بعد 10 شهور على تجميدها الإصلاحات القضائية فى إسرائيل تنذر بغضب عارم يهدد أمنها

داليا طه
عادت خطة الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل للظهور مجددًا على جدول أعمال الحكومة، بعد أكثر من 10 أشهر على تجميدها؛ بسبب الحرب على غزة. وكشفت هيئة البث الإسرائيلية أن وزير القضاء، ياريف ليفين، عرض رؤيته بشأن خطة أمام اجتماع الحكومة، الأحد الماضى، بهدف تمريرها خلال الدورة الشتوية للكنيست، فى نهاية أكتوبرالمقبل.
وأوضحت أن وزير الأمن القومى المتطرف طالب خلال الاجتماع بإقالة المستشارة القضائية للحكومة غالى باهاراف ميارا، مقابل تأييده للقانون. ووفق القناة، فقد ألمح ليفين إلى أنه يعمل على الوصول إلى توافق مع أحزاب المعارضة حول إعادة طرح قانون الإصلاحات القضائية، ونقلت عنه أن هناك نوابًا من الائتلاف يتعين الحصول على تأييدهم لتمرير القانون، ووقتئذ سيكون من الممكن بدء الحديث مع المعارضة ومحاولة الوصول إلى توافق معها.
من جهته، اقترح وزير المالية وزعيم كتلة «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، على ليفين طرح القانون للتصويت بشكل مبكر، وذكر خلال الاجتماع أن لديه فرصة يوم 14 أغسطس الجارى.
وذكر أنه طالما سيؤدى هذا القانون إلى تغيير أسلوب اختيار قضاة المحكمة العليا، فإن الكتلة التى يترأسها ستصوت لصالحه.
وعلق ليفين بقوله إنه يريد أن يحدث تغييرًا فى المؤسسة القضائية فى مستهل دورة الانعقاد الشتوية للكنيست، وأنه يتعين أن تكون مواقف الائتلاف موحدة.
وانتقدت صحيفة «معاريف» بشدة إعادة طرح القانون، وقالت على لسان محللها السياسى بن كسبيت، إن الوزير ياريف ليفين «عاد ليطل على حياة الإسرائيليين فى أسوأ موعد على الإطلاق».
ووصف المحلل الإسرائيلى وزير القضاء ليفين بأنه «شخص بلا مكابح أو حدود»، وقال إنه «منفصل عن الواقع المفزع الذى يحيط بإسرائيل».
وواجه قانون الإصلاحات القضائية التى طرحته حكومة بنيامين نتنياهو فى مستهل ولايتها انتقادات حادة من داخل وخارج إسرائيل، وأدى إلى موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية التى انضم إليها ضباط وجنود من الجيش الإسرائيلى.
وصادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلى فى فبراير 2023 على خطة الإصلاحات القضائية، بالقراءة التمهيدية، بتأييد 63 نائبًا ومعارضة 47 نائبًا.
ورأى منتقدو الإصلاحات القضائية أنها ستتسبب فى حالة انقسام، وتدمر الطابع الديمقراطى لإسرائيل، وستترك الأقليات دون حماية قانونية، وستقوض سلطة المحكمة العليا.
كما مارس الرئيس الأمريكى جو بايدن وكذلك الاتحاد الأوروبى ضغوطًا كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لوقف تنفيذ الخطة.
هلاك إسرائيل
وقالت مجلة «فورين آفيرز» الأمريكية إن الإصلاحات القضائية المقترحة أثارت احتجاجات ضخمة، وكشفت عن مجتمع منقسم بعمق.
وأضافت:إن التظاهرات أدت إلى توقف المدن، وهدد جنود الاحتياط بعدم الخدمة إذا تم تمرير مشروع القانون، وألمح المستثمرون إلى أنّهم سيسحبون أموالهم من البلاد. ومع ذلك، تم تمرير نسخة من مشروع القانون فى الكنيست فى يوليو 2023، ولكن تم إلغاؤها من قبل المحكمة العليا فى بداية هذا العام. فى الوقت الحاضر، يحاول الائتلاف الحاكم إحياء بعض عناصر الإصلاح القضائى حتى مع استمرار الحرب فى غزة.
