الصحـافة والثـورة ذكريات ومذكرات - 1
موســى صبـرى «السادات.. المعارضة.. الغضب»!!
رشاد كامل
لا يحتاج «موسى صبرى» إلى تعريف أو تقديم!
منذ سنوات طويلة وموسى صبرى يشغل دنيا الصحافة والسياسة بمقالاته ومعاركه التى لا تنتهى!
فى عصر عبدالناصر أصبح موسى صبرى رئيسًا للتحرير وحدث نفس الشىء فى عصر السادات!
وفى الوقت الذى تفرق فيه الأصدقاء والمنتفعون من حول السادات بعد رحيله ظل موسى صبرى على نفس الدرجة من الحب الشديد والدفاع الأشد عن السادات: الرجل والمواقف!
سألت موسى صبرى: ما حكايتك مع أخبار اليوم وأنت القائل: إن عرشى هو مكتبى فى دار «أخبار اليوم»، وإذا ابتعدت عنه فإننى لن أعوضه بعرش ملك، فالصحفى لا يصلح لأى عمل آخر غير الصحافة؟
قال: حكايتى مع «أخبار اليوم» بدأت فى أول يناير 1950، ولكن قبل ذلك ومنذ عام 1947 كنت أعمل سكرتيرًا لتحرير جريدة «الزمان» المسائية التى كان يرأس تحريرها الأستاذ «جلال الحمامصى»، وكان الحمامصى قبلها قد قدم استقالته من جريدة «الأساس».. وفى «الزمان» تعرفت إلى الفنان حسن فؤاد الذى كان يتابع بريشته تفاصيل محاكمة اغتيال أمين عثمان المتهم فيها السادات وآخرون.
كان اتفاق «الحمامصى» مع صاحب الجريدة «ادجار جلاد» المعروف بصلته الوثيقة بالقصر أن الجريدة مستقلة فى سياستها، ولكن فى انتخابات عام 1950، التى أتى فيها الوفد للحكم، ظهر لنا أن «الزمان» ستؤيد الوفد فى هذه الانتخابات.. وقال لنا ادجار جلاد ذلك بوضوح شديد! فاستقلت.. والحقيقة أنها كانت استقالة جماعية على رأسها الأستاذ جلال الحمامصى رئيس التحرير، كنا حوالى سبعة أو ثمانية محررين، وذهنا إلى «الأهرام» ونشرنا جميعًا نبأ استقالتنا من «الزمان»، فى نفس هذه الليلة كان المرحوم كامل الشناوى يقوم بعمل رئيس التحرير فى «الأهرام»، فطلب منى العمل فى «الأهرام»، واختار لى مكتبًا بالفعل وحدد لى المرتب الذى أريده! وكانت هذه أول مرة أراه فيها!
صباح اليوم التالى اتصل بى الأستاذ الحمامصى وسألنى: ماذا فعلت؟
فقلت: اتفقت مع الأهرام فقال لى: لأ.. سوف تعمل فى «أخبار اليوم»، ومصطفى بك أمين ينتظرك الساعة 12 ظهر اليوم، فقلت له وأنا مندهش: ووعدى للأستاذ كامل الشناوى؟! قال ببساطة: أنت تعرفه؟! قلت: لا! فقال: أنا هاعتذر له بالنيابة عنك، وسوف يقدر هذه الظروف!
وأذكر أننى كتبت خطاب اعتذار لكامل الشناوى وذهبت فى موعدى لمقابلة الأستاذ مصطفى أمين، وقال لى بسرعة: أنا مش ها أقدر أعيِّنك فى أخبار اليوم بأكثر من 45 جنيهًا فقط، لأن أحسن محرر عندى وهو «هيكل» مرتبه 45 جنيهًا، فسأعينك بنفس المرتب! وقلت له: المرتب لا يهم!
