السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مشاركة مصرية رفيعة المستوى «قمة الصين ـ إفريقيا» فرص اقتصادية واعدة للقـــــــارة السمـــــراء

على مدار 3 أيام فى العاصمة الصينية بكين، عقِدت قمة منتدى التعاون الصينى - الإفريقى 2024 فى الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر الجارى تحت شعار «التكاتف لتعزيز التحديث وبناء مجتمع صينى إفريقى رفيع المستوى ذى مستقبل مشترك».. حيث اجتمع زعماء من الصين وأكثر من 50 عضوًا إفريقيًا، فضلا عن ممثلين من المنظمات الإقليمية الإفريقية والمنظمات الدولية.



 أكبر حدث دبلوماسى

وتُعد هذه القمة  الأولى من نوعها التى تعقد فى بكين منذ عام 2018، وهى أكبر حدث دبلوماسى استضافه الرئيس الصينى هذا العام. وشارك فيه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، مـع حضور عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات. 

 

 

 

 المشاركة المصرية

وقد شهدت مشاركة الدكتور مصطفى مدبولى فى القمة برنامجًا مكثفًا من الفعاليات، حيث حضر الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، وعددًا من الجلسات رفيعة المستوى،  وألقى كلمة مُهمة خلال جلسة بعنوان «التحول الصناعى وتحديث الزراعة والتنمية الخضراء». 

 استثمارات جديدة

 كما عقد رئيس الوزراء على هامش القمة، عدة لقاءات مع مسئولين صينيين وأفارقة، إلى جانب مقابلات مع مسئولى شركات صينية بارزة، بينها شركات عاملة فى السوق المصرية، كما شهدت هذه الزيارة  توقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والعقود المتعلقة باستثمارات جديدة وجارية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فضلا عن عدد من الاتفاقيات المهمة فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

 جلسة مغلقة

وركز المنتدى على مدار أيام انعقاده على سبل تعزيز التعاون الصينى-الإفريقى فى إطار المبادرات التى تتبناها بكين فى هذا الصدد، وبما يتماشى مع أهداف أجندة التنمية.

وبدأت أعمال المنتدى بجلسة مغلقة على مستوى وزراء الخارجية برئاسة وزير الخارجية الصينى «وانج يي» ووزير الخارجية السنغالى «ياسين فال» التى تتولى بلاده الرئاسة المشتركة الدورية للمنتدى، حيث ناقش المجتمعون مخطط عمل القمة والإعلان النهائى الذى سيتم اعتماده من قبل قمة الرؤساء. 

 وعقدت خلال المنتدى سلسلة من الأنشطة بما فى ذلك حفل الافتتاح، الذى حضره الرئيس الصينى شى جين بينج وألقى فيه كلمة رئيسية يوم 5 سبتمبر، كما استضاف  مأدبة ترحيب وفعاليات ثنائية مع قادة الدول الإفريقية الأعضاء فى منتدى التعاون الصيني-الإفريقى وممثلى المنظمات الإقليمية الإفريقية والمنظمات الدولية ذات الصلة الذين تمت دعوتهم إلى القمة. 

 

 

 

 اتهامات غربية

وقبل افتتاح قمة المنتدى، تزايدت الاتهامات الغربية والأمريكية لبكين بأنها تحاول الهيمنة على إفريقيا وإغراقها فى فخ الديون. ما دفع وزارة التجارة الصينية الأسبوع الماضى بتفنيد ما يسمى بخطاب «فخ الديون»، مؤكدة أن هذا لا أساس له من الصحة وهو مجرد محاولة للتشويه والافتراء على التعاون بين الصين وإفريقيا قبيل القمة التى تهدف إلى تعميق التكامل الاقتصادى والتعاون فى سلسلة التوريد وتحقيق المنافع المتبادلة.

وأوضحت بكين أنه على مدى الاجتماعات الثلاث الماضية لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، أطلقت بكين «عشر خطط تعاون كبرى» فى عام 2015، و «ثمانى مبادرات كبرى» فى عام 2018، و«تسعة مشاريع» فى عام 2021، حيث تجاوزت النموذج الأصلى الذى كان يعتمد فى الأساس على تعزيز التجارة والاستثمار، وبدأت فى تعزيز جميع قطاعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية فى إفريقيا تقريبا. وتتلخص الجهود الرامية إلى تحديث القارة، والتى تم رسمها فى سلسلة من اجتماعات منتدى التعاون الصينى- الإفريقي، فى مبادرات الصين التى تدعم تنمية إفريقيا على ثلاث جبهات: التصنيع، والتحديث الزراعي، وتنمية المواهب.

