
هناء فتحى
بيرجيت باردو وكلب آلان ديلون
لم تكن وصية «آلان ديلون» التى كتبها قبل وفاته الأسبوع الماضى، بقتل كلبه المحبوب «لوبو» Loubo ذى العشر سنوات، قتلًا رحيما أثناء نومه، ودفنه بجواره فى ذات التربة التى دفنوه فيها الأحد الماضى، لم تكن وصيته خبرًا صحفيا عاديًا ولا خبرًا إنسانيًا عاديا ولم تمر مرور الكرام بين أبنائه وبين كل منظمات حقوق الحيوان الفرنسية، فبعد اعتراض ورفض أبنائه وبناته رفضا تامًا لتنفيذ الوصية القاسية، وبعد الضجة التى أثارتها مجتمعيًا وصحفيًا وإنسانيًا جمعية «بيرجيت باردو» للرفق بالحيوان والتى ما إن علم أفرادها حتى توجهوا فورا لمنزل «آلان ديلون» وسيطروا على الكلب واحتجزوه فى قفص استعدادًا لنقله إلى بيت آخر للتبني. لكن أبناء الفنان وعدوا جمعية بيرجيت باردو بعدم إيذاء الكلب قائلين إنه أحد أفراد الأسرة، قال أحد أفراد جمعية بيرجيت باردو للصحف: ولماذا لم يوص «آلان ديلون» بقتل ابنه ودفنه بجواره فى مرقده الأخير؟ سؤال منطقى، والإجابة مؤلمة، إذ إن المعنى المخفى والمستتر وراء ذلك يقول إن «ديلون» لم يكن يأمن الحياة والموت إلا فى وجود «لوبو».
لم يكن خبرًا عاديًا أبدا لأننا لو استرجعنا صيغة ومسار وحكايا نساء ديلون عنه سنكتشف أنه عذبهن جميعًا، لم تكن ملامحه الوسيمة الودودة تعكس مشاعر رقيقة حانية ولم يكن سلوكه تجاه المرأة رومانسيا، لذلك لم يكونوا يلقبونه عدو المرأة من فراغ، لم تخرج امرأة من حياته سالمة كلهن خرجن بجروح وذكريات موجعة بدءًا من «داليدا» مرورًا بـ «بيرجيت باردو» و«رومى شنايدر» و«ميراى دارك» وحبيبته اليابانية الأخيرة «نيرومى» وانتهاء بزوجته وأم ابنه الشرعى، كان ديلون قد كتب فى مذكراته أنه عرف نساءً كثيرات وأحب منهن خمسًا.
لم يكن الوصية خبرًا عاديًا لكنه يشبه تلك الأخبار المتداولة ستين عاما عن قسوة الوسيم الوديع، عن مراوغة ومخاتلة قسمات وجه ولون عينيه للناظرين، لم تكن وسامته وشهرته ونفوذه وأمواله سوى فخ للجميلات
وحين تقارن أو تقارب بين علاقته بالكلاب وبين علاقته بالنساء ستعرف أن كليهما مرّ بالقتل الرحيم.
من بين خمسين كلبًا يعيشون فى بيت الممثل الأجمل والأوسم والأكثر جاذبية فى السينما الفرنسية، كان الكلب المالينو البلجيكى «لوبو» هو الأكثر قربًا وثباتًا فى قلبه، فكان أن اتخذه الممثل الراحل ولدًا -رغم إنجابه ذكورا- لكن «لوبو» كان الابن المُدلل بين الأبناء الكلاب والبشر.
لم يكن خبرًا عاديًا، كان يعنى أن ديلون رغم شهرته وأمواله وأفلامه وعشيقاته وأبنائه الشرعيين وغير الشرعيين ومعجبيه وزملائه كان يعيش خائفًا وحيدًا وكان أمانه الأوحد هو لوبو.
فى اعترافاته المنشورة كان يصف علاقته بالنساء بأنها كانت مضطربة غير مستقرة ولا رومانسية، لأنه لم يكن مخلصًا لواحدة منهن.. وكأى رعديد وضيع فقد نجح فى الحفاظ على علاقته بحبيبتين فى وقت واحد. وهو وضع يصفه بقوله «لم أخبر أيًا منهما بالحقيقة لأننى أردت السلام. على المرأ أن يكون ممثلًا، وأن يعرف كيف يكذب باستمرار ويجيد دور العاشق المخلص المتفانى فى هيامه وغرامه ، وأنه ما اتجه إلى التمثيل إلا لجذب النساء، كان يعشق التمثيل عليهن - والتمثيل بقلوبهن- لغير هذا السبب لم يكن مجال السينما جذابًا ومحببًا إليه.
كان ديلون فى كل حكاياه العاطفية يبدو كنذل عظيم، لم يكن يعيبه ذلك ولا يسيئه ولا يخجله، كان يجاهر بقسوته، بسوء علاقته بالنساء ورغبته الدائمة فى خداعهن المتواصل.
مال ديلون إلى كلبه المالينو البلجيكى من بين كلابه الخمسين، إذ إن لوبو الذى حصل عليه (ببلاش) من متشرد كان ثمنه وقتها يتعدى الأربعة آلاف دولار وهو من أذكى الكلاب وأكثرها فخرًا كسلالة راقية وهى كلاب تعمل فى الحماية والبحث والإنقاذ والكشف عن القنابل والمخدرات، وهى عاشقة ومحبة وراعية لأصحابها البشريين وتتراوح أعمارها حتى عشر أو أربعة عشر عاما ثم تموت فى هدوء. أظن أن ديلون قد قدّر عمر كلبه عند هذا الحد. أظنه أراد من الكلب الوفى المحب أن يكمل مهمته بحمايته فى الآخرة.
ويبقى السؤال: هل عرف لوبو بوصية صاحبه بقتله ودفنه معه؟.>