العالم على موعد مع «جائحة جديدة»: Mpox القردة تهدد كوكب الأرض!
آلاء البدرى
دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر فى عالم غير مستعد.. يعانى من أزمات متشابكة ومتقاطعة وموجات حر قاتلة وحرائق غابات تلتهم رئة العالم وحروب طاحنة تودى بحياة الآلاف من البشر ونزوح قسرى شرد الملايين من المواطنين وعودة أمراض قد كانت تحت السيطرة وتفشى سلالات جديدة لا تزال تظهر على خلفية جائحة كورونا مثل ماربورغ والتى تغذيها متغيرات أوميكرون الفرعية لتكشف عن هشاشة التقدم المحرز فى مجال الصحة البشرية العالمية وتصدم الأنظمة الدولية وتتسبب فى تراجع المكاسب الاقتصادية والسياسية وتحمل العبء الأكبر منها أكثر الناس ضعفًا فى العالم.
دفع الانتشار السريع لسلالة جديدة شديدة الضراوة من فيروس مبوكس فى جميع أنحاء إفريقيا وأماكن متفرقة من آسيا وأوروبا والأمريكتين منظمة الصحة العالمية إلى إعادة تصنيفها كحالة طوارئ صحية عالمية تثير قلقًا دوليًا وذلك بعد أن أعلنت المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها فى بيان إن المرض تفشى بالفعل فى جمهورية الكونغو الديمقراطية وانتقل إلى 12 دولة أخرى على الأقل فى المنطقة حيث تم اكتشاف أكثر من 100 حالة من سلالة 1b mpox الأحدث فى أربع دول مجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية والتى لم تبلغ عن حالات mpox من قبل مثل بوروندى وكينيا ورواندا وأوغندا وغيرهم كما أعلن مركز السيطرة على الأمراض فى إفريقيا أن mpox يشكل حالة طوارئ صحية عامة فى القارة السمراء منذ 13 أغسطس وتتضمن أعراض الوباء الحمى مع طفح جلدى واسع النطاق وتضخم الغدد الليمفاوية وصداع شديد وآلام الظهر وألم عضلى والوهن الشديد وتتطور الأعراض من أسبوعين إلى أربعة أسابيع وتتضمن آفات تتطور من بقع آفات ذات قاعدة مسطحة إلى حطاطات آفات مرتفعة صلبة ومؤلمة إلى حويصلات مليئة بسائل شفاف إلى بثور مليئة بالصديد تليها جرب أو قشور معدية ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية ينتقل المرض من الحيوانات إلى البشر ويمكن أن ينتشر أيضًا من إنسان إلى آخر من خلال ملامسة سوائل الجسم أو الآفات على الجلد أو الأسطح المخاطية الداخلية مثل الفم أو الحلق أو قطرات الجهاز التنفسى والأشياء الملوثة ويمكن أن ينتشر عن طريق الاتصال الحميم مثل التقبيل والجنس أو عن طريق الاتصال المباشر ويأتى Mopox فى سلالتين مختلفتين Clade I والذى كان يعرف سابقًا باسم Clade حوض الكونغو وClade II والذى كان يعرف سابقًا باسم Clade غرب إفريقيا السلالة الأولى هى مرض الحمى الصفراء هو المرض الأكثر خطورة فهو أكثر عدوى من نظيره ويسبب أعراضًا خطيرة ويسبب الوفاة أما السلالة الثانية فأقل خطورة وقد بدأت فى التفشى على مستوى العالم فى عام 2022 وسجلت أكثر من 32000 شخص فى الولايات المتحدة وحدها 100 ألف حالة حول العالم
تاريخ الوباء
عام 1958 انتشر وباء من التهابات الجلد الشبيه بالجدرى بين قرود المكاك فى معهد ستاتنس سيروم فى كوبنهاجن فى الدنمارك والذى يستخدم فى أبحاث شلل الأطفال وإنتاج اللقاحات وكشف التحليل عن وجود فيروس جديد من جنس الأورثوبوكس من عائلة الفيروسات الجدريية وهو قريب من فيروس الجدرى البشرى وقد أطلق عليه اسم فيروس جدرى القرود وفى السنوات التالية تسبب فى المزيد من الأوبئة فى معاهد بحثية مختلفة فى فرنسا والولايات المتحدة وهولندا ولكن لم يتمكن أحد من تحديد أصله وأعيد تسميته إلى مبوكس فى عام 2022 وهو فيروس DNA وهو ما يميزه عن فيروسات RNA مثل SARS-CoV-2 (المسئول