الأربعاء 9 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من خلال هدم وحرق المنازل والاستيلاء على الأراضى: إسرائيل تعيد رسم خريطة الضفة الغربية لمنع إقامة دولة فلسطين

فى حين تصمم مصر وإدارة الرئيس الأمريكى چو بايدن على ضرورة أن يشمل أى حل دبلوماسى للحرب فى غزة تحديد مسار يقضى فى النهاية إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة إلا أن المستوطنين اليهود المتشددين وداعميهم السياسيين اليمينيين المتطرفين الذين صعدوا إلى أعلى مراتب السلطة وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ولم يكفهم ما فعلوه فى غزة بما يجعل حل الدولتين المنصوص عليه فى اتفاقيات السلام السابقة مستحيلا فعليا؛ يعيدون اليوم رسم الخريطة فى إسرائيل وأصبحت الضفة الغربية نصب أعينهم اليوم باستهدافها.



 

وتعمل إسرائيل على إعادة رسم خريطة الضفة الغربية من خلال الاستيلاء على أراضى الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات، وهدم القرى والبلدات فى الضفة الغربية وهذه الإجراءات تمثل أهم التغييرات الإقليمية فى الضفة الغربية منذ عقود. وتقول واشنطن بوست الأمريكية أن كل تلك الإجراءات هى أهم التغييرات التى حدثت منذ عقود مرت على الضفة الغربية بهدف تقطيع أوصالها؛ وأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الائتلافية أقدمت خلال 19 شهرا من وجودها فى السلطة على توسيع نطاق وجود إسرائيل بشكل كبير فى الضفة الغربية المحتلة، وتسريع وتيرة الحملة التى تقودها حركة المستوطنين لإجهاض محاولات إنشاء دولة فلسطينية. وقد وافقت الحكومة على مصادرة الأراضى الإستراتيچية، فاستولت بالفعل على 6 آلاف فدان هذا العام وحده حوالى 2500 هكتار؛ كما قامت ببناء مستوطنات كبيرة والتعجيل بهدم العقارات المملوكة للفلسطينيين، وزيادة دعم الدولة للبؤر الاستيطانية المبنية بشكل غير قانونى.

 

وفى مقابلات أجراها مراسلو واشنطن بوست فى 6 قرى وبلدات فلسطينية فى إطار هذا التحقيق وصف السكان القيود التى تفرضها دولة الاحتلال على حياتهم اليومية كلما اقتربت المستوطنات من مناطقهم وأنها تحد من قدرتهم على التحرك بحرية والوصول إلى أراضيهم الزراعية؛ كما أن بعض قرى الضفة الغربية تم محوها من الخريطة نتيجة أعمال العنف التى ارتكبها المستوطنون؛ كما أن نتنياهو الذى يعد أطول رئيس وزراء شغلا للمنصب فى إسرائيل عاد إلى منصبه فى ديسمبر 2022 على أساس اتفاق ائتلافى وعد بتعزيز الاستيطان وتطويره فى جميع أنحاء أرض إسرائيل ومن ذلك الضفة الغربية.

 

وعن اعتداءات المستوطنين، ذكرت واشنطن بوست أن الأمن الإسرائيلى فشل فى وقف موجة متصاعدة من مضايقات المستوطنين المتطرفين واعتداءاتهم على الفلسطينيين وقتلهم بهدف إخلاء المجتمعات الفلسطينية المحيطة بالبؤر الاستيطانية. وفى الشهر الماضى أمرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضى الفلسطينية وإخلاء المستوطنات القائمة ودفع تعويضات للفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم وممتلكاتهم، وهو حكم ذو أهمية رمزية إلا أنه محدود التأثير. ورغم ذلك، سارع نتنياهو إلى انتقاده قائلا إن الشعب اليهودى ليس محتلا لأرضه. وبموجب بنود اتفاقيات أوسلو التى توسطت فيها الولايات المتحدة، تتمتع إسرائيل بالسيطرة الكاملة على المنطقة (ج) التى تشكل %60 من الأرض على الرغم من أن قواتها تعمل أيضا فى المنطقتين (أ) و(ب) اللتين تديرهما السلطة الفلسطينية اسميا. ومنذ إبرام اتفاقية أوسلو، تعاملت إسرائيل مع مناطق «ج» على أنها أراض تابعة لدولتها، وليست أراضى محتلة يجب أن تعود إلى أصحابها، وعدتها احتياطيا استيطانا منفصلا ومستقلا، وسيطرت على كل المصادر الطبيعية فيها كينابيع المياه والمحاجر والمواقع الأثرية والمحميات الطبيعية؛ وعلى سبيل المثال قال چو كارمل منسق الدعوة فى منظمة كسر الصمت وهى منظمة غير حكومية تضم جنودا إسرائيليين سابقين؛ إن الخط الفاصل بين الجيش والمستوطنين فى الضفة الغربية المحتلة لم يكن موجودا من قبل.