وقال لي: ستشتغل «محرر برلماني» لأخبار اليوم وآخر ساعة! فقلت له: موافق على أخبار اليوم إنما غير موافق على آخر ساعة! سألنى: ليه؟ قلت: ما أحبش أشتغل مع هيكل! سألنى بخبث: هل تعرف هيكل؟ فقلت: لا أعرفه! قال: ما سبب رفضك العمل معه؟ فقلت له: إن عبدالرحمن الشرقاوى زارنى فى بيتى وقال لى إن «هيكل» قال لهم فى الجرنان إن موسى صبرى لن يدخل أخبار اليوم.
وابتسم مصطفى أمين، فعدت أقول له: طب أشتغل مع واحد زى ده إزاي؟ فقال: معلهش يمكن لما تكون محرر أساسى فى أخبار اليوم وييجى واحد من بره يبقى من حقك تعترض عليه! فقلت له: ولكن هذا شعور عدائى.
فرد قائلاً: إنت مابتشتغلش لحساب شخص، إنت بتشتغل لحساب أخبار اليوم».. وهكذا دخلت أخبار اليوم.
وجدت نفسى فى حيرة عندما وجدت فى مجلة «آخر ساعة» مسلسلاً صحفيًا عنوانه «قصة ملك و4 وزارات» بقلم موسى صبرى، كان تاريخ نشر الحلقة الأولى 10 ديسمبر 1952.
كان رئيس تحرير آخر ساعة الأستاذ «محمد حسنين هيكل» وسبق لك التصريح أن هيكل كرئيس تحرير أنانى جدًا، كيف يكون الأستاذ هيكل بهذه الأنانية الصحفية وينشر لك تلك الحلقات فى آخر ساعة؟
ضحك الأستاذ موسى صبرى وقال لي: دى حكاية طريفة أوى، فى ذلك الوقت كان هيكل قد سافر إلى أمريكا فى رحلة صحفية، وكان المرحوم كامل الشناوى متوليًا رئاسة تحرير «آخر ساعة» بدلاً منه، وأذكر أنه استدعانى إلى مكتبه ذات يوم وقال: أنت لديك ذخيرة سياسية تبددها!
ولم أفهم مغزى كلماته إلا بعد أن قال لى: لقد عايشت يا موسى المسرح السياسى المصرى كاملاً فى الشهور الستة الأخيرة قبل ثورة 23 يوليو، وتابعت أزمات تلك الفترة يومًا بيوم وساعة بساعة. ضحك كامل الشناوى بكل جسمه، وقال لى وهو يحرضنى على الكتابة: ما رأيك فى أن تكتبها الآن وأنشرها لك مسلسلة فى «آخر ساعة»؟!.. ووافقت، وأذكر أننى كتبت حوالى عشر حلقات، كان عنوان هذه الحلقات هو «قصة ملك و4 وزارات.. أسرار حكم مصر من حريق القاهرة حتى قيام الثورة».. وكانت المفاجأة أن كامل الشناوى قرر أن يكتب اسمى على الحلقات تسبقه كلمة «بقلم».. وأن تنشر الحلقات فى صفحات الدوبل باج من آخر ساعة، أى أهم الصفحات فى المجلة، وعندما عاد هيكل من رحلته، وكان قد بقى حوالى حلقتين أو ثلاث، نشرها فى الصفحات الأخيرة المهملة من المجلة وصدرت هذه التحقيقات فى كتاب طبع أكثر من طبعة.
قلت: لدىَّ طبعة 1973 من الكتاب، التى تقول فى إهدائها: أهديها إلى أساتذتى.. أهديها بكل الحب للغائب حتى يعود، وللحاضر نشاركه فى الرحلة الشاقة.. فمن كنت تقصد بهذا الإهداء؟
قال: كنت أقصد مصطفى وعلى أمين.. لأن وقت صدور هذه الطبعة- أكتوبر 1973- كان مصطفى أمين مسجونًا، وعلى أمين منفيًا فى لندن، والحقيقة أن مدير الرقابة وقتها اتصل بى وقال: أنا احترمت هذا الإهداء جدًا، رغم أنى فهمت من المقصود به! لكنى احترمت إهداءك وتركته! وإلى كامل الشناوى يعود الفضل الأول فى كتابة هذه الحلقات التى تحولت إلى كتاب.
