن/كامالا»، مرفقة برمز تعبيرى لوجه مفكر.

وعلى الرغم من حذف التغريدة لاحقًا ووصفها بأنها مزحة، استمر آخرون فى زعم أن ترامب نفسه هو من خطط للحادث، أو أن «الدولة العميقة» تقف وراءه.

وفى الوقت نفسه، كان التحرك السريع لعميل الخدمة السرية هو الذى أدى إلى اعتقال مطلق النار فى المقام الأول.

وفق «ذا ناشيونال إنترست»، فإن الحقيقة وراء محاولة اغتيال ترامب للمرة الثانية فى أقل من شهرين، ترجع الى انتشار الأسلحة النارية فى أمريكا يشكل جزءًا كبيرًا من المشكلة.

ويمثل العنف السياسي، كما يمكن القول، جزءًا من التقاليد الأمريكية. ففى سبرينجفيلد بولاية أوهايو، يلغى مسئولو المدينة العديد من الفعاليات بسبب انتشار تهديدات بوجود قنابل.

وقال حاكم ولاية أوهايو مايك ديواين عن مزاعم حملة ترامب بأن الهايتيين يتصرفون بجنون فى سبرينجفيلد: «لا يوجد دليل على هذا إطلاقًا».

ويخطط ترامب لزيارة المدينة فى وقت لاحق من هذا الشهر، فيما وصف عمدة المدينة روب رو هذه الزيارة بأنها قد تكون «صعبة».

ومع ذلك، وقبل أن يتمكن من القيام بالزيارة، كشف ترامب عن أحدث حيله الترويجية مستغلًا الزخم الحاصل نتيجة محاولة اغتياله، وأعلن عن إطلاق منصته للعملات المشفرة تحت اسم World Liberty Financial.

كارت رابح

بعد المحاولة الثانية، تساءلت صحيفة «التايمز» عما إذا كانت المحاولة الأخيرة لاغتيال الرئيس السابق والمرشح الجمهورى دونالد ترامب، فى بالم بيتش، ستؤثر فى نتيجة الانتخابات الأمريكية؟

وبحسب الصحيفة، لم تهدر حملة ترامب الكثير من الوقت، بعد المرة الثانية التى يتعرض فيها الرئيس السابق لمحاولة اغتيال خلال شهرين، مع دخول السباق إلى البيت الأبيض مراحله النهائية، فى إرسال رسالة بالبريد الإلكترونى إلى المؤيدين، تطلب منهم المزيد من الأموال.

ولكن، فيما يتعلق بآثار هذه الحادثة وما إذا كان من شأنها تغيير فرصة ترامب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، تبقى محاولة الاغتيال، خصوصًا الأخيرة وآثارها على الانتخابات موضع شك.

وأضافت الصحيفة أن ترامب تراجع خلف كامالا هاريس فى معظم استطلاعات الرأى فى الأسابيع الأخيرة، لكن السباق يبدو متقاربًا للغاية بحيث لا يمكن التنبؤ به، حتى بعد مناظرة بين المنافسين، والتى اعتبرت على نطاق واسع انتصارًا لنائبة الرئيس الحالى.

وتبدو الصورة مختلفة تمامًا عما كانت عليه فى منتصف يوليو الماضى عندما كان ملطخًا بالدماء، وخرج من المسرح فى بتلر بولاية بنسلفانيا، بعد أن اخترقت رصاصة رأسه بمليمترات، بينما كان يتحدث إلى الآلاف من المؤيدين.

وفى حينها، افترض العديد من المراقبين من الجانبين أن إطلاق النار حسم الانتخابات، حيث حولت صورة ترامب، وهو يضع قبضته تحت العلم الأمريكى فى اللحظات التى تلت الحادثة إلى شهيد حى.

وتحركت استطلاعات الرأى قليلًا لصالحه، لكن الرئيس بايدن كان لا يزال خصمه عندما حدث ذلك، وكانت النسور فى الحزب الديمقراطى تحوم على أمل إقناع الرئيس بالتنحى.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيسين السابقين، اللذين نجيا من محاولات الاغتيال؛ جيرالد فورد 1975، ورونالد ريجان 1981، شهدا زيادة مؤقتة فى موافقة الناخبين، لكن ثبت أن هذا لم يدم طويلًا.

وستظهر استطلاعات الرأى فى الأيام المقبلة ما إذا كانت المحاولة الأخيرة لاغتياله ستعزز من حظوظ حملة ترامب الانتخابية، رغم أن إطلاق النار فى يوليو الماضى يبدو بالفعل وكأنه حدث هامشى فى هذه المعركة الانتخابية.

ورجحت الصحيفة بأن يفوز ترامب بأصوات الناخبين المعتدلين والجمهوريين الذين يميلون إلى التصويت لصالح هاريس فى مسائل تتعلق بالسياسة والاقتصاد، وليس بسبب المخاطر التى يواجهها.

