السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فصل جديد فى الصداقة والتعاون 5 ملفات إقليمية على طاولة مباحثات السيسي وأردوغان فى تركيا

زيارة الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» إلى أنقرة هى أول زيارة رسمية يقوم بها الرئيس إلى تركيا منذ توليه الحكم عام 2014 وتأتى الزيارة فى سياق الأزمات المتتالية التى تشهدها المنطقة، من حيث حرب غزة، والأزمة الليبية، والأزمة السورية، والصراع المسلح فى السودان، فضلا عن التوتر فى إقليم القرن الإفريقى.



وتُعد الزيارة مؤشرًا قويًا على حرص البلدين على مواصلة التقدم فى العلاقات المصرية التركية، ويمكن اعتبارها نتيجة لمقدمات تشمل تبادل الرسائل السرية والعلنية على المستويين الاستخباراتى والدبلوماسى، وتخفيض لهجة الخطاب السياسى لأردوغان تجاه القاهرة وسياساتها، وإجراء اتصالات مكثفة بين المسئولين الدبلوماسيين والأمنيين، وتبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية، وعقد لقاءات رئاسية بروتوكولية سريعة على هامش ثلاث فعاليات دولية هى مونديال قطر فى نوفمبر 2022، والقمة العربية الإسلامية المشتركة بالرياض فى 11 نوفمبر 2023، والقمة لمجموعة العشرين بنيودلهى فى 10 سبتمبر 2023، انتهاءً بـزيارة الرئيس التركى إلى مصر فى فبراير الماضى.

ويُتيح انعقاد مجلس التنسيق الاستراتيجى رفيع المستوى الفرصة لتبادل الرؤى والأفكار ووجهات النظر واستكشاف القضايا الإشكالية والعمل على معالجتها واحتوائها قبلما تتفاقم، حيث إن عقد اجتماعات دورية لمجلس التنسيق يسمح بمناقشة ما يطرأ من قضايا إقليمية ودولية تتطلب تنسيقًا مشتركًا، بما يضمن تحقيق قدر من الاستقرار لعلاقتهما.

الأهمية والأهداف

تنبع أهمية الزيارة من السياق الإقليمى والدولى المصاحب لها؛ من حيث اشتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما تبع ذلك من تطورات والمواجهات بين حزب الله والميليشيات الإيرانية، إضافة إلى مرور النظام الدولى بمرحلة تحول من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، بما له من انعكاسات على منطقة الشرق الأوسط.

خلقت هذه المتغيرات السابقة لحظة سياسية مناسبة لتجاوز القضايا الخلافية وإدارتها والتشاور بشأن مستقبل الشرق الأوسط عقب انتهاء الحرب؛ فالأطراف جميعها تدرك أن حرب غزة لها ما بعدها، وأن ملامح اليوم التالى ستفرز متغيرات جديدة.

وتُظهر الزيارة قدرة البلدين على تفعيل آليات العمل الدبلوماسى على المستوى الرئاسى، الذى هو أعلى مستوى سياسى ومركز عملية صناعة القرار الاستراتيجى فى الدولة، مما يضمن تسريع وتيرة العلاقات وإكسابها زخمًا أكبر.

 

 

 

كما تُعبر الزيارات الرئاسية المتبادلة عن درجة عالية من النضج السياسى مكنت الدولتين من تصفية العلاقات من شوائب الأيديولوجية والشخصنة، والبحث عن التفاهمات بشأن القضايا الإشكالية.

وتعكس الزيارة صوابية رؤية الدولة المصرية وقدرتها على قراءة الحقائق السياسية، مع الالتزام بثوابت السياسة الخارجية إزاء التعاطى مع القضايا الإقليمية التى تتقاطع فيها مصالح الدولتين.

