الثلاثاء 18 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جيش الاحتلال يستحدث منصبا جديدا لإدارة قطاع غزة استراتيجية نتنياهو ما بعد الحرب

مع دخول العدوان على غزة شهره الحادى عشر يتقدم نتنياهو المنبوذ داخليا والمكروه عالميا بخطى ثابتة نحو استراتيجيته الخاصة لاحتلال القطاع، حيث إن سلوك إسرائيل الحالى فى غزة لا يترك مجالًا للشك أن إسرائيل لا تشارك فى عمليات محدودة يمكن تفسيرها على أنها ضرورية لتحقيق أهداف عسكرية فورية وأن أعمال الهدم والبناء التى تقوم بها القوات الإسرائيلية التى تسيطر على المنطقة وتفعل فيها ما يحلو لها تخدم أهدافًا مستقبلية طويلة الأجل والتغييرات التى تجريها إسرائيل داخل قطاع غزة هى مؤشر واضح على سيطرتها العميقة على المنطقة وهى مؤشر على احتلال إسرائيل الكامل لقطاع غزة مما يجعلنا نتيقن أن غزة لن تعود إلى ما كانت عليه فهى تتجه الآن نحو اتجاه مختلف ومتناقص بقصد وتصميم إسرائيلى.



 السيطرة المدنية

فى إطار الاستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد لفرض سيطرة أكبر على غزة استحدث جيش الاحتلال الإسرائيلى فى الأيام الاخيرة منصب جديد الهدف منه إدارة القطاع مدنيا واسند هذا المنصب إلى العقيد إيلاد جورين والذى تم ترقيته إلى رتبة عميد بشكل غير قانونى ليصبح أول رئيس للجهود الإنسانية المدنية فى قطاع غزة وتشمل مهام جورين إدارة المساعدات الإنسانية والإشراف على تشغيل المعابر الحدودية الرئيسية فى القطاع وتخطيط البنية الأساسية التى دمرتها الحرب تحت إشراف جيش الاحتلال والتنسيق مع منظمات الإغاثة الدولية بالإضافة إلى ذلك ينظر إلى تعيينه كجزء من جهود اسرائيل لإنشاء إطار جديد لإدارة معبر رفح مع مصر وهو نقطة الوصول والنجاة الحيوية لقطاع غزة إلى العالم الخارجى وبحسب تصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلى فإن الدور الجديد سيتعامل مع دمج وتنفيذ الجهد الإنسانى فى قطاع غزة والتنسيق مع المجتمع الدولى بشكل يسمح بتنفيذ الجهد الإنسانى مع الحفاظ على المصالح الأمنية لدولة إسرائيل دون أدنى تدخل من الجانب الفلسطينى ويثير هذا المنصب الجديد الذى يعتبر حكم عسكرى مباشر لغزة تساؤلات مهمة حول نوايا تل أبيب ورؤيتها لمستقبل غزة ويمثل إستحداث هذا المنصب الجديد داخل وحدة تنسيق أنشطة الحكومة فى المناطق التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية تحولا ملحوظا فى نهج نتنياهو الذى أصبح لا يتعلق بالقضاء على حماس ولا يتعلق بفصل حماس عن الشعب الفلسطينى بل نهج جديد يتعلق بالقضاء على غزة باعتبارها ناقلًا للتهديد وهى مساحة سيئة غير خاضعة للسيطرة تنشأ منها بانتظام هجمات ضد جيش الاحتلال والمستوطنين ووضع نتنياهو أهداف استراتيجية متعددة الجوانب تبدأ بإخلاء القطاع من السكان عن طريق التدمير الذى يجعل الكثير منه غير صالح للعيش وإبطاء أى عملية إعادة بناء وتحديد المساحة باستخدام الحواجز والفواصل التى تقلل من حجمها التشغيلى بشكل كبير وتقليص وجود حماس ومع مرور الوقت يعتدى الإسرائيليون على غزة بالنشاط الاستيطانى إلى جانب استئناف عمليات التطبيع بشكل سرى مع الدول العربية ودول الخليج التى كانت من الممكن أن تساعد فى إعادة بناء القطاع وهذا النهج يشكل جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا تتبناها حكومته للسيطرة بشكل كلى على غزة فى محاولة لإعادة تشكيل الديناميكيات السياسية وقد تم استخدام استراتيجية مماثلة فى الضفة الغربية لزرع الفتنة بين قيادات السلطة الفلسطينية الحاكمة وفصائل المقاومة والشعب مما خلق نوع من الفرقة الدائمة،إن هذه الخطوة الكبيرة لوضع غزة تحت الحكم العسكرى الإسرائيلى المباشر حاليا ليست خالية من التحديات والصعوبات والتعقيدات وأهم هذه الصعوبات أن الصراع متعدد الجبهات مع حماس وجماعات المقاومة الفلسطينية فى غزة وفى الشمال على حدود لبنان مع حزب الله والمقاومة الفردية فى الضفة والداخل الإسرائيلى والتى لا تزال قائمة بل ألحقت خسائر فادحة بجيش الاحتلال الإسرائيلى وعلاوة على ذلك تواجه إسرائيل صعوبة فى الحصول على الدعم الدولى لأفعالها فى غزة وهو ما يتفاقم بسبب الاضطرابات الداخلية المتزايدة بسبب رفض حكومة نتنياهو التفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس من شأنه أن يؤدى إلى سحب القوات الإسرائيلية من القطاع إلى جانب التدقيق والضغوط الدولية المتزايدة التى من شأنها أن تزيد من تعقيد جهود تل أبيب الرامية إلى فرض سيطرتها فضلًا عن رفض حلفاء فلسطين الإقليميين مصر والأردن وتركيا وبعض الدول الأخرى الذين يقفوا حاجزًا هائلًا أمام أى محاولة لتغيير وضع غزة الراهن ورغم ذلك إن تعيين إيلاد جورين رئيسًا للجهود «الإنسانية المدنية» فى غزة يشكل إشارة واضحة إلى النية الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى تشديد سيطرتها على القطاع وتقويض المقاومة ويجب ألا يستهان بها.

