السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (11) فصل الكلام فى «سلام الأوهام»

الطريق الثالث.. استدعاء (الضرورة) للأستاذ هيكل من بين الكتب إلى ساحة الحرب فى غزة (11) فصل الكلام فى «سلام الأوهام»

سلام الأوهام، هو الحكم الذى أصدره الأستاذ محمد حسنين هيكل مبكرا على تجربة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية فى السلام مع إسرائيل، ورغم قسوة الحكم فى زمانه، إلا أن الأيام أثبتت صدق الحكم وصحة الوصف، خاصة بعد مضى 31 عامًا على انطلاق «قطار السلام» منذ توقيع اتفاقية أوسلو الأولى فى 13 سبتمبر سنة 1993.



 

وقد قدم الأستاذ للمكتبة العربية أهم الكتب، ولكن فى رأيى المتواضع كان مشروعه الأهم هى ثلاثية «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»، وكان آخر أجزائها، الكتاب الثالث، بعنوان «سلام الأوهام.. أوسلو ما قبلها وما بعدها»، وفيه استعرض الأستاذ أدق تفاصيل حول ما جرى فى كواليس الرحلة التى أوصلتنا إلى الاتفاق الهزلى الذى وقعه أبو عمار، والذى كان يظنه خطوة بداية لاستعادة الحق الفلسطينى لكنه تحول إلى شهادة وفاة قاطعة للقضية الفلسطينية، وبداية الضياع الكامل لجميع الحقوق وكامل الأراضى.

 بين أوسلو والطوفان

قبل أيام تحدثت عن «ذكرى أوسلو»، متسائلا: «هل أخطأ أبو عمار عند مد يده وصافح رابين؟، لا يمتلك أحد إجابة قاطعة، بأنه كان سلامًا زائفًا. كما لا يجرؤ أحد أن يجزم بشكل قاطع أن «طوفان الأقصى»، كان استخدامًا مفيدًا للسلاح».

وعن العلاقة بين أوسلو 1993، والطوفان فى 2023، لمحت إرهاصات مبكرة فى فصول كتاب الأستاذ، تصف الأجواء سنة 1989، حيث يقول: «فجأة فى نيويورك وفى تل أبيب بدأت صيحة الخطر الإسلامى وأنه التهديد المقبل فى المنطقة وإذا لم يجر تداركه بسرعة فأرجح الاحتمالات أن يكون الإسلام هو شكل المستقبل فى الشرق الأوسط. كانت إيران قد خرجت من الحرب منهزمة أمام العراق، وراجت مقولة بأن الثورة الإسلامية فى إيران سوف تعوض تراجعها العسكرى أمام العراق بانتشار سياسى إسلامى واسع يغطى وجه المنطقة. وكان نشاط «حماس» فى قطاع غزة وعمليات «حزب الله» فى جنوب لبنان إلى جانب صحوة التيار الدينى فى مصر تعطى دلائل يمكن بها تأييد هذا الظن».

ويكمل الأستاذ وصف المشهد الذى أدى إلى سقوط المنظمة فى الفخ الإسرائيلى الأمريكى: «كان الموقف العربى فى تلك المرحلة يواجه انهيارات بعضها خارج إرادته وبعضها من صنعه. والحاصل أن الموازين الدولية تغيرت بالنسبة للعرب وسقط السند الدولى الذى كانت منظمة التحرير وغيرها ما زالت تظن أنها قادرة على الاعتماد عليه. وكان سقوط حائط برلين فى يوم 9 نوفمبر 1989 زلزالا لا نهرب من الإحساس به والخوف منه والتحسب لتوابعه!».

 سقوط إجبارى فى الفخ

ويستعرض هيكل محطات الإحباط ومطبات السياسة التى مر بها أبو عمار وصحبه ومعهم القضية الفلسطينية، من سقوط الاتحاد السوفيتى إلى احتلال العراق للكويت ثم حرب الخليج الثانية، وسلسلة مواقف سياسية خاطئة اتخذتها المقاومة الفلسطينية وقائدها انتهت بهم إلى الخطأ الأكبر، التفاوض السرى المنفرد مع الجانب الإسرائيلى ثم الرضا بالفتات لإنجاز أى اتفاق يخرج أبو عمار من الحصارين العربى والإقليمى، ومن ثم تأجيل كل القضايا المصيرية إلى مراحل تالية.

