الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قارة تجذب المستثمرين.. وتتأثر سلبًا بـ«صراعات طويلة الأجل» إفـريقـيـا أرض الفرص والكوارث!

يتعايش مائتا مليون شخص فى ست دول فى منطقة القرن الإفريقى التى توصف بأنها منطقة هوبزية فى جيبوتى وإثيوبيا وإريتريا والصومال وجنوب السودان والسودان مع الفوضى المروعة التى اتخذت شكل حروب العصابات والحروب التقليدية والحروب العرقية هو السبب الرئيسى فى أن دول القرن الإفريقى توصف عمومًا بأنها «دول تكنوقراطية» تسيطر عليها مجموعات عرقية وتواجه كل دولة منها تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية من بين المشاكل المشتركة التى تعانى منها المنطقة الانحدار الاقتصادى الذى يبدو أنه يرجع إلى حد ما إلى فشل السياسة الداخلية والتدهور البيئى والصحى بالإضافة إلى المجاعات التى بدت وكأنها تنمو فى الحجم والانتظام كما تلعب التعددية العرقية والدينية دورًا كبيرًا فى الافتقار إلى التماسك الوطنى والتخلف والعنف المسلح والتحرر والنضال الانفصالى والانقلابات والتمردات مما يجعل المنطقة مرتعًا للفوضى السياسية المليئة بالقمع والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان.



 

 

 

 الفوضى السياسية وصراعات القوى

تعد منطقة القرن الإفريقى واحدة من أهم المناطق الجيوستراتيجية الرئيسية فى العالم بسبب عوامل عديدة من بين هذه العوامل موقعها الجيوسياسى على طول البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندى وهى الطرق التجارية البحرية الأكثر حيوية التى تربط آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وتحدها الدول الغنية بالنفط فى شبه الجزيرة العربية وتتحكم فى مضيق باب المندب الذى يعد بدوره أحد الطرق الضيقة لقوت إسرائيل وبالتالى.

تأثرت المنطقة بشدة بالتأثيرات الخارجية على سبيل المثال فقد وفرت التوغل الأكثر وضوحًا فى إفريقيا للتنافسات العالمية فى الحرب الباردة ونتيجة لذلك تم استيعاب القوى الخارجية فى الهيكل الحالى للمنطقة وهو ما ساهم بشكل رئيسى فى الصراعات فى الوقت الحاضر وعلى الرغم من انتهاء المنافسة بين القوى العظمى فى منطقة القرن الإفريقى إلا أنه بحلول النصف الثانى من تسعينيات القرن العشرين كانت القوى الأجنبية تشق طريقها مرة أخرى إلى المنطقة الفرعية واستغلت إيران والصين التشاؤم الإفريقى السائد فى الغرب بعد الإبادة الجماعية فى رواندا والتدخل الفاشل فى الصومال وطورتا علاقات قوية مع السودان وساهم هذا فى بقاء الحكومة السودانية الإسلامية التى واجهت التمردات والعزلة الدولية التى نظمتها الولايات المتحدة والتوغلات العسكرية من قبل الدول المجاورة كما اجتذبت المنطقة الاهتمام العالمى المتجدد بالمناطق الساحلية من القوى الكبرى ودول الخليج المؤثرة، مما أضاف تعقيدات إلى عدم الاستقرار فى المنطقة والتحديات الأمنية الناشئة فقد أنشأت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا والصين واليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا قواعد عسكرية بالقرب من جيبوتى والصومال مما أدى إلى تأجيج التنافسات الجيوسياسية وتستغل الصين وتركيا على وجه التحديد نفوذهما الاقتصادى لتشكيل السياسة الدولية فقد أدى تركيز الصين على التجارة البحرية إلى تحويل جيبوتى إلى مسار بالغ الأهمية للصادرات إلى أوروبا بما يتماشى مع مبادرة الحزام والطريق الصينية وعلى نحو مماثل ينجذب المستثمرون الأتراك إلى القرن الإفريقى بسبب العقود المربحة فقد تولت شركة مجموعة البيرق التركية إدارة ميناء مقديشو فى أواخر عام 2014 وفى نهاية عام 2017 كشفت تركيا عن حصولها على عقد إيجار لإدارة وإعادة بناء سواكن وهى مدينة ساحلية عثمانية تاريخية فى شمال شرق السودان كما تغطى الصفقة البنية التحتية البحرية والتعاون العسكرى بين تركيا والسودان ولا يمكن إنكار أهمية المنطقة فى التنافس الأوسع داخل الشرق الأوسط الذى بلغ ذروته فى صراع مجلس التعاون الخليجى الذى وضع قطر وتركيا ضد التحالف الذى تقوده السعودية.