لقد كشف احتجاج الإصلاح القضائى بالتأكيد عن مخاوف داخل «إسرائيل» بشأن طبيعة الديمقراطية فى البلاد، لكنه لم يثر تساؤلات حول مسؤولية «إسرائيل» تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال. والواقع أنّ العديد من الإسرائيليين يرون أنّ معاملة بلادهم للفلسطينيين منفصلة عن عملها كديمقراطية. لطالما تسامح الإسرائيليون مع العنف الذى يمارسه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين.
وقد كشفت الحرب فى غزة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية نحو 40 ألف شخص، وفقًا لتقديرات متحفظة، عن «دولة» تبدو عاجزة أو غير راغبة فى دعم الرؤية الطموحة التى تضمّنها إعلان الاستقلال.
ووفقا للمجلة، ستصبح «إسرائيل» غير الليبرالية دولة منبوذة أيضًا، وقد أصبحت بالفعل معزولة على نحو متزايد على المستوى الدولى. وتسعى العديد من المنظمات الدولية إلى اتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية عقابية ضدها. وحتى مع دعم الحلفاء الرئيسيين، فإنّ التأثير التراكمى للرأى العام السلبى، والتحديات القانونية، والتوبيخ الدبلوماسى من شأنه أن يعمل على تهميش «إسرائيل» بشكل متزايد على الساحة العالمية.
إنّ «إسرائيل» غير الليبرالية سوف تظل تتلقى الدعم الاقتصادى من عدد قليل من البلدان، بما فى ذلك الولايات المتحدة، ولكنها سوف تكون معزولة سياسيًا ودبلوماسيًا عن معظم بقية المجتمع العالمى، بما فى ذلك أغلب بلدان مجموعة الدول السبع. وسوف تتوقف هذه البلدان عن التنسيق معها فى المسائل الأمنية.
ومن المرجح أن ينتهى الأمر بـ«إسرائيل» إلى الاعتماد كليًا على الولايات المتحدة، وتصبح عُرضة للتحولات فى المشهد السياسى الأمريكى فى وقت يتساءل عدد متزايد من الأمريكيين عن دعم بلادهم غير المشروط للدولة اليهودية.
إنّ العقد الاجتماعى بين «الدولة» والمجتمع فى «إسرائيل» معلق حاليًا فى الميزان. وإذا ما تمكن نتنياهو وحلفاؤه من تحقيق أهدافهم، فإنّ الديمقراطية الإسرائيلية سوف تصبح جوفاء وإجرائية، مع تآكل الضوابط والتوازنات الليبرالية التقليدية بسرعة. وهذا من شأنه أن يضع البلاد على مسار غير مستدام من المرجح أن يؤدى إلى هروب رأس المال وهجرة الأدمغة، وتعميق التوترات الداخلية.
«إسرائيل» المنقسمة
ومع تزايد استبداد «إسرائيل»، فإنّ هذا التحول غير الليبرالى لن يخفى الشقوق المتزايدة داخل المجتمع الإسرائيلى، وسوف تفقد الدولة بشكل متزايد احتكارها الاستخدام المشروع للقوة، وقد تشتعل الانقسامات إلى حد الحرب الأهلية.
وتشمل العلامات الأخرى للتفتت الجارى بالفعل داخل جهاز الأمن الإسرائيلى نمو ميليشيات المستوطنين، المجموعات التى لم تكن الدولة راغبة فى قمعها، على الرغم من هجماتها العنيفة على الفلسطينيين.
وقد ينهار حكم القانون فى «إسرائيل»، وستعمل من دون سيادة القانون، بما يتفق مع الديمقراطية الجوفاء التى يفضلها اليمين المتطرف.
كما سيتحول الأمن إلى نظام مجزّأ بلا إشراف ولا قيادة موحّدة، مع تآكل احتكار الاستخدام المشروع للقوة. وسوف تزعم مجموعات مختلفة الحق فى العنف، بما فى ذلك ميليشيات المستوطنين المسلحين، والمدنيين الذين يتحالفون مع أقصى اليمين، وقوات الأمن القائمة.