قلت: أين كنت صباح 23 يوليو 1952؟
قال: فى تلك الأيام كانت هناك أشياء متوقع حدوثها بين لحظة وأخرى، أنا فى ذلك الوقت كنت فى الإسكندرية، وكان حسين سرى باشا قد بدأ مشاوراته لتشكيل الوزارة، وكنت مقيمًا عنده بصفة دائمة، وخبأنى فى إحدى غرف منزله، وحضرت تشكيل الوزارة الذى استمر أربعة أيام، كان حسين سرى فى خلاف شديد مع الملك فاروق حول أسلوب تعامله مع الجيش! كان من رأى الملك عدم الاستعانة باللواء محمد نجيب، بينما كان حسين سرى رافضًا ذلك، بل اقترح على الملك تعيينه وزيرًا للحربية، فى نفس الوقت فإن رئيس حرس الوزارات واسمه «محمد وصفي» قدم للدكتور محمد هاشم وزير الداخلية فى وزارة حسين سرى كشفًا بأسماء حوالى عشرة ضباط وقال له: إن هؤلاء الضباط سيقومون بعمل انقلاب، فإذا قبضنا عليهم فستنتهى الأزمة.. وللتاريخ فقد رفض وزير الداخلية هذا الاقتراح وكنت حاضرًا تلك المقابلة، فلو أن حسين سرى كان قد اقتنع بفكرة القبض على هؤلاء الضباط- وهم الضباط الأحرار- كان ممكن جدًا ألا تقوم الثورة فى ذلك الوقت.
وبعد ذلك عندما قامت الثورة بعمل تحقيق مع بعض السياسيين القدامى، كان أنور السادات مكلفًا بالتحقيق مع د.محمد هاشم، فروى للسادات هذه الواقعة واستشهد بي.
قلت: عندما قامت الثورة فإن كل الصحف أيدتها بغير حدود، ورغم ذلك أصدرت الثورة بعد فترة قليلة صحفها الخاصة. كانت البداية مجلة «التحرير» ثم «الجمهورية» .. ثم «المساء».
قال: عندما قامت الثورة كنت وقتها أشغل منصب نائب رئيس تحرير «الأخبار» التى صدرت قبل الثورة بأسابيع فقط، ورغم أن جميع الصحف أيدت الثورة، ووقفت بجوارها باستثناء «المصرى»، التى اختلفت مع الثورة أثناء أزمة مارس 1954 فأغلقتها محكمة الثورة، فإن جمال عبدالناصر كان مهتمًا بالصحافة اهتمامًا كبيرًا.. وكان يريد بجانب هذه الصحف صحافة خاصة بالثورة، صحافة ملكه.. فأنشأ عددًا من الصحف والمجلات، ولهذا أيضًا اختار هيكل من بين كل الصحفيين الذين كانوا قريبين منه ليكون الصحفى الأوحد، فحتى 23 يوليو كان هيكل صحفيًا شابًا جديدًا وغير مرتبط برواسب قديمة.
قلت: كيف ذلك وقد كان رئيس تحرير «آخر ساعة» ابتداءً من يونيو 1952؟!
قال: ده صحيح، ولكن «هيكل» قبل 1952 مكانش صحفى سياسى بالمعنى السياسى، عمره ما كان «صحفى سياسى» أو لعب دورًا فى المسرح السياسى الداخلى، بعكس مصطفى أمين مثلا الذى كان - كما قلت لك - نجم المسرح السياسى فى الصحافة المصرية، أما هيكل فقد امتاز بتحقيقاته الصحفية الخارجية مثل حرب فلسطين، إيران، الكوليرا.. إلخ.