 

 

 

فى الصومال تمتد أجندة الحوثيين الشريرة وهم الاذرع العسكرية الخارجية لإيران إلى ما هو أبعد من البحر الأحمر مع تطلعات إلى إنشاء وجود هائل فى المحيط الهندى فقد كشفت الاستخبارات الأمريكية منذ أسابيع قليلة فى تقرير مفصل لها عن البحر الأحمر عن تعاون الحوثيين مع حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة وتحدث التقرير الأمريكى عن مخاوف الولايات المتحدة من تفاقم الوضع فى البحر الأحمر وخليج عدن ويهدف هذا التعاون الجديد بين حركة الشباب والحوثيين بدعم من إيران إلى تحويل الصومال إلى مركز للصواريخ والطائرات بدون طيار المتقدمة، وبدا ذلك واضحا من تدفق الأسلحة والتكنولوجيا الحربية التى صممتها إيران بالفعل إلى أيدى حركة الشباب وقد سهلت هذه الشراكة نقل الأسلحة المتطورة مما جعل حركة الشباب خصمًا أكثر قوة فى المنطقة إلى جانب تجنيد وتدريب الأفارقة وتحديد المسئولين عن مشروع الميليشيات فى منطقة القرن الإفريقى ويشرف على التوسع الخارجى للحوثيين رئيس ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات الحوثى من اجل إقامة علاقات مع شخصيات دبلوماسية فى إثيوبيا وإريتريا وجيبوتى والسودان وكينيا لنسج علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية وذكر التقرير أن الحوثيين يحرصون على إنشاء مراكز استخباراتية حساسة فى مختلف أنحاء منطقة القرن الإفريقى والدول المحيطة باليمن.