عن كوفيد- 19) أو فيروس الإنفلونزا أو فيروس نقص المناعة البشرية بسبب بطء تطوره وكانت أول حالة إصابة بشرية بمرض الجدرى لدى طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر فى جمهورية الكونغو الديمقراطية 1970 بعد القضاء على الجدرى فى عام 1980 ونهاية التطعيم ضد الجدرى فى جميع أنحاء العالم ظهر مرض الجدرى بشكل مطرد فى وسط وشرق وغرب إفريقيا ومنذ ذلك الحين تم الإبلاغ عن حالات إصابة بمرض الجدرى بشكل متقطع فى وسط وشرق إفريقيا (الفصيلة الأولى) وغرب إفريقيا (الفصيلة الثانية) وفى عام 2003 ارتبط تفشى المرض فى الولايات المتحدة الأمريكية بالحيوانات البرية المستوردة ومنذ عام 2005 يتم الإبلاغ عن آلاف الحالات فى جمهورية الكونغو الديمقراطية كل عام وفى عام 2017 ظهر مرض الجدرى مرة أخرى فى نيجيريا ويستمر فى الانتشار بين الناس فى جميع أنحاء البلاد وبين المسافرين ويعتقد أن جدرى القرود كان منتشرًا منذ آلاف السنين إلا أنه غارق فى المفاهيم الخاطئة حتى اسمه عبارة عن تسمية خاطئة إلى حد ما فالقرود والبشر مجرد مضيفين عرضيين للمرض والذى يعتقد أنه يوجد فى المقام الأول فى القوارض فى حين أن جدرى القرود أكثر شيوعًا فى وسط وغرب إفريقيا فمن المضلل وصف الفيروس بأنه «إفريقى» كما كتب أكثر من 20 عالمًا فى ورقة بحثية حديثة تفصل الحاجة إلى اسم غير تمييزى وغير وصمى للمرض فى الواقع فإن استمرار وجود الفيروس فى إفريقيا هو نتيجة إلى حد كبير لعدم المساواة فى الوصول إلى مخزونات اللقاحات العالمية وموارد الرعاية الصحية.
التداعيات الاقتصادية للوباء
كان لجائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19) آثار سلبية شديدة على الاقتصاد العالمى فخلال عام 2020 انخفض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة %3.4 ولوضع هذا الرقم فى المنظور الصحيح بلغ الناتج المحلى الإجمالى العالمى 84.9 تريليون دولار أمريكى فى عام 2020 وهذا يعنى أن انخفاض النمو الاقتصادى بنسبة %3.4 يؤدى إلى خسارة أكثر من تريليونى دولار أمريكى من الناتج الاقتصادى كما عانت أسواق الأسهم العالمية من انخفاضات حادة بعد تفشى فيروس كورونا فقد سجل مؤشر داو جونز أكبر خسارة يومية له على الإطلاق بنحو 3000 نقطة فى 16 مارس 2020 متجاوزًا الرقم القياسى كما أثر الوباء بشكل مباشر على قطاعات وصناعات مختلفة ومع إغلاق البلدان فى جميع أنحاء العالم لحدودها وفرض قيود على السفر تأثر قطاع السفر والسياحة بشكل كبير أدت قيود السفر إلى انخفاض حاد فى عدد الرحلات الجوية فى جميع أنحاء العالم وأيضا القطاع التجارى حيث خسرت معظم محلات تجارة التجزئة وتحولت مؤشرات الاستهلاك إلى الأسواق الافتراضية عبر الإنترنت ومع ذلك تعافى الاقتصاد العالمى تدريجيا من الصدمة الأولية ووصل إلى مستويات نمو إيجابية مرة أخرى فى عام 2021 حيث بلغ 96.3 تريليون دولار أمريكى لتأتى حرب روسيا فى أوكرانيا فبراير 2022 لتعيق النمو الاقتصادى من جديد وتضع العالم بأكمله رهن أزمة اقتصادية حادة
وصرح الدكتور عبدالرحمن طه خبير الاقتصاد الرقمى قائلا إن أى جائحة أو وباء عالمى ما هى إلا حرب بيولوجية تندرج تحت مسمى الحرب العالمية الاقتصادية من أجل تعميق مفهوم عمل الآلة واستبدال الإنسان بالآلة والدليل على ذلك الأرقام فنسب تشغيل الإنسان قبل جائحة كوفيد 19 كانت %85 أما نسب ما بعد الجائحة فهى %45 فى الدول المتقدمة ومعنى ذلك ما يحدث من جائحات ما هى إلا حروب لتحقيق استراتيجيات اقتصادية موضوعة مسبقا وإذا نظرنا أيضا إلى احصائيات الوفيات بسبب جائحة