وفى بداية الثورة كان عدد كبير من الصحفيين يتصل بعبدالناصر، كان هناك مصطفى أمين، على أمين، إحسان عبدالقدوس، أحمد أبوالفتوح، حسين فهمى، وحلمى سلام!
بل إننى أقول إن مصطفى أمين خاض كل معارك عبدالناصر بتكليف من عبدالناصر نفسه! وبعد الثورة بأسابيع قليلة فإن جمال عبدالناصر هو الذى أملى أسماء مجلس قيادة الثورة على مصطفى أمين لينشرها فى تحقيق اسمه «سر الضباط التسعة» وده كان أول إعلان لأسمائهم يعرفه الرأى العام.. وفى أحيان كثيرة كان عبدالناصر يتصل بمصطفى تليفونيًا ويختار معه المانشيت الذى ينفرد به فى أخبار اليوم أو الأخبار.. وكان عبدالناصر معجبًا بمقال كتبه مصطفى أمين قبل الثورة بعام وكان اسمه «البحث عن قائد» فى أخبار اليوم، وقد تأثر بهذا المقال تأثرًا كبيرًا، إنما تطور الأمر بعد ذلك فصار هيكل وحده هو الذى يتصل، وهو الذى يعلم، وهو الذى ينفرد بالأخبار!
ببساطة أسأل: هل طلبت لقاء عبدالناصر ورفض الرجل ذلك؟ هل حاولت مجرد المحاولة يا أستاذ موسى؟!
قال: الحقيقة أنا عمرى ما طلبت مقابلة جمال عبدالناصر - هذا أولًا - ولم أطلب لأنى كنت أعرفه أنه لا يقابل أحدًا، ولعلك قرأت أخيرًا حديث الأستاذ أحمد بهاء الدين الذى قال فيه إنه لم يقابل عبدالناصر طوال عمره! والمرة الوحيدة التى رأيت فيها عبدالناصر عن قرب كانت فى اللقاء الذى عقده مع رؤساء مجالس إدارات الصحف، ورؤساء التحرير عقب صدور قرار تأميم الصحافة فى مايو 1960، وكنت أحد رؤساء تحرير «الجمهورية»، وأذكر فى ذلك اللقاء أن عبدالناصر امتدح إحسان عبدالقدوس، فدخل إحسان فى مناقشة معه، فأثار غضب عبدالناصر، ولم تفلح نكتة أو دعابة أطلقها المرحوم فكرى أباظة فى تلطيف الجو، ورغم أن عبدالناصر تكلم بعصبية حول ضرورة المحافظة على شرف الأسرة وسمعة المرأة بألا تنشر الصحف الجرائم الجنسية، وألا تنشر إعلانات لأثرياء البترول، فإن كل ما أغضبه من الصحافة لم ينفذ حرف واحد منه، مما يدلك على أن الهدف أولًا وأخيرًا كان أن تتبع الصحافة الدولة، أما كل ما قيل فلم يكن سوى تمهيد فقط، وهيكل أحد الذين شجعوا عبدالناصر على تأميم الصحافة!وبكل أسف فقد ماتت الصحافة بعد تأميمها!
قلت: وكنت رئيسًا لتحرير «الجيل».. فكيف؟!
قال: مكثت عامين أشغل منصب نائب رئيس تحرير الأخبار منذ صدرت الأخبار فى عام 1952 إلى أن أصدر مصطفى أمين وعلى أمين مجلة «الجيل» عام 1954، وكان يرأس تحريرها إسماعيل الحبروك، ولا أدرى سبب خروجه منها، إنما كان توزيع المجلة تعبان جدا، وذات يوم جلس مصطفى أمين وقال لى: أنا اخترتك رئيسًا لتحرير «الجيل»، والحقيقة أن هذا الاختيار كان بناء على اقتراح من المرحوم هنرى توفيق بحرى سكرتير تحرير «آخر ساعة»، وللتاريخ فهو أيضا الذى اقترح على مصطفى أمين تعيين هيكل رئيسًا لتحرير آخر ساعة.