 السيطرة العسكرية 

رغم تأكيد إسرائيل على أنها لا تنوى إعادة احتلال غزة بشكل دائم والتى سيطرت عليها قواتها لمدة 38 عامًا حتى انسحابها فى عام 2005 إلا أن بناء الطرق والمناطق العازلة فى الأشهر الأخيرة يشير إلى دور متزايد للجيش الإسرائيلى فى الوقت الذى تتعثر فيه الرؤى البديلة لغزة بعد الحرب وتعيد الأنظار إلى خطة «الأصابع الخمسة» التى تبناها رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك أرئيل شارون والتى تصورت تقسيم غزة إلى أجزاء كلها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلى ولم يتم تنفيذ الخطة إلا جزئيًا قبل أن يأمر شارون بالانسحاب من غزة وصممت الخطة فى الأساس لتقسيم التواصل الإقليمى الفلسطينى داخل قطاع غزة باستخدام الكتل الاستيطانية والطرق المرورية العسكرية وتضمنت الخطة مستوطنة نتساريم وهو ممر مرورى مخصص لليهود فقط يؤدى إلى المستوطنة والذى من شأنه أيضًا أن يقسم قطاع غزة إلى قسمين من رفح إلى مدينة غزة ومن مدينة غزة إلى الشمال وقد تم إخلاء هذا الطريق وتفكيكه مع تنفيذ خطة فك الارتباط فى عام 2005 ولكن بعد اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلى لغزة العام الماضى استعاد السيطرة على ممر نتساريم الذى يمتد لمسافة 6.5 كيلومتر (4 أميال) من السياج المحيط إلى البحر.

