الجمعة 17 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصنع العالم.. كيــــف تكــــــون مصـــــر النسخة الثانية من الصين؟!

لا يمكن اختصار العلاقات المصرية الصينية فى مجرد سطور، فهى تاريخ واستراتيجيات ومستقبل باهر للجميع، فالصينى الذى يدعم إفريقيا بمنتدى فاكو، الذى كانت مصر من مؤسسيه، والصينى الذى ساعدنا فى تشييد البرج الأيقونى، والصينى الذى يدعمنا بالمقاتلة التى تضاهى الإف 35 الأمريكية، والصينى الذى يستثمر فى المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، والصينى الذى بنى لنا القمر الصناعى الأخير، بل وصل حتى ترميم الآثار المصرية.



كل هؤلاء مجرد نماذج لتعاون مصرى صينى من أجل مستقبل أفضل، فى ظل تأكيد أن الانفجار السكانى، من الممكن أن يتحول لانتعاشة اقتصادية وصناعية غير مسبوقة، لو تم استثمار هذه الطاقات بالشكل الاحترافى الصحيح، والصين بالطبع نموذج أسطوري لن أستطيع تذكر كم مرة تجاذبت أطراف الحديث مع زملائى من محللين سياسيين واقتصاديين حول وضع النمو العالمى،إلا تطرقنا للتجربة الصينية ومدى تميزها وعظمتها واندهاش الناس وتساؤلهم الدائم حول سر نجاحها؟

 

 

 

فالصين محل اهتمام مختلف مؤسسات الفكر والمراكز الاقتصادية المتخصصة عبر أنحاء العالم بفضل التنامى الاقتصادى غير المسبوق، كما تكتسب التجربة الصينية أهميتها مما حققته من إنجازات اقتصادية هائلة، بعد أن كانت قبلها واحدة من أكثر بلدان العالم ضعفًا وفقرًا.

فى مستهل القرن الواحد والعشرين ظهرت الصين كقوة اقتصادية كبرى عالميًا، منذ نهاية السبعينيات شهدت تجربة تنموية رائدة، وتحولت من دولة زراعية إلى «مصنع العالم»، لتنقل حينئذ نحو 700 مليون شخص من تحت خط الفقرإلى حياة «رغيدة العيش» وهو مصطلح انتشر فى الوثائق والمقالات الرسمية الصينية، «فى بداية مرحلة الانفتاح والإصلاح.

استخدم دنغ شياو بينغ أولا مفهوم مجتمع الحياة الرغيدة لتفسير التحديث على الطريقة الصينية» وفق إشارة فى كتاب (حول الحكم والإدارة - شى جين بينغ - المجلد الثانى ص 73)، الذى مررت عليه لأهميته، وحاليًا تعد أكبر بلاد العالم سكانًا بحوالى مليار وربعمائة مليون نسمة، بأكبر حركة تصدير يشهدها العالم وثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة.

مع نهاية الثورة الثقافية عام 1978 والتى تركت الصين مجتمعا متهدما اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وضعت الصين تحديث اقتصادها فى المركز الأول من أولوياتها، مكرسة جهودها لتحقيق هذا الهدف، فتخلت عن الأساليب الاقتصادية الاشتراكية لصالح اقتصاد السوق، واتخذت خطوات استثمارية هائلة عملًا على تحديث المجال الصناعى وتطوير البنى التحتية، فجذبت الصين استثمارات أجنبية ضخمة، وخلقت قدرات إنتاجية جديدة لتحقق طلبا متزايدا على المنتجات الصينية محليًا وعالميًا.

مرت عملية تنمية قطاعات الاقتصاد الصينى خلال الفترة التى أعقبت تأسيس جمهورية الصين الشعبية والتى يروق لمواطنيها تسميتها «الصين الجديدة» عام 1949 بالعديد من المراحل المهمة، أهمها على الإطلاق مرحلة الانفتاح والإصلاح الاقتصادى الذى حدث بعد عام 1978 فهى المرحلة الأبرز فى مسيرة التجربة التنموية الصينية، وهى التى ساهمت فى نقل الاقتصاد الصينى من التخلف إلى منافسة القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم.