ولا يُمكن قراءة الانفراجة الحالية فى العلاقات المصرية التركية بمعزل عن الاستدارة التى أجرتها أنقرة فى سياستها الخارجية وانعكست فى عمليات المصالحة الإقليمية مع السعودية والإمارات، نتيجة تراجع البُعد الإيديولوجى لصالح تبنى سياسات براجماتية، والتراجع عن دعم جماعة الإخوان بعد فشل مشروعها السياسى داخل معظم دول المنطقة.

علاوة على رغبة أنقرة فى معالجة الارتدادات الداخلية لسياسة «العزلة الثمينة» التى ساهمت فى مفاقمة الأزمة الاقتصادية، وتزايد انتقادات المعارضة لأردوغان، وربما أثرت على فرص حزب العدالة والتنمية وبالأخص خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، لاسيَّما أن الفترة الرئاسية الحالية لأردوغان تُعد الأخيرة له، ما لم يُجرى تعديلات دستورية تسمح له بفترات أخرى أو يدعو لانتخابات مبكرة، ويتطلع لبناء إرث شخصى باعتباره أحد القادة الأتراك الذى جعل بلاده دولة محورية على الساحة العالمية وعزز مكانتها الإقليمية وهو ما دفعه لتفعيل الدبلوماسية الشخصية واستغلال قدرته على إحداث تحولات دراماتيكية فى السياسة الخارجية لتحسين علاقات بلاده، كما أنه يسعى لإنقاذ الفرص الانتخابية لحزبه العدالة والتنمية خلال الجولات الانتخابية القادمة.

ويُصاحب الرئيس السيسى خلال زيارته إلى تركيا، مجموعة من رجال الأعمال، وتتضمن أجندة الزيارة مناقشة التعاون فى مجالات الصحة والسياحة والدفاع والطاقة المتجددة والتعدين والغاز الطبيعى المسال والإعلام والاتصال والجامعات، فضلا عن توقيع اتفاقيات تشمل الجوانب التجارية والاقتصادية والثقافية والصحية.

التبادل التجارى

يحظى البعد الاقتصادى فى العلاقات المصرية التركية بأولوية كبيرة على أجندة البلدين، وقد ظل العاملان الاقتصادى والتجارى المتنفس الوحيد للعلاقات المصرية التركية خلال مرحلة التوترات عندما قرر البلدان النأى به عن مسار الخلافات السياسية، ولعله أيًضا من الملفات التى ستشهد تقدًما إيجابًيا عقب تحسن العلاقات، ومن المتوقع أن تحظى الملفات الاقتصادية بجانب واسع من المباحثات بين الرئيسين.

ويستهدف البلدان استغلال الإمكانيات المتوافرة لدى كليهما من خبرات صناعية متقدمة لدى تركيا والعمالة الرخيصة والمناطق الصناعية المؤهلة على غرار المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لخلق فرص استثمارية مهمة للمستثمرين الأتراك فى مصر، وتقدر قيمة الاستثمارات التركية الإجمالية بحوالى 3 مليارات دولار توفر 70 ألف فرصة عمل مباشرة ونحو 100 ألف فرصة عمل غير مباشرة من خلال 200 شركة تركية تعمل بمصر أبرزها «أركليك»(Arcelik)و«سيسكام»)Sisecam)و«تمسا»(Temsa)و«يلديز القابضة»(Holding Yildiz).

وتسعى مصر لاستقطاب حصة من الاستثمارات التركية التى تتوسع فى إفريقيا والدول المجاورة، حيث ُتعد سوًقا استثمارية مهمة للشركات التركية، ولا سَّيما مع إلغاء شرط التأشيرة للمواطنين الأتراك، وانخفاض تكاليف الإنتاج الإجمالية وتكاليف العمالة، وإمكانية الاستفادة من اتفاقيات الإعفاء الجمركى للنفاذ للأسواق الإفريقية، وتفعيل الاتفاقيات المشتركة وفى مقدمتها اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلين للاستثمارات، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبى.