 صنع فى إفريقيا

وفى محاولة لمساعدة إفريقيا على الحد من اعتمادها على واردات الغذاء، ساعدت أكثر من 300 تقنية متطورة روجت لها الصين على مدى العقد الماضى فى زيادة إنتاج المحاصيل المحلية فى إفريقيا بنسبة 30 بالمائة إلى 60 بالمائة فى المتوسط، الأمر الذى أفاد أكثر من مليون مزارع صغير. وفى الوقت نفسه، كرست الصين نفسها للترويج لمنتجات «صنع فى إفريقيا» من خلال بناء العديد من المجمعات الصناعية فى حين تعمل على إثراء مجموعة المواهب فى القارة من خلال تدريب نحو 10 آلاف متخصص سنويا عبر شبكة واسعة من المدارس المهنية.

ومنذ إنشاء منتدى التعاون الصيني-الإفريقى، ساعدت الشركات الصينية إفريقيا فى بناء أو تحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، و100 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، و1000 جسر، ونحو 100 ميناء، مما وضع الأساس لعصر من التحديث السريع فى القارة.

 أهمية خاصة

ويذهب المراقبون إلى أن  أعمال منتدى (فوكاك 2024) الذى يحتفل هذا العام بالذكرى الرابعة والعشرين لتأسيسه، قد اكتسب أهمية خاصة، حيث تقف الدول الإفريقية أمام منعطف حرج، حيث لا تزال اقتصاداتها تعانى من عدم الاستقرار، وفى الوقت الذى يتزايد الغضب الشعبى والاضطرابات الأمنية فى العديد من دولها بسبب السياسات المتبعة والتدخلات المباشرة للدول الغربية فيها، إضافة إلى العواقب الاقتصادية للديون التى لا يمكن تحملها، والتى يتجلى بعضها فى الاحتجاجات الشعبية، وبمطالب الشباب بالإنصاف والشفافية، رغم تتضاعف أعداد المهاجرين إلى أوروبا. كما تواجه الحكومات ضغوطًا للوفاء بالتزامها بتحريك اقتصاداتها إلى أعلى سلسلة القيمة وتحويل تركيزها من الاعتماد على المساعدة إلى الاعتماد على التجارة.

 ساحة صراع على النفوذ

إضافة إلى ما يعانيه العالم اليوم من فوضى دبلوماسية وحروب متعددة واختلال فى موازين القوى وتضخم اقتصادى حاد، وحيث تتمسك الولايات المتحدة الأمريكية بسياساتها العدائية تجاه الصين للحد من قدرتها التنافسية وصعودها الاقتصادى المتسارع النمو، وتسعى بشتى الوسائل لمحاصرتها بالاضطرابات الأمنية المتكررة من خلال تحريك تحالفاتها المعادية لبكين فى وسط وشرق آسيا وفى المحيط الهادئ وبحر الصين. وحيث تستمر الصين فى تطوير صناعاتها الرقمية والكهربائية وتلتزم سياسة التعاون والبناء المشترك وتعزيز التنمية المستدامة من أجل البشرية جمعاء، يخشى العديد من الخبراء من أن تتحول القارة السمراء من مناطق منافسة بين الغرب والولايات المتحدة الأمريكية من جهة والصين من جهة أخرى إلى ساحة صراع على النفوذ بين الدول العظمى.

 الحزام والطريق

وخلال القمة، التى جمعت زعماء الصين ودولاً إفريقية فى بكين، تعهّدت الصين بتعزيز مشروع «طرق الحرير الجديدة»، المعروف أيضا باسم «الحزام والطريق»، فيما تمثل إفريقيا أساسا منطقة رئيسية فى هذه المبادرة.

