الأربعاء 15 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بهدف العدول عن حافة الهاوية بين القوتين العظميين زيارة رفيعة المستوى لاحتواء سيناريوهـــات المواجهــــــــة

فى زيارة هى الأولى من نوعها منذ أكثر من 8 أعوام لمستشار الأمن القومى الأمريكى، زار «جيك سوليفان»، «الصين» منتصف الأسبوع الماضى، من أجل بحث عدد من القضايا الشائكة بين البلدين، تتضمن: أزمة «تايوان»، والمحادثات العسكرية بين «واشنطن» و«بكين»، وقضايا الذكاء الاصطناعى، إلى جانب دعم «الصين» لصناعة الدفاع الروسية، فضلاً عن تطورات الأوضاع فى بحر الصين الجنوبى، والأزمة الكورية، والرسوم الجمركية على «الصين»، وغيرها من القضايا الشائكة بين الجانبين، بهدف إبقاء التوترات بين الجانبين تحت السيطرة.. وفى هذا الصدد، يثار التساؤل الأهم: لماذا هذه الزيارة فى الوقت الحالى، وقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بشهور قليلة؟!



بعيداً عن انشغال «الولايات المتحدة» بالمعترك السياسى الداخلى والتحديات الداخلية والخارجية غير المسبوقة التى تواجه الجانب الأمريكى على كافة الأصعدة، دق الاستراتيجيون العسكريون الأمريكيون ناقوس الخطر بشكل متزايد بشأن قدرات «الصين» المتنامية، والمخاطر المترتبة على ذلك على المصالح الأمريكية، ويواصل صناع السياسة والاستراتيجيون العسكريون الأمريكيون التشدد فى التعامل مع «الصين»، فيما يصفها البعض، بأنها جزء مما يصفوه بـ(محور الشر الجديد)، الذى يضم –أيضاً- كلاً من دول: «روسيا، وكوريا الشمالية، وإيران». على كل، تسلط هذه الخلفية الضوء على ثلاثة سيناريوهات مختلفة، قد تشتعل بها فتيل الحرب بين «الصين»، و«الولايات المتحدة»، وهي:

 سيناريو 1: حرب محدودة ببحر الصين الجنوبي

أصبحت التوترات الأخيرة بين «الصين»، و«الفلبين» فى بحر الصين الجنوبى خلال السنوات الأخيرة، محور قلق كبيرا فى سعى كلا البلدين للحصول على مطالبات متنافسة على بعض الجزر وغيرها من المعالم فى هذا البحر. 

وتكمن المشكلة هنا، فى أن ملكية الجزر الصغيرة إلى حد ما يمكن أن توفر أرضاً لقواعد عسكرية، كما تمنح –أيضاً- بحاراً إقليمية كبيرة، ومناطق اقتصادية حصرية للدولة القادرة على إثبات حيازتها. 

فعلى سبيل المثال، كان ضمن أحدث التوترات التى حدثت فى المنطقة بين «الصين»، و«الفلبين» فى المنطقة، هو ما أفاد به أحد فرق العمل الفلبينية فى بحر الصين الجنوبى، بأن السفن الصينية صدمت، واستخدمت مدافع المياه، ضد سفينة تابعة لمكتب مصايد الأسماك الفلبينى، كانت تنقل الغذاء والوقود والإمدادات الطبية لصيادين فلبينيين. 

اعتبر وزير الدفاع الفلبينى تصرفات «الصين» فى البحر بأنها غير قانونية؛ وذلك عقب مواجهة جديدة بين البلدين فى المياه. 

من جانبه، قال خفر السواحل الصينى إن السفينة الفلبينية تجاهلت تحذيرات جادة متكررة، واقتربت عمداً واصطدمت بقارب صينى، مما أدى إلى وقوع التصادم؛ مضيفاً أن المسؤولية تقع بالكامل على الجانب الفلبيني؛ ومحذراً «الفلبين» –أيضاً- من أن عليها وقف كل أعمالها غير القانونيةا، وإلا فستتحمل عواقب هذا الوضع.