ممر نتساريم سمى على اسم مستوطنة إسرائيلية كانت تقع على الطريق الساحلى وقام الجيش بتوسيع الطريق وإعادة رصفه ويستخدم الآن حصريًا للحركة العسكرية الإسرائيلية باستثناء حالات استثنائية يتم تنسيقها مع الجيش والموافقة عليها ويمنح الممر جيش الاحتلال مرونة قيمة مما يسمح بنشر القوات بسرعة فى مختلف أنحاء القطاع كما يمنح قوات الاحتلال الإسرائيلية القدرة على الحفاظ على السيطرة على تدفق المساعدات وحركة النازحين الفلسطينيين وهو ما تقول إنه ضرورى لمنع مقاتلى حماس من إعادة تجميع صفوفهم واستخدم الممر كقاعدة عمليات للهجمات التى شنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على حى الزيتون فى شمال غزة وفى الأسابيع الأخيرة قام الجيش الإسرائيلى بتركيب أبراج مراقبة وهياكل مؤقتة على طول الطريق ويمثل ممر نتساريم والمنطقة العازلة الجديدة استيلاءً فعليًا على 32 % من إجمالى مساحة غزة كما تعمل القوات الإسرائيلية بجد على تحصين الممر الاستراتيجى من خلال بناء قواعد والاستيلاء على هياكل مدنية وهدم منازل وفقا لصور الأقمار الصناعية وغيرها من الأدلة البصرية وهى الجهود التى يقول المحللون العسكريون والخبراء الإسرائيليون إنها جزء من مشروع واسع النطاق لإعادة تشكيل القطاع وترسيخ الوجود العسكرى الإسرائيلى هناك وقد جعلت حماس انسحاب إسرائيل من المنطقة مطلبًا أساسيًا فى مفاوضات وقف إطلاق النار ولكن حتى مع استمرار المحادثات على مدى الشهرين الماضيين تم إنشاء ثلاث قواعد عملياتية متقدمة فى الممر وفى البحر يلتقى الطريق بنقطة تفريغ جديدة تبلغ مساحتها سبعة أفدنة لرصيف عائم وهو مشروع أمريكى هدفه المعلن جلب المزيد من المساعدات إلى غزة وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عن خطط ملموسة للغزة ما بعد الحرب وتعهد مرارا وتكرارا بالحفاظ على السيطرة الأمنية غير المحددة على القطاع وأكد إنه بالإضافة إلى تنفيذ غارات مستقبلية من الخارج قد تحتاج القوات الإسرائيلية إلى التواجد داخل غزة بشكل كبير لضمان نزع سلاح حماس.

التوسع الاستيطانى 

شهدت الأشهر الماضية توسعًا كبيرًا للمستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة فى الضفة الغربية والقدس ومناطق أخرى بوتيرة غير مسبوقة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو فى عام 1993 ولم يتسارع التوسع الاستيطانى إلا بعد أحداث السابع من أكتوبر كما بدأت بالفعل حملة تعرف داخل إسرائيل باسم «العودة إلى الوطن» أطلقت عقب انتهاء مؤتمر نخبوى أطلق عليه اسم «الاستيطان يجلب الأمن» فى أشدود حيث اجتمعت العديد من المنظمات الشعبية وتضمن الحدث خطابات ليس فقط من السياسيين اليمينيين المتطرفين مثل عضو الكنيست عن حزب أوتزما يهوديت ليمور سون هار ميليش ولكن أيضًا من اثنين من حزب الليكود المحافظ بزعامة نتنياهو أرئيل كالنر وتالى جوتليف صرحوا أنه لا مفر من العودة والسيطرة الكاملة على قطاع غزة وأن السيطرة الكاملة لابد أن تكون استيطانًا واسع النطاق ومزدهرًا على عكس مستوطنات جوش قطيف وفى قاعة مدخل المؤتمر عرضت خريطة ضخمة توضح رؤية القادة الإسرائيليين للاستيطان فى غزة من شمال القطاع إلى جنوبه وتظهر المستوطنات المحتملة فى مكان البلدات والمدن الفلسطينية القائمة بالإضافة إلى 15 مستوطنات أعيد إنشاؤها والتى كانت موجودة قبل الانسحاب الإسرائيلى من غزة فى عام 2005 وكانت 6 منها جديدة بما فى ذلك مستوطنات كبيرة مخصصة لليهود الإسرائيليين فقط والتى كان من المقرر بناؤها على المواقع الحالية لأكبر مدينتين فى القطاع مدينة غزة وعدد سكانها عام 2017 590.481 وخان يونس وعدد سكانها عام 2017 205.125 بالإضافة إلى رفح وعدد سكانها قبل الحرب 280.000 ولكن فى وقت المؤتمر كان بها أكثر من مليون وصرحت دانييلا فايس وهى زعيمة معروفة فى حركة الاستيطان الإسرائيلية إن الخريطة تتصور مستقبلًا حيث يكون قطاع غزة بأكمله جزءًا من دولة إسرائيل ومن أرض إسرائيل الكبرى، أن هذه الأفكار التى تنشر على نطاق واسع فى إسرائيل من حركة إعادة التوطين تعادل فعليًا التهجير القسرى والتطهير العرقى للفلسطينيين مثلما حث بن غفير إسرائيل على خلق الظروف التى تجعل الفلسطينيين فى غزة يرغبون فى مغادرة بلادهم وتصريح شلومو كارهى بأن الهجرة الطوعية هى فى بعض الأحيان وضع تفرضه حتى يوافقوا عليه وهذا الوضع من الممكن أن يشعل حربا إقليمية واسعة النطاق.