ووفق أرقام رسمية لوزارة التجارة الصينية، فإن الشركات الصينية أبرمت «عقودًا بقيمة إجمالية تزيد عن 700 مليار دولار بين عامى 2013 و2023»، أى خلال عشر سنوات فقط.

وجاءت مبادرة «الحزام والطريق» الصينية عام 2013، لتدق جديًا أبواب القارة السمراء الاقتصادية  والاستثمارية. ونظرًا إلى أن مبادرة «الحزام والطريق» تركّز على زيادة التدفّقات التجارية، وتحسين شبكات الاتصالات والسكك الحديدية والموانئ، والبنية التحتية لوسائل النقل الأخرى، فإن هذا من شأنه رفع كفاءة الموانئ الإفريقية وخفض تكاليف السفر والوقت بقدر كبير، وله تأثير كبير فى زيادة التجارة البينية إفريقيًّا ودوليًّا. وقد حققت التجارة الثنائية بين الصين وإفريقيا رقمًا قياسيًا بلغ 282.1 مليار دولار فى عام 2023، بزيادة نحو 11 بالمائة مقارنة مع عام 2021، لتظل بذلك بكين أكبر شريك تجارى لإفريقيا لمدة 15 عامًا على التوالى ويستمر الهيكل التجارى بين الصين وإفريقيا فى التحسن، وأصبحت المنتجات الزراعية المستوردة من إفريقيا هى أبرز معالم النمو. وفى عام 2023، شهدت الواردات الصينية من المنتجات الإفريقية المتمثلة فى المكسرات والخضروات والزهور والفواكه زيادة بنسبة 130 %، و32 %، و14 % و7 % على التوالى على أساس سنوى كما أصبحت المنتجات الميكانيكية والكهربائية «القوة الرئيسية» للصادرات إلى إفريقيا، وزادت صادرات مركبات الطاقة الجديدة، وبطاريات الليثيوم، والمنتجات الكهروضوئية بنسبة 291 %، و109 %، و57 % على التوالى على أساس سنوي، وهو ما دعم بقوة تطوير الطاقة الخضراء فى إفريقيا. وحسب الأخبار الصينية المحلية، فقد وافق مجلس الدولة على خطة عامة لبناء منطقة تجريبية للتعاون الاقتصادى والتجارى المتعمق بين الصين وإفريقيا، الذى بموجبه تنشئ الصين المنطقة التجريبية كمنصة للانفتاح على إفريقيا والتعاون معها، بحيث يصبح لها مستوى معين من التأثير الدولى بحلول عام 2027. وتعد المنطقة التجريبية للتعاون الاقتصادى والتجارى العميق بين الصين وإفريقيا منصة صينية مهمة أخرى للتعاون مع إفريقيا، والتى أنشأتها مقاطعة هونان بعد إقامة المعرض الاقتصادى والتجارى الصينى الإفريقى على المدى الطويل. كما أسهمت الشركات الصينية فى التصنيع وتحسين سبل العيش من خلال استثماراتها فى إفريقيا، ما جعلها إحدى القوى الدافعة للنمو الاقتصادى الشامل للقارة.

وظلت إفريقيا من أكبر المستفيدين من مبادرة «الحزام والطريق»، حيث استفادت من مشاريع فى مجالات، مثل الطب والصحة، والحد من الفقر والتنمية الزراعية، وتعزيز التجارة والاستثمار، والابتكار الرقمي، والتنمية الخضراء وبناء القدرات، وغيرها. وأبدت الصين اهتمامًا بإنشاء المشاريع الكبرى كخطوط السكك الحديدية، وشق الطرق وبناء المستشفيات ومراكز المؤتمرات والصالات والملاعب الرياضية الكبرى، كما شيدت الصين أكثر من ألف مشروع حيوى فى إفريقيا، وتلقى آلاف من الطلبة الأفارقة تحصيلهم العلمى فى الجامعات الصينية، ومئات من الفرق الطبية الصينية عملت فى المستشفيات الإفريقية وآلاف أخرى من الكوادر الإدارية والتقنية والفنية تلقوا ويتلقون تدريبات فى المؤسسات الحكومية الصينية.

