ردا على دعوات البدعة.. مبادرات أزهرية احتفاءً بالمولد النبوى الشريف
صبحى مجاهد
مع بداية شهر ربيع الأول، أو كما يطلقون عليه ربيع الأنور، تلتفت الأنظار للاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى 12 من ربيع الأول، حيث يؤكد د.أحمد الطيب شيخ الأزهر أنَّنا إذ نحتفلُ بذِكْرى مَوْلِد محمَّد -صلى الله عليه وسلم- فإنَّنا لا نحتفلُ بمجرد شخصٍ بَلَغَ الغايةَ فى مدارجِ الأخلاق العُليا، ومراتبِ الكمال القُصوى، وإنَّما نحتفـل – فى حقيقة الأمر- بتجلِّى الإشراقِ الإلهى على الإنسانيَّةِ جمعاء، وظهورِه فى صُورةِ رسالةٍ إلهيَّة خُتِمَتْ بها جميعُ الرسالات، وكُلِّف بتبليغها للبشريَّةِ نبيٌّ خاتمٌ، بلَّغ الرسالة، أدَّى الأمانة، ونَصَحَ الأُمَّة، ولم يتركها حتى وضَعَها على محجَّةِ الحقِّ والخَيْرِ والجمال، وحذَّرها من الهوانِ والمذلَّة إنْ هى انحرفت إلى طُرُقٍ أُخرى لا ترجعُ منها إلَّا إلى هَلاكٍ محقق ودمار مؤكد.
وفى هذا العام فى ذكرى مولده الشريف أطلقت وزارة الأوقاف مبادرة (خلق عظيم)، المشتملة على عشرات من الأنشطة العلمية والروحانية التى يسعى بها أئمة مصر وخطباؤها فى مساجد مصر شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، يقدمون لشعب مصر العظيم وللإنسانية كلها نورًا وحكمة، وإلهامًا وأخلاقًا، ينير البيوت والعقول، ويزكى الأنفس، ابتداء من شهر ربيع الأنور، ودون حد ولا نهاية.
وأكدت وزارة الأوقاف أن احتفالها بالمولد النبوى الشريف فى شهر ربيع الأنور هو لبنة وخطوة فى محور (بناء الإنسان) الذى هو مقصودٌ عظيمٌ من مقاصد الرسالة المحمدية فى بناء الإنسان ودفعه إلى الله (عزَّ وجل)، وعمران روحه وقلبه معرفة وإنابة وخشية وطمأنينة بالله.
كما نشرت وزارة الأوقاف أول قصيدة فى مدح المولد النبوى الشريف، وقالت: اخترنا فى هذا الإصدار أن نقدم زادًا معرفيًّا يعين على بناء ثقافة ووعى وإلمام الإمام، ويمكّنه من تقديم خطاب منير يملأ المنابر والمساجد نورًا، وينطلق نحو بناء الإنسان على قبس من النور والحكمة والشمائل المحمدية، نقدم مقالة علمية محكمة، تصلح أن تكون كتابًا مكتملًا،يراعى دباجته العلامة المحقق محمود محـمد الطناحى (رحمه الله)، فى بحثه الدقيق المستفيض حول أول قصيدة أنشأها سيدنا العباس بن عبدالمطلب عم النبى صلى الله عليه وسلم، فى مدح مولده الشريف صلى الله عليه وسلم، لتكون بذلك أول تأليف وأول قصيدة فى المولد النبوى الشريف، على منواله نسج أئمة الأمة من بعد وشعراؤها فى الحفاوة والفرح بمولد خير خلق الله سيدنا محـمد صلى الله عليه وسلم.
كأنه معك
فى السياق ذاته أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن إطلاق حملة توعوية بمناسبة ذكرى مولد النبى الحبيب -صلى الله عليه وسلم، بعنوان: « كأنه معك»، يشارك فيها وعاظ الأزهر وواعظاته من جميع محافظات الجمهورية، إضافة إلى النشر الإلكترونى على صفحات المجمع على مواقع التواصل الاجتماعى وبوابة الأزهر الإلكترونية؛ وذلك فى إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب – شيخ الأزهر بتكثيف الجهود التوعوية والتواصل المستمر مع الجمهور، وخاصة التوعية فى المواسم الدينية بما يحقق الهدف الأسمى فى توعية المجتمع واستعادة المنظومة الأخلاقية.
وقال د.محمود الهوارى الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الدينى، إنه من المقرر أن تستهدف الحملة توجيه رسائل مكثفة خلال شهر ربيع الأول شهر مولد النبى -صلى الله عليه وسلم-، لتسليط الضوء على سيرة النبى الكريم -صلى الله عليه وسلم- عبر مجموعة من المحاور من أهمها: بيان الإرهاصات التى سبقت مولد النبى صلى الله عليه وسلم، فميلاده -صلى الله عليه وسلم- لم يكن كأى مولد؛ وإنما هو ميلاد أعد له إعدادًا خاصًا من قبل الله -تبارك وتعالى- يعقبه الخير الكثير؛ حيث أراد سبحانه وتعالى أن يهيئ البشرية والكون كله لأمر عظيم وهو ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم.
أضاف أن المحور الثانى يوضح تعهد الله -عز وجل- له -صلى الله عليه وسلم- منذ اللحظة الأولى بالحفظ والعناية والتربية؛ حيث تعهده ربه سبحانه وتعالى بالرعاية والتربية، وكمله فى الخلقة والخلق وأنزل عليه الرسالة.