وتستهدف مصر جذب الاستثمارات التركية فى قطاعات مثل مجالات الصناعات الهندسية والكيميائية والغذائية والأدوية والتصنيع الزراعى، والمنتجات الورقية والتغليف، والملابس الجاهزة والمنسوجات، والبناء والتشييد، والصناعات الورقية وغيرها من القطاعات.

 5 ملفات

وتعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من الموضوعات الرئيسية فى أچندة المحادثات بين مصر وتركيا، حيث تشترك الدولتان فى رفض السياسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى، ورفض التهجير القصرى، وتصفية القضية الفلسطينية.

وتتفق القاهرة وأنقرة على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بشكل فورى وعاجل والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتحقيق التهدئة بالضفة الغربية، وإعادة إعمار غزة بعد وقف إطلاق النار، وصولاً إلى إعلان الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو،1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.

كما أن الرؤية المشتركة للقاهرة وأنقرة بشأن ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية كان عامل إسناد قويًا للتحركات المصرية فى الملف الفلسطينى داخل دوائر صنع السياسة الغربية انطلاقا من عضوية أنقرة فى حلف الناتو وامتلاكها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن امتلاكها قنوات اتصال مفتوحة مع جميع الفصائل الفلسطينية.

كذلك، فإن التهديدات الأمنية الواسعة الناجمة عن اتساع الصراع وتحوله لمواجهة إقليمية شاملة، ومرور علاقات البلدين بإسرائيل بانعطافة دقيقة، يدفعهما للتنسيق الإقليمى وإدارة التهديدات المشتركة.

الأزمة الليبية

ويشكل الوجود العسكرى التركى فى غرب ليبيا أكبر العقبات أمام التقارب المصرى - التركى، فإن دوافع أنقرة الحقيقية للتواجد العسكرى فى ليبيا تتعلق بشكل أساسى بالدور المصرى هناك، بل تتعلق الدوافع التركية بتوسيع اليونان وقبرص نفوذهما فى شرق المتوسط، ما دفع تركيا إلى خطوة إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا عام 2019.

وترى القاهرة فى الوجود العسكرى التركى فى ليبيا تهديدا مباشرا لأمنها القومى، لا سيما بعد تعاون تركيا خلال العقد الماضى مع التيارات الجهادية والإسلامية هناك، وفى سوريا.

ومن ناحية، ترى أنقرة أنه يمكن فرض حل إقليمى على الساحة الليبية بحيث يمكن ترتيب تفاهمات إقليمية بين تركيا ومصر على نتائج الانتخابات المقبلة فى ليبيا وتقاسم النفوذ بعد ذلك بينهما فى الحكومة الليبية الجديدة الموحدة.

كما أن مصر ترفض هذا الطرح وتُصر على إجراء انتخابات ليبية نزيهة، وأن يقرر الشعب الليبى بإرادته الحرة مَن يحكمه، وتَعتبر خروج القوات الأجنبية ضرورة لسيادة ليبيا.

وعلى الرغم من الاختلافات بين الجانبين إلا أنه يُمكنهما التوصل لتفاهمات أمنية وعسكرية وسياسية بعدما باتا أكثر تقبلا لمصالح بعضهما فى ظل انفتاحهما على جميع الأطراف الليبية.

إذ يمكن الوصول إلى مستوى تنسيقى يراعى المخاوف المصرية من استمرار الانقسامات، والاضطرابات السياسية وانتشار المرتزقة الذين تعتبرهم القاهرة تهديدا أمنيا، ويراعى فى الوقت نفسه المصالح الاقتصادية والسياسية التركية.

فلا شك أن وجود تفاهمات مصرية تركية بشأن ليبيا، باعتبارهما فاعلين متداخلين ومتقاطعين فى الملف الليبى، ستنعكس إيجابيا على الأزمة الليبية فيما يتعلق بتقليل حدة الاستقطاب السياسى، ودفع العملية السياسية قدما نحو وضع خارطة طريق إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وفى حال تجاوزت مصر وتركيا خلافاتهما فى ليبيا، وساعدا على توحيد الحكومة هناك، فإن مجال التعاون الاقتصادى بينهما فى ليبيا سيكون واعدًا.

