الوزن الاستراتيجى لـ«مقديشيو»: الصومال.. الجغرافيا والتاريخ
داليا طه
أصبح الصومال محورًا لاهتمام وسائل الإعلام الدولية فى الآونة الأخيرة، لا سيما بداية العام مع رفضه توقيع الجارة الغربية إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم انفصالى لديه، انتهاء بأنباء وصول قوات مصرية لمقديشو ضمن اتفاق دفاعى وقوات حفظ سلام، تحفظت عليه أديس أبابا التى لها خلافات مع القاهرة فى الملف المائى.
الصومال غنى بثروات هائلة، ولديه ثروة حيوانية تقدّر بـ40 مليون رأس من الإبل والبقر والغنم، وكذلك ثروة زراعية، إذ تقدر الأراضى الصالحة للزراعة بـ8 ملايين هكتار تجعل الصومال سلة غذائية لدول المنطقة.
وإذ إن 60 % من سكان الصومال البالغ عددهم 15 مليونًا يعيشون فى المناطق الريفية ويعملون فى تربية المواشى والزراعة، فإن القطاعين كانا عرضة لنكبات وأزمات منذ 2011 بسبب حالات الجفاف المتكررة، والحرب التى تدور بين القوات الحكومية وحركة الشباب، التى تسببت فى نزوح نحو 2.9 مليون شخص ممن كانوا يمتهنون الرعى والزراعة، وهو ما يعرض البلاد لأزمات غذائية.
وتأتى أهمية الصومال من موقعه الجغرافى الذى يعد «استراتيجيًا وبوابة رئيسية لمنطقة القرن الأفريقى، يقع عند التقاء البحر الأحمر ومنطقة المحيط الهندى وخليج عدن ويقترب من مضيق باب المندب ملتقى آسيا وإفريقيا وله دور محورى بتسهيل طرق الشحن البحرى الدولى بين أوروبا وآسيا بجانب تمتعه بساحل على مسافة 3333 كيلومترًا، يعد الأطول بإفريقيا بخلاف وفرة من الاحتياطات والموارد غير المستغلة لا سيما النفط والغاز»، وفق معلومات الخارجية الصومالية.
كما يتمتع الصومال بموقع جغرافى استراتيجى حاسم يوفر رابطًا بحريًا سريعًا بين المنطقة الأورومتوسطية والشرق الأوسط وشرق إفريقيا والمحيط الهندى.
وفى الوقت الحالى، فإن ما يقدر بنحو 10 فى المائة من التجارة العالمية بما فى ذلك أكثر من 6 ملايين برميل من النفط يوميًا تمر عبر شواطئ الصومال، وهذا يجعل المنطقة «مركزًا جيواستراتيجيًا رئيسيًا» للدول فى جميع أنحاء العالم.
وعلى الجانب الآخر فإن لدى الصومال الساحل الثانى طولًا فى إفريقيا وفيه مختلف أنواع الأسماك والحيوانات البحرية، ولو استغلت جيدًا لأسهم ذلك فى تحسين الوضع الاقتصادى فى البلاد، إلا أن الصيادين الصوماليين يفتقرون إلى السفن وزوارق الصيد وإمكانات الصيد المتطورة وأدواته الحديثة، ويصطادون بقوارب وزوارق وآلات وشباك صيد تقليدية فلا يكاد مردودهم يغطى السوق المحلية فى أفضل الأحوال.
> الحكم
تأسس الصومال، فى يوليو 1960، عقب نيل الاستقلال عن الاستعمار البريطانى، واعتمد أول دستور عام 1961، وهو عضو مؤسس فى الاتحاد الإفريقى، وعضو بمنظمة التعاون الإسلامى منذ 1969، وبجامعة الدول العربية منذ 1974.
نظام الحكم فى الصومال فيدرالى مكون من 6 ولايات وهى جوبالاند، بونتلاند، وجلمدك، وهيرشبيلى، وجنوب غربى الصومال، والعاصمة مقديشو، تدير شؤون نفسها، أما الحكومة الفيدرالية فدورها فى السياسة الخارجية والنظام المالى والدفاع.
بالصومال 103 أحزاب أغلبها غير مؤثر ومبنية على القبلية وسط نظام حزبى غير مكتمل ووسط مساعٍ من الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، ساهمت فى قصرها على 3 أحزاب فقط لتكون فاعلة.
ولا توجد أحزاب بالشكل المتعارف عليه، فلا مقرات ولا أنشطة إلا فى فترة الانتخابات، وأبرز تلك الأحزاب حاليًا، حزب السلام والتنمية الحاكم برئاسة الرئيس الحالى، وحزب هملو برئاسة الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، وحزب نبد ونلل برئاسة الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو.
نظام الحكم القائم فى الصومال منذ 2000 برلمانى معقد يختار فيه مندوبون من القبائل أعضاء البرلمان الذين بدورهم يختارون الرئيس لاحقًا، وهذا تم تغييره فى مارس 2024 بإجازة التحول للنظام الرئاسى بالاختيار المباشر من الناخبين، واعتماد تكوين 3 أحزاب رئيسية بالبلاد، وسوف ننظر لأى مدى ينجح هذا النظام فى تغيير الخريطة السياسية فى الصومال.
> إقليم انفصالى
بخلاف الولايات الست، هناك إقليم أرض الصومال الانفصالى، الممتد على ساحل خليج عدن، عاصمته هرغيسا، والذى انفصل عن الصومال فى 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالى السابق سياد برى، ولا يحمل أى اعتراف دولى، ولم تحسم مفاوضات فى 2020 مع مقديشو أى بادرة منه للتوحد.