 

وذكر مراسلو الصحيفة أن فلسطينيى الضفة الغربية وصفوا لهم حصار المستوطنات الزاحف على أراضيهم وما أعقبه أخيرا من توسع سريع وعنف بلا رادع. وأوضحوا أن مستوطنة أنشئت فى أواخر السبعينيات على أراض مصادرة من قريتين فلسطينيتين مجاورتين هما قريوت وترمسعيا. وقال يوسف صادق، نائب رئيس المجلس المحلى لقريوت: بدأ الأمر مع عدد قليل من الأشخاص، مثل شباب الكشافة؛ وفى ذلك الوقت، كان بإمكاننا أن نرعى أغنامنا بين القريتين بدون أن نترك أرضنا الخاصة أبدا. وقد وافقت وزارة الدفاع الإسرائيلية فى عام 2011 على خطة لزيادة الوحدات السكنية فى المستوطنات بنسبة %60. وبحلول أواخر عام 2023، كانت قريوت مطوقة تقريبا بالمستوطنات، ودفعت مضايقات الجنود والمستوطنين بعض السكان إلى إحاطة منازلهم بالقضبان والأسلاك الشائكة. ثم جاء هجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023 فازداد عنف المستوطنين. وقال بشار معمر، وهو مسعف وناشط من قريوت يسجل هجمات المستوطنين الإسرائيليين: «الآن، إذا حاول المستوطنون الاستيلاء على تلة، فإن الجيش سيحميهم، ثم ستزودهم الدولة بالكهرباء والمياه».

 

وفى قريوت نفسها، هناك حزام أخضر كبير من بساتين الزيتون وحقول الخضراوات المهملة ويقول القرويون إنهم تعرضوا لإطلاق النار عندما اقتربوا من المنطقة. وشاركوا مقاطع ڤيديو مع صحيفة واشنطن بوست تظهر مستوطنين يقومون بتجريف أشجار الزيتون وحرق المحاصيل. ومع توسع المستوطنات الإسرائيلية ودمج البؤر الاستيطانية، تتقلص حدود القرى والبلدات الفلسطينية بسبب عمليات الهدم والحرمان من تصاريح البناء؛ وقد هدم أكثر من ألفى مبنى فى الضفة الغربية، بما فى ذلك القدس الشرقية فى ظل حكومة نتنياهو الجديدة، وفقا للأمم المتحدة. وقد أدى ذلك إلى تهجير أكثر من 4 آلاف شخص، ونزوح 2200 آخرين فى العامين الماضيين. وفى تلال جنوب الخليل، لا يعرف سكان قرية أم الخير إلى متى سيتمكنون من الصمود فى مواقعهم؛ ونقلت الصحيفة عن قروى يدعى ياسر قوله: «لقد أصبحنا بدون منازل وبلا مأوى تحت هجير الشمس، ونتوسد التراب». قالها وهو جالس تحت خيمة بناها جيرانه لعائلته المترامية الأطراف، مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 37.8 مئوية. وكان قد دمر المستوطنون فى ذلك اليوم 11 مبنى، ومما دمروه خيمة جماعية كانت تستخدم عيادة صحية ومكانا لإقامة حفلات الزفاف والاحتفال بالمواليد الجدد.

 

لكن هذا الانكماش الحاصل فى رقعة الأراضى الفلسطينية ليس أمرا جديدا، فمنذ قيام إسرائيل فى 1948، أخذت الأراضى فى التراجع. وفى سنة 1917، رسمت اتفاقية سايكس بيكو أول الحدود الجغرافية لدولة فلسطين، لكن قرار بالتقسيم صدر عن الأمم المتحدة فى 1947 وقضى بإقامة دولة عربية وأخرى يهودية فى فلسطين؛ وتباعا لذلك، فقد أصبحت إسرائيل دولة حاضرة على الخريطة بعد سنة 1948 لكن التمدد الإسرائيلى على حساب الأراضى الفلسطينية لم يقف عند هذا الحد؛ فبعد النكبة الأولى جائت النكسة فى عام 1967 حين قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان السورى؛ وفى 1993 جرى التوقيع على اتفاقية أوسلو التى قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق وهى أ وب وج.

 

وبموجب الاتفاقية، تخضع «مناطق أ» لسيطرة أمنية ومدنية فلسطينية بالكامل، بينما تخضع «المنطقة ب» لسيادة مدنية فلسطينية وسيادة أمنية إسرائيلية، أما «المنطقة ج» فتخضع للسيطرة الإسرائيلية بالكامل. وبموجب التسريبات الواردة من واشنطن بشأن خطة السلام الأمريكية المقترحة، فستشهد الضفة الغربية انكماشا ضخما يحولها إلى كانتونات سكانية؛ وستتضمن الخطة المرتقبة وفق التسريبات، إعلان سيطرة إسرائيل على 30 % من الضفة الغربية ضمن المناطق التى تعرف باسم «ج»، وفق تصنيفات اتفاق أوسلو المبرم عام 1993.