 الأزمة السورية

لم تصل الأمور بين أنقرة والقاهرة فى المشهد السورى إلى درجة المواجهة كما حدث بين تركيا والعديد من الدول هناك، وسعت القاهرة لإخراج النظام السورى، من عزلته وإعادة دمجه فى الدائرة العربية، ودعوة تركيا لسحب قواتها من الأراضى السورية.

عملت أنقرة بالمقابل على إبراز أسباب تواجدها العسكرى فى شمالى سوريا، وتحميل النظام فى دمشق مسئولية إيصال الأمور إلى ما هى عليه اليوم.

وقد مكنت التحولات الجديدة فى العلاقات التركية المصرية كلا البلدين من تسجيل اختراق سياسى باتجاه تحريك الجمود فى المشهد السورى، فشبكة علاقات القاهرة وأنقرة بأكثر من اتجاه ورغبة البعض بالخروج من أعباء المشهد السورى قد يمكنهما من لعب هذا الدور.

الصراع فى السودان

وقد سعت تركيا إلى استعادة حضورها فى منطقة البحر الأحمر والذى بلغ مداه فى عام 2017، خلال عهد الرئيس السودانى السابق عمر البشير، حينما وقعتا أنقرة والخرطوم العديد من اتفاقيات التعاون.

ورغم الفتور الذى أصاب العلاقات بعد «البشير»، كانت هناك مساع متواصلة استكمالا للاهتمام التركى بالسودان.

ويعد التعاون العسكرى التركى أحد ركائز حضورها فى إفريقيا، حيث كانت تركيا ضمن الدول التى توجه إليها رئيس مجلس السيادة «عبدالفتاح البرهان» فى سبتمبر 2023، والتى صاحبها توقعات بدعم تركى للجيش السودانى بالطائرات المسيرة. 

وبناء على ما تقدم، هناك مساحات يمكن رسمها لتقريب الرؤى بين مصر وتركيا حول الموقف من الصراع السودانى، سواء فيما يتعلق بضرورة وقف هذا الصراع، أو ملف إعادة الإعمار ما بعد الصراع، أو فيما يتعلق بالبعد الإغاثى، وكذلك فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، لما تملكه تركيا وإثيوبيا من علاقات متنامية.

وعلى الرغم من وقوف تركيا على نفس الخط من الموقف المصرى الداعم للمؤسسة العسكرية فى الصراع السودانى، فإن هذا التوافق يتعين أن يشمل ألا يدعم الموقف التركى استمرار الصراع بتقديم الدعم العسكرى، أو مزيدا من الاستقطاب الإقليمى على الساحة السودانية.

القرن الإفريقى

وتتوافق تركيا ومصر على رفض الاتفاق الأخير بين إثيوبيا وأرض الصومال، وقامت تركيا بدور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا وهو ما رحبت به مصر. 

كما أرسلت مصر طائرتين عسكريتين من طراز C-130، إلى مطار مقديشو، محملتين بأسلحة وذخيرة.

وبالإضافة إلى ذلك، أشارت التقارير إلى أن «قطعا بحرية عسكرية تركية، وصلت إلى السواحل المصرية مطلع الأسبوع الحالى، تمهيدا إلى توجهها نحو السواحل الصومالية برفقة قطع بحرية مصرية مقاتلة خلال أيام قليلة».

ويأتى هذا فى إطار التنسيق العسكرى بين القاهرة وأنقرة التى تضطلع بمهام عسكرية واسعة فى الصومال، وتعد الخطوة أول تنسيق عسكرى بين مصر وتركيا منذ استعادة العلاقات بين البلدين.

كما لعبت أنقرة مؤخرا دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، حيث نقلت رسائل متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا ضمن محاولات إيجاد حل لأزمة سد النهضة.