سياسة المرأة الحديدية كيف صنعت نساء الولايات المتحدة تاريخ أقوى دولة فى العالم؟

مروة الوجيه
لم تكن تدوينة إيلون ماسك بمنصة «إكس»، التى قال فيها إن «جيل بايدن تتنحى عن خوض السباق الرئاسى»، مجرد سخرية مبطنة من انسحاب الرئيس الديمقراطى، ولكنها أيضًا اعتراف بدور امرأة قوية فى حماية زوجها، ذو العقل المأزوم بفعل الزمن، وهو ما يلقى الضوء على قوة نساء الحزب الديمقراطى، سواء كن فى صدارة المشهد، أو يقفن فى الظل لدعم أزواجهن.
قوة جيل بايدن استمدتها من إلينور روزفلت زوجة الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، التى قالت: «إذا أرادت النساء ممارسة السياسة لابد أن يكون جلدهن سميكا كوحيد القرن»، ويبدو أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس اتبعت نصيحتها أيضًا، لتكون استراتيجيتها فى مواجهة منافسها الجمهورى دونالد ترامب، أكثر فعالية من استراتيجية بايدن.
ولكن هاريس رغم قوتها، لا تعد الأقوى بين نساء الحزب الديمقراطى، فهاريس نفسها كانت خيار نانسى بيلوسى، وفى حال فوزها، ستكون بيلوسى من يتحكم فى مساراتها التشريعية، فهى قائدة نساء الحزب الديمقراطى، وتاريخها يمثل إضافة حقيقية للحزب الأزرق، بعد أن دعمت أوباما فى فترتيه الرئاسيتين، وحرصت على تنفيذ أجندته التشريعية، فى المقابل نسفت التشريعات الجمهورية خلال ولاية ترامب، كما أن بيلوسى من دفعت بايدن للتنحى فقط بمكالمة هاتفية، كما أنها من اختارت هاريس، وكانت كلمة السر فى فوز بايدن بانتخابات 2020.
أسيرة البيت الأبيض
فعالية بيلوسى فى السياسة الأمريكية، لا يمكن مقارنتها بأى دور نسائى عبر التاريخ، باستثناء جينيت رانكين، أول امرأة تنتخب للكونجرس فى 1916، قبل أن تحصل النساء على حق التصويت، كما برزت أسماء ديمقراطية مثل هيلارى كلينتون، أول سيدة أولى تنتخب لمجلس الشيوخ، وسوزان رايس وكونداليزا رايس فى إدارة أوباما، وميشيل أوباما التى تردد اسمها كبديل لبايدن بدعم من زوجها باراك أوباما، ولكن تدخل نانسى بيلوسى دفع بهاريس بدلًا منها فى تأكيد على قوة نساء الحزب الديمقراطى.
قوة بيلوسى قد تتطابق مع سابقاتها من نساء الحزب الديمقراطى، لكن هى الآن تعتبر العقل المدبر والحاكم الفعلى لخطوات هاريس وفق صحيفة the american conservative التى أكدت أن هاريس ماهى إلا أسيرة لدى بيلوسى.
ولفتت الصحيفة إلى أن قرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسى، جاء متأثرا بقوى حزبية سابقة والجهات المانحة والنخب البرلمانية، والتى لعبت فيها بيلوسى دورًا كبيرًا.
وأشارت إلى أن «بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأقوى فى التاريخ الأمريكى، نجحت فى تحويل الرئاسة فعليا إلى «مخلوق من الهيئة التشريعية» وتوجت وريثا بسيرة ذاتية مشابهة إلى حد كبير لسيرتها الذاتية. وبهذا تكون بيلوسى قد غيرت دستور الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع.
ورأت أنه «فى لحظة الأزمة التى تتطلب القوة والإرادة الكاملة للسلطة التنفيذية الأمريكية، تواجه الأمة احتمال أن يقودها مخلوق من الهيئة التشريعية لنانسى بيلوسي»، معتبرة أن «هاريس ستبقى رهينة لأهواء المانحين، ورؤساء الوكالات، وقيادة الكونجرس، سوف تكون أضعف رئيس للولايات المتحدة دستوريا منذ الرئيس الـ15 جايمس بوكانان. ومثلها كمثل بوكانان، سوف يدينها التاريخ للإشراف على مجموعة من الأزمات التى لن تمارس عليها سوى القليل من السيطرة ولكنها مع ذلك تتلقى الكثير من الإدانة بسببها».
وختمت الصحيفة بالقول: «هذه مأساة كامالا هاريس»، فالمرشحة الرئاسية الأمريكية الديمقراطية كامالا هاريس ستصبح أسيرة لدى رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى إذا فازت فى الانتخابات.
صناعة التاريخ
فـــــى تصـــــريحـــــات لـ«روزاليوسف» قال د.أشرف سنجر- خبير السياسات الدولية بقناة القاهرة الإخبارية، أن نانسى بيلوسى دخلت المعترك السياسى منذ أن كان عمرها 16 عامًا، بشرفت فيها السياسة الأمريكية بكل تفاصيلها، وكان حلمها مثل سابقاتها من نساء الحزب الديمقراطى ليس تولى منصب، ولكن صناعة تاريخ.. بيلوسى مثل هيلارى كلينتون أول امراة تتولى حقبة وزارة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس فى إدارة أوباما، وايضًا جانيت يلين أول وزيرة للخزانة الأمريكية.. لقب أول امرأة هو هدف بيلوسى وغيرها من نساء الحزب الديمقراطى.