ويقارنون فترتهم هذه، لتجربة الانفتاح فى عصر السادات، حيث كانت خطوات الإصلاح مرتبطة بالمجتمع المغربى فى نهاية السبعينيات. لكن لم تكتمل لأسباب عدة، مثلها مثل تجارب عربية لم تقو على الاستمرار ومواجهة الكثير من العراقيل، فى حين قدمت التجربة الصينية التنموية الدليل والمرشد لدول العالم الثالث التى مازالت تتعثر خطط التنمية الاقتصادية بها، وتأخذ منه مصر النموذج الآن فى الكثير من مخططاتها، فهى نموذج واقعى استطاع أن ينمو باستقلالية وفى الوقت ذاته بغير انعزالية.

ومن ناحية أخرى واجهت الصين وتواجه الكثير من العقبات والتحديات التى قد تؤثر على مستقبلها فى التنمية، لا سيما بعد المواجهة الكبرى مع وباء كورونا واتخاذ إجراءات احترازية تجاوزت الثلاثة سنوات.

وبالطبع هناك مشكلة العرض والطلب «أحد الأسباب المهمة لتباطؤ الاقتصاد هو تراجع النمو الصناعى نتيجة عدم ملاءمة الهيكل الصناعى لتغيرات الطلب والفائض فى قدرة إنتاج بعض القطاعات بشكل خطير»، وهذا ما أعجبنى بالفعل فى إرشادات مجلد (حول الحكم والإدارة – شى جين بينغ) لتجاوز مثل هذه التجديات، خاصة أن مصر تتعرض لمثلها، ومع ذلك فإن الاقتصاد الصينى مرشح خلال السنوات والعقود القادمة أن يكون الاقتصاد الأكبر فى العالم متفوقًا بذلك على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع حمى شراء الصين للديون الأمريكية المتراكمة، والتى تقارب الـ100 تريليون دولار.

تعتمد الصين فى نهضتها الاقتصادية على محورين مهمين، الأول «الابتكار»، فهو المحرك الرئيس لتحويل نمط الإنتاج والدافع لتقنيات وصناعات جديدة، ويكفى أن تجرى عينيك على بعض الفيديوهات القصيرة فى وسائل التواصل الاجتماعى، حتى تشاهد الكثير من المنتجات الصينية المبتكرة، والتى ستشعر بحاجتك الملحة لشرائها ربما حتى قبل انتهاء الفيديو، وذلك مثال قوى على تحويل الأفكار الاقتصادية إلى ثمار ابتكارية واقعية. والثانى «تقوية نقاط الضعف»، فثقافة المجتمع الصينى تقوم على الاعتراف بنقاط ضعفه قبل نقاط قوته،ومنها على سبيل المثال: إن الحكومة الصينية ترى خطواتها الحثيثة فى مجال حماية البيئة ليست سياسة مستقلة فى حد ذاتها، وإنما علاج لأحد أهم نقاط ضعفها وهى ما تسببه حركة الإنتاج الصناعى الصينى المتزايد من تأثيرات بيئية، إلى جانب إن إنتاج منتجات صديقة للبيئة ذات جودة عالية لهو تحد كبير تواجهه ماكينة النمو الصينى. 

ومؤخرًا زدات وتيرة التقدم الاقتصادى والتكنولوجى فى الصين بصورة كبيرة، حيث تحقق الصين معدل نمو سنوى مازال هو الأعلى عالمياُ منذ عقود، اعتمادًا على العمالة الرخيصة بأعداد ضخمة، وتعاظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والعلاقة الصحية بين رأس المال والمعرفة التكنولوجية، والتى أتاحت الفرصة للاقتصاد الصينى للازدهار أكثر من أى بلد آخر.

الإبداع بدايته تقليد متطور، وأتمنى من خلال مقالى هذا أن نقلد التجربة الصينية، خاصة أن الواقع الاجتماعى وموروثات التقاليد متشابهة، ليست مثل الغرب بالمرة، وبالتالى الانفتاح عليهم سيكون أمرا فارقا.