كانت الجيل مجلة للشباب، وكان منطق المجلة أكبر مجموعة من الأخبار فى أقل عدد من الكلمات، أما هدفها فهو إلقاء الضوء على نوابغ الشباب فى مجالات الأدب والفن والرياضة، وأذكر أننى طلبت من مصطفى أمين ألا يكتب اسمى كرئيس تحرير للمجلة إلا بعد فترة، وبعد ثلاثة أشهر وضع اسمى رئيسًا للتحرير، والحقيقة أن المجلة، نجحت نجاحًا كبيرًا وزادت أرقام توزيعها على توزيع «آخر ساعة»!
أذكر مرة كتبت فى الجيل مقالًا خفيفًا «لايت يعنى» وقلت فى ثلاثة سطور بالضبط: إن المذيعة التى قامت بإذاعة وصف استقبال شعب الجزائر لجمال عبدالناصر كان صوتها مخنثًا، ولم أذكر اسم المذيعة، وصدرت المجلة وبعد عدة أيام طلبنى مصطفى أمين وسألنى: هل كتبت عن مذيعة أن صوتها مخنث؟ فقلت له: آه.. ده من كذا يوم.. إنما فيه إيه؟!
فقال: أصل عبدالناصر قرأ المقال النهاردة بس، اتصل بى تليفونيا وقرر وقفك عن العمل! وسألته مندهشًا: أتوقف عن العمل علشان ثلاثة سطور ولم أذكر فيها حتى اسم المذيعة؟!
يومها كان كامل الشناوى موجودًا عند مصطفى أمين، فكتبت استقالة عن عملى، لأن ما حدث فيه مساس بكرامتى كصحفى قبل أن أكون رئيس تحرير، وهدأنى كامل الشناوى قائلا: ما تبقاش مجنون يا موسى، ولكنى صممت على موقفى، وأشهد أن مصطفى أمين بذل جهدًا خرافيًا لتسوية المشكلة مع «همت مصطفى» التى عنيتها فى سطورى، وفشلت مساعيه. وحاول ترضيتها، فكتب عنها خبرًا كبيرًا فى «أخبار الناس» قال فيه: إن همت مصطفى مذيعة ذات مستوى عالمى، وإن الإذاعات العربية تقبل بشغف على ما تذيعه.. و.. ونشر لها صورة كبيرة مع الخبر، ومع ذلك أصر عبدالناصر على قراره.
وانتشر خبر وقفى عن العمل فی الوسط الصحفى، وحدث أن عبدالناصر كان يتصل تليفونيًا بمصطفى أمين، فأبلغه مصطفى أن قرار إيقاف موسى أحدث رد فعل سيئًا فى أوساط الصحفيين.. وأذكر أنه قال لعبدالناصر فى التليفون وكان معه فى مكتبه: هل إذا نشرت «البرافدا» خبرا عن راقصة باليه فى البولشوى ولم يعجبها يفصل رئيس تحرير «البرافدا»؟! وكان رد عبدالناصر الذى أبلغه لنا مصطفى بعد انتهاء المكالمة: هذه مسألة خلافية.. ولا عدول عنها!
وأمام موقف مصطفى أمين المشرف سحبت استقالتى، ولزمت بيتى عدة شهور حتى أعادنى عبدالناصر للصحافة مرة أخرى بكلمة فى التليفون!
فى تلك الفترة كان عبدالناصر يجتمع بالبعثيين فى القاهرة، وكتب مصطفى أمين مقالًا فى الموقف السياسى فى «أخبار اليوم» واتصل به عبدالناصر ليشكره ويهنئه على مقالته الممتعة، وقال له: كأنك يا مصطفى كنت حاضرًا الاجتماع معنا، لأنك عبرت عن وجهة نظرى تمامًا التى قلتها فى الاجتماع!