الفوضى الأمريكية

حالة الفوضى والاستقطاب التى تمر على الولايات المتحدة تجعلنا نطرح تساؤلا هل سبق للولايات المتحدة أن شهدت انتخابات مثل هذه؟

قال الرئيس الأمريكى جو بايدن بعد أن أطلق مسلح النار على أذن دونالد ترامب وقتل شخصًا فى 13 يوليو إن «فكرة وجود عنف سياسى أو عنف فى أمريكا مثل هذا أمر غير مسبوق».

وكرر هذه الكلمات مرة أخرى عقب محاولة اغتيال ترامب الثانية، بعدما قال مكتب التحقيقات الفيدرالى إنه يحقق فى محاولة «واضحة» لاغتيال ترامب فى ملعب الجولف الخاص به فى فلوريدا.

لكن صحيفة «التايمز» تقول إن هذا ليس استثناءً فى السياسة الأمريكية. إنه أمر مألوف للغاية بشكل مخيف.

انتخابات «سيئة السمعة»

ومنذ معارك الرئيس الثانى للولايات المتحدة جون آدامز والرئيس الثالث توماس جيفرسون، كانت الحملات الانتخابية فى الولايات المتحدة سيئة السمعة بسبب الخطاب الفاضح واحتمالات الفوضى.

ففى انتخابات عام 1800، كانت الهجمات الشخصية بين أتباع المتنافسين عنيفة للغاية، إذ وصف فوز جيفرسون بأنه سيؤدى إلى «تعليم وممارسة القتل والسرقة والاغتصاب والزنا وزنا المحارم علنًا»، بينما اتهم آدامز بأنه «متشدد مثير للاشمئزاز» وله «شخصية بشعة».

كما أشارت الصحيفة إلى أن العنف السياسى ليس جديدًا فى الولايات المتحدة، إذ اغتيل أربعة من بين 45 رئيسًا، وتعرض 16 آخرين لمحاولات اغتيال. 

وكان التعديل الأول للدستور علامة بارزة فى السياسة الديمقراطية التى دافعت عن حقوق الأمريكيين فى التعبير عن آرائهم، وكثيرًا ما تم اختباره إلى أقصى حدوده فى الحملات السياسية.

وفيما دعا ترامب - فى البداية على الأقل - إلى الوحدة بعد المحاولة الأولى لاغتياله، فقد خرج ليلقى باللوم على منافسيه الديمقراطيين ويستخدم المحاولة الأخيرة كصرخة حاشدة حزبية، قائلًا: «خطابهم يتسبب فى إطلاق النار على، بينما أنا من سينقذ البلاد وهم الذين يدمرون البلاد».

ويلقى الجمهوريون باللوم على بايدن لأنه ذهب بعيدًا فى وصف ترامب مرارًا وتكرارًا بأنه تهديد للديمقراطية ووصف فلسفته بأنها «شبه فاشية».

وتضاعفت التهديدات ضد أعضاء الكونجرس عشرة أضعاف بين عامى 2016 و2021، بينما ارتفع الإنفاق على الأمن الشخصى فى الكونجرس خمسة أضعاف بين عامى 2020 و2022، وفقًا لبحث تم الاستشهاد به فى Threats as Political Communication، وهى ورقة بحثية من تأليف ناثان كالمو وليليانا ماسون.

الواقع أن العديد من المراقبين، مثل مستشار الأمن القومى السابق لترامب هربرت ماكماستر فى كتابه «فى حرب مع أنفسنا»، ألقوا بعض اللوم فى الأجواء المحمومة اليوم على الشائعات والإهانات التى تشتعل بسرعة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

وتقدم إيلون ماسك، الملياردير المالك لموقع «إكس»  الذى رد على منشور يسأل «لماذا يريدون قتل دونالد ترامب؟» بكتابة «لا أحد يحاول حتى اغتيال بايدن-كامالا»، مع رمز تعبيرى لوجه مفكر. ثم أدرك أنه ذهب بعيدًا وحذف المنشور.

لكن هذه الانتخابات لن تصبح أكثر هدوءًا.

والسبب الآخر وراء هذه الأجواء المتقلبة هو شخصية ترامب نفسه، الذى بنى حياته المهنية فى مجال الأعمال على عقلية الفوز بأى ثمن.

وكانت حملة عام 2024 استثنائية ولكنها ليست بعيدة عن التوترات التى شهدها عام 1968، عندما انسحب الرئيس جونسون، وقتل روبرت كينيدى بالرصاص بعد فوزه فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى فى كاليفورنيا، وكانت هناك احتجاجات فى المؤتمر الوطنى للحزب فى شيكاغو.