زاد التوتر بين مقديشو وهرغيسا فى مطلع 2024 عقب توقيع الأخيرة مع إثيوبيا مذكرة تفاهم تستخدم أديس أبابا بمقتضاها أحد موانئ الإقليم المطل على البحر الأحمر لمدة 50 عامًا، وقوبلت المذكرة بإصدار الصومال قانونًا يلغى المذكرة، ودعمت الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأفريقى والجامعة العربية سلامة أراضى الصومال.
ويستخدم الإقليم الانفصالى أحيانًا كـ«ورقة ضغط» من جانب إثيوبيا وقوى خارجية من الفاعلين على مقديشو.
ولا تريد هرغيسا الاستجابة لجهود التوحد وصارت منقلبة سياسيًا بعد توقيع المذكرة، وستشهد الفترة المقبلة انتخابات رئاسية فى هذا الإقليم قد تحمل بوادر تغيير للرئيس الحالى موسى بيهى عبدى الذى يشغل منصبه منذ ديسمبر 2017، ويعنى ذلك إمكانية انتهاء أثر تلك المذكرة بتغييره، أو يشهد ذلك الإقليم أزمات أمنية إن لم يحدث ذلك.
وتعيش أرض الصومال تفككًا مع توجه بعض مدنها للتمتع بدعم الحكومة الفيدرالية كولاية خاتمة تندرج من قبيلة هرتى، ودفع هذا التفكك الانفصاليين للاستشعار بأنه ليس لهم تأثير فى البلاد لذا بدأوا مناقشة مع إثيوبيا حول صيغة منفذ بحرى مقابل الاعتراف.
> نفوذ وأطماع
كون الصومال دولة لها تواجد عربى وأفريقى، جعلها محل تجاذبات استراتيجية وصراع بين الفاعلين والمؤثرين داخليًا وأفريقيًا وإقليميًا، وكانت البداية عقب انهيار نظام سياد برى فى 1991، ودخولها حربًا أهلية، مما شكل خريطة تأثير ونفوذ.
وينشط حاليًا عدد كبير من اللاعبين الخارجيين فى الصومال، منها القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة (مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، بالإضافة إلى الوافدين الجدد نسبيًا القادمين من الشرق الأوسط. (مثل تركيا)، إضافة إلى آسيا (مثل اليابان والصين)، وأيضًا الولايات المتحدة.
وانضمت مصر مؤخرًا مع أنها كانت أقرب دولة صديقة للصومال ويعتبر الدور المصرى الجديد فى الصومال «إيجابيًا» دعمًا لاستقراره الأمنى والسياسى وحفاظًا لسيادته، بخلاف مؤثرين إقليميين من مجموعة شرق إفريقيا، وفق محللين.
ووفق مدير مركز شرق إفريقيا للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، فإن دور الاتحاد الأفريقى يقف عند حفظ السلام، بينما لا تزال حركة الشباب قادرة على تنفيذ هجمات واسعة النطاق فى الصومال والدول المجاورة مما يجعلها فاعلًا داخليًا يمثل تهديدًا صامدًا ومزعزعًا للاستقرار فى الصومال.
> الأهمية
توجد فى الصومال أيضًا احتياطات نفطية وغاز طبيعى، وبدأت الأعمال الاستكشافية والتنقيب حتى قبل استقلال البلاد عام 1960، وكان يرى بعضهم فى ذلك الوقت أن الصومال سيتحول إلى بلد نفطى، لكن الوضع بعد مرور سنوات لا يزال على حاله ولم يتحقق الحلم.
وقد علقت شركات التنقيب أعمالها ونشاطاتها فى الصومال عقب سقوط النظام العسكرى السابق عام 1991، إلا أن الأعمال الاستكشافية والتنقيب استؤنفت قبل 8 سنوات لا سيما فى السواحل، نظرًا لصعوبة تنفيذ مثل هذه الأعمال فى البر للظروف الأمنية.
واكتشف بالمسح الجيولوجى وجود كميات ضخمة من النفط فى السواحل الصومالية، وكان من المخطط أن تبدأ وزارة البترول الصومالية عام 2020 منح تراخيص للشركات النفطية للشروع فى عملية الاستخراج لكن ذلك لم يحدث بعد.
أما المعادن التى يتمتع بها الصومال فهى: اليورانيوم، الجبس، القصدير، النحاس، البوكسيت، خام الحديد، الملح، وهى أيضًا لم تستخرخ ما عدا الملح.
ورغم هذه الثروات فإن الصومال يعدّ من أقل دول العالم نموًّا وفى المرتبة 165 فى تصنيف مؤشر التنمية، ومعدل الفقر فيه مرتفع جدًا يبلغ 73 %، فى حين تتفشى البطالة بمعدل 67 % فى فئة الشباب التى تشكل 70 % من سكان البلاد.
كما أن التقاطعات الإقليمية لها أهمية كبيرة فى تحديد مستقبل الصومال فى ضوء تطورات المعطى الجديد المرتبطة بمذكرة التفاهم التى دفعت مقديشو للبحث عن حلفاء إقليميين جددًا.
وقد تزيد الاتفاقات التى أغلبها دفاعية مع الولايات المتحدة وتركيا ومصر من حدة التوتر بالصومال، وقد تؤدى لحروب بالوكالة، ونشاط إضافى لحركة الشباب استغلالًا لتلك التطورات، وتقارب منها مع الحوثيين باليمن.
ويرجح محللون استمرار الخلافات بين العدوين التقليديين إثيوبيا والصومال، وحذروا من نشوب حرب، مؤكدين أن «الدور المصرى الجديد سيشجع الصومال فى معارضة الأطماع الإثيوبية»، ويتوقع المحللون أن تتجه منطقة القرن الإفريقى إلى أزمات مع التموضع المصرى الجديد والذى يواجه برفض إثيوبى.