وأوضح سنجر، أن ما مر به الحزب الديمقراطى من أزمات وانقسامات قبل انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسى، نجحت بيلوسى فى احتوائه بعد إعلان دعمها لهاريس وأيضًا كانت هى صاحبة القرار فى إعلان بايدن انسحابه، رغم نفى البعض لهذه المعلومة، لكن مع تحليل الموقف ورؤية تصريحات بيلوسى فى الفترة التى سبقت انسحاب بايدن يؤكد أنها وراء هذا الانسحاب.
أما عن أسباب دعم بيلوسى لهاريس بهذه القوة، أكد د.أشرف سنجر، أن قوة النساء فى الإدارة الأمريكية وبالأخص فى الحزب الديمقراطى هى كتابة أسمائهم فى التاريخ كأول أمراة تتولى منصبًا بعينه، مثل إليانور روزفلت (1933-1945): زوجة الرئيس روزفيلت، والتى أعادت تعريف دور السيدة الأولى من خلال مشاركتها النشطة فى السياسة وحقوق الإنسان، وكانت سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، كوندوليزا رايس (2005-2009):، أول امرأة أمريكية من أصل أفريقى تشغل منصب مستشارة الأمن القومى ووزيرة الخارجية، سوزان رايس (2013-2017) التى شغلت منصب مستشارة الأمن القومى فى إدارة أوباما، وكانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة وغيرها.
وفيما يتعلق بتمسك بيلوسى ودعمها لهاريس، أكد خبير السياسات الدولية، أن هاريس وبيلوسى ينحدران من نفس الولاية ونفس الثقافة (كاليفورنيا) وتجمعهما الكثير من السمات المشتركة والتفاهمات حول دعم الأقليات، ثقافة المجتمع المتعدد، دعم الحلفاء.. وغيرها من الأفكار «الديمقراطى» التى يسعيان إلى تطبيقها داخل الولايات المتحدة.
وأكد سنجر، أن بيلوسى وهاريس اجتمعت على مبدأ واحد، لن نقبل بالهزيمة بل سيتحدان سويًا ليصبحا قوة واحدة، وكما هو واضح أن المرأة داخل الحزب الديمقراطى يمكن أن تصبح رئيسة ومستشار أمن قومى، ورئيس مجلس نواب أو شيوخ، لكن من الصعب أن ترى هذا الحدث فى الحزب الجمهورى المحافظ الذى مازال يحتفظ بتقاليد الماضى ويتمسك بها.
هل تشهد أمريكا أول امرأة رئيسة للبلاد؟
على مدار 59 ولاية رئاسية تعاقب خلالها 46 رئيسًا على حكم الولايات المتحدة الأمريكية لم تحطم امرأة واحدة من قبل ذلك «السقف الزجاجى» للوصول إلى البيت الأبيض.
ومع نيل هاريس بطاقة ترشح الحزب الديمقراطى لخوض السباق الرئاسى، أوضح محللون أن حقيقة عدم وصول امرأة من قبل إلى الرئاسة اختبار حقيقى ومعقد للديمقراطية الأمريكية يعود نقاشه إلى الواجهة فى كل مرة تقترب فيها مرشحة من هذا المنصب.
فى الانتخابات الرئاسية لعام 2016 تفوّق عدد الأمريكيين الذين صوتوا لامرأة على أولئك الذين صوتوا لرجل بفارق كبير، إذ تجاوز الرقم 2.8 مليون صوت.
لكن المرشحة الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون خسرت أمام دونالد ترامب بسبب نظام الانتخابات الأمريكية الخاص الذى يعتمد على أصوات المجمع الانتخابى حسب الولايات.
وترى أستاذة العلوم السياسية فى جامعة هوفسترا بنيويورك سوزانا بيروتى أن حقيقة عدم انتخاب امرأة من قبل فى التاريخ الأمريكى لا تعكس عدم وجود دعم شعبى عام للمرشحات النساء، لكن هذه الفئة تواجه -فى نظرها- صعوبة تجاوز النظام الانتخابى المعقد الذى يفرض أن يحظى المرشح الفائز بأصوات أغلب أعضاء المجمع الانتخابى.
وأوضحت بيروتى، فى تصريحات صحفية، أن الأمر يستوجب حملات انتخابية استراتيجية تركز على الولايات التنافسية الكبرى لدعم كامالا هاريس، لأن المرأة -فى نظرها- تفوز عندما تحظى بدعم حزبها، مثلما حصل فى الانتخابات النصفية لعام 2022 عندما قدّم الحزب الجمهورى عددًا كبيرًا من المرشحات للكونغرس، وحققن الفوز لأنهن ترشحن فى «مناطق جمهورية آمنة» بشكل أساسى.