 مكاسب مصرية

وكانت مشاركة مصر رفيعة المستوى فى المنتدى خطوة مهمة وضرورية، إذ مثلت الدول المشاركة فى القمة تجمعا للدول الأفريقية النامية، كما أن التبادلات بين مصر والدول أعضاء المنتدى تسهم بدورها فى تعزيز تبادل الخبرات، وتطبيق مبدأ المنفعة المشتركة والمتبادلة بين مصر والصين والدول الإفريقية والاقتصادات النامية الأخرى، من خلال الخبرات الناجحة فى تنمية الدول.

كما أنه خلال المشاركة المصرية فى القمة تم عرض رؤية مصر بشأن مستقبل التعاون الصينى - الإفريقى فى إطار المنتدى، وذلك من خلال مشاركة رئيس الوزراء بالجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون «الصيني-الإفريقي»، وعدد من الجلسات الأخرى رفيعة المستوى، بجانب حديثه أمام جلسة «التحول الصناعى وتحديث الزراعة والتنمية الخضراء».

وكان رئيس الوزراء قد شارك فى أكتوبر الماضى فى منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي، وتم على هامش المنتدى توقيع 4 اتفاقيات جديدة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وعقد الدكتور مصطفى مدبولى لدى وصوله إلى بكين  اجتماعًا مع  تشاو له جي، رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى لنواب الشعب الصيني، أعقبه عشاء عمل رسمي، حضره السفير عاصم حنفى، سفير مصر لدى الصين، والسفير لياو ليتشيانج، سفير الصين لدى مصر، والسفير محمد أبو الوفا، نائب مساعد وزير الخارجية لشئون المنظمات والتجمعات الإفريقية، وعدد من كبار المسئولين الصينيين.

فى غضون ذلك، أكد رئيس الوزراء حرص  الرئيس عبدالفتاح السيسي، على مشاركة مصر فى مختلف الفعاليات الكبرى التى تستضيفها ‎ ‎الصين، مشيرًا إلى أنه يشارك نيابة عنه فى أعمال قمة منتدى التعاون الصيني- الإفريقى.

وعن دعم الحكومة المصرية للشركات الصينية العاملة فى مصر، حيث يحرص على زيارة مشروعاتها بمصر، ومتابعة سير العمل بها وتذليل العقبات أمامها فى رسالة واضحة لدعم مصر لتلك المشروعات.

ولفت إلى أنه تم إنشاء وحدة الصين بمجلس الوزراء تحت رئاسة المهندسة راندة المنشاوى مساعد أول رئيس الوزراء، مع إشراف مباشر من رئيس الوزراء، لمتابعة مختلف المشروعات الصينية، وهو ما يؤكد الاهتمام الكبير الذى توليه الحكومة المصرية لتعزيز التعاون الاستثمارى والتجارى مع الصين.

وأوضح رئيس الوزراء أن مصر تمثل فرصة واعدة للشركات الصينية، وجاذبة للاستثمار من أجل التصدير للدول المجاورة لا سيما فى القارة الإفريقية التى تعد مصر بوابة مثالية  للنفاذ إليها، منوهًا باعتزامه مقابلة العديد من الشركات الصينية خلال هذه الزيارة، لبحث فرص تعزيز التعاون فى المجالات ذات الأولوية.

 منحة لمصر بقيمة 100 مليون يوان

وفى المقابل، أكد تشاو له جى دعم الصين لمصر فى تنفيذ خططها للتنمية المُستدامة بما فى ذلك «رؤية مصر 2030»، وتَطلُع بكين لتعزيز تعاونها مع القاهرة فى مختلف القطاعات وعلى رأسها قطاع البنية التحتية. 

وأعلن «له جي» عن تقديم منحة لمصر بقيمة 100 مليون يوان لتنفيذ مشروعات تنموية مشتركة.

وأعرب عن دعمه لعمل الشركات الصينية فى مصر، وحرصه على دفع مشاركتها فى العديد من المشروعات خلال الفترة المقبلة، فى إطار من تعزيز التعاون المشترك بين البلدين.

وتناول «له جي» جهود الصين فى تعزيز الإصلاح الداخلى والانفتاح وما حققته بكين من نجاحات فى هذا الصدد، مُشيرًا إلى المؤشرات الإيجابية التى حققها الاقتصاد الصينى وعلى رأسها تحقيق معدل نمو بلغ 5 ٪ سنويًا.