ويكمل هيكل رسم الصورة وكنا قد وصلنا إلى سنة 1991، العام الذى أنفرط فيه عقد العروبة، وسقطت معه الأحلام القومية: «عندما انتهت معارك حرب الخليج الثانية، كان العالم العربى فى قبضه مقادير مأساوية، وكانت لدى إسرائيل كل الحظوظ السعيدة. والحاصل أن الحرب وضعت عددا كبيرا من الحكومات العربية فى وضع الحليف لإسرائيل، وسقطت محاذير كثيرة لم ينتبه أحد إلى سقوطها. لم يقف أحد ليسأل لأن الكل كان مأخوذا بمقولات (عصر التسويات الكبرى) وبـ (النظام العالمى الجديد) الذى جاء فى آخر الزمان ليملأ الأرض حقا وعدلا بعد أن ملأتها الصراعات القديمة جورا وظلما».

 اتفاق أوسلو 1993

وهكذا وصلنا إلى المحطة الفاصلة، وقد نسب اتفاق السلام الشهير بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مدينة أوسلو عاصمة النرويج، التى احتضنت المفاوضات السرية بين الطرفين منذ عام 1992، وحتى تم توقيع الاتفاق الأول فى واشنطن بحضور الرئيس الأمريكى بيل كلينتون، ثم أعقبه اتفاق ثان جرى توقيعه فى القاهرة فى 4 مايو 1994، وتتكون الاتفاقية الأولى من 17 بندًا تبدأ بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية وتنتهى بتسوية المنازعات والتعاون الإسرائيلي - الفلسطينى فيما يتعلق بالبرامج الإقليمية.

ولندرك قيمة الاتفاق بالنسبة للإسرائيليين، انقل من كتاب الأستاذ: «إن إسرائيل اليوم خلقت من جديد، فمنذ إنشائها لم تكن الدولة شرعية فى المنطقة التى قامت فيها. وقد ظلت طوال الحقب الماضية قادرة على أن تغزو وتقمع وتنتصر ولكن بلا شرعية. واليوم 13 سبتمبر 1993 اكتسبت إسرائيل شرعية الاعتراف بها». كان هذا مقطع من مقال لوزير للبيئة الإسرائيلى يوسى ساريد، نشره فى إسرائيل ونقلته عدد من الصحف فى واشنطن.

 مقتل رابين

ويقول الأستاذ فى تلخيصه للحالة الفلسطينية التى أوصلتنا للنهاية: «كان ياسر عرفات يقدر أنه باتفاق أوسلو (وأخواتها) يعطى شعبه ونفسه موطئ قدم داخل الوطن يوفر فرصة عيش أقل معاناة وأكثر أمنا. ومع إدراكه فى أعماقه أن ما قبل به أدنى بكثير من الحد المقبول فلسطينيًا وعربيًا، فقد ظن أن العصر والمتغيرات الدولية والمحلية لا تعطيه بديلا، وذلك أصعب أنواع الحصار الفكرى والنفسى».

وماتت أوسلو إكلينيكيا بمقتل إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى كان ممثلا للجانب الإسرائيلى فى توقيعها، وكان معه شيمون بيريز يقودا تيار السلام فى المجتمع الإسرائيلى، قبل أن يختطف بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود السلطة من بعده، ويصل للمرة الأولى إلى منصب رئيس الوزراء سنة 1996، ببرنامج يرفض السلام مع الفلسطينيين ويتبرأ من بنود أوسلو التى وصفها بالكارثة، فقد كان يكن كراهية علانية واحتقارًا لأبوعمار وجماعته من حركة فتح، أعضاء السلطة الوطنية الفلسطينية، ويدعم بشكل خفى مثل من سبقوه من رؤساء حكومات دولة الاحتلال، تيارا جديدا صاعدا فى سماء المقاومة الفلسطينية، اسمه حركة «حماس»، أملا فى إحداث اقتتال فلسطينى، وهو ما تحقق بعد ذلك بسنوات.

وما تزال حيرة العرب مستمرة حتى اليوم بعد مرور 31 عامًا على يوم 13، ما زلنا منقسمين بين حرفى الميم والحاء، بين معركة السلام ومعركة السلاح، ولدت أوسلوا على أنقاض الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987: 1993)، وعندما تعثرت ولدت الانتفاضة الثانية بين عامى (2000: 2005)، وانتهت بانسحاب إسرائيلى من غزة قبل أن تختطفها حماس، واليوم تتصاعد أصوات إسرائيلية محذرة من اندلاع انتفاضة ثالثة. ولا يملك أحد تصور شكل قادم الأيام للقضية التى تنزف ما تبقى من آمالها، وتترجى الرحمة من الجميع.