وفى إثيوبيا ورث رئيس الوزراء آبى أحمد مجموعة من المؤسسات العاملة واقتصادًا سريع النمو إلى جانب حزب حاكم فاقد لمصداقيته وعلى الرغم من ذلك رفع توقعات الديمقراطية والازدهار الاقتصادى إلى عنان السماء حتى سقطت سماء إثيوبيا على رأس مواطنيها حيث أنه لم يكن لديه استراتيجية لتقليصها عندما لم يتمكن من تحقيق وعوده فتبنى آبى أحمد شعارات شعبوية ومساومات فرق تسد مع أعضاء النخبة السياسية ليحافظ على السلطة من خلال إبقاء الجميع خارج التوازن كان لأبى رؤى عظيمة لدوره التاريخى كملك محارب يستعيد عظمة إثيوبيا تفوق إمكانياته وعلى خلفية رؤيته بدأ ثلاث حروب ولم تغلق حتى الآن ضد جيش تحرير أورومو (OLA) وجبهة تحرير شعب تيغراى (TPLF) وميليشيا أمهرة المعروفة باسم فانو وانتهى القتال فى تيغراى فى نوفمبر 2022 بـ وقف دائم للأعمال العدائية بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير شعب تيغراى ويعتبر إنهاء الاقتتال هدنة وليست تسوية سياسية شاملة مما يترك العديد من القضايا دون حل وإن احتمالات التوصل إلى اتفاقيات مماثلة مع جيش تحرير أورومو وفانو ضئيلة جدا ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المتمردين لا يمتلكون التماسك الكافى للتفاوض على صفقة، ولكنهم مع ذلك يتمتعون بالمرونة العسكرية وإلى جانب الحروب الأهلية الداخلية فتح جبهات واجج صراعات مع دول منطقة القرن الإفريقى وحوض النيل فالانفراج مع إريتريا ينهار مع تصاعد العداوة المتبادلة بينه وبين الرئيس الإريترى أسياس أفوركى كما وصلت التوترات مع مصر بشأن سد النهضة إلى نقطة الغليان والعلاقات مع السودان المجاور ليست فى أفضل حالاتها منذ ديسمبر الماضى عندما رحب الإثيوبى آبى أحمد ترحيبا علنيا بزعيم قوات الدعم السريع السودانية العدو اللدود للمجلس السيادى الذى يحكم السودان ومؤخرا تفاقم الوضع فى منطقة القرن بسبب تطلعات إثيوبيا وخاصة بعد توقيع مذكرة تفاهم مثيرة للجدل بين رئيس الوزراء الإثيوبى ورئيس أرض الصومال موسى بيحى عبدى وهى منطقة منشقة عن الصومال ويمنح هذا الاتفاق إثيوبيا وهى دولة حبيسة قطعة ساحلية تبلغ مساحتها 20 كيلومترًا مربعًا لإقامة قاعدة بحرية والحق فى بناء ميناء تجارى وفى المقابل قالت إثيوبيا إنها تنوى الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة وأكد الزعماء أن هذه الخطوة تهدف إلى تصحيح ما أسموه «خطأ تاريخيا» يتمثل فى عدم قدرة إثيوبيا للوصول إلى البحر بعد أن فقدت ساحلها بعد أن حصلت إريتريا على استقلالها فى عام 1993 فى أعقاب حرب استمرت ثلاثة عقود وفى خطوة استباقية وسريعة رد الرئيس الصومالى الشرعى حسن شيخ محمود ووقع اتفاقا أمنيا خلال زيارتة إلى القاهرة حيث أجرى محادثات مع الرئيس الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ولم يتم الكشف عن تفاصيل الصفقة أو الاتفاق إلا بعد أن صرح على عبدى أوارى السفير الصومالى فى القاهرة لمحطة إذاعية فى مقديشو عن وصول المعدات العسكرية من مصر إلى الصومال الذى أسماها الخطوة العملية الأولى لتنفيذ اتفاقية أمنية ثنائية وأنه بموجب الاتفاق سيتم نشر قوات مصرية فى الصومال بعد 31 ديسمبر عندما تنتهى مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقى فى الصومال وعلى الصعيد الاقتصادى تعانى إثيوبيا من ضائقة مالية شديدة حيث فشلت الحكومة فى سداد 33 مليون دولار من الفوائد على سنداتها الحكومية الدولية وفى السنوات الأخيرة واجهت صعوبات فى الحفاظ على ما يكفى من العملة الصعبة الأمر الذى أدى إلى تقييد حركة الدولار الأمريكى إلى خارج البلاد وسعر الصرف الرسمى أقل كثيرًا من سعر السوق السوداء وهو مؤشر موثوق به على المعاناة المالية العميقة.

كما تعانى دول القرن الإفريقى الأخرى من التوترات العرقية التى تتصارع حول الموارد والسلطة السياسية والتمثيل مما أدى إلى تفاقم الانقسامات بين المجموعات وكان ذلك بسبب المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التى نتجت عن التقسيم الاستعمارى للمنطقة إلى إنشاء حدود مصطنعة قسمت الجماعات العرقية والعشائر وتركت بعض الأراضى محل نزاع على سبيل المثال خاضت إثيوبيا وإريتريا حربًا دامية من عام 1998 إلى عام 2000 بسبب حدودهما كما اشتبكت السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة كما يوجد نزاع بين جيبوتى وإريتريا حول شبه جزيرة رأس دوميرة وأيضا يعتبر عدم الاستقرار السياسى الذى شهدته العديد من البلدان فى المنطقة والاضطرابات السياسية والحكم الاستبدادى هو المحرك الرئيسى لهذه الصراعات العنيفة بالإضافة إلى النزاعات الإقليمية طويلة الأمد فى المنطقة وكان له آثار مستمرة على العلاقات الإقليمية إلى جانب العوامل الاقتصادية حيث ساهم الفقر والمنافسة على الموارد النادرة مثل المياه والأراضى الصالحة للزراعة فى نشوب الصراعات وقد أدت آثار تغير المناخ ايضا بما فى ذلك الجفاف إلى تكثيف هذه الصراعات وخاصة فى الصومال والسودان وكان أيضا للجماعات المتطرفة تأثير كبير أدى إلى تعقيد الوضع الأمنى ​​على مدى عقود من الزمن مما أدى إلى العنف وعدم الاستقرار الذى يمتد إلى البلدان المجاورة ولايمكن اغفال دور التدخلات والتأثيرات الخارجية الأجنبية والمصالح المتداخلة، خاصة من جانب القوى الإقليمية والقوى العظمى العالمية التى مهدت الطريق أمام الصراعات وفتحت أسواقا جديدة للتسليح وتكنولوجيا الحرب وبشكل عام خلق تفاعل هذه العوامل مع بعضها بعض بيئة معقدة ومتقلبة فى منطقة القرن الإفريقى مما يؤدى إلى دورات من الصراع وعدم الاستقرار.