بدورها، علقت السفيرة الأمريكية لدى «الفليبين» على الحادث، بأنه سلوك غير آمن، وغير قانونى، وعدوانى للسفن الصينية؛ معتبرة أن ما حصل، هو الأحدث فى سلسلة إجراءات خطيرة ومتعددة اتخذتها «الصين».

يذكر، أن تعليق السفيرة الأمريكية، جاء انطلاقاً من المعاهدة الأمنية التى أبرمتها «الولايات المتحدة» مع «الفلبين»، ما يجعل «واشنطن» ملزمة بالتدخل دفاعاً عن حليفتها فى حالة تصاعد الأزمة فى المستقبل.

وفى حالة تفاقم التوترات، لن يكون أمام «الولايات المتحدة» على الأرجح سوى خيارات محددة، وهي: مرافقة سفن الإمدادات الفلبينية المستقبلية إلى الشعاب المرجانية ما قد يثير حفيظة «الصين»؛ أو إطلاق النار على أى سفينة صينية أطلقت النار على السفن الفلبينية أو الأمريكية؛ أو نشر أفراد أمريكيين -بدعوة من «الفلبين»- على الشعاب المرجانية؛ أو تنفيذ عقوبة اقتصادية على «الصين».

المثير للقلق فى هذه الاختيارات الأمريكية، أن مثل هذه المناوشات قد تتغير فى لحظة إلى مواجهة كبرى تكون فى قمة اللا عقلانية، لأنه بمجرد بدء إطلاق النار، وبدء سقوط الضحايا، يصعب استبعاد ديناميكيات التصعيد المقلقة؛ وذلك لأن أغلب الحروب فى تاريخ البشرية ليست عرضية، وفى بعض الأحيان اندلعت الحروب الكبرى، بسبب أحداث صغيرة، مثلما حدث مع اغتيال أرشيدوق «النمسا والمجر» فى يونيو 1914، مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى فى أغسطس من ذلك العام.

 سيناريو 2: تفاقم أزمة «تايوان»

رغم دعم «الولايات المتحدة» القوى المقاومة فى «تايوان» التى ترفض الانضمام للصين، فإن الجانب الصينى قد يتمكن من نشر قواته العسكرية على الشاطئ فى محاولة للسيطرة على الجزيرة.

إن حدوث مثل هذا السيناريو من شأنه أن يشكل خطراً بالغ الخطورة على المنطقة والعالم، بسبب خطر رد «الولايات المتحدة» عسكرياً، فلم تعد «الولايات المتحدة» ملزمة بموجب أى معاهدة بالدفاع عن «تايوان» فحسب، بل لدى «واشنطن» قانون معروف باسم قانون العلاقات مع «تايوان» (1979) ينص على أنها قد تفعل ذلك، إذا وقع هجوم صينى على «تايوان» بطريقة غير مبررة.

كما يعتبر صناع السياسة الأمريكية أن سقوط «تايوان»، قد يشجع «الصين» إلى الهيمنة الإقليمية والتوسع؛ فضلاً عن رؤية حلفاء «الولايات المتحدة»، أن الأخيرة لم تعد ملتزمة بالدفاع عن الأصدقاء، وهو ما يقلق الجانب الأمريكى

وانتهى هذا السيناريو بتنبؤين، الأول: هو انتصارات صينية؛ والآخر: هو ما توقعه بعض المحللين السياسيين أن تنجح «الولايات المتحدة» -فى نهاية المطاف- فى مساعدة «تايوان» على حماية نفسها، رغم أنها قد تخسر العديد من الطائرات والسفن وعشرات الآلاف من الأفراد فى هذا الجهد.

ومع ذلك، يعد هذا السيناريو محفوفا بالمخاطر، فعلى سبيل المثال: إن خسرت «الصين» فى البداية، فهذا لا يعنى انتهاء الحرب ببساطة، لأن «بكين» قد تفكر فى التهديدات النووية أو الانتقام، ضد «تايوان» أو «الولايات المتحدة». 