وفاجأ مصطفى أمين الرئيس عبدالناصر بقوله: أنا تعبان أوى يا ريس، لأنى باشتغل لوحدى من فترة.. وسأله عبدالناصر: ولماذا تعمل وحدك؟ فقال له: سيادتك عارف إن موسى صبرى موقوف عن الشغل، وقاعد فى البيت.. فيها حاجة لو يرجع يشتغل طالما بيقبض مرتبه؟
وسأله عبدالناصر مندهشا: بتقول بيقبض مرتبه؟!.. أمال إزاى موقوف عن العمل يا مصطفى؟! فقال له: أصل الصحافة غير الحكومة يا ريس! إحنا عندنا الوقف مع المرتب!
وتحولت نكتة مصطفى أمين إلى قرار من عبدالناصر بعودتى إلى العمل، وهكذا أوقفنى عبدالناصر عن العمل بكلمة فى التليفون، وأعادنى بكلمة أيضا فى التليفون.
قلت: المعروف أن صحيفة «الجمهورية» كانت لسان حال الثورة، وكان عبدالناصر صاحب امتيازها والسادات مديرها العام، فكيف أصبحت رئيسًا لتحرير جريدة عبدالناصر الذى اكتفى واقعيًا من الصحافة بالأهرام ومن الصحفيين بهيكل؟
قال: كان عبدالناصر قد غضب طويلا على المرحوم صلاح سالم، وعندما رضى عنه أوكل إليه مهمة رئاسة دار التحرير، ولما سأله: وماذا أفعل فى الجمهورية وخسائرها المستمرة؟! قال له: هات موسى صبرى!
والحقيقة أننى كنت أعرف رأى عبدالناصر عنى من خلال شقيقه المرحوم عز العرب عبدالناصر، وكان مدير مكتب جريدة الجمهورية فى الإسكندرية، وقد نقل رأى عبدالناصر وهو أننى صحفى كويس، مهنى من الدرجة الأولى، ماليش فى المؤامرات ولا أشترك فى الدسائس، ولكن أشطح فى الكلام!
وفعلًا اتصل بى المرحوم صلاح سالم، وكنت أعرف عنه عصبيته ونرفزته الشديدة، وأنه كان يجرى وراء الصحفيين فى مبنى مجلس الثورة ويشتمهم.
واعتذرت له، وجلسنا معا جلسات طويلة وتناقشنا فيها وقلت له: أنا كرامتى هى كل ما أملك، ولا أستطيع التعامل بسبب أسلوبك الذى تتبعه مع الصحفيين! فقال لى: جربنى، واشتغل معايا وشوف هل هذا حقيقى أم لا؟ وفعلا استقلت من أخبار اليوم، وعملت رئيسًا لتحرير الجمهورية حوالي عامين، وأشهد أننى وجدت صلاح سالم من أحسن من تعاملت معهم فى حياتى الصحفية رغم فكرتى السابقة عنه، وللأمانة فقد أعطانى الرجل «كارت بلانش» وثقة كاملة تمامًا، مما جعلنى أتفانى فى العمل معه، وأنا أعتبر هذه الفترة من أصعب أيام حياتى وأسعدها أيضًا.
فى تلك الفترة كانت الوحدة مع سوريا ما زالت قائمة، أذكر أننى ركبت الطائرة المتجهة إلى دمشق، وكان السفر بالبطاقة الشخصية ولا ضرورة لجواز السفر، وعندما جلست فى مقعدى فى الطائرة، فوجئت بواحد من ضباط مباحث أمن الدولة يصعد إلى الطائرة، ويتوجه ناحيتى ويبلغنى أننى ممنوع من السفر! وجننت، وذهبت فى الحال إلى صلاح سالم ورويت له الحكاية، وللحق فقد ثار الرجل وغضب واتصل بسامى شرف وعنفه على هذا المنع، وتحدث سامى شرف مع عبدالناصر، وأبرق عبدالناصر من دمشق بموافقته على سفرى.