 الأزمات الإنسانية وتداعياتها

ساهمت الصراعات طويلة الأجل والتى لم تنته بعد إلى ظهور كوارث بيئية من انتشار للأمراض المعدية والأوبئة وتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائى وأزمات الجوع غير المسبوقة التى تلوح فى الأفق حيث يواجه 60 مليون شخص المجاعة الشديدة ونقص المياه بالإضافة إلى الجفاف المستمر وارتفاع تكاليف الغذاء وعدم القدرة على زراعة المحاصيل مما أثر بشكل غير متناسب على السكان ولم يؤد الصراع والعنف إلا إلى تفاقم تأثير الكوارث الطبيعية، مما خلق تحديات جديدة لمنظمات الإغاثة الدولية وعلى الرغم من أن الجهود الرامية إلى التخفيف من آثار الجفاف شهدت بعض النجاح إلا أنها لا تلبى الاحتياجات الهائلة لسكان منطقة القرن الإفريقى ومن حيث المدة والشدة فإن الجفاف الأخير فى الصومال استمر لفترة أطول من الجفاف فى عامى 2010 و2016 ولم يتمكن موسم الأمطار الطويل فى شرق أفريقيا والذى كان ناجحا إلى حد ما من إنهاء الأزمة فقد أدت الأمطار الزائدة إلى فيضانات مفاجئة خطيرة حيث لم تعد الأرض بعد أن كانت قليلة أو معدومة من المياه لسنوات قادرة على امتصاص المياه وقد دمرت المنازل والمزارع نتيجة لذلك تسببت ظروف الفيضانات فى تفاقم تفشى وباء الكوليرا العالمى الحالى، ومن المتوقع أيضًا حدوث المزيد من الفيضانات فى وقت لاحق من هذا العام ويرجع ذلك جزئيًا إلى دورة النينو وفى إثيوبيا وكينيا والصومال كان أكثر من 23.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائى الشديد اعتبارًا من مايو ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمى فإن الصراع المسلح هو السبب الرئيسى لانعدام الأمن الغذائى الشديد فى عدد من بؤر الجوع فى جميع أنحاء العالم بما فى ذلك إثيوبيا والصومال وازداد الوضع سوءًا بسبب قرار روسيا بالانسحاب من مبادرة الحبوب فى البحر الأسود فخلال اجتماع مع رؤساء الدول الإفريقية فى الكرملين مؤخرًا عرض الرئيس الروسى فلاديمير بوتن على البلدان المتضررة الحبوب مجانًا ولكن هذا لن يكون كافيًا لحل أزمة الغذاء التى تواجه شعوب المنطقة وعلى الرغم من تلقى الصومال مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية لأكثر من ثلاثة عقود فإنها تظل واحدة من أكثر الأماكن خطورة فى العالم ويؤدى التهديد بفرض عقوبات مكافحة الإرهاب إلى إعاقة توزيع الإغاثة كما أن الخسائر الصحية التى يتكبدها الصوماليون وسكان منطقة القرن الإفريقى الذين يعانون من أحداث صادمة مثل الحرب والمجاعة والنزوح هائلة ووفقًا لبحوث أولية لمنظمات رسمية واجه 76 % من الصوماليين حالات صحية مختلفة تشمل جروح غير مرئية تعيق الشفاء والمصالحة والمشاركة المدنية. 