فيما يركز المحور الثالث على تسليط الضوء على شخصية النبى الكريم؛ ليقتبس المسلم من عظيم خصال النبى ورحمته التى ملأت الأرض نورًا، فأضاءت الطريق لكل ضالٍّ فلم يكن النبى رحمة للمسلمين فقط وإنما أُرسل رحمة للعالمين، كما يستهدف تعظيم قدر النبى -صلى الله عليه وسلم- والدعوة للتحلى بأخلاقه، والتماس منهجه فى حياتنا اليومية وفى علاقتنا بالآخرين، وإبراز سماحته فى المواقف المختلفة مع الكبير والصغير والمسلم وغير المسلم، وكيف أنه أرسى القواعد التى تنظم للبشر حياتهم وترسِّخ لمعانى السلم والتعايش فيما بينهم.
الاحتفال بمولده جائز
من جانبها أطلقت دار الإفتاء المصرية عدة فعاليات بعنوان «نور على الدرب» تستهدف التفاعل اليومى على كلِّ مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بدار الإفتاء المصرية.. إضافة إلى تلقى أية استفسارات عن فضائل الاحتفال بالمولد النبوى، حيث توفر كل ما يحتاج إليه أى إنسان من معلومات وأجوبة شافية، تحت عنوان (#قالوا_وقلنا)، كما أطلق فعالية بعنوان (ولد_الهدى) و(موقف القرآن من إيذاءالنبى). فى ذكرى ميلاد خير الأنام، لنشر نور الإسلام، وللفرح جميعًا بمولد النبى الذى علَّمنا الحب والسلام والتسامح.
وقالت دار الإفتاء المصرية: «إن دار الإفتاء تدعوكم للاحتفال بالمولد النبوى الشريف، لنستلهمَ من سِيرة النبى الكريم الأخلاقَ والقِيَمَ النبيلة. لنشارك معًا فى الاحتفالات والأنشطة المتنوعة التى أعددناها لكم؛ لنشر نور الإسلام وبثِّ الوعى الدينى الصحيح، بعنوان (من شمائل_سيدنا_النبى)، ولنجعل من هذا المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ مناسبةً للتجديد والتغيير. لِنعمل جميعًا على نشر المحبة والتسامح، ولنجعل من هذا المولد انطلاقة جديدة لبناء مجتمع قويٍّ ومتماسك».
وعن دعوات البعض ببدعة الاحتفال بالمولد النبوى أكدت دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف شاهدٌ على الحب والتعظيم لسيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه المنَّة كما قال تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» [يونس: 58]. وهو أمرٌ مستحبٌّ مشروعٌ له أصله فى الكتاب والسنة، ودرج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه، ولم ينكره أحدٌ يعتدُّ به.
وأضافت: إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف تعظيمٌ واحتفاءٌ وفرح بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيمُ النبى صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفاءُ والفرح به أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنَّه عنوان محبته صلى الله عليه وآله وسلم التى هى ركن الإيمان، موضحة أن المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوى تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا.
وقال الدكتور نظير عيّاد مفتى الجمهورية إن هذا الموسم المبارك الذى يشهد ذكرى مولد الحبيب - صلى الله عليه وسلم- يمثل محطة تقوية واستئناس يتوقف الإنسان فيها ليقتبس من عظيم خصال النبى ورحمته التى ملأت الأرض نورًا، فأضاءت الطريق لكل ضالٍّ فلم يكن النبى رحمة للمسلمين فقط وإنما أُرسل رحمة للعالمين.
فيما أكد د.شوقى علام مفتى الجمهورية السابق أن الاحتفال به جائز، وأن احتفالنا به هو احتفال شكر لله سبحانه وتعالى أن أرسله إلينا هاديًا وبشيرًا، وقال: «من يقول إن الاحتفال بالمولد غير مشروع قد تجنى ولديه سوء أدب مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم».
وأردف: «نحن أمام إنسان تفرد فى الوجود، وأخذ بأيدينا إلى النور حيث يرضى ربنا، فعلينا أن نحتفل بميلاده فى كل لحظة»، مستدلًا بقول الله تعالى: (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّه)، فالكون كله فى هذه اللحظة كان متأهبًا بمجيئه ومحتفيًا به، فهل نأتى نحن الآن ونأبى أن نتذكر تلك اللحظة الشريفة»؟!
وعن دعاوى المتشددين بأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتفل بيوم ميلاده، ولا الصحابة الكرام قال د.شوقى: «إن النبى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عندما سئل عن صيام يوم الإثنين قال: ذاك يوم ولدت فيه، وهو يدل على أن ميلاده نعمة تستحق الشكر والاحتفاء».
وأشار إلى أن من يحرمون الاحتفال بميلاد النبى صلى الله عليه وآله وسلم يضيقون واسعًا ويؤدون بالناس إلى التشدد، فهناك الكثير من الأمور التى جاءت بعد انتقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام.
واستطرد: من المستقر عليه فى مصر بجميع القرى والمدن إظهار الحب والود للنبى صلى الله عليه وآله وسلم فى يوم مولده، وكذلك آل البيت الأطهار والصالحين، وكان هناك العديد من التقاليد فى القرى يوم المولد الشريف منها قراءة القرآن الكريم وقراءة قصيدة المولد حيث يلتف الناس للاحتفال، كنت أرى الأنوار على وجوه المحتفلين فى مشهد لا ينسى يظهر أن حب النبى يسرى فى هؤلاء المحتفلين.
وأضاف: كل هذا كان موجودًا حتى جاء فقه آخر جعل الاحتفال بميلاد النبى صلى الله عليه وآله وسلم بدعة، إلا أن الأزهر الشريف تصدى لهم وبين مشروعية ذلك، وشرح معنى قاعدة الترك الفقهية التى تتحدث عن أنه ليس كل ما لم يفعله النبى صلى الله عليه وآله وسلم أو تركه يكون بدعة.