 سيناريو 3: إبقاء الوضع الحالى مع زيادة الحصار الصينى

رغم احتمالية حدوث هذا السيناريو، الذى يعد –أيضاً- الأقل خطورة عسكرياً، فإنه لا يصب فى مصلحة «واشنطن».. وهو حصار «الصين» لجزيرة «تايوان» الذى من المتوقع أن يكون مقترناً بهجمات إلكترونية، وأشكال أخرى من المضايقة، أو العنف المحدود، مثلما حدث فى أغسطس 2022، عندما أطلقت «الصين» عدداً من الصواريخ على المياه المحيطة بتايوان، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية -آنذاك- «نانسى بيلوسي» للجزيرة، ما أدى إلى خلق وضع جديد للنشاط العسكرى الصينى المتزايد بالقرب من «تايوان».

على كل، قد يتوسع هذا السيناريو مع بعض الهجمات المضادة الأمريكية فى المحيط، إلا أنها خطوة قد تشجع القوات الصينية على الاقتراب أكثر من الشاطئ التايوانى، وربما يشجعها على تدمير سفينة أو اثنتين راسية فى ميناء فى «تايوان»، فضلاً عن إرسال 20 إلى 40 غواصة صينية إلى البحر، والتهديد بإغراق أى سفينة تجارية تدخل أو تخرج من «تايوان»، ما لم ترسو تلك السفينة أولاً فى البر الرئيسى للصين وتسمح بتفتيش حمولتها. 

وفى الوقت الذى يرجح محللون سياسيون حدوث هذا السيناريو، إلا أنهم اعتقدوا –فى الوقت ذاته- أنه سيكون من الصعب جداً على «الولايات المتحدة» مواجهته، حتى وإن حاولت الأخيرة إغراق بعض الغواصات الصينية، وإسقاط صواريخها، لأن هذه العملية ستكون بطيئة، وسوف تكبد الجانب الأمريكى خسائر كبيرة

وفى هذا السيناريو، توقع المحللون السياسيون أن تتمكن «الصين» من الفوز، عبر إغراق ما يكفى من الأسطول الأمريكى اللازم، ما يضطر الجانب الأمريكى إلى إلغاء جهوده فى المنطقة.



بشكل عام، من المتوقع أن يكون السيناريو الأول، هو الأكثر احتمالاً لانفجار الأوضاع، لكنه الأقل احتمالاً لأن يؤدى إلى حرب شاملة؛ أما السيناريو الأخير، فيسبب أعظم قدر من القلق بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك بسبب نتائج تصعيده، سواء فى المنطقة الجغرافية المحتملة للصراع، أو فى الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية.

ومن المتوقع –أيضاً- فى كافة السيناريوهات أن أى طرف يخسر الجولة الأولى قد يحاول مرة أخرى.. أى قد يعيد الخاسر تسليح نفسه، ثم يحاول مرة أخرى بعد بضع سنوات، أو قد يوسع الصراع جغرافياً، أو قد يهدد حتى باستخدام الأسلحة النووية، وهى سيناريوهات من الصعب فيها جميعاً احتواؤها، أو الاعتقاد بأنها ستنتهى بسرعة، خاصة فى ظل رفض «الصين» العدول على السيطرة عن «تايوان» أو حقوقها فى بحر الصين الجنوبى، فضلاً عن رفضها القاطع بقبول الهزيمة على يد دولة تعتبرها منافسها الرئيسى وهى «الولايات المتحدة». 

وعليه، تلعب «بكين»  و«واشنطن» –فى الوقت الحالي- أدواراً حاسمة فى هذا الجهد من الحوار والمباحثات المتبادلة، حتى لا تتحول الخلافات الحالية إلى أعظم مأساة فى تاريخ الجنس البشرى، لأن المخاطر المترتبة على أى حرب من هذا القبيل لن تقتصر على مصير من يعيشون فى أقصى الشرق الآسيوى فحسب، بل سيكون على حسب مصير نظام دولى بالكامل بما فيه من تحالفات وشراكات.