كوفيد فسنجد الأعداد قريبة من إحصائيات ونسب الوفيات من أى مرض آخر بل وأقل من نسب وفيات الأمراض المزمنة اما فيما يخص التأثير السلبى لاحتمالية حدوث جائحة عالمية أخرى على الاقتصاد المصرى فهو غير مؤثر بشكل كبير وذلك لعدة أسباب أولًا لأن الاقتصاد المصرى هو اقتصاد يعتمد بشكل مباشر على الأيدى العاملة وليس على الآلة أو الروبوت ومصر ليس كالدول الأخرى التى تتمتع بمعدلات نمو منخفضة وارتفاع فى أعمار السكان ونقص فى الأيدى العاملة ثانيا أن مصر تعتمد فى تنميتها على مشاريع بنية تحتية طويلة الأجل أو ما تسمى بالمشاريع القومية التى تهدف فى الأساس على القضاء على البطالة وتوفر خدمات للمواطنين والدليل على ذلك أنه فى ظل ما يدور فى العالم من أزمات اقتصادية وحروب وصراعات سجلت مصر انخفاض لا بأس به فى معدل البطالة ثالثا أن مصر بسبب الإغلاق وتوقف الاستيراد لفترة من الزمن استطاعت أن تستبدل المنتجات المستوردة بمحلية الصنع وفتحت مجالا للتصدير أيضا ورابعا وعى الشعب المصرى بالأوبئة والأمراض تغير أصبح الفرد بعد جائحة كوفيد - 19 أكثر حذرا وإدراكا للإجراءات الاحترازية وكيفية تطبيقها وحماية نفسه من مخاطر العدوى وأخيرا أنا مصر مستعدة لأى جائحة بداية من إجراء الاحتياطات الطبية ومحاصرة المرض مرورا بالكشف عن الحالات وصولا إلى توفير منشآت طبية خاصة بالتعامل مع أى وباء والدليل على ذلك أن هناك عددا كبيرا من الأمراض التى انتشرت فى إفريقيا بشكل كبير لكنها لم تسجل حالة واحدة فى مصر وأيضا الأمراض التى انتشرت فى الدول المجاورة التى تستضيف مصر مواطنيها خاصة أن مصر مؤخرا قامت بتطوير المنظومة الصحية بشكل كامل مما يصب فى مصلحة المواطن وأمنه الصحى وأخيرا أؤكد أن مصر أقوى مما يتصور العالم اقتصاديا وأمنيا وحتى منظومتها الصحية أكثر استعدادا من دول أخرى كبرى.
تأثير الحروب على انتشار الأوبئة.
أسفرت الحروب والصراعات المسلحة عن قتل وإصابة وتشريد البشر وحتى لو أدت محادثات السلام الجارية إلى وقف الأعمال العدائية حول العالم فمن المرجح أن تستمر معاناة البشر لسنوات قادمة، فالحرب مصحوبة دائمًا بتفشى الأمراض المعدية إذ تلحق الصراعات أضرارا بالغة بالبنية الأساسية للرعاية الصحية كما حدث بغزة وأوكرانيا حيث استهدف العدوان المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية والوحدات حتى المستشفيات الميدانية وتؤدى مثل هذه الهجمات إلى جانب تدمير الطرق والجسور وشبكات النقل العام إلى منع المواطنين من تلقى المساعدة الطبية مما يزيد من خطر الإصابة والعدوى على المدى الطويل وأن استمرار الحرب فى ظل جائحة أو وباء عالمى كارثة إنسانية حيث إنه من المستحيل تنفيذ الإجراءات الاحترازية فى خيام اللاجئين وصعوبة التباعد الجسدى فى الملاجئ تحت الأرض وتعطل جهود التطعيم فقد عانت سوريا من حرب أهلية منذ عام 2011 وفى عام 2016 أثناء حصار حلب الذى دام ستة أشهر قطعت القوات الموالية للحكومة خطوط الإمداد وهاجمت المرافق الطبية مما ترك مدينة يبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة تعانى من نقص الأدوية والغذاء وكانت إحدى نتائج الحرب الأهلية والحصار فى عامى 2017 و2018 تفشى مرض الحصبة فى جميع أنحاء شمال سوريا بما فى ذلك حلب بعد أن غاب المرض عن البلاد منذ عام 1999 وتكررت الكارثة فى أوكرانيا فى أكتوبر 2021 أبلغت أوكرانيا عن حالة إصابة بشلل الأطفال مما دفع الحكومة إلى البدء فى تطعيم 100 ألف طفل غير محمى وهو ما توقف بسبب الغزو الروسى كلما طال أمد الصراع كلما تم تحويل المزيد من الموارد من