وتوضح أستاذة العلوم السياسية أن النساء يحققن عموما أداءً أفضل فى الانتخابات عندما يمثلن جزءا من قائمة مرشحين أو عند طموحهن أن يصبحن جزءا من مجموعة أكبر مثل الكونغرس أو فى الأنظمة التى تتميز بالتمثيل النسبى، عكس الانتخابات الرئاسية التى يذهب النظام فيها باتجاه التمييز ضد النساء والأقليات.
اختبار الكونجرس
أكثر من نصف الرؤساء الذين حكموا أمريكا خدموا قبل ذلك فى إحدى غرفتى الكونجرس أو كلتيهما، لكن تمثيل النساء فى أعلى مؤسسة تشريعية فى البلاد يبقى متواضعا و«ضعيفا جدا» فى نظر أمريكيين.
فى بداية ولاية الكونجرس الأمريكى الحالى عام 2023 بلغ عدد النساء اللاتى أدين اليمين فى مجلس الشيوخ 25 امرأة من أصل 100 مقعد، وهو أقل من الرقم القياسى الذى سجله المجلس فى الكونغرس السابق والبالغ 26 عضوة، وتبلغ نسبة حضور النساء فى مجلس النواب 28.7 % من أصل 435 مقعدا.

ويعتبر حضور المرأة فى مجلس الشيوخ حديثا نسبيا، حيث وصلت أول امرأة إلى المجلس عام 1922 وهى الديمقراطية ريبيكا فيلتون من ولاية جورجيا، وخدمت كمناوِرة سياسية يومًا واحدًا فقط، قبل أن تصبح نانسى كاسباوم -وهى جمهورية من ولاية كانساس- أول امرأة تخدم لـ3 ولايات فى مجلس الشيوخ فى الفترة بين 1978 و1997.
وفى عام 1916 أصبحت جانيت رانكين - وهى جمهورية من ولاية مونتانا- أول امرأة فى مجلس النواب فى فترة لم يكن فيها للنساء حق التصويت، ثم أصبحت نانسى بيلوسى - وهى ديمقراطية من كاليفورنيا- المرأة الوحيدة التى شغلت منصب رئيسة مجلس النواب، وذلك من عام 2007 إلى 2011، وتم انتخابها مجددا للمنصب نفسه بين عامى 2019 و2023.
ويشير تقرير لمركز «بيو» للأبحاث إلى أنه رغم تزايد نسبة تمثيل النساء فى الكونجرس فإنه لا يزال 53 % من الأمريكيين يعتقدون أن هناك عددًا قليلًا جدا من النساء فى المناصب السياسية العليا بالولايات المتحدة، كما يرى كثيرون عقبات كبيرة أمام المرشحات للوصول إلى هذه المناصب مقارنة بالرجال.
الاضطهاد العرقى
فى موقف كامالا هاريس، ذات الأصول الإفريقية والآسيوية، نراها تمثل دفاعًا معلنًا عن العدالة العرقية، وهو ما يعتبر علامة فارقة فى السياسة الأمريكية، وذلك منذ توليها منصب نائبة الرئيس جو بايدن، لكونها أول امرأة تحتل هذا المنصب على الإطلاق.
ولا يستبعد أن هناك العديد من الأمريكيين من لا يزالون يعتقدون أن المرأة لا تصلح لتولى منصب الرئاسة، لا لسبب آخر غير تعريفها النوعى، لكن عدد هؤلاء أخذ يتقلص تدريجيا خلال العقود الأخيرة، خاصة بعد انتخاب باراك أوباما أول رئيس أمريكى من أصل إفريقى عام 2008، وهو ما يعكس التحولات شبه الجذرية التى يعيشها المجتمع الأمريكى.
وتنحدر كامالا هاريس من أسرة مهاجرة، والدتها هندية ووالدها جامايكى، وهو ما يمكن أن يلعب -حسب محللين- دورًا مهمًا فى تحفيز الأمريكيين السود -خاصة النساء والشباب- على الإقبال على التصويت الذى تراجع خلال انتخابات الكونغرس الأخيرة.
كما ترى أستاذة العلوم السياسية سوزانا بيروتى أن هناك فائدة إضافية للانتماء العرقى لهاريس «فالنادى النسائى الذى انضمت إليه فى جامعة هاورد «آلفا كابّا آلفا» يمثل قوة كبيرة، وسيشكل هذا التقليد المتمثل فى شبكات دعم الأندية النسائية مصدرا مهما وسلطة هائلة لدعمها بالمال والأصوات».
هاريس وبيلوسى وغيرهما يؤكدان أن المعترك السياسى كان وسيظل هدفًا قويًا للمرأة الأمريكية، وعلى مدار التاريخ الأمريكى كان لها إسهاماتها فى تشكيل السياسات الداخلية والخارجية والمجتمعية للبلاد، بيد أن الوطن العربى والعالم قد شهد أيضًا تأثير هؤلاء النساء على سياسة واشنطن تجاه علاقتهم بل أحيانًا وضع أسس التعامل بين الولايات المتحدة وبعض الدول شرقًا وغربًا وقد تخطت شهرتهن حدود أمريكا، بالرغم من هيمنة الرجال فى الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد السياسى