الصحة إلى الحرب وفى أفغانستان وبعد 20 عامًا من الوجود العسكرى للولايات المتحدة وحلفائها فى البلاد يعانى مليونا طفل من سوء التغذية يؤدى نقص الغذاء إلى إضعاف الجهاز المناعى وهو جزء من السبب وراء محاولة أفغانستان حاليًا تطعيم سكانها بسرعة لوقف تفشى مرض الحصبة كما شهدت اليمن التى تعانى من حرب أهلية منذ عام 2014 حيث نزح 4 ملايين يمنى داخليًا مع انخفاض الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحى المناسبة مما زاد من خطر الإصابة بأمراض معدية فى عام 2017 وكان تفشى الكوليرا مع اشتباه فى إصابة 2.5 مليون حالة مسئولًا عن 3868 حالة وفاة قبل الحرب بعد أن كانت الكوليرا قد اختفت نهائيا من اليمن وفى أغسطس 2017 فر مئات الآلاف من مسلمى الروهينجا من بورما هربًا من العنف الذى ارتكبه الجيش البورمى واعتبارًا من فبراير 2021 تم توفير المأوى لأكثر من 870 ألف روهينجا فى بنغلاديش و719 ألفًا فى مخيم كوتوبالونج للاجئين ومخيمات التوسعة المرتبطة به ويقع الأفراد المكدسون فى مثل هذا الموقع مع سوء الصرف الصحى عرضة لخطر متزايد من أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وهو الوضع الذى تفاقم بسبب موسم الرياح الموسمية فى بنغلاديش الذى يمتد من يونيو إلى أكتوبر أما الوضع فى غزة من سئ إلى أسوأ حيث يواجه الفلسطينيون فى غزة الآن كارثة أخرى وهى العيش بجوار أكوام من القمامة المتحللة التى تجتذب الفئران والحشرات ومياه الصرف الصحى التى تلوث الأرض مما يجعل الظروف الصحية فى قطاع غزة لا تطاق حيث يخشى الكثيرون من ظهور الأوبئة كوجه آخر من المعاناة يضاف إلى الأزمة الإنسانية المروعة بالفعل وسط الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة وأن شلل الأطفال لا يشكل سوى جزء بسيط من الأزمة الصحية التى تعانى منها غزة فقد أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن 40 ألف حالة إصابة بالتهاب الكبد الوبائى (أ) الذى ينتقل عن طريق المياه الملوثة منذ بداية الحرب مقارنة بـ 85 حالة فقط خلال نفس الفترة قبل الحرب كما يدق خبراء الصحة العامة ناقوس الخطر بشأن خطر تفشى وباء الكوليرا المحتمل وذكرت وكالات الإغاثة أن الأطباء فى غزة يواجهون صعوبات فى علاج عدد كبير من حالات الزحار والالتهاب الرئوى وأمراض الجلد الشديدة بسبب انهيار النظام الصحى وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 2.3 مليون نسمة من سكان غزة نزحوا قسرًا منذ الخريف الماضى ويعيش كثيرون منهم فى ملاجئ حيث لا يتوفر سوى مرحاض واحد لكل 600 شخص والجدير بالذكر أنه حتى فى الدول التى لا تعانى من ويلات الحروب إن احتمال تحول مبوكس إلى جائحة يشكل خطرًا شديدًا على الأنظمة الصحية فى معظم دول العالم التى تكافح بالفعل للتكيف مع الوضع ولم تتمكن بعد من التعامل مع الضغوط التى جلبها كوفيد-19 ومن المؤكد أن الجمع بين تفشى فيروسى آخر من شأنه أن يرهقها وكما هو واضح فى معظم البلدان اليوم لا يزال جزء كبير من البنية الأساسية الصحية ضعيفًا إلى حد كبير وغير قادر على احتواء تفشى وباء جديد ولم تتعاف المستشفيات بعد من تأثير كوفيد- 19 حيث تعانى من آفة نقص الموارد البشرية والأسرة والضروريات الأولية وإن التدخلات الجارية لمكافحة الوباء مثل هياكل العزل والأهم من ذلك علاج المظاهر الشديدة للفيروس تفتقر بشكل صارخ أو غير متاحة فى معظم المناطق وعلاوة على ذلك فإن احتمال إصابة العاملين فى مجال الرعاية الصحية بالعدوى وغياب تدابير الحماية المعقولة يشكلان تهديدًا باستنزاف الموارد البشرية بشكل أكبر.